فالثقافة هي الحجر الأساس في البناء الاجتماعي، وهي التي ترسم للأجيال خريطة حركتها في حاضرها، ومسيرتها في المستقبل، وتُبلور لها رؤيتها الحضارية الإنسانية، وهي التي تحدد طريقة تعامل الأمة مع الأحداث، والوقائع، والمستجدات وهي التي تُعيِّن ملامح مستقبل هذه الأمة. والدِّين الإسلامي لديه منظومة قيمية متكاملة لقيادة الحياة...
مقدمة في الثقافة
الحديث عن الثقافة هو حديث عن مجموعة القيم الاجتماعية لأمة من الأمم، أو لشعب من الشعوب، والتي يتضمَّن كل المظاهر الفكرية، والتربوية، والعمرانية، والفنية، والأدبية، ولذا عرَّفوا الثقافة بالتعريف الذي قدَّمه إدوارد تايلور في بداية كتابه "الثقافة البدائية" الصادر عام 1871 حيث عرّف الثقافة بأنها؛ "تلك الوحدة الكلية المعقدة التي تشمل المعرفة، والإيمان، والفن، والأخلاق، والقانون، والعادات، بالإضافة إلى أيِّ قدرات وعادات أخرى يكتسبها الإنسان بصفته عضواً في مجتمع". (القيم الثقافية وفعالية التنظيمات، لغياث بوفلجة: ص60)
ويُعدُّ مفهوم الثقافة من المفاهيم المحورية في علم الاجتماع بصفة عامة، حيث يُشكل مفهوم الثقافة أحد الأفكار الكبرى، التي ساعدت البشرية على إنجاز الكثير من التَّقدم العلمي والتطور الفكري، فالثقافة مفهوم يتميز بأنه ذا طبيعة تراكمية ومستمرة، فهي ليست وليدة عقد أو عدة عقود، باعتبارها ميراث اجتماعي لكافة منجزات البشرية، فالثقافة تشمل جميع جوانب الحياة المعنوية والمادية، وتوجد في كل المجتمعات، البسيطة والمعقدة، أو المتقدمة والمُقعدة الراكدة.
والجدير بالذكر أن الثقافة لها الأثر الواضح على الأفكار والاتجاهات العامة المقبولة والمتوقعة، التي يتعلمها الفرد من اتصاله بالواقع الاجتماعي، لذا فإنها تلعب دوراً مهما في إعداده ليكون أكثر فاعلية في محيطه الاجتماعي، علماً أن كل جيل جديد لا يبدأ من فراغ، ولكنه يستفيد ممَّن حوله، وكل تراث مَنْ تقدَّمه، ويكون كل أعضاء المجتمع مطالبون بأن ينقلوا التراث إلى الأجيال القادمة، وما تعلموه من الماضي، وما أضافوه بأنفسهم إلى هذا الكل الثقافي.
المعنى العام للثقافة
المعنى اللغوي: يُشتق اللفظ اللغوي للثقافة من الفعل الثلاثي (ثقَف)، أو(ثقُف) بمعنى حَذقَ، أو مَهرَ، أو فَطنَ، أي صار حاذقاً، ماهراً، فطناً، فهو ثَقِف وقد ثقُفَ وثقافة، وثقَّف الشَّيء: أقام المعوج منه وسوَّاه، وثقَّف الإنسان: أدَّبه، وهذَّبه، وعلَّمه. (لسان العرب "ثقف")
المعنى الاصطلاحي: الثقافة هي ذلك الكُل المركَّب المتغيِّر الذي يتمُّ تناقله اجتماعياً ويشمل على العناصر المادية، والمعرفة، والمعتقدات، والفن، والأخلاق، والقانون، والعادات، وكل القدرات الأخرى التي يكتسبها المرء بصفته عضواً في المجتمع، وبعبارة أخرى فإن الثقافة؛ هي أسلوب ونمط الحياة في زمان ومكان معينين، ويتجسد هذا النَّمط في عناصر مادية ومعنوية واجتماعية. (مقدمة في علم اجتماع المعرفة؛ كمال التابعي، ليلى البهنساوى: ص46)
والثقافة؛ هي عبارة عن مركب من أساليب الشُّعور، والفكر، والسلوك الذي يُميِّز مجموعة من الناس، ويتوارثونه جيلاً بعد جيل، وترتبط تلك العناصر ببعضها البعض بعلاقات تفاعل وتأثير متبادل، ويؤدي كل عنصر منها وظيفته الخاصة في إطار الثقافة الكلية للمجتمع. (علم اجتماع التنمية لمحمد محمود الجوهري: ص83)
فالثقافة؛ تعبِّر عن المضمون الفكري الذي يُحدد للمجتمع سماته التي تميِّزه عن غيره من المجتمعات الأخرى؛ إذ تحمل بين طياته السِّمات الاجتماعية المتوازنة والمستجدة، وتعتبر أيضاً ثمرة النشاط الفكري والمادي الخالق والمرن لدى الإنسان. (التغير الاجتماعي والثقافي، لدلال ملحس استيتية: ص226)
الثقافة الإسلامية:
هي ذلك المركب الكلي من العقائد، والعلوم، والأفكار، والعادات، والتقاليد، والفضائل، والأخلاقيات، والقيم الموروثات، النابعة من الدِّين الإسلامي، كمنظومة عقائدية، وفكرية، وأخلاقية، والمتأثرة بالموروثات العربية في شبه الجزيرة والحجاز والتي تناقلتها الأمة منذ عصرها الإسلامي الأول حيث تفتَّحت تلك الأزاهير الثقافية، والفكرية في المدينة المنوَّرة، على يدي رسول الله (ص) المعلِّم الأول للبشرية، وأهل بيته الأطهار (ع) من بعده، حيث جسَّدوا تلك القيم والفضائل والتشريعات والعقائد في سلوكهم اليومي، وأمروا الأمة بالاقتداء بهم، فأنشؤوا ذلك المجتمع المتماسك، على قيم التقدم والازدهار، فأنتج ثقافة قيمية إنسانية راقية جداً، تميِّزها عن غيرها من المجتمعات يُطلق عليها العالم؛ الثقافة الإسلامية، أو ثقافة المسلمين.
يقول سماحة المرجع الراحل الإمام السيد محمد الشيرازي: "الثقافة الإسلامية الأصيلة تجعل الأمة تسير سيراً متميزاً في الحياة، فكرياً، وعملياً، ونظرياً، وسلوكياً، والمسلمين في الصَّدر الأول تحلوا بهذه الثقافة فحرَّروا نصف الكرة الأرضية بعد أقل من ثلث قرن من بداية جهادهم المقدس في السنة الأولى للهجرة". (السبيل إلى إنهاض المسلمين: ص16)
فالثقافة هي الحجر الأساس في البناء الاجتماعي، وهي التي ترسم للأجيال خريطة حركتها في حاضرها، ومسيرتها في المستقبل، وتُبلور لها رؤيتها الحضارية الإنسانية، وهي التي تحدد طريقة تعامل الأمة مع الأحداث، والوقائع، والمستجدات وهي التي تُعيِّن ملامح مستقبل هذه الأمة.
والدِّين الإسلامي لديه منظومة قيمية متكاملة لقيادة الحياة، وبناء المجتمعات، وعمارة الأرض بالصالحات، وبالتالي بناء الحضارة الإنسانية الراقية، و"الثقافة الإسلامية واضحة المعالم، وهي موجودة في الكتاب، والسُّنة، والكتب الفقهية، والإسلامية بشكل متكامل، فإذا استطعنا إعادة هذه الثقافة وتعميمها فعندئذٍ نكون قد تقدمنا خطوة في طريق تحقيق الحكومة الإسلامية العالمية الواحدة". (السبيل إلى إنهاض المسلمين: ص19)
الثقافة في فكر الإمام الشيرازي
مَنْ رافق الإمام الراحل في حياته، أو في دروسه، وكتبه، ومحاضراته يجد أن الثقافة هي همٌّ كبير كان يعيشه لعلمه ويقينه أنها هي الأساس الذي يجب أن نبني عليه مجتمع هذه الأمة كما فعل رسول الله (ص) وأهل بيته الأطهار (ع) في بداية الانطلاقة المباركة لهذا الدِّين العظيم، الذي استطاع أن يرفع بناءه في جاهلية جهلاء، فكيف لا نستطيع أن نرفع بناءنا ونحن في عصر الحضارة الرقمية، والعالم الذي تحوَّل إلى قرية إلكترونية؟
وكيف لا نستطيع البناء ولدينا الرَّكائز الثابتة في عمق التاريخ، والتراث، والحضارة، ونحن أبناء وأحفاد أولئك القادة الذين أوصلوا هذه الرِّسالة إلى أقاصي الدنيا شرقاً وغرباً على أقدامهم، وخيولهم ونحن في عصر الإنترنت، وتفجُّر المعلومات، وسهولة الوصول إلى المعرفة، بأسرع وقت وأبسط جهد، وأقل تكلفة، فلماذا لا نقوم من كبوتنا التي أصبنا بها؟
فأين الخلل الذي نعيشه في هذا العصر، وفي هذه الأمة التي صارت الأمة الثانية وقريباً ستكون الأولى بين أمم الأرض، فهي تعدُّ حوالي ربع سكان المعمورة تقريباً، فلماذا ذهبت ريحها، وضعفت قوتها، وتلاشت دولتها، وتبخَّرت هيبتها التي كانت تُرعب الأعداء من مسيرة آلاف الأميال، ورسولنا الأكرم (ص) يقول: (نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ)، أين ذهبت تلك القوة الهائلة لدولة ملكت أكثر من خمسين دولة من دول العالم المعاصر، بل وصارت هدفاً يُرمى، ودريئة يتدرَّب عليها الأعداء فيرمونها من كل حدب وصوب، وصدق الشاعر حيث يقول:
لقد هَزِلَتْ حتى بَدَا مِنْ هُزَالِهَا *** كِلاَهَا وحتَّى سَامَهَا كُلُّ مُفْلِسِ
حقاً، وصدقاً لقد هزلت في هذا العصر ونحن بهذا الحجم، ويُفعل بنا كل هذه الأفعال، وصدق علينا قول رسولنا الأكرم (ص): (يُوشِكُ اَلْأُمَمُ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ تَدَاعَى اَلْأَكَلَةِ عَلَى قَصْعَتِهَا)، قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: مِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: (بَلْ أَنْتُمْ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ اَلسَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اَللَّهُ مِنْ عَدُوِّكُمُ اَلْمَهَابَةَ مِنْهُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ فِي قُلُوبِكُمُ اَلْوَهْنَ) قَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَمَا اَلْوَهْنُ؟ قَالَ: (حُبُّ اَلدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ اَلْمَوْتِ).
سبب هزيمة المسلمين
السيد الشيرازي (رحمه الله)، كان دائماً يُركِّز على مسألة يعتبرها هي الأم لكل هذه المشاكل التي نعاني منها، وتتلخَّص (بالثقافة الوافدة علينا)، لأنه يعتبر؛ (الثقافة هي التي تقود حياة الإنسان) كما يقول ويؤكد في أكثر من كتاب له، ولا أذكر أنني قرأت له كتاباً من الكتب الفكرية والتوعوية إلا ويتطرق فيه إلى تأثير وأثر الثقافة الإسلامية على المجتمع، كما أنه ألَّف أكثر من كتاب، وكراس للثقافة كـ "ثقافة التحرير"، و"سقوط بعد سقوط"، و"ممارسة التغيير"، و"السبيل إلى إنهاض المسلمين"، و"الصياغة الجديدة لعالم الرفاه"، و"طريق النجاة"، وكثير غيرها ولكن هذه الكتب تتمحور حول الثقافة، وله بعض الكتب العجيبة كـ "فلسفة التأخر"، و"الغرب يتغير"، فالسيد الشيرازي (رحمه الله) كان يرى ويسمع كل ما يجري، ولديه ثقافة عالية جداً بالتراث الإسلامي الحضاري، والثقافة المعاصرة، وهو المرجع الدِّيني والفقيه المتبحِّر، فعندما يطرح أو يتكلم فهو ينطلق من تلك المنطلقات التي يراها حقائق واقعية نابعة من القرآن الكريم كركيزة وأساس فكري، ومن التجربة النَّبوية كتطبيق عملي لكل ما جاء به القرآن من نظريات تقود الحياة وتبني المجتمع والأمة.
فمعالجة المشكلة الثقافية هي الأولى في أولويات النهضة لهذه الأمة المرحومة، فيجب ترميم ما تهالك وتدمَّر من الثقافة في مجتمعاتنا التي كانت إسلامية في كل شيء فيها، فكانت العادات والتقاليد، والأعياد، والأعراس، والفنون، والآداب، والقيم، والأخلاق، والمراسم في كل شيء إسلامية، فصارت الآن – كما نراها بأم العين – مشوَّهة فترى كل شيء عندنا ممسوخاً فجيل الآباء تراه مختلفاً في كل شيء عن جيل الأبناء، وحتى البيوت والاستقبال تراها مختلفة في البناء والأذواق، فما الذي جرى حتى بدا الفرق واضحاً وجلياً فترى الأب والأم عربية أصيلة، تجد الأبناء والبنات غربية ممسوخة في كل المظاهر، واللباس، والأشكال، والألوان، والعادات، والتقاليد وحتى طريقة الكلام والمشي في الشارع؟
وهنا يُؤكد الإمام الشيرازي على: (أن الثقافة عند المسلمين تأخرت تأخراً كبيراً، فبينما كانوا هم المثقفين في الأزمنة الإسلامية، وكان غيرهم عائلاً عليهم، انعكس الأمر منذ تركوا الإسلام، فصار غيرهم هم المثقفون، أمّا المسلمون فصاروا أبعد من ذيل القافلة بمراحل).
أي أن المشكلة في تركنا للإسلام وثقافته، وأخذنا للكفر وتفاهته، فتأخرنا حتى عن ذيل الغرب، والحل برأي السيد الشيرازي، هو العودة إلى الإسلام بكل ما فيه من قيم وفضائل وتشريعات، حتى نعيد بلورة الثقافة في المجتمع، فنعود إلى الإسلام، ونُعيد الإسلام إلى الحياة من جديد، ودائماً ما يُعطي أمثلة تاريخية، ليؤكد الفكرة ويدعمها بالشواهد الواقعية، فالعراق الفقير، الضعيف الذي لا يتجاوز سكانه بضعة ملايين ينتصر على إمبراطورية الشَّر التي لا تغيب عنها الشمس، وبأسلحة بدائية، واليوم بكل ما لدينا من خيرات من فوق الأرض ومن تحتها نتراجع، والبعض صار يُقر الاحتلال ويُبرره، لماذا حصل كل هذا التراجع والهزيمة؟
ثقافة الإسلام الأصيلة
يقول رحمة الله عليه: "السبب هو أن ثقافتهم – الآباء - كانت ثقافة الدِّين، والفضيلة، والقرآن، والسُّنة، واتباع القيادة والمرجعية، رغم أنهم لم يكونوا يمتلكون أسلحة حربية متطورة، ولا أجهزة مخابرات حديثة، وإنما كانوا مجرد عشائر وقبائل لا حضارة حديثة لهم، ولكن الثقافة الإسلامية هي التي جعلتهم يقاومون، ويقدِّمون الألوف من الضحايا في سبيل دفع المعتدين".
ثم يقول: السبب واضح؛ الأبناء ـ ككل ـ لم يسيروا على طريق الآباء وكما قال الله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (مريم: 59)
فابتعدوا عن الثقافة الإسلامية، وانغمسوا بالثقافة الاستعمارية، لذلك حلَّت الثقافة الاستعمارية (الوافدة)، ثقافة التحلل، و(الخُلاعة، والمياعة)، واللامبالاة، وعدم الإحساس بالمسؤولية (تجاه الأهل، والدِّين، والوطن)، محل الثقافة الإسلامية الأصيلة، (ثقافة الطهارة والنظافة والفضيلة).
فالآباء حاربوا بريطانيا وانتصروا عليها، لأن ثقافتهم كانت ثقافة إسلامية، بيد أن الأبناء ركعوا لها فانتصرت عليهم، فما هو الفارق؟ إن الفارق هو أن الثقافة الاستعمارية استطاعت أن تغلغل في أذهان هذه الأجيال، وعندما تغيَّرت الثقافة تغير كل شيء في حياة الأمة..
فنحن الآن لا نستطيع تحرير العراق، وفلسطين، ولبنان، وأفغانستان.. وكل الدول الإسلامية المستعمرة، إلا بتبديل ثقافة هؤلاء الرازحين تحت نير الظلم، والاستبداد إلى ثقافة إسلامية أصيلة، يتمسَّكون بها بقوة وصلابة وفي كل الظروف، وتحت أية ضغوط". (السبيل إلى إنهاض المسلمين: ص19 بتصرف)
فالثقافة الرِّسالية الصلبة؛ هي التي رسَّخها القائد والمرجع في الشعب العراقي، وبهذه الثقافة استطاعوا دحر الأعداء، وتسجيل تاريخ مشرق من البطولة، والجهاد، والنضال في سبيل الله، والاستقلال، والحرية.
الغربيون عرفوا أن سرّ هذه الأمة، وصحوتها المعاصرة، ونهضتها المنشودة؛ يكمن في الثقافة الإسلامية الراقية، فهي السلاح الأقوى بوجه الأعداء، وهي الراية التي يحملها المسلمون، ويفتخرون بها في العالم، ولذا حاولوا وما زالوا يُحاولون تغيير هذه الثقافة، بالحرب الناعمة، وما نسميه بالغزو الفكري، والحرب الثقافية والإعلامية، وبالفعل استطاعوا تبديلها إلى ثقافة استعمارية أو ممسوخة عن ثقافتهم، ولذا تسنَّى لهم احتلال البلاد الإسلامية، وتدنيس مقدسات المسلمين، واستطاعوا تقطيع أوصال البلاد الإسلامية، وفصلوا بعضها عن بعض بحدود مصطنعة، ووضعوا أنظمة تخدمهم فيها لتُكرِّس التقسيم، والتجزئة، واستطاعوا نسخ القانون الإسلامي وإبداله بالقوانين الوضعية التي ما أنزل الله بها من سلطان..
فسماحة السيد الراحل يُؤكد وبإصرار بأن الأمة اليوم مريضة، وتحتاج إلى علاج فوري، لأن البلاء ربما يتحوَّل إلى وباء ثم إلى كارثة لا تُحمد عقباها، ومرضها وبؤرة الدَّاء فيها هي الثقافة التي نخرها الأعداء فتغلغلوا في كل مفاصلها، وتدخلوا في كل شيء عندنا بما جلبوه لنا من تفاهة وسفاهة ومياعة وخلاعة، ولا أدري حقيقة كيف راحت تفتك بنا هذه الفيروسات التي عالجها القرآن الحكيم، والإسلام العظيم منذ قرون ونجح في شفاء الأمة منها، وتحصينها لأبد الآبدين.
وذلك لأن كل هذه الفيروسات الأخلاقية الفاتكة كانت موجودة ويُعززها الجهل، والتخلف، والعصبية، فجاء الإسلام بالعلم، والتقدم، والأخوية، وأسس المجتمع على قيم الفضيلة، والأخلاق الراقية، كالإيمان، والعمل، والمسؤولية.
وسنتطرق في المقال القادم إلى بعض الأفكار في المعالجة الثقافية التي طرحها الإمام الشيرازي في كتبه المختلفة، بإذن الله تعالى، لنعطي رؤية بسيطة وواضحة عن الداء الذي نعاني منه في هذا العصر، "فقد طمى الخطب حتى غاصت الرُّكب"، كما يقول الشاعر.
اضف تعليق