الإصلاح (التغيير بالسلام وليس بالعنف) في حياته الواقعية وفي كتاباته، في افعاله وفي اقواله، الى الامام الراحل السيد محمد الشيرازي الذي قضى جل حياته في طريق الإصلاح لكنه لم ينجزه عن طريق العنف بل عن طريق السلام لنجري معه هذا الحوار الافتراضي، في ذكرى رحيله السنوية...
نعيش في زمن يصعب فيه التغيير والإصلاح، والاصعب منه ان يتحقق هذا الامر بلا عنف وإرهاب وحرب، هذا الزمن الذي يحكمه المستبدون بأسماء مختلفة حولوا العالم الى حلبة لصراع اقتصادي وسياسي وثقافي وديني وأيديولوجي ليتمكنوا من البقاء في الحكم أطول فترة ممكنة، اما مطالب الجماهير في الإصلاح والحرية والتغيير فلم يقابلها سوى أصوات القذائف والمدافع، إضافة الى السجون والتعذيب والقتل جزاءً لكل من يحاول ان يخرج عن القطيع او يشق عصا الرعية.
في هذا الزمن الصعب نحتاج الى مرشد يقدم لنا النصيحة بلا مقابل، الى مصلح سلك طريق التغيير والإصلاح ونجح فيه بأدوات السلام والمحبة وليس العنف والابادة، الى قائد آمن بالتغيير من خلال سلوك طريق اللاعنف وليس العكس، الى مرجع قضى جل حياته وهو يمارس هذا الإصلاح (التغيير بالسلام وليس بالعنف) في حياته الواقعية وفي كتاباته، في افعاله وفي اقواله، الى الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي الذي قضى جل حياته في طريق الإصلاح لكنه لم ينجزه عن طريق العنف بل عن طريق السلام لنجري معه هذا الحوار الافتراضي، في ذكرى رحيله السنوية، علنا نجد السبيل الى تحقيق التغيير بلا عنف في انفسنا وفي مجتمعنا وفي عالمنا.
س: ماهي الوسيلة الأفضل برأي سماحتكم لمعالجة المشاكل الاجتماعية التي تعصف بمجتمعاتنا او التخفيف منها على الأقل؟
ج: "الرفق وعدم العنف أحسن وسيلة لقلع جذور المشاكل الاجتماعية أو التخفيف منها، وأيضاً، تعويق الحركات المضادة أو المعادية".
س: اين تكمن المشكلة او السبب فيما وصل اليه حال بلادنا؟
ج: "المشكلة في بلادنا تكمن في أمرين: مشكلة الحكام وحكوماتهم الظالمة، ومشكلة غياب الوعي والثقافة عن الأمة".
س: لذلك كان لزاماً استخدام العنف والقوة ضد المستبدين؟
ج: "من يتصور أنه يمكن إنقاذ بلاد الإسلام بالعنف، سوف يبرهن له الزمان عكس ذلك".
س: لماذا يا سيدي؟
ج: لان "العنف من المصاديق الظاهرية لتغلب القوى الشريرة في الإنسان على القوة الخيرة".
س: وهل هذا النهج هو نهج الإسلام وما سار عليه الرسول الكريم واهل بيته الاطهار؟
ج: "شعار الإسلام هو السلام، أما الحرب وأساليب العنف ما هي إلا وسائل اضطرارية شاذة على خلاف الأصول الأولية الإسلامية، وحالها حال الاضطرار لأكل الميتة"، إن المتتبع لسيرة النبي المصطفى (صلى الله عليه واله) وآل بيته الأطهار (عليهم السلام) يلاحظ بوضوح أن منهجهم بعيد كل البعد عن العنف والعصبية ميالين إلى السلم والتفاهم".
س: ولماذا اختار السلام ما دمت امتلك القوة في ممارسة التغيير او الإصلاح؟
ج: لان "الجانحين إلى السلام بقوا أعلاماً في بلادهم، وفي غير بلادهم بينما الجانحون إلى العنف والخشونة والشدة والغلظة ذهبوا ولم يبق لهم أثر إلا آثار النفرة والابتعاد".
س: وإذا اضطر الساعون نحو التغيير والإصلاح الى استخدام العنف او السلاح لتحقيق مطالبهم لعدم تمكنهم من تحقيقها عن طريق السلم واللاعنف؟
ج: "من المهم جداً تحييد السلاح أولاً، حتى لا يدخل الميدان لصالح الدكتاتور، وغالباً يمكن تحييد السلاح، وذلك بعدم لجوء الشعب الى السلاح في إضراباته ومظاهراته، وأن تكون حركته سلمية، تتجنب العنف والشدة، على الذين يريدون التغيير أن يعقلنوا حركتهم وبحسب متطلبات الظروف لا بحسب رد الفعل، حيث إن الإنسان إذا كانت حركته في دائرة رد الفعل سيكون في أزمةٍ يخلقها عدوه له، حيث إن رد الفعل يسحب الإنسان حيث أراد صاحب الفعل، لا حيث هو يريد".
س: اذن بماذا تنصحهم سيدي؟
ج: أقول لهم "من يحارب الدكتاتور يجب ألا يكون ديكتاتوراً، ومن يحارب الظلم يجب ألا يكون ظالماً، ومن يحارب الكذب لا يكون كذاباً، والحزب الذي يحارب الأصنام البشرية والحجرية ويحارب ما هو ضد الإسلام لا يمكن أن يكون صنماً، وإلا فلا جدوى من محاربته، لا إسلامياً ولا اجتماعياً، ومصيره النهائي هو الفشل المحتم".
س: تطرقتم سماحتكم الى مشكلة غياب الوعي والثقافة عن الأمة؟
ج: "ترسم الثقافة اتجاه الإنسان، إن خيراً فخير، أو شراً فشر، وإن التغيير الثقافي يفتح نافذة واسعة على التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي".
"السبب الذي يأتي بالدكتاتور إلى الحكم ثم يبقيه ما بقي ذلك السبب، هو جهل الجماهير وتطبعها بنزعةٍ منحرفة تجعل من عبادة الفرد والتسليم له مذهباً دينياً، وتريهم أن كل ميلٍ من الحاكم يكون كالميل من الدين".
س: وكيف سينعكس هذا التغيير بصورة ايجابية على الانسان؟
ج: "إن الإنسان مطوي على أكبر قدر من الطاقات الوثابة، فإذا وجد الحرية الكاملة والظروف المناسبة تقدم تقدماً مدهشاً".
س: وإذا اعترضت طريق الانسان نحو التغيير بعض العقبات؟
ج: "تختلف ردود أفعال الناس تجاه العقبات التي تواجههم في حياتهم العملية من شخص لآخر تبعاً لدرجة الوعي والإيمان وتكامل الشخصية من ناحية الخبرة والنضوج والهمة".
س: الى ماذا تحتاج عملية التغيير؟
ج: "تحتاج عملية التغيير بالإضافة إلى الاستعانة بالله، إلى صفات نفسية سامية ومواصلة عملية دائمة كي ترسو سفينة الإسلام على شاطئ السلام بإذن الله (تبارك وتعالى)".
س: كيف يمكن تحقيق الاستقرار في بلادنا؟
ج: "ليس استقرار البلاد بالادعاء والكلمات الفارغة، والخطب التي تلقى من على منبر الإذاعة والتلفزيون، بل بفتح الجامعات وأمن الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، فلا مصادرات ولا إعدامات، ولا ضرائب اعتباطية، ولا يخاف الناس من أن يتكلموا، أو أن يكتبوا".
س: بما تنصح المسلمين للسعي لتغيير واقعهم الحالي؟
ج: "ينبغي متابعة الوضع المأساوي للمسلمين في معظم بقاع العالم، ودراسة أسباب مأساتهم وسبل حلها، والمطالبة بحقهم من خلال المنظمات الدولية والمؤسسات الحقوقية العالمية، وإبلاغ مظلوميتهم إلى سمع الأحرار من الناس، وإيصال صوتهم إلى آذان كل من له وجدان وضمير".
س: ما الذي يجب على الساعين للتغيير فهمه وفعله؟
ج: "من أهم الأمور التي تجب على الذين يريدون التغيير هو فهم السياسة، إذ بدونه لا يتمكن الإنسان من الشروع في العمل وإن بدأ، فإنه لا يتمكن من الاستقامة في أمره وإن تجلد وقاوم، فإنه لا يتمكن من مواصلة السير بالحركة إلى شاطئ السلام والهدف المنشود، وعلى الذين يريدون التغيير، أن يوسعوا صدورهم في الرخاء والبلاء، فلا تبطرهم النعمة، ولا تؤيسهم النقمة، فإن في طريق التغيير يكون كل ذلك".
س: بما يخاطب سماحتكم قادة التغيير والإصلاح؟
ج: "ينبغي عليكم ألا تدخروا وسعاً لتقويم كل اعوجاج، وللوقوف في وجه كل من يعمل ضد حرية الناس وضد حقوق المسلمين وغير المسلمين، وأن تتحملوا في ذلك مسؤوليتكم الكاملة أمام الله (عز وجل) وأمام الأمة وأمام الأجيال القادمة".
س: في بعض بلاد الغرب نجحت الأحزاب والمؤسسات والمنظمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية (وغيرها من المجالات الأخرى) في النهوض بواقع مجتمعاتها وتطوير الانسان وتوفير الحريات والرفاه والاستقرار، لكن في بلادنا الامر معكوس تماماً؟
ج: "كثير من التنظيمات السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية يأخذها الغرور والعجب بنفسها، فتنظر إلى الناس نظرة احتقار، وترى نفسها هي العاملة والآخرين كلهم خاملين، ولذلك سوف يحتقر الناس تلك التنظيمات وهو ما سيؤدي بالجميع تدريجياً الى الانهيار".
س: وهل يتسبب هذا الامر في انفصال الناس عن التنظيم؟ وكيف نعالج هذا الامر؟
ج: "يتوهم الكثير من القائمين بالحركة الإسلامية أنه ليس من المهم إعطاء حوائج الناس، وإنما المهم هو الاشتغال بالحركة فقط، وهذا زعم خاطئ فإن الحركة لا تتقدم إلا بالجماهير، والجماهير لا تلتف حول حركةٍ ما إلا إذا قدمت لهم الخدمات الاجتماعية، وقضت حوائجهم، مهما كانت الحاجة صغيرةً فإنها في نظر المحتاج كبيرة".
"عدم انفصال التنظيم عن الجماهير بحاجة إلى نزاهة كبيرة وشاملة للقائد، وكلما كان القائد التنظيمي أكثر نموذجية في النزاهة، كان اطمئنان الناس واعتقادهم به أكثر والالتفاف حوله أشد، وبذلك ينجح التنظيم في التقدم واكتساب الجماهير إلى خطه".
س: اذن لماذا فشلت هذه الأحزاب من توفير الرفاه في بلداننا؟
ج: "السر في عدم تمكن الأحزاب الإسلامية وغير الإسلامية الذين أخذوا بزمام بلدانهم في الشرق الأوسط من عدم توفير الرفاه للناس، هو لأنهم على الأغلب دكتاتوريون مقابل ديكتاتوريين، ومن شأن الديكتاتور أيما كان لونه التضييق على الناس".
س: ولماذا هذا التحول نحو الدكتاتورية، خصوصاً من التنظيمات او الأحزاب ذات الطابع الإسلامي؟
ج: "غالباً ما يصبح التنظيم الحزبي أو المؤسسي صنماً ويكون هو المحور لا الحق، وهذا أخطر ما يقع فيه التنظيم الإسلامي، فمتى ما صار التنظيم صنماً لا يكون إسلامياً، لأن الحق أحق أن يتبع، والتنظيم يجب أن يكون آلةً وأداة لتطبيق الحق لا أن يكون معياراً فيبتعد عن الحق".
س: وأين أصحاب العقل والحكمة ليعيدوهم الى رشدهم وصوابهم؟
ج: "من طبيعة الدكتاتور أن يجمع حول نفسه (إمعات) بعنوان أنهم الممثلون للناس، بينما عقلاء القوم والسياسيون المحنكون والمصلحون والأحرار يعيشون بعزلة أو في السجون أو في المنافي، أو في القبور".
"إن الإمعات (مادحي الدكتاتوريين) ليسوا إلا كالخشب المسندة، لا قيمة لهم، وكل ما يملكونه هو السلاح والدعاية والمال".
س: هل سيبقى حكم الدكتاتور والمستبد ام سيزول؟
ج: "لا يمكن للحكم الديكتاتوري أن يبقى، لأنه مبني على الإرهاب، والإرهاب لا يمكن أن يدوم".
اضف تعليق