يمكن لأي مجتمع او امة او حتى الانسان، ان يكتب له النجاح في حال وضع نصب عينه برنامج صناعة المستقبل وفق المراحل الثلاث التي حددها السيد محمد الشيرازي والتي اشترط معها ان تكون الأهداف كبيرة، وليست اهدافا صغيرة تتبع حاجات مؤقتة. الاستعداد للمستقبل وعدم التقاعس والكسل...
(تتجلّى الأهداف الكبيرة في حاجات المستقبل الواسعة، بينما تظهر الأهداف الصغيرة في حاجات الإنسان المؤقتة)
يذكر لنا المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي في كتابه (فقه المستقبل) مثال جميل عن التأسيس والاستعداد للمستقبل بالقول: "من لم يتنبأ بسقوط الأمطار بغزارة وقدوم البرد، ثم يقدم على السفر في الطرق الجبلية الوعرة، فإنّ السيل سيحاصره، وسيجرفه الماء، أو سيواجه أخطاراً أخرى عظيمة، لأنهُ لم يدرس المستقبل، فيدفع ثمن عدم معرفته وتقاعسه، أما من عرف أوقات سقوط الأمطار، فإنه سيتخذ الاحتياطات اللازمة للسفر".
ان ابسط تعريف للمستقبل يتناوله على انه "كل ما سيحدث في وقت بعد الوقت الحاضر"، ويعتبر المستقبل، إضافة الى الخلود، من المواضيع المهمة والحساسة التي تناولها الفلاسفة في مطارحاتهم، وتناولتها العلوم الطبيعية والأديان، كما انها أحد أكثر المفاهيم المثيرة للجدل والخلاف بين العقول البشرية التي لم تتفق على تحديد إطار واضح لها، وربما يكمن السبب وراء ذلك لتعلقها بزمان ومكان خارج سيطرة العقل والأفكار وارتباطها بأحداث وتوقعات لم تقع بعد.
صناعة للمستقبل
امام هذه الصعوبة في وضع ثوابت او محددات واضحة للتعامل مع المستقبل كان لزاماً على الجميع، وفي مقدمتهم المؤسسة الدينية، الاستعداد لوضع الية عملية قابلة للتطبيق من اجل صناعة المستقبل وتحقيق النجاح في ذلك: "على الإنسان أن يكون على استعداد تام لاستقبال الغد والتأثير فيه، والتكيّف معهُ فيما لا يمكن تغييره، وربطه بالحاضر والماضي حتى لا ينقطع المستقبل عن الماضي والحاضر"، والتي تمر عبر ثلاث مراحل مهمة:
1. تحديد الاحتمالات ورصد الصالح منها.
2. التخطيط الناجح والسليم للمستقبل.
3. اتخاذ القرار الأفضل والأكثر صواباً من قبل المختصين في كل مجال.
ويمكن لأي مجتمع او امة او حتى الانسان، ان يكتب له النجاح في حال وضع نصب عينه برنامج صناعة المستقبل وفق المراحل الثلاث التي حددها السيد محمد الشيرازي والتي اشترط معها ان تكون:
1. الأهداف كبيرة، وليست اهدافا صغيرة تتبع حاجات مؤقتة.
2. الاستعداد للمستقبل وعدم التقاعس والكسل.
3. المرونة من خلال التأثير في المستقبل والتكيف مع الأمور التي لا يمكن تغييرها.
وقد لخص هذه الأمور في قوله: "وصناعة المستقبل تتم عبر البرنامج الذي يضعه الإنسان لتحقيق أهدافه الكبيرة، من هنا كان لزاماً على الإنسان أن يكون على استعداد تام لاستقبال الغد والتأثير فيه، والتكيّف معهُ فيما لا يمكن تغييره، وربطه بالحاضر والماضي حتى لا ينقطع المستقبل عن الماضي والحاضر".
القوة الفاعلة
للمؤسسة الدينية –على سبيل المثال-قوة فاعلة جداً ومؤثرة من خلال دورها الارشادي والتربوي والتوجيهي الذي تمارسه على الافراد والمجتمعات والأمم، وترتبط المؤسسة الدينية مع المجتمعات بعلاقة:
افقية: كونها تعتبر احدى المحركات الاجتماعية الفاعلة في التأثير على الافراد من خلال خطابها القيمي الناصح والمرشد والمعلم.
عامودية: كونها المهتم والمعني والناقل لهذا الخطاب من المصدر الى الافراد والمجتمعات.
ولذلك يقع على عاتق المؤسسات الدينية الثقل الأكبر (كونهم يملكون هذا التأثير) في تحريك المجتمع والأمة نحو صناعة المستقبل الأفضل والتأثير فيه، وقد أوضح الامام الشيرازي هذا الامر بدقة بالغة حيث قال: "طبعاً ليس المعنيون بالمستقبل، وهم كل الناس، حساسين للغد، لكن على هؤلاء الذين يتطلعون للمستقبل ويعملون من أجله، أن يصبحوا قوة فاعلة في وسط المجتمع، تحركهم دائماً باتجاه المستقبل المشرق، هؤلاء هم القوة الفاعلة، حيث يصنع المستقبل من خلال رؤيتهم الثاقبة لما سيجري في الغد، ومن خلال دفعهم المتواصل للأمة بهذا الاتجاه، فهم يطلعون الأمة على ما سيجري في المستقبل، فتتكيف الأمة على نحو تستطيع امتلاك ناصية المستقبل بإذن الله تعالى".
ولهذا يمكن لأي قوة فاعلة داخل المجتمع ان تؤثر في الافراد وتدفعهم نحو صناعة المستقبل الأفضل والنجاح في ذلك في حال امتلك الأدوات الكافية لصناعة هذا التأثير والتغيير فيما بعد، وقد اوردنا المؤسسة الدينية كمثال على القوى الفاعلة داخل المجتمعات.
اسرار المستقبل
للمستقبل اسرار كثيرة، بل يُعرف المستقبل على انه سر كبير، لا يمكن معرفة ماذا يخبئ لنا من نهايات تتعلق بالنجاح او الفشل... لكن هذا ليس كل الحقيقة!!!
فعلى الرغم من صعوبة تحديد المستقبل قولاً وعملاً لكن الامر ليس بالمستحيل خصوصاً مع الاستعداد والإصرار والمثابرة على تحقيق الأفضل في الحاضر للنجاح في المستقبل، وعلى هذا الأساس حدد المرجع محمد الشيرازي جملة من الأمور التي يمكن معها تحقيق هذا النجاح:
1. معرفة المستقبل: "معرفة المستقبل أمر واجب في الجملة، والتخطيط له واجب آخر، لأنهما مقدمة الواجب، وهي وإن لم تكن كذلك شرعاً إلا أنها لازمة عقلاً، وبهما يتم تحقيق أغراض المولى جل وعلا الملزمة، وهذه تعد أول خطوة في هذا الاتجاه، لذا لابد من معرفة المستقبل بكل أبعاده وأجزائه وجزئياته، فبدون المعرفة لا يستطيع الإنسان أن يحسن التخطيط للمستقبل، وبدون حسن التخطيط لا يملك الإنسان حلولاً له، وربما أوجب المستقبل سقوطه".
2: التعامل المنطقي مع اسرار المستقبل: "أن الفرد والانسانية عموما إذا تمكنت من التعاطي مع المستقبل بالصيغ والتصورات السليمة، وشرعت بالتعامل المنطقي مع اسرار المستقبل، فإن الاضرار التي قد يلحقها ذلك المستقبل ستكون قليلة جدا قياسا بعدم فهمها، بمعنى كلما كان الانسان أكثر معرفة بمستقبله، كلما تحجَّمت الاضرار والمصاعب التي قد تواجهه مستقبلا".
3. التنبؤ بالمستقبل وفك رموزه: "يمكن أن نتنبأ بالمستقبل بواسطة دراسة شمولية وتحليلية للتاريخ الماضي، وكذلك دراسة شاملة للحاضر، فإن دراسة الماضي تكشف للإنسان آفاق المستقبل، وعادة أفكارنا عن المستقبل تأتي من الماضي لا من المستقبل نفسه".
4. التكيف مع حركة التغيير القوية والسريعة للمستقبل في كافة أوجه الحياة: "يشهد عالمنا اليوم حركة قوية وسريعة نحو المستقبل في كافة أوجه الحياة، وهذه الحركة توجب تغيراً شديداً، فيجب أن نكيِّف أنفسنا مع هذا التغيير حتى نمتلك ناصية المستقبل، خصوصاً إذا كان مضمون المستقبل مختلف جذرياً عن حاضرنا".
اضف تعليق