q
فقد حثّ الإسلام على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإرشاد الجاهل، وتنبيه الغافل، والنصيحة لأئمة المسلمين، وكون الإنسان حراً إلا في الحرام، وإن الناس مسلّطون على أموالهم وأنفسهم، وهذه كلها من الحرية السياسية في الإسلام. ومن هذا يتبين ويتأكد حق الإنسان في المعارضة، فإن للإنسان حق معارضة الحكومة...

بحسب الفهم الشائع، فإن مِنَ الحرية السياسية أن لكل إنسان الحق في إبداء رأيه في وسائل الإعلام وإصدار الصحف والكتب، وتأسيس المحطات التلفزيونية والإذاعية وغيرها. وقد سبق الإسلام القوانين الوضعية في تأكيد هذا الحق أو هذه الحريات.

فقد حثّ الإسلام على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإرشاد الجاهل، وتنبيه الغافل، والنصيحة لأئمة المسلمين، وكون الإنسان حراً إلا في الحرام، وإن الناس مسلّطون على أموالهم وأنفسهم، وهذه كلها من الحرية السياسية في الإسلام. ومن هذا يتبين ويتأكد حق الإنسان في المعارضة، فإن للإنسان حق معارضة الحكومة/الدولة بالتظاهر أو الإضراب، وعلى الدولة أن تقابل المعارضين بكل لين ولطف.

يذكر مؤرخون أنه حصل في الكوفة في زمان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إضراب مضادّ مرة، ومظاهرة معارضة مرة أخرى فلم يزد الإمام (عليه السلام) إلا أنه أرسل اليهم الإمام الحسن (عليه السلام) لينصحهم حيث (كانوا على باطل)، فلما أبوا القبول، قرأ الإمام (عليه السلام) الآية: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نُوَلّهِ ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) (النساء: 115). واكتفى بذلك!

ومن الواضح، أن المتظاهرين ضد الإمام (عليه السلام) كانوا على باطل، وإن الإمام (عليه السلام) كان على حق، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (علي مع الحق والحق مع علي عليه السلام)(بحار الأنوار: ج30، ص332)، و(علي مع القرآن والقرآن مع علي)(بحار الأنوار: ج104، ص256). إلا أن الإمام (عليه السلام) لم يزد على تذكيرهم بحكم الله سبحانه وتعالى، فلما رآهم يتركون الحكم عامدين لم يمسهم بسوء، وإنما بيّن مصيرهم السيء في الآخرة.

في نفس السياق، كفل الإسلام حق التجمع والاجتماع ونحوهما، وحق تشكيل الجمعيات والمنظمات والأحزاب. كل ذلك مكفول في الإسلام، وقد سبق الإسلام القوانين الوضعية في ذلك، فقد جعل الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) المهاجرين والأنصار جماعتين، ويستفاد من أحاديث متعددة أنه كلما ضغطت عليه جماعة منهما كان يلتجئ إلى الجماعة الأخرى.

وروي أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال في قصة مشهورة: (لو سلك الناس وادياً وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار)(مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: ج10، ص32، دار الكتب العلمية ـ بيروت).

وفي حديث آخر أنه عند وفاته (صلّى الله عليه وآله) حينما لغط القوم عنده وكانوا من المهاجرين، وقال بعضهم (إن الرجل ليهجر)! واختلفوا قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (قوموا عني)(بحار الأنوار: ج22، ص474). فلما خرجوا، أمر (صلّى الله عليه وآله) بدعوة الأنصار للعودة، فجاؤوا وتكلم معهم بما أحب أن يوصي.

وفي رواية أن حزبين من الأنصار كانا يتراميان فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) أنا في الحزب الذي فيه ابن الأدرع (مستدرك الوسائل: ج14، ص799). بل يظهر من الروايات وجود المهاجرين والأنصار كحزبين حتى زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث أعطى (قرظة) وهو من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) راية الأنصار يوم صفين. إلى غير ذلك من الموارد المتوفرة في السيرة الطاهرة.

بل إن ذلك هو مقتضى القاعدة المشهورة عند الفقهاء المستنبطة من الآيات والروايات (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم)؛ يشمله قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (آل عمران: 104). وتشمله أيضاً بدلالة الاقتضاء الآية المباركة التي تقول: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) (التوبة: 122).

بالتالي، إذا رأيت الصحف تتكلم بحرية عن أي شأنٍ من الشؤون، وتنتقد من تشاء من الحكام والمسؤولين والأحزاب وذوي القوة والنفوذ، فاعلم أن الحرية تحكم البلاد. لا سبيل إلا أن نترك كل أفراد المجتمع أحراراً في كل شيءٍ إلا في الجرائم، وبعدها فلننظر كيف تتقدم الحياة وكيف تتنفس الشعوب الصعداء، فإن العمل للحياة لا يكون إلا بالحرية.

* من كتابات المرجع الديني المجدد الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي

اضف تعليق