الأخلاق هي المرتكز الأعظم للنجاح، سواءً بالنسبة للفرد أو المجتمع، فإذا تمسكنا بالأخلاق تنفتح لنا دروب التفوق والتميّز، ونتصدر بإنجازاتنا جميع الأمم الأخرى، ولذلك ركزت الأمم الناجحة على حُسن الأخلاق وأهمية التمسّك بها، بل والتعامل معها كتوأم لا يجوز التفريط به...
(حُسن الخُلق يلزم أن يكون في أذهاننا دائماً ونلتزم به في جميع الأحوال)
الإمام الشيرازي
الأخلاق هي المرتكز الأعظم للنجاح، سواءً بالنسبة للفرد أو المجتمع، فإذا تمسكنا بالأخلاق تنفتح لنا دروب التفوق والتميّز، ونتصدر بإنجازاتنا جميع الأمم الأخرى، ولذلك ركزت الأمم الناجحة على حُسن الأخلاق وأهمية التمسّك بها، بل والتعامل معها كتوأم لا يجوز التفريط به، وهذا هو السبب الذي جعل الرسول صلى الله عليه وآله يقول (إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مَكارمَ الأخلاقِ).
أما لماذا هذا الإصرار على الأخلاق الحسنة في تعاملنا مع الآخرين، فإن من طبيعة الناس التعامل مع الآخرين بمثل ما يتعاملون معهم، بمعنى لو أنك أحسنت التصرّف مع الناس سوف يتعاملون معك بالمثل، أما إذا أسأت لهم فعلك أن تتلقى إساءاتهم لك، فهل جئنا إلى هذه الحياة لكي نتلقى إساءات الآخرين لنا أم العكس؟
بالطبع لا أحد يريد أن يُساء له من الناس، ولا يتقبّل ذلك، فكرامة الإنسان غالية ومهمة بل ومصيرية بالنسبة له، لهذا يسعى بكل ما يتمكن أن يصون كرامته من الانتهاك، وهذا يوجب عليه شرطا في غاية الأهمية وهو أن يسيء للناس وأن يتعامل معهم بأخلاق توصف بالحسنة، وإذا درَّب الإنسان نفسه على هذا النوع من الأخلاق، وردع نفسه وروضها وعلّمها أن تتعامل مع الآخرين بحُسن الأخلاق، فإنه سوف يصون كرامته ويحقق علاقة متوازنة في المجتمع.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم (القطوف الدانية/ الجزء الرابع):
(كيفما تتعامل مع الآخرين يتعامل الناس معك أيضاً، فإذا ساءت أخلاقك مع الناس ساءت أخلاقهم معك، وإذا حسنت أخلاقك مع الناس حسنت أخلاقهم معك، وإذا عاملتهم بسوء عاملوك بسوء، وإذا عاملتهم بلطف عاملوك بلطف أيضاً).
الأمر الأكيد أن كل فرد يسيء للناس سوف يتلقى إساءاتهم، وهنا سوف يكون الخاسر الأكبر، فيكون معزولا، تتجنبه الناس ولا تتعامل معه، حتى رزقه سوف يكون شحيحا، كما أنه لن يتلقى الاحترام ولا السلام ممن يعيش بينهم، وقد تضطره هذه العزلة من قبل الآخرين، إلى مغادرة هذه الحاضنة التي تعزله وتتجنب التعامل معه والسبب هو سوء أخلاقه.
ما جزاء سوء الأخلاق؟
وهذا يعني أنه يتلقى العقاب في دنياه لأنه لا يمتلك حسن التعامل مع الآخرين، فالعقاب أمر وارد لمن يسيء إلى الناس ويلحق بهم الضرر النفسي والمعنوي أو المادي، كذلك يمكن أن يتلقّى العقاب من أفراد عائلته نفسها، فربما يسيء له ابنه أو زوجته، أو أخوه وهذا عقاب دنيوي شديد، فما أقسى الحياة حين تعيشها منبوذا حتى من أقرب الناس إليك؟
يقول الإمام الشيرازي حول هذه النقطة:
(إذا كان الإنسان سيئ الأخلاق في وقت ما فسينال جزاءه في الدنيا، ويتعرض هو أيضاً لمعاملة سيئة، فقد يكون ابنه لا سمح اللّه سيئ الأخلاق مثلاً، أو يكون أخوه أو أخته لا سمح اللّه ولا قدر سيئي الأخلاق).
ولذلك على كل إنسان أن يعي هذه النتيجة الطبيعية، ونقصد بها ذلك الجزاء المماثل الذي يُجزى به، فإن أحسنَ للآخرين قابلوه بالمثل، وفي هذه الحالة سوف يكسب الكثير، حيث يكون مقرّبا منهم، ويحسنون إليه، ويدعمونه إذا اعترضته مشاكل الحياة وهي كثيرة لا يقوى على مواجهتها وحيدا.
لهذا يكون الإنسان ملزما بالتعامل الحسن مع الناس الذين يقاسمونه الحاضنة الاجتماعية أو العملية، لأنه من المحال أن يحقق قدرته على العيش في وسط ينبذه لأنه سيّئ الخُلُق، وهذا يعني أن جودة حياته وتوازنها يرتبط ارتباطا وثيقا مع حُسن الأخلاق وجودة التعامل مع من يشاركه في الحواضن الاجتماعية والعملية بمختلف أنواعها.
لهذا يحذّر الإمام الشيرازي قائلا:
إن (كل ما تعمل سوف تُجزى بمثله. فإذا أحسنت فسترى الإحسان وإذا أسأت فسترى ما يسيء لك).
لا تختص قضية حُسن الأخلاق بشخص دون غيره، ولا بالرجل دون المرأة، الجميع سواسية في هذا المجال، سواء بالنسبة للرجل أو المرأة، بل تحتاج المرأة إى هذا الشرط أكثر من غيرها كونها تعيش في مجتمع لا يمنحها مساحة التجاوز على الآخرين، ويطالبا بأن تكون حسنة الأخلاق وهي تتحرك في المجتمع، لأن الإسلام أجاز لها الحركة والنشاط في المجال الملائم لها، لذا عليها أن تحمي هذه الإجازة بحسن الأخلاق.
حتى لو تعرّضت المرأة للتجاوز من زوجها أو الأب والأخ وغيرهما، فالمطلوب منها أن تتمسك بحسن الأخلاق والتعامل، كونها النموذج التربوي الكبير الذي يتعلم منه أفراد العائلة، الابن والبنت، عادة يتعلمان من الأم، لأنها كما قال عنها الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها..... أعددتَ شعبا طيب الأعراقِ.
مخرجات الأخلاق الحسنة ونقيضها
وهكذا فإن حُسن الأخلاق لا يختص بالرجل وحده، بل طالما إن المرأة مثالا لأفراد عائلتها، فإنها ملزمة بمراعاة الأخلاق في القول والسلوك والتعامل، ولهذا نلاحظ أن العائلة التي تحظى بامرأة خلوقة متأنية معتدلة ذكية، تكون منتِجة لأفراد خلوقين متميزين ناجحين في المجتمع، وهذا يؤكد دور المرأة ذات الأخلاق العالية في صنع المجتمع الراقي.
من هنا يقول الإمام الشيرازي:
(إن الإنسان يجب عليه أن يكون دائماً وفي كل الأحوال حسن الأخلاق، وأن لا يكون سيئ الأخلاق حتى إذا أساء إليه شخص آخر، فالمرأة لا سمح اللّه ولا قدر إذا أساء إليها زوجها، أو أبوها، أو أخوها، أو أختها، أو ابنها، أو جارتها، فيجب عليها في مقابل ذلك أن تكون حسنة الأخلاق).
لهذا تكون عواقب الأخلاق ونقيضها كبيرة جدا توازي الدور الأخلاقي في المجتمع، من هنا نحن جميعا علينا مراعاة العواقب التي نحصل عليها من تمسكنا بالأخلاق، أو رفضها لأي سبب كان، فإذا جعلنا الأخلاق توأما لنا، تكون العواقب مختلفة، حين نقصى الأخلاق جانبا وتأخذنا مغريات الدنيا وتبعدنا عن الأخلاق صوب المكاسب الزائلة.
فالمعروف عن الشخص الذي لا يتحلى بالأخلاق، لا يفرّق بين الحلال والحرام، ولا يتردد في السير بطريق الكسب الحرام، فالمهم عنده كيف يكسب بغض النظر إن كان هذا الكسب مشروعا أو مرفوضا، وكأنه يستخدم سياسة (الغاية تبرر الوسيلة)، لأن المهم عنده وصوله إلى المكسب (الغاية) أما كيف يصل إلى ذلك، ليس مهمّا، إنما المهم لديه أن يكسب، لهذا يكون عقابه بمستوى هذا الأسلوب المسيء.
فمن يتعامل بحسن الأخلاق يكون جزاءه الجنة في الدار الأخرى، والنجاح في الدار الأولى، ومن يتعامل مع الآخرين بعيدا عن الأخلاق ستكون النار جزاءه، وفي الدنيا عاقبته الفشل حتما، هذا هو الفرق الكبير بين من يتمسك بالأخلاق توءما له، وبين من لا يعير أي اهتمام لحسن الأخلاق في حياته.
الإمام الشيرازي يوضّح هذه النقطة في قوله:
(إن عاقبة الخلق الحسن الجنة وعاقبة الخلق السيئ النار، كما ورد في الحديث الشريف عن رسول اللّه|: «عليكم بحسن الخلق فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة، وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق في النار لا محالة).
خلاصة القول، لابد أن يعي كل إنسان مخرجات الأخلاق الحسنة والعواقب الجيدة التي تفضي إليها، كذلك عليه أن يفهم ويعرف إلى أين تمضي به الإساءات، فليس معقولا أن تتساوى عواق حسن الأخلاق مع السلوكيات والتصرفات السيئة للبشر، كلاهما على مفترقيْ طرق، حسن الأخلاق يأخذ به إلى الجنة، وسوء الأخلاق يأخذه إلى نقيضها.



اضف تعليق