أصبحت مملكة (أود) في عهد حكامها الشيعة من أكبر وأهم المراكز الحضارية والثقافية الإسلامية في الهند والتي لا تزال آثارها قائمة إلى اليوم حيث اهتموا بإنشاء المعاهد والمؤسسات الثقافية غاية الإهتمام وزخرت عاصمتهم بالعلماء والفقهاء والأدباء والشعراء كما امتلأت بالمداس العلمية والمكتبات العامرة بالكتب يقول الروائي والمؤرخ الكبير (مولانا عبد الحليم شرر): (لقد كانت (أود) آخر رمز للحضارة الشرقية).
وقد حققت هذه الدولة الكثير من الإنجازات ففضلا عن إنجازاتها في الميادين العسكرية في استتباب الأمن ودفع العدو فقد كانت لها إنجازات على الأصعدة الإجتماعية والعلمية والأدبية.
وقد حكم (أود) أحد عشر ملكا هم:
1ـ سعادت خان برهان الملك (المير محمد أمين) (1722 ـ 1739)
2ـ أبو المنصور خان صفدر جنك (ميرزا محمد مقيم) (1739 ـ 1754)
3ـ شجاع الدولة (ميرزا جلال الدين حيدر) (1754 ـ 1775)
4ـ آصف الدولة (ميرزا يحيى) (1775 ـ 1797)
5ـ ميرزا وزير علي خان (1797ـ 1798)
6ـ سعادت علي خان (يمين الدولة) (1798 ـ 1819)
7ـ غازي الدين حيدر (1819 ــ 1827)
8ـ الملك نصير الدين حيدر (1827 ــ 1837)
9ـ الملك محمد علي شاه (1827 ـ 1837)
10ـ الملك أمجد علي شاه (1837 ـ 1842)
11ـ الملك واجد علي شاه (1847 ـ 1856)
يقول المؤرخ الهندي الكبير (حادوناث سركار): (وقد أصبحت (فيض آباد) عاصمة أود السابقة حتى عهد شجاع الدولة ومن ثم (لكنهو) العاصمة الجديدة من بعدها ملجأ أمراء أباطرة دلهي والعلماء والفقهاء بأمور الدين والشعراء والفنانين والحرفيين من رعايا الإمبراطورية ومن الأجانب على حد سواء).
وكان سعادت خان مؤسسها وأول ملوكها يتمتع بصفات أخلاقية كريمة فإضافة إلى كونه قائداً عسكرياً شجاعاً وإدارياً كفوءاً وقديراً فقد كان عادلاً شديد الحرص على فرض العدل بين الناس ويدافع عن المظلومين ويسترجع لهم حقوقهم كما كان سخياً جداً فكان يمنح جنوده إضافة إلى رواتبهم المقررة المساعدات والسلف والهدايا حتى أنهم كانوا مدينين له عند وفاته بمبلغ ضخم وقد اتبع سياسة التحرر الفكري فلم يكن متعصبا ضيق الأفق فشجع الكفاءات والمواهب من كل الطوائف حتى أن المؤرخين الهندوس أثنوا عليه فكان محبوباً ومحترماً من قبل الجميع لشريف خصاله حتى قيل إن أود لم تعرف حاكما أفضل منه وسار على نهجه ابن أخته صفدر جنك الذي حكم أود بعده وكذلك بقية الحكام فكانت هذه الأجواء ممهدة لظهور العلماء والأدباء والمفكرين.
يقول (سركار): (وكذلك كان سخاء حكام أود مضرب الأمثال في جميع أنحاء الهند فصار كل ذي حاجة أو من يعاني من ضائقة يتوجه إلى أود وهو واثق أنه سيجد في رحاب أمرائها وأعيانها كل ترحيب واحترام وحتى في أيام النزع الأخير من حكم أسرة أود عندما وقعت البلاد في قبضة البريطانيين لم يصد بلاط أود أي طالب حاجة سواء كان من الشيعة أو السنة أو الهندوس).
لقد كان حكام أود مثال الحاكم الإسلامي العادل الذي يحرص على تدبير شؤون رعيته ولم تقتصر إنجازات حكام أود على أود والهند فقط بل إن مشاريعهم الإنسانية وصلت إلى العراق فقد قام آصف الدولة (ميرزا يحيى) الملك الرابع لمملكة أود الذي نقل العاصمة من فيض آباد إلى لكهنو بإيصال الماء من الفرات إلى مدينة النجف الأشرف وقد حرص على إيصاله إلى أقرب مكان في النجف حرصا منه على الإعتناء بالأماكن المقدسة، وقد بذل الأموال الطائلة في سبيل ذلك فحفر نهر الهندية الذي يبدأ من المسيب وكان لهذا المشروع أثر كبير في إنماء الأراضي فانتعش القطاع الزراعي وقد تحقق هذا المشروع بتشجيع من قبل السيد دلدار علي عالم الهند الكبير.
كما أولى حكام هذه المملكة عناية خاصة بالمراقد المقدسة في العراق فقد زار كربلاء الملك محمد علي شاه الملك التاسع لمملكة أود مع زوجته الأميرة تاج (دارباهو) فأوعز بتعمير المرقد المقدس وإنشاء الإيوان الذهبي الصغير أمام الباب الأول واعتنى السيد حسين بن السيد دلدار علي ببناء مرقدي مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة (ع) وتذهيب إيوان مرقد العباس(ع).
كما اهتموا بالشعائر الحسينية فقد شيدت في عهد آصف الدولة حسينية (إمام باره) الضخمة في أود والتي تحتوي على قاعة كبيرة لإقامة الشعائر الحسينية وكان هذا الحاكم ـ آصف الدولة ـ شاعرا فزخرت في عهده لكهنو بالعلماء والأدباء والمفكرين الكبار ففي عهده برز كبار أدباء الهند أمثال سودا ومير تقي مير ومصحفي ومير حسن ومير شير علي أفسوس كما برز في عهده السيد دلدار علي أول مجتهد شيعي هندي ويعد من كبار علماء الهند وبرز من أسرته العديد من العلماء الأعلام.
كما لم تقتصر منجزات مملكة أود على الرجال فقد سعت (بهوبيكم) وهي أميرة من الأسرة الحاكمة إلى إقامة منظمات إجتماعية وثقافية إسلامية كثيرة للعمل على تطوير الواقع الإجتماعي والثقافي للشيعة.
ولا تزال لكهنو عاصمة أود السابقة مركزاً إشعاعياً وحضارياً للشيعة إلى الآن حيث تضم لكهنو اليوم العديد من المدارس الشيعية العلمية منها:
1 ــ مدرسة الواعظين التي أنشأها السيد نجم الحسن بمؤازرة راجا محمود آباد عام (1338) وهي مدرسة ضخمة تضم عدة أقسام أقيمت لإعداد الخطباء والوعاظ ولها مطبعة ملحقة بها وتصدر عنها مجلتي (مسلم ريو) و(الواعظ) كما تحتوي على مكتبة ضخمة تضم أكثر من عشرين ألف كتاب وفي شتى العلوم الإسلامية وباللغات العربية والفارسية والأوردية والإنكليزية إضافة إلى احتوائها على مخطوطات نادرة.
2 ـ مدرسة سلطان المدرس: أسسها العالم السيد محمد باقر الرضوي الكشميري المتوفى عام (1346) وتحتوي على عدة أقسام ابتدائية وثانوية وعالية ويدرس فيها العلوم الإسلامية من فقه وحديث وأدب وتحتوي هذه المدرسة على مكتبة ضخمة تضم خمسة آلاف كتاب
وإضافة إلى هذه المدارس العلمية والمكتبات التي تضمها فهناك مكتبات كبرى أسسها الشيعة تضاهي المكتبات الحكومية منها:
1ــ (المكتبة الناصرية): التي أسسها السيد محمد قلي الموسوي المتوفى عام (1260) وحرص على إبقائها عامرة من بعده أولاده وأحفاده حيث توسعت على أيديهم وازدهرت بمختلف الكتب حيث ضمت أكثر من أربعين ألف مجلد بين مخطوط ومطبوع وهي موجودة إلى الآن وقد شيدت لها بناية فخمة وخصصت لها الحكومة الهندية مبلغا سنويا لإدارة شؤونها وأصبحت من المكتبات العامة التي تعرض لجميع القراء
3 ــ مكتبة ممتاز العلماء: وتحتوي على ثمانية عشر ألف مجلد باللغات العربية والفارسية والأوردية أكثرها مخطوط
4 ــ مكتبة أمير الدولة براونشل لابريري: وقد أسسها محمد حسن خان راجا محمود آباد عام (1921) بنقل مكتبته الخاصة التي تحتوي على خمسة وخمسين ألف مجلد ثم توسعت حتى أصبح عدد محتوياتها من المجلدات يبلغ أكثر من (110) ألف مجلد باللغات العربية والفارسية والأوردية والسانسكريتية وغيرها من اللغات كما يوجد فيها مخطوطات أثرية مدونة على لوحات خشبية وقطع نحاسية.
5 ـ مكتبة ندوة العلماء: وتضم هذه المكتبة أكثر من ستين ألف مجلد منها (5500) مخطوط في شتى العلوم الإسلامية وهي بلغات فارسية وعربية وأوردية وسانسكريتية.
6 ــ مكتبة (فرنكي محل) وتحتوي على تسعة الآف مجلد.
اضف تعليق