قِيلَ للأحنف بن قيس: ممن تعلّمت الحكم والحلم فقال: مِن حكيم عصره، وحليم دهره، قيس بن عاصم المنقري. وسُئل قيس بن عاصم نفس السؤال فقال: مِن الحكيم الذي لم تحل قطّ حبوته، والحكيم الذي لم تنفد حكمته، أكثم بن صيفي. ولما سُئل أكثم بن صيفي السؤال نفسه قال: مِن حليف الحِلم والأدب سيّد العرب والعجم، أبي طالب بن عبد المطلب.
وهؤلاء الثلاثة: ــ الأحنف بن قيس، وقيس بن عاصم المنقري، وأكثم بن صيفي ــ هم أشهر حكّام العرب وحلمائهم على الإطلاق، وكان أحلم الثلاثة أكثم بن صيفي الذي اقتبس حكمه وحلمه من سيد قريش أبي طالب كما جاء على لسانه، وكانت العرب كلها تتقاضى عند أكثم ولاترد حكمه لشرفه ونزاهته وحكمته وكان: (من سادات العرب شريفاً حكيماً وفارساً شجاعاً ومستشاراً خبيرا) وكانت الملوك تراسله وتستمع منه النصيحة.
وقد أدرك أكثم الإسلام وهو شيخ كبير وتشرّف به فعندما بُعث النبي (صلى الله عليه وآله) بالنبوة بعث أكثم ابنه على رأس وفد من قومه ليطلعوا على أمر النبي الجديد فلما عادوا وأخبروه بأمر النبي عرف أنه أمر من السماء وإنه النبي الموعود فجمع وجوه قومه وخرج بهم قاصداً مكة للدخول في الإسلام لكنه مات في الطريق وقد أشهد قومه قبل أن يموت بأنه أسلم وأوصاهم باتباع النبي.
هذا السجل المشرق لأكثم بن صيفي الذي أضاء في رقعة التاريخ ازداد سطوعاً بسفر حفيده الشاعر (ابن الصيفي) الذي كان الرافد الدافق بإرث جده من الحكمة والبيان والإيمان والثبات على العقيدة والشعر فـ: (جُددت حماسة المتنبي وانبعث فخره في شعر ابن الصيفي، فضلاً عن عذوبة البحتري وجزالة الفرزدق وبديع أبي تمام حتى لقِّب بـ (ملك الشعراء). وعدّه الدكتور مصطفى جواد (المتنبي الثاني)، و (قد أثرت عربيته القُحّة في شعره وحملته على التشبه بالفرزدق. والمتأمل لشعره يرى ذلك الأثر ظاهراً عليه). هكذا وصفت المصادر الشاعر ابن الصيفي وأثره الكبير على الساحة الشعرية العربية.
سيرة وإرث
ولد الشاعر شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد التميمي المعروف بـ (ابن الصيفي) ــ نسبة إلى جده أكثم بن صيفي ــ في بغداد عام (492هـ)، وقد اشتهر أيضاً بلقب (حَيصَ بَيص) وسبب تلقيبه بهذا اللقب إنه رأى الناس ذات يوم في حركة مزعجة وأمرٌ مريج فقال: ما للناس في (حَيصٍ بَيص)؟ فاتخذ الناس ذلك لقباً عليه. ولا شك في أن لمُنافسه ومُهاجيه، هبة الله بن الفضل أثراً كبيراً في انتشار هذا اللقب ويدلنا على ذلك قول ابن الصيفي في إحدى هجائياته:
لـئـن أصـبـحـتُ بـيـنـكـمُ مُـضـاعـاً *** أبـيـعُ الـفـضـلَ مـجَّـانـاً رخـيـصــــا
وعـاقـنـيَ الـزمـانُ عـن الـمـعـالـي *** فـصـرتُ إلـى حـبـائـلـهِ قـنـيـصـــــا
فـإنـي سـوف أوقـعـكـم بـبـأسـي *** وإن طـال الـمـدى فـي حَـيـصَ بـيـصـا
دخل ابن الصيفي مضمار العلم والأدب وله من العمر ثلاث عشرة سنة، ودرس مبادئ اللغة العربية والأدب، وسمع الحديث النبوي، ثم درس الفقه ومال إلى الأدب واستهواه الشعر فأجاده وطبع عليه فكان من أخبر الناس وأعلمهم بأشعار العرب واختلاف لغاتهم ولم يتخلّ عمره كله عن لغته الفصيحة المعربة، فكان قوي (العروبة) لايتكلم إلا باللغة الفصيحة المعربة وينطق بالحروف على حسب لغة الإعراب في عصر طغت فيه اللكنة في الكلام واللهجات الدخيلة، وقد ظهرت عروبيته في جميع أحواله فكان يلبس القباء والعمامة ويتزيّا بزي العرب العرباء ويتقلد سيفاً، وكان الشعراء البغداديون المعاصرون له كابن الفضل والخطيب ابي العباس العباسي يعيبون عليه عروبته ويهجونه منكرين عليه انتسابه إلى تميم فكان يفتخر بشعره في جوابه لهم ومن ذلك قوله:
إن شـاركَ الأدوانُ أهـل الـعـلـــــى *** والـمـجـدُ فـي تـسـمـيـةٍ بـالـلـسـانْ
فـمـا عـلـى أهـل الـعـلـى سـبَّـــــــةٌ *** إن بـخـورَ الـعـودِ بـعـضُ الـدُّخـانْ
والـرمـحُ لا يـرهـبُ أنـبـوبـــــــــه *** إلاّ إذا ركّـب فـيـه الـسـنــــــــــــانْ
أشـجـع وجّـد تـحـظ بـفـخـريـهـمـا *** فـكـل مـاقـد قـدّر الله كــــــــــــــانْ
كان ابن الصيفي يميل إلى ملوك بني مزيد الأسديين الشيعة بالحلة وأطرافها، ومدح الأمير دبيس بن صدقة المزيدي، وكان هذا الأمير خارجاً على بني العباس مبادياً لهم بالعدواة وقد حارب الخليفة المسترشد وقد هجا ابن الصيفي المسترشد والمقتفي وجاهرهما بالعداوة والمنابذة والهجاء ومدح الأمراء المزيديين وأشاد بهم، وكان معه على رأيه من المشاهير الشاعر محمد بن المؤيد بن عطاف الآلوسي وعبد القاهر السهروردي صاحب القبر المشهور ببغداد فقبض المقتفي على ابن الصيفي وأخُذ حافياً حاسراً وسجن في سجن اللصوص مع صاحبيه ثم أخرج بشفاعة شافع.
كان لابن الصيفي همّة لاتقلّ عن همّة المتنبي أفصح عنها في الكثير من شعره وجاهر بالعداوة لبني العباس وتحدّى طغيانهم وجبروتهم من ذلك قوله:
خُـذوا مِـن ذِمـامـي عـدَّة لـلـعـــــــــــــواقـبِ *** فـيـا قـربَ مـابـيـنـي وبـيـن الـمـطالـبِ
لـوائـي زمـانـي بـالـمـرامِ، وربَّـمــــــــــــــا *** تـقـاضـيـتـه بـالـمـرهـفـاتِ الـقـواضـبِ
عـلـى حـيـن مـاذدت الـصّـبـا عـن صـبـابـةٍ *** ذيـادَ الـمـطـايـا عـن عـذابِ الـمـشـاربِ
ورضّتْ بأخلاقِ المشيـــــــــــــــــبِ شبيبةً *** معـــــــاصية لا تستــــــــــكينُ لجاذبِ
عقــــــــــــائلُ عزم لا تبـــــــــاحُ لضـارعٍ *** وأسرارُ حـــــــــــــــزمٍ لاتذاعُ للاعبِ
ولله مقذوفٌ بكلّ تَــــــــــــــــــنُوفـــــــــــةٍ *** رأى العزَّ أحلى من وصـالِ الكــواعبِ
أغرَّ الأعـــــــــادى إننــــــــــــي بتّ مُقتراً *** وربَّ خلوٍّ كــــــــــــــــان عوناً لوائب
رويـــــــــدكم إني من المجدِ مـــــــــــوسرٌ *** وإن صفرتْ عمَّـــــــا أفدتـــــم حقائبي
كانت له همة عالية وحس قوي للتصدي للعباسيين وظلمهم ولكن لم يجد الفرصة أو الأذن الصاغية لما يريد فهو يخاطب قومه ويحفزهم ويحضهم على هذه السلطة الجائرة وحكامها المستبدين:
سأضرمها حمــــــــــــراء ينزو شــرارُها *** على جنباتِ القاعِ نزوَ الجنــــــــــــادبِ
بكلِّ تميــــــــــــــــــــــــــميٍّ كأنّ قميصَه *** يلاثُ بغصـــــــــــن البــــــانة المتعاقبِ
إذا كذبَ البرقُ اللمـــــــــــــــــــوعِ لشائمٍ *** فبرقُ ظباها صـــادقٌ غيرُ كـــــــــــاذب
فوارسَ باتوا مجمعيــــــــــــــنَ فأصبحوا *** وآثــــــــــــار عــقد الرأي عقد السبائبٍ
إذا شرعوا الأرمـــــــــــاحَ للطعنِ خلتهم *** بدوراً تجـــــــــــارى في طلاب كواكب
أسودٌ إذا شبَّ الخميــــــــــــــسُ ضرامَه *** أسالوا نفوسَ الأسدِ فوق الثــــــــــــعالب
ملك الشعراء
قال اليافعي في (مرآة الجنان) و(عبرة اليقظان) في حوادث سنة (574هـ): (توفي حيص بيص أبوالفوارس سعد بن محمد التميمي الشاعر وله ديوان معروف، وكان وافر الأدب متضلعاً في اللغة بصيراً بالفقه والمناظرة).
ولابن الصيفي العديد من القصائد والمقطوعات في أهل البيت أشهرها الأبيات الثلاثة التي يقارن فيها بين سجاياهم النبيلة وعفوهم وسماحتهم وبين غدر العباسيين ومكرهم وإجرامهم، ولهذه الأبيات قصة روتها المصادر التاريخية وهي كما رواها ابن خلكان في وفيات الاعيان بقوله: (قال الشيخ نصر الله بن مجلي رأيت في المنام علي بن ابي طالب فقلت له: يا أمير المؤمنين تفتحون مكة فتقولون: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ثم يتمّ على ولدك الحسين في يوم الطف ما تمّ، فقال: أما سمعت أبيات ابن صيفي في هذا، فقلت: لا. فقال: اسمعها منه، ثم استيقظت فبادرت إلى دار ابن صيفي فخرج إليّ فذكرت له الرؤيا فشهق وأجهش بالبكاء وحلف بالله إن كانت خرجت من فمي أو خطى إلى أحد وإن كنت نظمتها إلاّ في ليلتي هذه ثم أنشدني:
مـلـكـنـا فـكـان الـعـفـو مـنَّـا سـجـيـةً *** فـلـمـا مـلـكـتـمْ سـالَ بـالـدمِ أبـطـــــــحُ
وحـلـلـتـمُ قـتـلَ الأسـارى وطـالـمـا *** غـدونـا عـن الأسـرى نـعـفُّ ونـصـفـحُ
فـحـسـبـكـمُ هـذا الـتـفـاوتُ بـيـنــنـا *** وكـلّ إنـاءٍ بـالـذي فـيـــه يـنـضــــــــــحُ
وهذه الأبيات هي أشهر شعره حيث تناقلتها الأفواه واحتج بها كثيرا على بني العباس من قبل العلويين وشيعتهم لأنها بينت التفاوت الكبير بين سماحة النبي وأهل بيته (عليهم السلام) وكرمهم وأخلاقهم وبين قسوة العباسيين ووحشيتهم وطغيانهم وظلمهم وقد خمسها وشطرها الكثير من الشعراء من مختلف الأجيال ومن الذين شطروها الشيخ عبدالحسين الحلي المتوفي سنة (١٣٧٥هـ) حيث قال:
ملكنا فكان العفو مِنَّا سجيَّـــــــــــــةٍ *** بيومٍ بهِ بطحـــــــــــــــــاءُ مكـةَ تُفتحُ
فسالتْ بفيضِ العفوِ مِنّا بطـــــاحُكم *** ولمَّا ملكتمْ ســـــــــــــــالَ بالدمِ أبطحُ
وحلّلتمُ قتلَ الأســـــــــارى وطالما *** فككنا أسيــــــــــــــراً منـكم كــادَ يُذبحُ
وفي يومِ بدرٍ مُذْ أسرْنا رجــــــالَكم *** غدونا عن الأسرى نَعُــفُّ ونصفــــحُ
فحسبكمُ هذا التفاوتُ بينــــــــــــــنا *** فأيّ قبيــــلٍ فـيــــــــــهِ أربَــى وأربـحُ
ولا غَرو إذ كـــنّا صفَحـــنا وجُرتُمُ *** فكلّ إنـــاءٍ بالذي فيهِ ينضــــــــــــــح
كما خمسها كثير من الشعراء منهم السيد محمد بن السيد صادق الفحام النجفي حيث قال:
نعم جدنا المختــــــــــــار ليس أُميةً *** وجدتنا الزهــــــــــــراء ليستُ سميّةً
ونحن ولاةُ الأمــــــــــرِ لسنا رعيةً *** ملكــــــــــــــنا فكانَ العفو منا سجيّةً
ولما ملكتم سالَ بالدمِ أبطحُ
أما نحن يا أهلَ الضــــلالةِ والعَمى *** عفونا بيومِ الفتحِ عنـــــــــــكمْ تكرّما
علامَ أبحتمْ بالطفــــــــــوفِ لنا دمَا *** وحللتم قتل الأســــــــــــارى وطالما
غدونا عن الأسرى نَعفُّ ونصفحُ
ونحنُ أُناسٌ لم يكُ الـــــــغدرُ شأننا *** ولا الأخذ بالثــــــــأرِ الـذي كان ديننا
ولكنما نعفو ونكـــــــــــــظمْ غيظنا *** فحسبكُم هذا التفــــــــــــــــاوت بيننا
وكلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ
ومن غرر قصائد ابن الصيفي في أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله:
قـومٌ إذا أُخـذ الـمـديـح قـصـــــــــائـداً *** أخـذوه عـن طـه وعـن يـاسـيـــــــــــــنِ
وإذا عـصـى أمـر الـمـمـالـك خـــادمٌ *** نـفـذتْ أوامـرهُـم عـلـى جـبـريـــــــــــنِ
وإذا انـطـوى رمـق الأضـالع وفّـروا *** مـيـسـورَ زادهـمُ عـلـى الـمـسـكـيــــــــن
وإذا تـفـاخـرت الـرجـالُ بـسـيــــــــدٍ *** فـخـروا بـأنـزع فـي الـعـلـومِ بـطـيــــــنِ
مُلْقي عمـــــــــــود الشِّرْكِ بعد قيامِهِ *** ومُبينِ ديـــــــــــــــــــــنِ اللّهِ بعدَ كُمونِ
الـمـسـتـغـاثُ إذا تـشـابـكـت الـقـنــــا *** وغـدت صـفـونُ الـخـيـلِ غـيـر صـفـونِ
ما أشـكـلـت يـوم الـجـدالِ قـضـيــــةٌ *** إلّا وأبـدلَ شـكّـهـا بـيـقـيــــــــــــــــــــــنِ
مـسـتـودعُ الـسـرِّ الـخـفـيّ ومـوضـعُ الــــــــخـلـقِ الـجـلـي وفـتـنـةُ الـمـفـتـــــــــــونِ
وفي البيت الأخير إشارة واضحة إلى قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (عـلـمـني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب)
ومن مدائحه لأمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً قوله:
صـنـو الـنـبـي رأيـت قـافـيـتــــــــــــــــي *** أوصـاف مـا أوتـيـت لا تـســـعُ
فـجـعـلـت مـدحـي الـصـمـت عـن شـرفٍ *** كـل الـمـدائـحِ دونـه يـقــــــــــعُ
مـاذا أقـول وكـل مـقـتـســـــــــــــــــــــــمٍ *** بـيـن الأفـاضـل فـيـك مـجـتـمـعُ
بهذه الأشعار كان ابن الصيفي يجاهر في حبه وولائه لأهل البيت ويعدِّد فضائلهم وأفضليتهم على جميع الناس في دولة بني العباس كما كان يجاهر العباسيين بالهجاء، ويذكرهم بفضل العلويين عليهم. وشتان مابين مواقف أهل البيت عليهم السلام السمحاء وأخلاقهم العظيمة، ومواقف العباسيين الشنيعة وجرائمهم.
ومن أشعاره قوله وهو يضمّن أعلمية أمير المؤمنين على جميع الصحابة والناس واستغنائه عن الكل واحتياج الكل إليه كما يضمّن معجزة رد الشمس إليه في أرض بابل.
صـدوفٌ عـن الـزادِ الـشـهـيِّ فــــؤادُه *** رغـيـبٌ إلـى زادِ الـتُّـقـى والـفـضـــــــائـلِ
جـرئٌ إلـى قـولِ الـصـوابِ لـســــانُـه *** إذا مـا الـفـتـاوي أفـحـمـتْ بـالـمـســــــائـلِ
أعـيـدتْ لـه شـمـسُ الأصـيـلِ جـلالـة *** وقـد حـال ثـوب الـصـبـح فـي أرض بـابـل
هويته الشيعية
لا يخامر كل من يطلع على شعر ابن الصيفي ومواقفه المناهضة والمعارضة لبني العباس وانتصاره للعلويين إضافة إلى سيرته ونشأته وحياته أدنى شك على تشيّعه الصريح، ونستطيع أن نتلمّس بوضوح تشيّع ابن الصيفي ـــ إضافة إلى شعره الشيعي ــ من خلال لجوئه إلى الأمراء المزيديين الشيعة في الحلة ومدحهم، وهجائه لبني العباس والتعريض بهم فإن أي شاعر ـــ إذا كان سنيا ــ لا يمكن أن يتصرف بهذا التصرف مهما بلغ من اعتداله، ورغم المؤشرات القوية التي تدل على تشيع ابن الصيفي إلا أنك تجد من ينسبه إلى السنة دون أن يذكر دليلاً واحداً يؤكد كلامه.
يقول ابن خلكان في (وفيات الأعيان): (كان ــ أي ابن الصيفي ــ فقيهاً شافعي المذهب تفقّه بالري على القاضي محمد بن عبد الكريم الوزان وتكلم في مسائل الخلاف إلا أنه غلب عليه الأدب ونظم الشعر وأجاد فيه مع جزالة لفظه وأخذ الناس عنه أدباً وفضلاً كثيراً).
لا نستغرب من ابن خلكان الذي وضع الأعاجيب في التأريخ أن يصدر منه هذا الرأي الشاذ الذي يضاف إلى آرائه المنحرفة ونكتفي بالرد عليه بما قاله السيد محسن الأمين في (أعيان الشيعة) (ج7ص272) حيث قال: (كان ــ ابن الصيفي ــ شيعياً كما يدل عليه شعره الآتي في أهل البيت ودفنه في مقابر قريش مدفن الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) ومدافن الشيعة وغير ذلك كقوله فيما تقدم وبالله أقسم وبنبيه وآل نبيه وأمور آخر).
ولابن الصيفي قصيدة طويلة يمدح بها شرف الدين علي بن طراد الزينبي نقيب الطالبيين وفيها ما يغني عن الشرح على تشيعه حيث يقول:
قَرِّبَا مِنْي حُسَــــامِي وَجَوَادِي *** وَانْظُرَا صِدْقَ ضِرَابِي وَطِرَادِي
وَدَعَانِي مِنْ أَحَادِيـــثِ الْهَوَى *** فَالْعُلا بَيْنَ عِنَــــــــــــــــانٍ وَنِجَادِ
إِنْ بَرَى جِسْمِي سِقَــامٌ عَارِقٌ *** فَبِحُبِّ الْمَجْدِ لا حُـــــــــــبِّ سُعَادِ
لَقَحَتْ حَرْبُ بَنِي فَاعِـــــــــلَةٍ *** جَهِلُوا حَقِّي، وَلَمْ يَرْعَـــوا وِدَادِي
فَظُبَا الْبِيضِ وَأَطْــــرَافُ الْقَنَا *** طَالِبَاتُ الثَّــــأْرِ مِنْ نَحْـــرٍ وِهَادِ
وَعَلَى الْحَيِّ دُيُونٌ جَـــــــــمَّةٌ *** مِنْ سَفَاهٍ وَاعْتِــرَاضٍ وَاضْـــطِهَادِ
توفي ابن الصيفي عام (574هـ) ببغداد ودفن في مقابر قريش عند الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) وهي مقابر الشيعة في وقتها.
اضف تعليق