للشيعة في الهند تاريخ مشرق ومشرّف على كافة الأصعدة حيث كان لهم الدور الأكبر في بناء الحضارة الهندية وتقدّمها فقد وضع الكثير من القادة والزعماء والمفكرين والفقهاء والكتاب والشعراء الشيعة بصمات لا تمحى في سجل التاريخ الهندي السياسي والإجتماعي والفكري والأدبي وكان لهم دور كبير أيضا في الدفاع عن الأراضي الهندية ضد الإحتلال البريطاني فقد كانوا رموز النضال والتضحية في سبيل تحرير الهند.
وقد أقام الشيعة في الهند أربع دول ثلاث منها في الجنوب وهي (العادل شاهية) وكانت عاصمتها (بيجاور) و(القطب شاهية) وكانت في (كولكندة الدكن وحيدر آباد) و(النظام شاهية) وكانت عاصمتها (أحمد نكر) أما الدولة الرابعة فقد قامت في شمال وشرق الهند وهي دولة (أود) وقد اتخذ حكامها من (فيض آباد) عاصمة لهم ثم انتقلت العاصمة إلى (لكهنو) وقد حكمت هذه الدولة زهاء (134) عام حيث امتد حكمها بين عامي (1722 ــ 1856م) وكانت تحد مملكة (أود) مملكة النيبال من الشمال والشمال الشرقي ومن الشرق مقاطعة غورغ بور ومن الجنوب الشرقي مقاطعتا عظمغار وجونبور ومن الجنوب مقاطعة الله آباد ومن الجنوب الغربي إقليم دؤاب بما فيه من مقاطعات فتح بور وكانبور وفرخ آباد ومن الشمال الغربي شاه جيهانبور.
وقد حقق حكام أود انجازات كبرى ليس لأود فقط بل للهند على الأصعدة السياسية والإجتماعية والفكرية يقول المؤرخ الهندي الكبير السير (حادوناث سركار): (لقد لعب حكام (أود) دورا هاما في تاريخ شمال الهند طوال القرن الثامن عشر فقد كانوا في معظم الأحيان العصب المحرك لشؤون وأمور حكومة الهند المركزية).
أسس هذه الدولة المير محمد أمين الذي عرف فيما بعد بـ (الملك سعادت خان) أول ملوكها والذي جاء من نيسابور (إيران) إلى الهند عام (1120هـ/1708م) فاستقر في مدينة الله آباد لكنه لم يجد ضالته فيها فقد كان يتمتع بقدرات ومؤهلات القيادة كالشجاعة الفائقة والإقدام وحسن التدبير والذكاء وكان ذا طموح لأن يتسنم منصبا عسكريا فغادر الله آباد عام (1713) إلى دلهي التي فتحت له أبواب الشهرة والمجد.
فقد عين بمنصب (نايب كاروري) وهو منصب عسكري يعادل منصب (كونت) في أوربا و(باشا) عند الأتراك وذلك في عهد (فروخ سيار) ثم ترفع إلى منصب فوجدار مقاطعة هندوان وبيانا التي كانت تعمها الفوضى فاستطاع في غضون ستة أشهر السيطرة على المقاطعة وأن يخضع شعبي الراجبوت والجات الشرسين بفضل قدرته العسكرية كما استطاع أن يفرض القانون والنظام ويعيد استتباب الأمن حيث أخضع (الزمادرة) وهم جباة الرسوم المفروضة على الأرض للقانون وذلك عام (1719) فكان لمهارته ومقدرته التي أثبتها في الميادين العسكرية والإدارية صدى واسع في البلاد وذاع صيته كقائد عسكري قدير.
وفي عام (1720) تلقى محمد أمين (سعادت خان) ترقية أخرى فأصبح حاكم أكبر آباد (أغرا) ثم لقب (بهادر جنك) ثم عينه الإمبراطور محمد شاه بمنصب (داروغا وخواسان) أي قائد الحرس الإمبراطوري عام (1721) وبعد سنة من هذا التاريخ أصبح محمد أمين سعادت خان أول حاكم لمملكة أود الشيعية وفوجدار مقاطعة غورك بور فاستطاع القضاء على حركة الشيوخ العاصين في لكناو وقتل زعيمهم (موهان سنغ) زعيم تيلوي وفض الأجناس والطوائف المتصارعة وتم الإتفاق بينه وبين سكان (أود) على تسوية عادلة للإيرادات فلقب بـ (برهان الملك).
بعد استتباب الأمن في (أود) كان (بغوانت سنغ) يثير الفوضى والإضطراب في ولاية (كوراجهاناباد) فتوجه إليه سعادت خان وقضى عليه وأعاد الأمن إلى جميع أنحاء الولاية وفي عام (1737) استطاع سعادت خان هزيمة (المراهطة) هزيمة نكراء وتعقب آثارهم على مسافة أميال بعد أن دخلوا منطقة (ذؤاب) وأشاعوا فيها الفوضى.
وقد أصيب سعادت خان بجرح بليغ في رجله لكنه استمر في القتال رغم الألم وكانت نهاية هذا القائد الشجاع في معركة (كرنال) عام (1739) عندما استولى نادر شاه على مدينة لاهور فتحرك سعادت خان بمقتضى الأوامر الإمبراطورية من أود على رأس جيش كامل التجهيز قوامه (30000) خيال وكتائب مدفعية وكميات كبيرة من آلات الحرب وقطع المسافة الطويلة والشاقة من أود إلى كرنال والتي تزيد على (450) ميلا بمدة شهر واحد وقد سبق جيشه الضخم هذا إلى كرنال، وبينما كان يبحث مع الإمبراطور الخطط الحربية التي سيستعملها بلغه أن الفرس قد هاجموا بعض قطعات جيشه وقتلوا رجاله واستولوا على المعدات والتجهيزات التي كانت تتبعه على مهل فسار فور سماعه هذا الخبر على رأس قوة صغيرة مؤلفة من ألف خيال وقليلا من المشاة واصطدم مع الفرس بكل شجاعة وجرأة وإقدام رغم جرحه الذي تركه دون عناية وعلاج ولم ترده من الإمدادات سوى (4000) خيال و(1000) من المشاة ولكن هذه القوة الصغيرة المكونة من (6000) آلاف مقاتل لم تكن لتصمد أما جيش جرار طويلا ولم يجد سعادت خان لطلبه بالإمدادات ملبيا فذهبت نداءاته أدراج الرياح فقد ترك الإمبراطور والنظام حاكم حيدر آباد والوزير المعسكر مع الجيش ولكنهم لم ينضموا إلى المعركة.
بقي سعادت خان يقاتل مع تلك القوة الصغيرة ذلك الجيش الجرار ببسالة نادرة حتى أبهر ملك الفرس نادر شاه وقد عاود سعادت خان جرحه الذي تورم وتقرح وساءت حالته الصحية كثيرا وهو في ساحات القتال حتى وقع أسيرا ثم مات بعد فترة وجيزة من أسره.
وهكذا انتهت حياة هذا القائد البطل بعد حياة مليئة بالتضحيات، يقول المؤرخ الهندي الكبير السير (حادوناث سركار) عن شجاعة سعادت خان ودوره السياسي الكبير في استقرار الهند والدفاع عن أراضيها: (فشجاعة سعادت خان في إلحاق الهزيمة بالمراهطة عندما هاجموا جيش باجي راو هؤلاء المراهطة الذين لم يفلح أي قائد في التصدي لهم وكذلك الشجاعة التي لا نظير لها التي أبداها في ساحة معركة (كرنال) وأيضا القدرة التي أظهرها صفدر جنك في إدارة وضبط الإمبراطورية بصفته وزيرا طيلة ما يزيد على خمس سنوات وأخيرا مساندة شجاع الدولة لأحمد شاه دراني والتي قلبت موازين القوى كليا ضد المراهطة في حملة باني بت وتحديه للإمبراطورية البريطانية الوليدة في الهند كل تلك المآثر تجعل تاريخ أود في عهد النواب (الحكام الشيعة) فترة لا تنسى من تاريخ الهند العام).
بعد وفاة سعادت خان تولى ابن أخته الميرزا محمد مقيم المعروف تاريخيا باسم (أبو المنصور خان صفدر جنك) الذي ولد في نيسابور عام (1708) وقد جاء إلى الهند وعمره (15) عام بطلب من خاله سعادت خان عام (1723) أي بعد أن أصبح سعادت خان حاكما لأود فزوجه من ابنته (بيجوم) وعينه نائبا له على ولاية أود، وكان صفدر جنك يتمتع بقدرات عالية ليس في ميادين الحرب فقط بل في شؤون إدارة الدولة وقد اكتسب من خاله المهارات القتالية وحسن التدبير فقد كان يرافقه في جميع حملاته وحروبه فاستطاع القضاء على القبائل المتمردة التي عاودت التمرد بعد سماعها بموت سعادت خان وهزيمتهم وتشتيت شملهم وفي عام (1743) أصبح قائد المدفعية الإمبراطورية ثم حاكما على كشمير إضافة إلى أود والتي عهد بإدارتها إلى ابن عمه تسير جنغ نيابة عنه، كان صفدر جك إضافة إلى كونه مثال القائد العسكري الشجاع فقد كان نبيلا يعمل بمبدأ العفو عند المقدرة فكان يعفو عن أعدائه في حالة استسلامهم مهما كان جرمهم ضده وهذا ما فعله مع الراجا (نوال سنغ) زعيم نبي نغر وكاتيسار الذي استسلم لصفدر جنك فعفى عنه وأبقى له على ممتلكاته بعد حصار طويل كما كان حاكما عادلا فقد حدث أن أساء ابنه شجاع الدولة التصرف فاعتقلته الشرطة لكنه لم يتشفع فيه بل ترك العدل يأخذ مجراه فسجن شجاع الدولة وضرب بشدة، كما كان صفدر جنك مؤمنا عفيفا فلم يعرف من النساء سوى زوجته ابنة خاله بيجوم وقد منح لولاياته السلام والأمان وساس أمور العباد بالعدل والإحسان وقد أحبه الناس ولا يزال قبره إلى الآن في ضريح جميل يعرف بـ (صفدر جنك).
بعد وفاة صفدر جنك تغير الوضع السياسي تغييراً تاماً حيث احتلت بريطانيا الهند فكان لأود عهد آخر من النضال ضد الإحتلال البريطاني حيث يزخر تاريخ الهند السياسي بصفحات النضال لأود ضد الإنكليز وخاصة في عهد الأمير البطل شجاع الدولة الذي سجل صفحات مشرقة من النضال ضد الإحتلال البريطاني فكانت أود آخر مملكة تسقط في حيز الإحتلال كما اندلعت من أود أول شرارة لثورة (1857) ضد شركة الهند الشرقية البريطانية على يد المولوي أحمد الله ممثل نواب أود
اضف تعليق