كانت الكتب هي الوسيلة الاولى لتبادل الافكار بين الناس... مواقع التواصل الاجتماعي ليست مبوبة ولامنضبطة، وستميت لدى الاجيال المستقبلية القدرة على التأمل، وهذا الاخير هو جوهرة الابداع، ومن ثم فاذا استمرت هذه المواقع مستحوذة على اهتمام الناس سنشهد تراجعا أكبر في مجالات الثقافة والفكر، وأنماط التكفير...
كيف تنظر الى مستقبل الثقافة والفكر في ظل هيمنة شبكات التواصل الاجتماعي؟
عباس سرحان: منصات للأفكار السطحية
لايمكن وصف مواقع التواصل الاجتماعي الا "منصات للأفكار السطحية السريعة" فهي لاتعطي غالبا آراءا عميقة إنما تعتمد بدرجة اساسية على الاضاءات والفلاشات العابرة، وينشدّ متصفحوها الى الدردشات أكثر من إنشدادهم للقراءة الواعية الصبورة المليئة بالعبر.
بهذه الطريقة من التعبير والإطلاع لم يعد للكاتب الناشط على هذه المواقع نَفَسَه الطويل في عرض آرائه، إما لأنه انساق وراء الايقاع السريع لمواقع التواصل الاجتماعي، او لأنه بات يراعي طبيعة القراء في هذه المواقع، ممن يميلون الى اقتطاف الافكار السريعة.
واللافت ان حشدا كبيرا من الناس حول العالم بات مشدودا بشكل غير مسبوق لتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، ويستغرق هذا الحشد معظم وقته متنقلا بينها وهي لاتسمح غالبا للناشر بأكثر من 200 كلمة.
ما يعني ان الكِتاب باعتباره الوسيلة الاقدم لتبادل الافكار بين الناس، قد فقد اهميته وصار الاطلاع عليه مقتصرا على شريحة صغيرة من الناس مقارنة بمن يهتمون بمواقع التواصل الاجتماعي، اذا استثنينا الطلبة باعتبارهم مجبرين على التعاطي مع الكتاب اكاديميا.
اذن والحال هذه، لايمكن انكار التحول الكبير في طريقة التفكير وانماط الكتابة التي احدثتها مواقع التواصل الاجتماعي، لكن هذا التحول ليس ايجابيا للأسف، فهي تنشيء بشكل تدريجي اجيالا تميل الى الجدل اكثر من ميلها الى التمعن بالافكار ومناقشتها بهدوء كما كان الحال حين كانت الكتب هي الوسيلة الاولى لتبادل الافكار بين الناس.
ببساطة ان مواقع التواصل الاجتماعي ليست مبوبة ولامنضبطة، وستميت لدى الاجيال المستقبلية القدرة على التأمل، وهذا الاخير هو جوهرة الابداع، ومن ثم فاذا استمرت هذه المواقع مستحوذة على اهتمام الناس سنشهد تراجعا أكبر في مجالات الثقافة والفكر، وأنماط التكفير.
الدكتور سعدي الابراهيم: توقف العقول وموت الأيديولوجيا
تؤثر شبكات التواصل الاجتماعي على مستقبل الثقافة والفكر على النحو الآتي:
أولا - أثر وسائل التواصل الاجتماعي على الثقافة:
1- تستطيح الثقافة بحيث يمتلك كل فرد معلومات طفيفة عن الموضوعات والظواهر المهمة وذلك بسبب كثرة عرض المعلومات التي تقلل من تركيزه على مادة معينة.
2- ذوبان الثقافات المحلية وسط بحر الثقافات العالمي، وبالتالي غلبة الثقافة الغربية المستوردة. وتحول الثقافات المحلية إلى مجرد شعارات وقشور.
3- الاغتراب.. وهي الحالة التي يشعر بها الفرد انه غريب وسط العالم.. ثقافته المحلية قديمة وعاجزة عن مسايرة التطور.. والثقافة المستوردة مستعجلة وليس من السهولة تطبيقها في مجتمعه.. وهنا قد تنشأ الحركات المتطرفة التي تريد أن تتمسك بقيمها وتحارب الفكر المستورد لكنها تفشل في النهاية.
4- عجز وسائل التنشئة والتعليم القديمة.. ونكوصها أمام قوة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تشكل 85% من ثقافة الطلبة.
5- تراجع مكانة الأب وآلام ومقدرتهم على التربية.. بسبب فقدان السيادة على العائلة (الاولاد) التي اصبحت تربى من قبل وسائل التواصل الاجتماعي.. مع وجود استثناءات قليلة جدا.
ثانيا - أثر وسائل التواصل الاجتماعي على الفكر:
1- ان كثرة الأفكار المطروحة.. تجعل قيمة الأفكار الجديدة معدومة.. بمعنى أن الفرد لا يجد حاجة للتفكير ما دام كل شيء قد تم طرحه.
2- الانطباع أعلاه يعطي فرصة سانحة للدول المصدرة للعولمة... ان تبث أفكارها في عقول متوقفة.. وهي عقول البلدان غير المتقدمة.
3- موت الأيديولوجيا.. فلم يعد بالإمكان أن ينقسم العالم الى شقين: شيوعية ورأسمالية أو حر وغير حر.. لأن الأفكار قد تلاقحت واختلطت وباتت العقول الإنسانية متقاربة اذا ما قلنا موحدة لكنها تختلف من حيث ظروف الحياة.
4- الهوس الفكري والضجيج، قد يدفع العالم للعودة إلى الأديان.. لا حبا بها بل بحثا عن الراحة النفسية التي توفرها.. كونها ثابتة نسبيا وتضع حلول لمشاكل الحياة وليس فيها منة من أحد على اعتبار أنها من السماء.
5- هذه الجلبة الفكرية والتطاحن الفكري العالمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد يؤدي الى ولادة فكرة عظمى في النهاية... فكرة هي حاصل جمع تلاقي وتلاقح عقول البشر في العالم الافتراضي.
6- لولا أن محمد ص هو آخر الأنبياء... لقلنا أن الانسانية تحتاج إلى نبي الكتروني... فمثلما جاء عيسى ليفحم السحرة.. وجاء محمد ص بالاعجاز اللغوي.. تحتاج البشرية إلى نبي يأتي بالاعجاز الإلكتروني...
الدكتور حسن السوادني: التمييز بين عالمين
اجدني متفائلا كثيرا بمستقبل الثقافة والفكر في ظل ما اسميته (هيمنة الوسائط الاجتماعية) ومرد هذا التفاؤل هو ما يصطلح عليه في الغرب (Proliferation) او الانتشارية التي تحقق للمنتج الثقافي الوصول الى ملايين المشتركين حتى من غير المتابعين وهو ما يثير الفضول (Curiosity) لدى الكثير منهم. غير اننا هنا لابد من التمييز بين عالمين يختلفان في التلقي اولهما راسخ وله تقاليد قديمة في المتابعة (الغرب) والثاني لديه فوضى في التلقي لم ترسخها التقاليد المجتمعية (الشرق)، والدليل ان السويد مثلا وبقية الدول الاسكندنافية توزع اجهزة iPad على جميع المراحل الدراسية وتدخلهم دورات في صناعة البرامجيات وتقيم لهم المعارض النصف سنوية لإبراز انتاجاتهم، ولمتابعتي الخاصة لأولادي –على سبيل المثال- وجدت ان حصيلة معلوماتهم الثقافية والفكرية لا تتناسب ومراحلهم العمرية!! هناك تقدم ملحوظ جدا في حجم تداول المعلومات لديهم ومتابعاتهم الفنية والثقافية، هذا التحول لديهم جاء وفق تراتبية بين البيت والمدرسة تستند الى اعطاء واجبات علمية وثقافية محددة تتابع من قبل المدرس الكترونيا ويتاح للأبوين متابعتها أيضا.
يمكن ان نستخلص من التجربة كلها انها تخضع للتنظيم وكيفية الاستخدام وهو ما متوفر هنا ومفقود هناك.
محمود جابر: كيف نحسن استخدام هذه الوسائل
أعتقد أن مراكز الثقافة والفكر كانت لديها هاجس التواصل والتفاعل مع قطاعات متعددة من الجمهور المتفاعل مع القضايا المطروحة بسبب الانشغال أو بعد المسافة أو ظروف العمل إلى غير ذلك من الأسباب، وأعتقد أن وسائل التواصل غيرت من وضعية الجمهور والتفاعل وباتت هذه القضية أوسع من الجغرافيا التي يعمل من خلالها قادة الفكر والرأي فقط ما علينا إلا أن ننظر للجانب الإيجابي لتلك الشبكات وتعظيمه والاستفادة منه وتوجيهه إلى الاتجاه الصحيح.
لأن أي وسيلة إعلامية لها ألف ألف استخدام ولا يتوقف استخدامها على جانب واحد منذ أن عرف الإنسان لغة التواصل ووسائله، وكل جماعة توظف تلك الوسائل حسب أغراضها وأهدافها ومن ينجح في الاستفادة القصوى لوسائله يحقق هدفه بقدر من السهولة واليسر، فأعتقد مهما كان من دافع لمن ابتكر هذه الوسيلة أو غيرها ان لا نتوقف في الجوانب السلبية.
ولكن علينا أن ننظر لها من نصف الكوب الآخر فلم تعد الحكومات المستبدة أو الظالمة تستطيع أن تخفي وتخطف وتعتقل معارضين أو منافسين دون أن يعرف الرأي العام وتقدر على اسكاته، ولم يعد قضية مجتمع ما حكرا على أهل تلك المحلة لكن هذه الوسائل جعلت صاحب القضية قادر على مخاطبة جمهور بعشرات الملايين سيتفاعل معه إن أحسن عرض قضيته أو هدفه أو مظلوميته، كل ما علينا أن نتعلمه كيف نحسن استخدام هذه الوسائل في الهدف المرجو كعمل تقني واحترافي.
الدكتور جاسم محمد الشيخ زيني: التكفير والامركة
بالتأكيد مسائل كثيرة منها الثقافة والفكر تتعرض إلى اختبار حقيقي وعلى المحك في ظل سعي بعض الدول الاسلامية إلى تقديم أنموذج بائس للثقافة والفكر. أنموذج التكفير السلفي والتطرف والالغاء... ومحاولة الجهات القائمة على شبكات التواصل استغلال وإشاعة هكذا أنموذج سلبي.
الدولة الإمبراطورية الأمريكية من جهتها تحاول جعل أنموذج الثقافة الأمريكية، وانموذج الفكر الأمريكي البرغماتي هما الأساس للمجتمع العالمي في إطار بناءه وعلاقاته الداخلية والخارجية... أي الامركة...
حامد عبد الحسين الجبوري: بين الاستقلال والانغماس
هناك ثلاثة مستويات:
الأول، وهو الاقل حجم والأكثر فكرا وثقافة وسيبقى محافظاً على وضعه وربما يزداد تألقاً من وسائل التواصل الاجتماعي.
الثاني، وهو اقل من المستوى الاول ثقافياً ولكنة الاكثر حجماً وسيبقى متأرجحاً بين المستوى الاول والتزود منه والانخراط مع المستوى الثالث والاندماج معه، لكنه بشكل عام هذا المستوى متجه نحو الأعلى على الرغم من حثيث سيره.
الثالث، وهو الأعم الشائع المنغمس مع شبكات التواصل الاجتماعي ويسير مع كل ما يطرح لكنه من دون تأمل وتفحص ويمكن القول عنه انه "يسير مع الهواء" وهو بشكل عام لا يبشر بخير ومتجه نحو الأسفل مع شديد الأسف.
اضف تعليق