من الأخطاء التي يقع فيها السياسيون أنهم لا يفرّقون بين سرعة التصرف السليم وبين التهوّر، فالأخير غالبا ما يكون سببا في مضاعفة وتعقيد المشكلات أكثر مما هي عليه، وبهذا يكون السياسي المهتاج بوّابة لتوالد المشكلات وكثرتها، بدلا من حلّها والقضاء عليها، وفي النتيجة فإن من يتحمّل أعباء الأخطاء السياسية...
(لا يصح للسياسي القدير أن يتعذر بالمتاعب الكثيرة والانشغال الذهني)
الإمام الشيرازي
العنصر الأساس في بناء الدولة الناجحة، هو السياسي الناجح، بل ويمتد تأثيره ليشمل طبيعة المجتمع، من حيث درجة الوعي، ومواكبة التقدم الحاصل في المجتمعات الأخرى، وهذا يعني باختصار، استحالة بناء دولة متطورة ومجتمع متماسك، من دون وجود سياسيين يتقنون فن السياسية، ويتحلون بالمؤهلات التي تساعدهم على النجاح في أداء دورهم ومهامهم.
ويعرّف المختصون بعلم السياسة السياسي، بأنه الشخص الذي يشارك في التأثير على الجمهور، من خلال التأثير على صنع القرار السياسي، أو الشخص الذي يؤثر على الطريقة التي تحكم المجتمع، من خلال فهم السلطة السياسية وديناميكية الجماعة. وهذا يشمل الأشخاص الذين يشغلون مناصب صنع القرار في الحكومة، والناس الذين يبحثون عن هذه المواقع، سواء عن طريق الانتخابات، الانقلاب، والتعيين، وتزوير الانتخابات.
يهتم الرجل السياسي بشؤون الجماعة وطريقة عملها، من خلال العمل السياسي، ولا يمكننا أن نفهم من هو الرجل السياسي إلا بمعرفة الأساس الذي يقوم عليه، وهي السياسة لأن السياسة هي بالمعنى الأقرب طريقة التعامل في المجتمع، فهي الآليات والميكانيزمات التي يستخدمها الرجل السياسي في حل المشاكل، بالطريقة الصحيحة بصناعة قرارات تكون في خدمة المجتمع.
للسياسي صفات ومؤهلات أو مقومات، من دون توافرها في شخصيته لا يمكنه التفوّق، ولا التميّز في أداء مهامه، بعضها خصال أو صفات شخصية، تتعلق معظمها بطرائق التعاطي مع الأحداث والمواقف، والمشكلات وسبل حلّها، هذا يتعلق بطبيعة شخصية السياسي، ومؤهلاته، ودرجة ذكائه، ومدى إتقانه لفن السياسية، ويشمل خصائصه الفردية كالإخلاص ونصاعة الضمير والصدق في الوعود، وما إلى ذلك من صفات ومقومات جيدة.
من أهم الصفات في السياسي أن يكون ذا نظرة ثاقبة وبعيدة المدى، ولابد أن يتحلّى بالهدوء والتوازن، فمثل هذه الصفات تجعله أكثر قدرة على معالجة العقبات والمشكلات، ولا يمكن اللجوء إلى التسرّع أو الاستعانة بالقلق، كي ينجح السياسي في المهام الموكلة إليه، بالطبع هناك فارق واسع بين سرعة التصرّف الممتزج بالدقة، وبين سرعة التصرف الأهوج، فشتان ما بين هذين التصرفين.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، ينظر إلى هذه المسألة بطريقته الخاصة، ويفسرها بدقة، فيقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (شروط تقدم الجماعات):
(لابد من أن يتحلى السياسي بالهدوء والصفاء والتوازن الفكري والعملي، لأن القلق والهياج والخلط بينهما خليقٌ بأن يجعل من الإنسان فاسداً ومفسداً، فهو لا يبتعد عن القدرة فقط، بل يُسقط قدراته التي يصل عبرها إلى أهدافه).
ما أسباب إخفاق السياسي؟
إذاً في حال فقد السياسي توازنه في المواقف الصعبة، فإنه سوف يكون معرَّضا للإخفاق، وقد يتحول بسبب الهياج والتسرع والتعاطي المرتجَل، إلى شخص يفسد على الآخرين مواقفهم الصحيحة، لهذا عليه أن يتحلى بالتوازن والصبر، وإذا لم تكن لديه القدرة على اللجوء إلى مثل هذه الحلول المانعة للتسرع، فليس أمامه سوى اعتزال الآخرين حتى لا يكون سببا في حالة هياج وعنف جماعية.
السياسي في حال لم يكن قادرا على ضبط نفسه، يجب أن لا يتسبب في نقل عدوى الهياج والتسرع إلى الآخرين، فأما أن يختار التعامل الهادئ المتزن والعميق في معالجة المشكلة أو الموقف، وأما الانعزال والابتعاد حتى لا يكون سببا في التشويش على الآخرين، أما فرصة الانعزال فإنها سوف تمنحه قدرة على التفكير السليم، ومن ثم اتخاذ الخطوة السليمة في التعاطي مع الأمر.
من الأخطاء التي يقع فيها السياسيون أنهم لا يفرّقون بين سرعة التصرف السليم وبين التهوّر، فالأخير غالبا ما يكون سببا في مضاعفة وتعقيد المشكلات أكثر مما هي عليه، وبهذا يكون السياسي المهتاج بوّابة لتوالد المشكلات وكثرتها، بدلا من حلّها والقضاء عليها، وفي النتيجة فإن من يتحمّل أعباء الأخطاء السياسية غير المتوازنة هو الشعب والدولة، أما السياسي نفسه، فهو سرعان ما يلوذ بالفرار إذا شعر بهزيمته وعدم دقة تصرفاته وإدارته للأحداث.
يقول الإمام الشيرازي في هذا الشأن:
(أي سياسي ينتمي إلى حزب أو حركة إذا لاحظ في نفسه هياجاً لا يتمكن من كبحه، أو انفعالا في النقاش، عليه أن يعتزل بسلام، وليس بشدة ليهدّئ نفسه والآخرين، لأن الانعزال في هذه الحالة يمنح الإنسان الهدوء الذي يهيئ المناخ الملائم للتفكير والخروج السليم من المأزق).
بطبيعة الحالة مهمة السياسي ليست سهلة، فهي غالبا ما تستدعي جهودا استثنائية لمعالجة هذه القضية أو تلك، ويُفترَض على من يعلن استعداده للعمل في السياسة، أن يتحمّل تبعات هذا الاختيار، وأن لا يستهين بمسؤولية هذا العمل، كونه يتعلق بمصير شعب أو أمة كاملة، فضلا عن إدارة الساسة لشؤون الدولة برمّتها.
السمة المصيرية للعمل السياسي
مهام السياسي القدير مقرونة بالمتاعب، والمخاطر، والجهود الاستثنائية الحثيثة، وعدم السماح للمشكلات بالتراكم، فإن تعذّر السياسي بالتعب وعدم القدرة على مواصلة العمل، فهذا يعني اعترافا صريحا بالعجز والفشل، وإنْ تهرّب من التصدي لمسؤولياته، فهذا هو الفشل بعينه.
لا مجال للسياسي سوى أداء المهام الملقاة على عاتقه بأجود ما يمكن من الأداء، كون الأمر لا يتعلق بفرد أو اثنين ولا بعائلة رغم أهمية مسؤوليتها، فعمل السياسي يتعلق بآلاف أو ملايين الأفراد، والتخاذل أو التردد أو التحجّج بالتعب وعدم القدرة وما إلى ذلك من حجج وأعذار، هذا لن يجدي نفعا، ولن ينقذ السياسي من هاوية السقوط، وعدم الاحترام الجماهيري والشعبي.
وحين يقول إنني غير قادر على القيام بالمهمة الفلانية، ويبقى يكرّر مثل هذه الأقوال، ويشرح الأسباب للآخرين حتى لو كانت غير صادقة ولا مقْنعة، إلا أنه سوف يكون نفسهُ ضحية هذه الحجج التي يكرّرها أملا بالإفلات من المسؤولية، فما يقوله ويردده من أعذار سوف يكون حقيقة يستجيب لها ويصبح سياسيا فاشلا!!
لذلك يقول الإمام الشيرازي: (لا يصح للسياسي القدير أن يتعذر بالمتاعب الكثيرة، والانشغال الذهني، أي أن ذهنه لا يستجيب له، أو لا يسعه العمل، فإن كل ذلك يوحي إلى النفس بما يقوله الإنسان، وينتهي به الأمر إلى الاعتقاد بصحة ما يقول).
إذا لا يمكن للتعذّر وإطلاق التبريرات أن تشكل ملاذا للسياسي في حالة الإخفاق، إنه ملزم بالنجاح في إدارة مسؤولياته طالما دخل المضمار السياسي بإرادته، عبر الترشيح الانتخابي أو سواه، وعليه قبل إطلاق الحجج أن يبحث عن عوامل أخرى، تساعده في التصدي لمسؤولياته بنجاح وتميّز.
توجد عوامل مساعدة يمكن للسياسي أن يلجأ إليها ويعتمدها بإتقان، كي لا يرتكن إلى التبريرات ومن ثم الإخفاق، نعم هناك ما يمكن أن يستعين به الشخص الذي يمتهن العمل السياسي، لأن الوصول إلى الأهداف المحددة لن يكون سهلا، ولا يمكن بلوغ السياسي القدير لأهدافه دون مرتكزات وعوامل مساعدة.
الصبر من أهم ما يمكن أن يتخذه السياسي مساعداً له في مواجهة العقبات، وهو يسير نحو أهدافه، ويدير أعماله، ويواجه أزماته، الصبر هذه المفردة العظيمة في جوهرها ومعناها، يجب أن يتخذ منها السياسي سنداً له، وعليه أن يبلغ أهدافه، ويؤدي مسؤولياته بالاستناد إلى الصبر في مواجهة التعقيدات والمشكلات، وهي كثيرة وقد لا تنتهي لأنها سوف تولد من جديد طالما أن السياسي يسير نحو أهدافه ويؤدي مهامه أملا في بناء دولة رصينة ومجتمع متماسك.
الإمام الشيرازي يؤكد على أنّ: (الصبر على المشاكل والسير المتئد نحو الهدف مفتاح نجاح السياسي، لأن الصبر من أقوى سمات القدرة، إذ قال سبحانه: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلك لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)، والصبر ضمان لحفظ النظام ولحفظ الهدوء، ولتبصر العواقب ولمعرفة ارتباط الأشياء بعضها ببعض).
هذه بعض الحلول والمقومات التي يقترحها الإمام الشيرازي، على مَن يرغب بالعمل في السياسة، وهي حلول واضحة ومقنعة، وليست صعبة أو مستحيلة على مَن يروم النجاح في أداء مسؤولياته، لاسيما إذا اختار العمل السياسي، فهذه المهنة تتطلب شخصية ذات مواصفات خاصة سبق التطرّق إليها، لذلك من يجد في نفسه رغبة في العمل السياسي، عليه أن يتحقق من وجود تلك المواصفات والصفات في شخصهِ.
اضف تعليق