نحن في هذا الايام المباركة نعيش الولادة المباركة للإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، وعلينا في هذه المناسبة، أن نحقق المعرفة التامة بالإمام، وأن نسعى كل السعي لنقلها بإخلاص تام إلى الذين لم يتعرفوا بشكل كامل بسيرة الإمام، وعلينا لكي نكون من الفائزين المنتصرين للإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)...
(على الإنسان أولاً أن يعرف إمام زمانه، ويزداد معرفة به يوماً بعد يوم)
الإمام الشيرازي
لغيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) اسبابها التي سوَّغت هذا الغياب، وجعلته في إطار الحتمية التي أوجبت حماية الإمام من المخاطر التي كانت تتهدد حياته، ولذا كان لابد من حدوث الغيبة، التي ذكرها جده رسول الله صلى الله عليه وآله، وجاء فيها أن المؤمنين الموالين للإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) سوف يُمتحَنون بهذه الغيبة، وبما يجري لهم من أحداث وفتن تضطرب فيها حياتهم.
هذه الأحداث والمخاطر والفتن تعرض لها الموالون، نتيجة لغياب إمامهم الحجة المنتظر (عجل الله فرجه)، وهو أمر كان متوقعا، في ظل الحكومات القمعية للعباسيين، حيث كان خوفهم على عروشهم من تأثير الإمام المهدي كبيرا، لهذا أرادوا القضاء عليه بكل صورة وبكل طريقة، إلا أن الإرادة الإلهية شاءت غير ذلك فبدأ عصر الغيبة، وبدأ معه الامتحان العسير لأنصار وموالي الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف).
يرد ذلك في كتاب (الأئمة المعصومون/ الإمام الرابع عشر/ الإمام المهدي المنتظّر)، للإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) حيث يؤكد بأن:
(رسول الله صلى الله عليه وآله، وأهل البيت عليهم السلام أشاروا في أخبارهم الشريفة إلى طول غيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وأن المؤمنين سيمتحَنون بذلك، كما أشاروا إلى تلاطم الفتن بهم وشدة ما يجري عليهم من محن وصعاب جراء فقدهم إمام زمانهم عجل الله فرجه الشريف).
وكانت الأحاديث تدور عن أسباب هذه الغيبة، لاسيما أنها حدث في وقت مبكر من حياة الإمام الحجة حيث كان عمره خمس سنوات، وكان لابد من الغيبة حماية للإمام من أعدائه في الحكومة العباسية التي كانت تخشى على سلطتها وتسعى لحماية عرشها، في ظل سياسات الظلم والقمع التي كانت تمارسها على الناس.
الأئمة المعصومون يناهضون الحكومات المستبدة
فكان الأئمة المعصومون يشكلون مصدر تهديد للحكومات القمعية الظالمة، فتقوم هذه الحكومات بزرع العيون بالقرب من الأئمة لتراقبهم عن قرب، وترصد نشاطاتهم المناوئة لهذه الأنظمة المستبدة، وكان الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه) مرصودا من الحكومة القمعة الظالمة، والخطر الذي يتهدّد حياته كان كبيرا وجدّيا، لدرجة أنهم هجموا عليه وأرادوا قتله.
يقول الإمام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه:
(هناك أكثر من حكمة في غيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، منها: إن الأعداء هجموا على الإمام وأرادوا قتله، وبالغيبة حفظ الله وليه. ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لابد للغلام من غيبة. فقيل له: ولم يا رسول الله؟!. قال: يخاف القتل).
أما الخطوة التي قام بها الإمام المنتظر (عجل الله فرجه) فهي لم تكن عن خوف مرتبط بالجبن وإنما الارتباط كان بالحذر وحماية النفس ومصلحة المسلمين، لأن الإمام هو الامتداد الخالد لدوحة الشجاعة النبوية المحمدية المعروفة للقاصي والداني، فجاءت الغيبة لحماية الإمام من غدر الحكومة العباسية الخائفة من التأثير القيادي للأئمة المعصومين (عليهم السلام)، لحشود الموالين والمؤيدين الذين سئموا سياسة القمع والاضطهاد العباسي.
لذا فإن غياب الإمام الحجة ليس خوفا وإنما حماية للنفس ولمصالح المسلمين الموالين، حيث يقول الإمام الشيرازي في هذا الخصوص:
(بالطبع خوفه (عجل الله فرجه) خوف تحذّر لا جبن، وإلاّ فهو أشجع الناس، ومن أهل بيت الشجاعة الذين شهد لهم التاريخ بالشجاعة والبطولة).
وبالإضافة إلى قضية الحماية من الأعداء الغادرين، أراد الله تعالى بهذه الغيبة للإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) أن يمتحن المؤمنين ويميزهم بعضهم عن بعض، ويفرز الصادقين الموالين المتمسكين، عن أولئك المرائين الذين يُظهرون غير ما يبطنون، فيقولون شيئا ويفعلون عكسه تماما.
فأراد تعالى بهذه الغيبة أن يضعهم في ظل الاختبار العسير، فيظهر الطيب من الخبيث، والمؤمن الصادق من المؤمن بالقول فقط وليس بالقلب، لذا حدثت غيبة الإمام (عجل الله فرجه، لكي يواجه الموالون والمؤمنون الامتحان الحقيقي في عصر الغيبة.
فكما نلاحظ اليوم، في واقع المسلمين، هنالك الكثير من المنتظرين للإمام، ومن الدعين لظهوره ساعة قبل أخرى، ولكن في نفس الوقت، هناك من لا يلتزم بما يريده الإمام الحجة (عجل الله فرجه)، حيث هناك مدّعون بأنهم موالون.
لكن هناك نقصا في أعمالهم الفعلية، لأن الإمام يراقب الموالين وجميع الناس، ويعرف بأفكارهم، ونيّاتهم، ويسمع كلامهم ويرى ما يفعلون، هؤلاء جميعا عليهم إصلاح أنفسهم بصورة صادقة حتى يرضى عليهم إمام زمانهم.
لذا من أسباب الغيبة أيضا، كما يؤكدها الإمام الشيرازي:
(كي يمتحن الله الخلق بغيبته ويمحصهم، ويميز المؤمنين من غيرهم، وليخرج ما في الأصلاب من طيب وخبيث، ومؤمن وكافر).
مهمة الثبات على الولاية
وبعد ذلك لابد من معرفة ما هي وظائف ومهام المؤمنين المنتمين للإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه)، فهناك وظائف تقع على عاتق الموالين، وعليهم تطبيقها والقيام بها على أفضل وجه، وعدم التردد في أدائها، لأنها تقع في لبّ الأمور التي يريد الإمام توافرها عند الموالين المؤيدين، فمطلوب منهم الدعاء بتعجيل الظهور، والثبات على الولاية.
وإبداء الحزن الواضح على غيبة الإمام (عجل الله فرجه الشريف)، وكذلك دفع الصدقات نيابة عن الإمام، فهذه الأمور تقع في جوهر المهام والوظائف التي يتوجب على المؤمنين القيام بها، بشكل دقيق ومتواصل دونما توقّف ولا تردد ولا تكاسل ولا انقطاع.
وهذا ما أكده الإمام الشيرازي في قوله:
(أما عن وظيفة الموالين في عهد الغيبة؟، فهي كما ذكرنا عدداً من الوظائف: منها انتظار الفرج، والدعاء لتعجيله، والثبات على الولاية، والحزن لغيبته والدعاء له، ودفع الصدقة عنه عجل الله فرجه).
ومن بين الوظائف العظيمة في عصر الغيبة، أن يعرف المؤمن إمام زمانه، وهذه القضية من أهم شروط القبول بالانتماء للإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) والدخول من ضمن الموالين المؤيدين لظهوره، وهه المعرفة ينبغي أن تكون بالغة الدقة، وليست معرفة سطحية، بل على المؤمن أن يتعمق كثيرا في معرفة إمامه بأقصى ما يستطيع.
وهل يتوقف الأمر على تحقيق هذه المعرفة فقط؟، كلا بالطبع، فبالإضافة إلى تحقيق هذه المعرفة بشكل وافٍ كافِ وكبير، يجب على صاحب المعرفة أن ينقلها إلى الآخرين بنفس الدقة التي حصل عليها وبلغها هو نفسه، فبالإضافة إلى تحقيق المعرفة، يجب توصيل هذه المعرفة بالإمام إلى من يحتاجها من الآخرين.
يقول الإمام الشيرازي:
(هناك وظائف أخرى في عصر الغيبة منها معرفة الحجة عجل الله فرجه: على الإنسان أولاً أن يعرف إمام زمانه، ويزداد معرفة به يوماً بعد يوم، ثم يعرّف الإمام للآخرين حتى يعتقدوا بولايته وإمامته عجل الله فرجه).
وأخيرا نحن في هذا الايام المباركة نعيش الولادة المباركة للإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، وعلينا في هذه المناسبة، أن نحقق المعرفة التامة بالإمام، وأن نسعى كل السعي لنقلها بإخلاص تام إلى الذين لم يتعرفوا بشكل كامل بسيرة الإمام، وعلينا لكي نكون من الفائزين المنتصرين للإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، أن نرفع أيدينا ونشرع قلوبنا بالدعاء للتعجيل بالظهور المبارك لكي ننعم بالعدالة والمساواة والرفاهية والعيش الرغيد.
اضف تعليق