q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

عليكم مجاراة العصر بالعمل وليس بالأماني

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

يواجه المسلمون في عموم العالم، أوضاعا صعبة في الاقتصاد وسبل العيش الأخرى، على الرغم من توافر أسباب النجاح والرفاهية في بلدانهم، فقد وهبهم الله كثيرا من الثروات والقدرات والموارد البشرية والطبيعية، ولو أنهم بادروا وخططوا لاستثمارها بالطرق العلمية العملية السليمة، وواكبوا مستجدات العصر كما ينبغي، لكانوا في موقع أفضل بكثير من موقعهم الحالي، ولكانت حياتهم أفضل بكثير عما هي عليه الآن من تأخّر وتناحر وتردّي!.

من هنا نلاحظ الطرف النقيض من المسلمين يتصدرون قيادة العالم، ويحتلون المراكز العليا للتقدم، وتعيش شعوبهم في بحبوحة، بسبب وفرة الموارد والاموال واسباب الرفاهية، لسبب واضح، أنهم خططوا بعلمية ووضوح، واعتمدوا الوقائع، وبادروا بالعمل والانتاج الفعلي، وحصلوا على الموارد من مصدر حقيقي صنعوه بأيديهم وعقولهم وارادتهم، فيما بقي المسلمون يصنعون عوالمهم وآمالهم من خلال الوهم، واعتماد الأماني فحسب.

فلا عملا حقيقيا لديهم، ولا تخطيطا، ولا مبادرة نحو الاستفادة الكلية الصحيحة من مواردهم وما يملكونه من أسباب كثيرة للتقدم والتطور، فكان اسلوبهم هو التهرب من العمل، وعدم التخطيط، والبقاء في حيز الأمنيات، وصولا الى النتائج المخيبة، لذا ظلوا يراوحون في أماكنهم من دون خطوة الى الأمام، في حين يتقدم الطرف الآخر في كل لحظة الى أمام.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيم الموسوم بـ (لنبدأ من جديد)، حول هذا الموضوع: (إن أعداء المسلمين في أعلى مراكز القوة، وإن المسلمين في أحط مراكز الضعف، فهل يمكن ـ والحال هذه ـ أن يرتفع المسلمون إلى مستواهم، ويتفوقوا عليهم بمجرد الأماني؟).

وينتقد الامام الشيرازي الواقع الذي بقي في حالة تراجع او سكون، في حين واصل الآخرون تقدمهم وإصرارهم على تحقيق الجديد، في ميادين العلم والمعرفة والاقتصاد والسياسة ومجالات الحياة كافة، وهذا يدل على أنهم يمتلكون مقومات الحياة كلها او معظمها، في حين يفتقر المسلمون لجميع هذه المقومات، الأمر الذي جعلهم في حالة تراجع مستمر، او البقاء بحالة سكون في أفضل الأحوال.

كما نلاحظ ذلك في قول الامام الشيرازي: (إن الأولين يملكون الحياة ـ الكثير منها ـ والمسلمين لا يملكون أيّ مقوّم للحياة، فهل ـ والحال هذه ـ يمكن تقدم المسلمين؟).

خطأ التركيز المظهري

مما تقدم من ملاحظات، لابد من تحليل الواقع بصورة جذرية ودقيقة، والسعي العلمي لمعرفة الأسباب التي تكمن وراء تأخر المسلمين، وتحديدها بقوة، ومن ثم الشروع بوضع الخطط اللازمة لمعالجة هذه الأوضاع الخطيرة والمتراكمة منذ قرون طويلة، والجدير بالذكر أن هذه الملاحظات والأفكار التي يطرحها الامام الشيرازي ليست وليدة اليوم، بل جاءت قبل عقود، وهي دعوة مبكرة للنخب الموجودة في الامة الاسلامية، لكي تتخذ ما يلزم من اجراءات عملية علمية، تضع حدا لتدهور المسلمين وواقعهم المستمر بالهبوط والتراجع.

إن ثمة الكثير من العلل التي تفتك بواقع المسلمين بالأمس واليوم ايضا، وتزيده ضبابية وعتمة، وتجعله اكثر جهلا ورتابة، ويؤكد المتابعون من المعنيين والعلماء وقادة النخب والمفكرين أن هناك أسبابا كثيرة وراء هذه المشكلات والعقبات التي يعاني منها العالم الاسلامي، وعندما يتم حل بعض المشكلات فهذا لا يكفي لكي ينهض المسلمون، فالواقع المرير وتعقيده وامتلائه بالفوضى يجعل معالجته غير ممكن بهذه الطريقة.

لذلك يقول الامام الشيرازي في الكتاب المذكور نفسه، حول هذا الجانب تحديدا: (إن المسلمين انهزموا لألف علة وعلة، فإذا افترضنا أننا تغلّبنا على بعض العلل فهل يكفي ذلك لتطوير المسلمين ولنهضتهم؟).

وثمة مشكلة أكبر تعيق المسلمين على اللحاق بركب العالم المتقدم، يتمثل في طريقة التفكير وطبيعة المعالجات، ومن ثم طبيعة السلوك الفردي والجماعي القائم على الوهم واللامبالاة وزرع الامنيات العظيمة في مساحات الخيال الواسعة، ولكن عندما نأتي الى عالم الحقيقة والواقع، لانج شيئا قد تحقق من تلك الأوهام والتمنيات الفارغة، وهذا في الحقيقة مرض خطير يضرب المجتمع، ويفتك في نسيجه.

يقول علماء النفس حول هذا السلوك انه يمثل حالة من الوهن الفكري والسلوكي الذي يسيطر على المجتمعات المتكاسلة، فبدلا من التخطيط الجاد والعمل المستمر القائم على الصبر، نلاحظ هروبا جماعيا من المسؤولية وغلق ابواب العمل بصورة شبه تامة، فتبقى الامنيات بلا جدوى، وتبقى الاحلام احلاما لا علاقة لها بالحقيقة ولا الواقع، هذا هو حال المسلمين الآن.

كما يؤكدها الامام الشيرازي قائلا في هذا المجال: (هناك مسلمون يظنون أنّ الأماني كافية لإنهاضهم، ولذا لا يكدحون إلاّ لأجل ثوب يلبسونه أو طعام يأكلونه أو …، ولكن هل الأماني تكفي؟.. كلا).

يتحقق التقدم بتوفير الأسباب

إن التخبط في عدم معرفة الأسباب التي تقف وراء تأخر المسلمين، هو واحد من أهم العوامل التي أسهمت في تأخرهم، كذلك عدم الدقة في التشخيص قادت المعنيين الى حالة من التيه والضياع وعدم معرفة طبيعة المعالجات المطلوبة، لأن السبب نفسه غير واضح، فالعلاج يحتاج الى تحديد نوع المرض، واذا حدثت فوضى وتشابكا في التشخيص فإن تحديد العلاج سوف يكون شبه مستحيل، وهذا بالضبط ما ينطبق على وضع المسلمين في العصر الراهن.

والسؤال هنا، هل هناك سبب واضح لتأخر المسلمين، أم هي عدة أسباب مختلفة، واذا كانت اكثر من سبب فما هي، وما طبيعتها، ثم من الذي يكتشفها ويحددها، واذا حدث ذلك بعد جهود عملاقة، من يمتلك قدرة المعالجة، بمعنى لنفترض أننا توصلنا الى أسباب تراجع المسلمين وحددناها، تُرى من هذا الذي يمتلك القدرة على المعالجة الصحيحة؟؟.

يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد: (لقد واجهت أناساً ينسبون تأخر المسلمين إلى عدم الاتحاد.. وآخرين ينسبونه إلى عدم توفر القدر الكافي من رجال العلم. وآخرين ينسبونه إلى عدم النظام ..وآخرين ينسبونه إلى عدم وجود القيادة الصحيحة..وآخرين.. وآخرين.. فهل أن الأسباب منحصرة في أحد هذه الأمور أم بجميعها، أم هناك أسباب أخرى؟).

لابد أن تكون هناك أسباب أخرى ينبغي تأشيرها وتحديدها، وسبر أغوارها بدقة، لأن المعرفة المسبقة هي التي تقود الى الإجراء الصحيح، ومع ذلك يبقى التساؤل قائما، هل نمتلك القدرة على المعالجة الدقيقة بعد معرفة الاسباب؟؟.

وهذا التساؤل يطرحه ايضا سماحة الامام الشيرازي عندما يقول في كتابه نفسه: (هِبْ أنّنا وحّدنا الجهود، ووفرنا القدر الكافي من أهل العلم، ونظمنا شؤوننا، وسلّمنا الأمر إلى قائد حكيم، ثم لم يكن لنا علم بالحياة، ولم تتوفر لنا الأسلحة الكافية، فهل ننجح؟).

ونحن ايضا نتساءل بدورنا، هل يمكن معالجة الأخطاء والنواقص التي تملأ واقعنا بعيدا عن العلم؟، إن هذا الرأي لا يقترب من الواقع مطلقا، فكيف يمكن معالجة التخلف من دون العلم والمعرفة والثقافة والفكر؟، إن الجميع يقر بأن النهوض مرة أخرى يتوقف على مدى التعامل الصحيح مع الفكر والعلم والثقافة والمعرفة، لذلك ترتبط المعالجات الدقيقة والصحيحة لواقع المسلمين المتأخر، بالتزام مقومات الرقي والتقدم. كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله الواضح: (لا يمكن تحقيق التقدم إلا إذا أخذنا بسائر أسباب الحياة، وسائر مقومات الرقي والتقدم).

اضف تعليق