لماذا تأخر المسلمون، ولماذا يعيش العالم الإسلامي في حالة تخبط، وتأخر مستمر، فيما تستمر أمم كانت حتى وقت قريب تعد من الأمم المتخلفة أو المتأخرة؟ إنها أسئلة مشروعة تدفعنا للبحث عن أسباب تأخر المسلمين الذين يخوضون صراعا عسيرا مع أعدائهم في الخارج والداخل، فأعداء الخارج هم الطامعون والمستعمرون بمختلف أشكالهم وصورهم وأساليبهم المعروفة والخفية، أما أعداء الداخل فهم الأنظمة السياسية الفاسدة وهي أذناب الأعداء الخارجيين، التي تحكم باسم الشعب ولكنها تعمل لصالح القوى الكبرى التي تستميت من اجل نهب وسلب خيرات المسلمين، فتعيش هي في ربيع دائم وعالم مرفَّه، فيما يعيش المسلمون فقراء ضعفاء محرومين من أبسط حقوق الإنسان، بسبب تعاون الذيول (الحكومية) ضد شعوبهم لصالح الطامعين من حكومات الدول الاستعمارية المعرفة من الجميع.
وطالما أن الأنظمة السياسية أما أن تكون متواطئة أو منشغلة بمصالحها، وفي هذه الحالة تكون تابعة للدول الكبرى الطامعة ومؤتمرة بأوامرها وفي هذه الحالة تكون خائفة من الجماهير.
كما يؤكد ذلك الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيم الموسوم (الصياغة الجديدة)، حيث يقول سماحته: (إن الأنظمة تخاف المجاهدين العاملين، وتخاف من الطلائع المؤمنة
لذلك فهمة التصدي تعود للجهد الشعبي المتنور، لأن قضية خوض الصراع المرير مع القوى الطامعة سوف يكون من مهمة الجماهير، بعد أن يتضح أن الأنظمة السياسية الاستبدادية لا يمكن أن تخوض صراعا مع أسيادها والمدافعين عن عروشها، فالمهمة إذاُ ملقاة على الجماهير الشعبية المنتظمة والواعية والعارفة بطبيعة مهماتها الكفاحية ضد كل طامع بخيراتها وحقوقها.
وفي هذا المجال يؤكد الإمام الراحل على هذا الجانب بقوله:
(يجب أن تكون جماهير الأمة المؤمنة واقعية مع نفسها وفي رؤيتها ومنظارها إلى الأحداث، وهذه الواقعية تكمن في أننا اليوم نخوض صراعاً مريراً لمواجهة أعدائنا في العالم وعلينا أن نحسم المعركة لصالحنا بإعدادنا الجيد لأنفسنا).
كيف نواجه أعداءَنا؟
إن أقطاب الصراع تبدو واضحة حتى لأبسط الناس وعيا، فهناك دول وقوى ودوائر خارجية تتربص الفرص لكي تنقض على خيرات المسلمين، بمساعدة أذرعها في الداخل، لذلك يحتاج النضال الى شخصية واعية قوية صبورة، فالصبر وسعة الصدر ينم عن قوة في الشخصية وإيمان في الموقف والمبدأ معا، ويدل على دربة ودراية في أساليب المقارعة المتنوعة، لذلك تخشى الأنظمة الفاسدة من الجماهير المدربة على نحو جيد على الصبر واستقراء الواقع وحيثياته بصورة صحيحة، لذلك تبذل هذه الأنظمة قصارى جهودها لتفتيت لحمة الجماهير، وتسعى لحماية نفسها من السقوط، بغض النظر عن الوسائل التي تلجأ لها، بالإضافة الى إهدارها لمئات المليارات كمصاريف للخبراء الأجانب وغيرهم، ولا تنفق هذه الأموال في مجالات التنمية وتقليص مساحات الفقر وانتشال المحرومين من واقعهم المرير، فالهدف الأهم لها كيف تحافظ على كرسي الحكم ولا يهمها مع من تتعاون، فضلا عن استخدامها لأبشع وسائل التعذيب ومضاعفة السجون بدلا من مضاعفة المشاريع الاقتصادية.
يقول الإمام الشيرازي في هذا السياق: إن (الأنظمة تعمل الكثير في سبيل الحفاظ على عرشها إنها تستورد الخبراء العسكريين، وخبراء الأمن، وخبراء التمييع والإفساد، وخبراء التعذيب لمجتمعنا، وتبني السجون والمعتقلات لتحبس الثوار المؤمنين).
في هذه الحالة لابد أن يكون هناك استعداد جماهيري يوازي ما تقوم به الأنظمة المستبدة من استعدادات لحماية نفسها، فهذا الهدف الجماهيري الضخم بل والمصيري يستدعي أعمالا هائلة لإنقاذ المسلمين لأنفسهم، والخروج من واقعهم المتردي، ولن يحدث هذا، ما لم تكن الجهود جماعية وفردية في آن واحد، بمعنى على الفرد أن يطور قدراته المتنوعة بالإضافة الى الجانب النفسي والتعوّد على الصبر وانتهاج سياسية سعة الصدر كونها السبيل الى تحقيق الأهداف المرجوة، كذلك يتطلب الصراع مع الأنظمة الفاسدة نوعا من المطاولة والاستمرارية في المقارعة، لأن هذا النوع من الصراع لا يمكن أن يتم تحديده بزمن معين، فالصراع كما يبدو مفتوح زمنيا، وعلى المسلمين ان يتحلوا بالإرادة الواعية الفعالة والمؤمنة من أجل مواجهة أي نظام سياسي لا يعبأ بأحوال الناس، ولا يفكر إلا بمصالحه الحزبية أو الفردية، كما يحدث بالنسبة لبعض الحكام، وقد وجّه الإمام الشيرازي المسلمين بالقيام بالجهود الجبارة وصولا الى الأهداف التي تؤمّن لهم حياة حرة وكريمة:
في هذا الصدد يرى الإمام الشيرازي، أنه: (على الفرد منا أن يقوم بجهود جبارة وأعمال بطولية). ويقصَد بالعمل البطولي هنا، هو الوعي ونشره بين أكبر عدد من العقول، حتى تكون الأمة في حالة استعداد مستمر للدفاع عن حقوقها، وكي تعلم الجهات المعادية لها، في الخارج والداخل، بأنها واعية ومستعدة للكفاح المستمر، وأنها لا تسمح بالمساس بحقوقها لأي كان.
محاصرة الأنظمة العميلة
إن العمل الجماهيري لا يمكن أن يكون عشوائيا، أو خاضعا للأمزجة الفردية والارتجال، بل لابد أن تكون هناك خطط وبرامج فكرية سياسية تخطط بدقة لمواجهة المخاطر المحدق بالأمة، لذلك فإن أفضل عملية تنظيم وتبويب وبرمجة للعمل الجماهيري، هو الدخول في أحزاب مستقلة، لا تخضع لأية دولة أو جهة خارجية، ويكون ولاءها لبلدها وللمسلمين حصرا.
لذلك على الأحزاب قادة وأعضاء، أن يتنبّهوا لهذا الأمر، ويتحملوا مسؤولية العمل الجماهيري المنظّم والصحيح، من أجل محاصرة الأنظمة العميلة، أو الفاسدة، والعمل لصالح الأمة في إطار دولة المؤسسات الحامية لحقوق الجميع، مع أهمية نشر المبادئ الديمقراطي للدولة المدنية، مثل التداول السلمي للسلطة، وكبح المركزية، والعمل بمبدأ التعددية، وحماية الرأي والرأي الآخر.
وهذا الهدف الكبير لا يمكن تحقيقه إلا عندما تعي الأحزاب السياسية أهمية دورها، وتعمل على تجنب الصراعات فيما بينها، وتبتعد عن النظرة الضيقة، وعن تغليب المصالح الحزبية أو الفردية، وتترك أسلوب التسقيط، وتتفرغ للعمل من أجل مكافحة أهداف الطامعين من المستعمرين وغيرهم ممن يطمعون بخيرات الدول الإسلامية.
كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله: (يجب أن نترك ونتجنب النظرات الحزبية الضيقة، ونترفّع عن الخلافات، ولو كانت هناك خلافات بيننا فيجب أن تتحول إلى سلاح لأجل التغيير في مواجهة الأنظمة المستبدة، وأن تكون قلوبنا مفتوحة للآخرين).
وهذه النقطة بالذات تشكل حجر الزاوية في تطور العمل المجتمعي من أجل بناء دولة مستقرة، لاسيما أن هناك سمات ينبغي أن يتحلى بها الأفراد والأحزاب أو الجماعات منها الصبر والحنكة والوعي النافد، وإلغاء النظرات الضيقة في العمل الحزبي وسواه، بعد ذلك سوف يحقق هذا المجتمع الواعي تفوقا على خصومه في الخارج (الدول والدوائر الطامعة بخيراته)، والداخل ونعني بهم الأنظمة الفاسدة المستبدة التي تسعى لوأد مصالح الجماهير من أجل حماية عروشها من الزوال، لذا فإن أهمية بناء المجتمع الصبور الواعي المتعاون تأتي في المقدمة.
يقول الإمام الشيرازي حول هذا الجانب تحديدا: (إن المجتمع الذي يمتلك سعة الصدر ويبحث عن الكفاءات والمقاييس الصحيحة ولا يبحث عن العلاقات والارتباطات الحزبية الضيقة، هذا المجتمع يتقدم على المجتمع الذي يفكر فقط في مصالحه الشخصية الضيقة.
اضف تعليق