تتعدد معاني الولاية في اللغة والتفسير، وهي في الاشهر على معنيين:
الأول: هو المحب والناصر، لقوله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض).
والثاني: هو المتصرف والأولى بالتصرف). ويذكر الفخر الرازي في (التفسير الكبير): (أن الولي في اللغة قد جاء بمعنى الناصر والمحب... وجاء أيضاً بمعنى المتصرف، قال (عليه السلام) وهو ينقل عن أحد المعصومين (ع) أيّما إمرأة نُكحت بغير إذن وليها....). اما الفقيه لغة فمأخوذ من (الفقه) اي الفهم، وقد فَقِهَ الرجلُ فقهاً، وفُلان لا يفقه ولا ينقه، و(أفقهته) الشيء، هذا أصله، ثم خُصّبه (علم الشريعة)، والعالم به (فقيه)، أي صار فقيهاً، و(فقهه) الله (تفقيهاً و(تفقه) إذا تعاطى ذلك، و(فاقهه) باحثه في العلم.
ولاية الفقيه بمعناها المتداول الان، على صعيد السياسة والتدبير، ليس عليها اجماع من فقهاء الشيعة، المتقدمين أو المتأخرين، وهي محل جذب وشد بينهم لا يؤيدها الكثيرون.. تنبه المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي (قدس سره) منذ فترة مبكرة، الى المسارات التي يمكن ان تقود اليها (ولاية الفقيه) وهي تظهر على سطح الواقع السياسي الشيعي، حيث تكون بالشكل الذي طرحت فيه تقود في القادم من الايام الى الاستبداد والى التفرد في السلطة، واقترح نظرية اخرى هي الاقرب الى طبائع الامور، وهي نظرية (شورى الفقهاء المراجع). وهو (رحمه الله) مع الولاية المحدودة للفقيه، ويرفض القبول بالولاية المطلقة (العامة)، والتي تجعل ولاية الفقيه كولاية الإمام المعصوم (عليه السلام)، لذا نراه يقول في هذا الشأن: (الولاية المطلقة تكون من خصائص الباري عز وجل وهو عادل لا يظلم أحدا، وكذلك من خوله الله تعالى لها، وهو النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، والإمام المعصوم (عليه السلام)،أما الإنسان العادي فلا يحق أن يقوم بهذه السلطة المطلقة، نعم هناك سلطة محدودة وولاية مشروطة يمارسها بعض الأشخاص الذين يخولهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الإمام المعصوم (عليه السلام) أومن ينوب عنهم (عليهم السلام) في زمن الغيبة من الفقهاء المراجع العدول، فهؤلاء سلطتهم الإدارية محدودة بالشرع المقدس، وتكون خاضعة لولاية شورى الفقهاء المراجع في المسائل العامة).
حدد الامام الراحل (قدس سره) جملة من الشروط التي يجب ان يتوفر عليها الولي الفقيه وهي:
الكفاءة: حيث تقطع الطريق على المجيء عن طريق الوراثة او الانقلاب، مع وجوب ان يكون القائد كفوءا في منصبه.
الإتقان في العمل: اذ يجب أن يكون الحاكم متقنا ودقيقا في عمله. لأنه مسؤول أمام الله وأمام الشعب، وهو أسوة تتأسى به الأجيال.
الاستشارة: حيث يرى الامام الشيرازي إن "الاستشارة في الرأي وطلب آراء الآخرين والاستفادة من تجاربهم وعقولهم دليل على حنكة القائد وذكائه واتساع أفقه الفكري، إذ المشورة وجمع وجوه الآراء والعمل بأصحها وأقومها يؤدي بالإنسان إلى التقدم نحو الأفضل، والتقليل من الأخطاء، وهي إشارة إلى صحة السياسة، عبر الابتعاد عن حالات الاستبداد والديكتاتورية.. فعلى القائد الإسلامي أن لا يستبد بقراراته، لأنه غير معصوم عن الخطأ.
الانفتاح على المعارضة: اذ ان اعطاء الحرية للمعارضة وعدم خنقها وتصفيتها هو أمر ضروري، وهو منهج الرسول (صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام)، والابتعاد عن هذا المنهج يعني الركون إلى الاستبداد، ومصادرة الحريات وقمع آراء الآخرين.
التواضع أي يجب أن تتصف القيادة بالتواضع وعدم الغرور والتكبر، وكل متكبر يبعد الناس عنه ولا يقربهم إليهِ.
الجماهيرية: وهي أن تحرص القيادة على ضمان التفاف الجماهير حولها، لأن الجماهير مثل الماء إذا انعدم لم يبق شيء حي على الإطلاق، والقيادة والدولة مثل السمكة، لذا على القيادة أن تكون قريبة من الجماهير وتبث فيهم روح الأمل والتعاون.
التحلي بوصايا أمير المؤمنين (عليه السلام)، ذلك أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كثيرا ما كان يوصي ولاته وأمرائه أبان حكومته بالوصايا والتوجيهات المحمدية، والالتزام بهذه الصفات هو الطريق الصحيح الذي يجب أن تسلكه القيادة الإسلامية. ومن هذه الصفات: الشجاعة، أن يكون من ذوي المروءات والبيوتات الصالحة، السابقة الحسنة، النجدة، عالم بزمانه، ولايصانع ولا يضارع ولا يتبع المطامع.
الإصلاح: إذ إن مهمة القيادة هو بث روح الاصلاح الدائم للرعية ومنع كل انحلال أو تفسخ يصيبها، وهذا الإصلاح يشمل كل شيء في قمة وقاعدة الدولة، فضلا عن اصلاح علاقاتها مع جيرانها والدول الأخرى.
محاسبة النفس: وهذا الشرط مهم لمعرفة كل خطأ تقع فيه القيادة، فتحرص على تلافيه واصلاحه.
اللاعنف: إذ على القيادة الإسلامية أن تتحلى باللاعنف في التعامل مع شعبها وسائر الحكومات المحيطة بها وفي جميع المجالات، لأن السياسة الخشنة بعيدة عن الرحمة الإسلامية، ومعنى ذلك سقوط القيادة.
اضف تعليق