الأساس في الإسلام بناء الانسان وكماله وقيمته وانسانيته، وفق مفهوم العمل الصالح، سواء كان هذا العمل معنوي او مادي، هو درجة وصوله الى الإخلاص والنزاهة في اتقان هذا العمل، فالعمل الصالح هو العمل الذي يحبه الله ورسوله، وهو العمل الذي يرفع، وهو كالبذرة التي تثمر الطيبات...
ان المجتمعات التي دأبت على ممارسة النقص وقلة الإخلاص وانعدام النزاهة في مسيرتها، واستبدال العمل الصالح بعمل طالح في كل مجالات الحياة هي مجتمعات متخلفة، مهما كان هذا العمل الذي تمارسه مهماً او مكلفاً، فهو عمل لا قيمة له ولا وزن، لأنه عمل ناقص وخالي من الجوهر الذي لا يكتمل الا بالإخلاص والنزاهة.
"ولذا قد يكون العمل الضئيل المخلص أرفع وأسمى من عمل جبار وكبير لأن الميزان في العمل ليس الكثرة أو الكبر بل الإخلاص هو المعيار الأساسي في العمل عند الله الحكيم، وبهذا يفتح الإسلام الطريق أمام أي فرد، مهما كانت إمكاناته وقدراته، على النفع الاجتماعي، والعمل المخلص النافع، للارتقاء إلى أسمى درجة في سلم النفس الإنسانية ومراحل كمالها".
هذا هو الأساس الذي حاول الإسلام بناء الانسان عليه، وان يكون كماله وقيمته وانسانيته، وفق مفهوم العمل الصالح، سواء كان هذا العمل معنوي او مادي، هو درجة وصوله الى الإخلاص والنزاهة في اتقان هذا العمل، فالعمل الصالح هو العمل الذي يحبه الله ورسوله، وهو العمل الذي يرفع، وهو كالبذرة التي تثمر الطيبات، وتنتشر بين المجتمع لتنموا وتتكاثر، بخلاف العمل السيء الذي لا ينتج ولا يثمر الا الخبائث.
وهنا تكمن لذه العمل الصالح في العمل والإنتاج كما يقول المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي: "عندما يفتح المجتمع صدره واسعاً للموعظة الحسنة، والكلمة الطيبة، لتنمو فيه بذور الإخلاص وتتكاثر، فسوف يجد نفسه، تلقائياً، وقد خطا خطواته الأولى نحو السعادة والتطور، والمخلصون، وحدهم، هم الذي يستشعرون المتعة واللذة حين يستمعون للمواعظ، وتراهم ينصتون إليها خاشعين، ولا يعدلون بها أي شيء آخر، فان العمل الخالص وإن قل إلا أنه ينمو ويثمر".
وقد يتبادر الى الذهن السؤال الذي يتكرر كلما تم التطرق الى مفاهيم الإسلام الحنيف وافكاره ودرجة الرقي التي يتعامل بها مع الانسان للوصول الى مرحلة الكمال والإنسانية والفطرة السليمة لديه، وهو إذا كان هذا هو الإسلام فلماذا يعاني المسلمون من التخلف؟ او ما هي أسباب تخلف المسلمين والحال ان الإسلام يحثهم على العمل الصالح والإخلاص والنزاهة؟
في البداية دعونا نتفق على ضرورة التفريق بين الإسلام كدين وقيمة عليا واسلوب حياة وبين المسلم بلا تطبيق او اتباع، فالأمر شبيه بالعمل الصالح الذي يعتمد على النزاهة والإخلاص والاتقان وبين العمل الطالح الذي لا قيمة له ولا وزن مهما علا وكلف، فالفرق في الجوهر وليس المظهر.
الامر الآخر، كما يراه الامام الشيرازي (رحمه الله): "من أهم الأسباب التي أوصلت المسلمين إلى هذه الحالة، هو ابتعادهم عن الدين ودخول العقائد المنحرفة الاستعمارية إلى اغلب البلدان الإسلامية، وانتشار التحلل الخلقي في وسط الشباب المسلم، إلى غير ذلك من الأسباب التي قد تكون علتها الأساسية الاستبداد والدكتاتورية السياسية التي رسمها الاستعمار لنا كنموذج للحكم والحكومة".
ولا ننسى ان حال المسلمين بهذا السوء في كل الأحوال، بل وصل المسلمون الى مصافي الرقي والتطور، وكانوا اسياد العالم في العلم والعمل، بعد ان ساروا على الطريق الصحيح واتبعوا الطريقة المثلى، وتكاتف المجتمع على اعتماد العمل الصالح والنزاهة والإخلاص في أي عمل يمكن ان يقدمه الانسان لنفسه او الآخرين، وبالتالي يمكن القول ان المجتمعات الاسلامية لن تتطور او تعود الى امجادها وحضارتها السابقة لتنافس باقي الأمم المتطور وتنعم بالاستقرار والسعادة الا بالعودة الى جذورها ومفاهيمها الإسلامية الحقيقية وهي الجوهر الذي يبنى عليه الانسان، وليس التمسك بالمظاهر والسطحية التي لا تلامس الأصل والمعنى الأهم للدين والأخلاق والإخلاص.
اما الطريق الى التغيير والانطلاق نحو الامام فيمكن ان يلخص في النقاط التالية:
1. الالتزام بالدين الإسلامي وقوانينه ومبانيه: "ولأجل العودة إلى روح التقدم والخروج من هذه الحالة المتخلفة علينا الرجوع إلى تعاليم الدين التي هي ثورة فكرية تقود الإنسان إلى الكمال والرقي في جميع ميادين الحياة المختلفة، فالمنقذ الوحيد الذي يغير سوء حالنا إلى أحسن حال هو الدين الإسلامي والالتزام الكامل بقوانينه ومبانيه".
2. المسؤولية وتحديد الهدف: فان السير بلا هدف ولا مسؤولية ولا اهتمام يعتبر مسيراً عشوائياً وتخبطاً لا يسمن ولا يغني من جوع، فلابد للمسلمين من اتباع أساليب جديدة عصرية تستمد قواعدها من القرآن الكريم وسنة النبي الأعظم (ص).
3. التخطيط والإخلاص والعلم: "إن المسلمين إذا لم يدخلوا ساحة المعركة بسلاح الإخلاص والإيمان والعلم ويعملوا وفق مخطط ومنهج مدروس فسوف لن يتمكنوا من النجاة من المخططات الاستعمارية التي لم ينفذها أعدائهم بعد".
4. مواكبة التطور ومتطلبات العصر: "يجب علينا أن نتعامل مع متطلبات العصر بحسب التقدم والتطور، لأننا لا يمكن أن نساوي بين أنوار الشمع التي كان يستخدمها الناس في القديم مع أنوار مصابيح الكهرباء في عصر التقدم والتطور هذا! ولا يمكن أن يستوي السفر بالطائرة مع السفر على ظهور الحيوانات؛ فإن ذلك غير معقول ونرى هذا المعنى في قوله جل وعلا: (وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلاَ الظُّلُمَاتُ وَلاَ النُّورُ)".
5: تأسيس التنظيمات الإسلامية الجماهيرية التعددية الاستشارية الحرة
6: نشر الوعي في البلاد الأجنبية، وذلك يتم عبر تثقيف المسلمين المتواجدين في البلاد الأجنبية بالثقافة الإسلامية
7: الإيثار في العمل التنظيمي، لأنه يسبب ثقة الجماهير بالشخص والحركة، فالإيثار في كل شيء إذا راعته الحركة انتصرت.
والخلاصة ان قيمة الانسان، المسلم وغير المسلم، هو عمله ومدى اتقانه، فكلما تمكن الانسان من اتقان العمل واعتمد على الإخلاص والنزاهة والعلم والايمان في كل تفاصيل حياته واعماله، كان الأقرب للإسلام وتعاليمه وجوهره، والعكس صحيح، لذلك إذا أراد الانسان معرفة الطريق الى التغيير للوصول الى مرحلة الكمال والاتقان في العمل، سواء كان هذا العمل ماديا او معنويا، ما عليه سوى اتباع تعاليم الإسلام وافكاره التي تتناغم وإنسانية الانسان، وهي الأقرب للفطرة السليمة التي جبل عليها الانسان، وهي القادرة للعودة به الى جذوره الصالحة والانطلاق نحو التغيير الحقيقي.
اضف تعليق