q

حقيقة يحار القلم من أين يبدأ بالدخول على شخصية الميرزا محمد تقي الشيرازي وإلى أين ينتهي؟، فهذا الرجل العملاق الذي ولد في شيراز وقاد الثورة العراقية الكبرى (ثورة العشرين) قد أعطى الدين والمذهب الأولوية القصوى في حياته، وكرّس كل جهوده وسخّر كل إمكانياته المادية والجسدية وضحّى بنفسه وأولاده في سبيل الدفاع عن الدين بعيداً عن الانتماءات العرقية والمذهبية، ودعا جاهداً إلى رصّ الصفوف ونبذ الفتنة والدفاع عن الدين والوطن والمقدسات وقاد الثورة بتلك الشجاعة النادرة، وكان مع كل تلك المسؤليات يحمل في قلبه هموم الناس ويلبي احتياجاتهم فكان حالة فريدة بشجاعته وتقواه وزهده وكماله وورعه وقيادته، فهو حقاً كما قال فيه شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري:

ومحيِّ لليلِ التمِ يحمي بطرقهِ *** ثغوراً أضاعتها العيونُ الهواجعُ

تكادُ، إذا ما طالعَ الشهبَ هيبةً *** تخرُّ لمرآهُ النجومُ الطوالعُ

مديِّرُ رأيٍ كلفَ الدهرَ همُّه *** فناءَ بما أعيا بهِ وهو ظالعُ

مهيبٌ إذا رامَ البلادَ بلفظةٍ *** تدانتْ له أطرافهنَّ الشواسعُ

(ينامُ بإحدى مقلتيهِ ويتّقي *** بأخرى الأعادي فهو يقظانُ هاجعُ

يحفُّ به كل ابن همٍّ إذا رنا *** إلى الحيِّ ردَّتْ مقلتيهِ المدامعُ

يرى أينما جالَ اللحاظِ مهاجماً *** يصولُ وما في الحيِّ عنه مدافعُ

تثورُ به للموتِ نفسٌ أبيّةٌ *** وتأبى سوى عاداتهنَّ الطبائعُ

يطارحُه وقعُ السيوفِ إذا مشى *** كما طارحَ المشتاقَ في الأيكِ ساجعُ

بزوغ في سماء العلم

بزغ نجم الميرزا محمد تقي الشيرازي في سماء مشرقة بالنجوم وبيت يزهو ويفخر بالأعلام، فأبوه الميرزا محب علي من العلماء الذين وفدوا إلى كربلاء وعاش ومات ودفن فيها، واتخذ عمه الميرزا حبيب الله طريق الشعر حتى أصبح من مشاهير شعراء شيراز، أما أخوه الأكبر الميرزا الشيخ محمد علي فهو من أعلام العلماء في شيراز درس في النجف على يد الشيخ مرتضى الأنصاري، والسيد المجدد محمد حسن الشيرازي في سامراء، ثم عاد إلى شيراز مرجعاً كبيراً حتى وفاته فيها سنة (1319هـ).

في هذا البيت الذي يملؤه العلم والتقوى والورع والعبادة ولد الشيخ الميرزا محمد تقي بن الميرزا محب علي بن أبي الحسن الميرزا محمد علي المعروف بـ (كلشن) الحائري الشيرازي في شيراز عام (1256هـ/1842م).

في عام (1217هـ) هاجر إلى العراق وتحديداً إلى كربلاء لطلب العلم، فتتلمذ على يد كبار العلماء ومدرسي الحوزة العلمية الشريفة فحضر درس العلامة الكبير محمد حسين المعروف بـ (الفاضل الأردكاني) والسيد علي نقي الطباطبائي الحائري فنبغ في هذه الدروس وتميز بين أقرانه فأعدّ عدّته للسفر إلى سامراء لحضور درس المجدد السيد محمد حسن الشيرازي.

وقد أجيز الميرزا محمد تقي الشيرازي من عدد من العلماء في الاجتهاد والرواية، منهم الميرزا حسين بن الميرزا خليل (الخليلي) وهو فقيه أصولي انتهت إليه رئاسة الإمامية في عصره وكان أفقه أهل زمانه، والشيخ حسين بن محمد تقي النوري وهو أستاذ الفقه والأصول والدراية والبحث، والشيخ محمد حسن بن عبد الله المامقاني النجفي من أعلام العلماء والمؤلفين، والشيخ محمد حسين الكبير بن قاسم القمشئي الأصفهاني من كبار العلماء والفقهاء، والشيخ محمد حسين بن محمد إسماعيل الحائري من أكابر فقهاء عصره، والميرزا السيد هادي بن السيد محمد بن علي بن الميرزا أبو طالب البجستاني الخراساني الحائري وهؤلاء من أعلام العلماء وأكابر الفقهاء.

في سامراء

لم تشهد مدينة سامراء عصراً علميا ذهبياً كالذي شهدته أثناء وجود المجدّد السيد محمد حسن الشيرازي (1230ـــ1312هـ)، والذي يعدّ من كبار مراجع التقليد وعظام علماء الإمامية وأساتذة الفقه والأصول والذي وصلت إليه رئاسة المذهب الجعفري في عصره.

فقد بذل المجدد الشيرازي منذ انتقاله إلى سامراء جهوداً كبيرة لإيجاد مؤسسة دينية وعلمية عظمى في هذه المدينة خلال سنوات تواجده فيها، وكان للدور العظيم الذي قام به في نهضته العلمية وتشييد مدرسته الدينية أثراً كبيراً في استعادة سامراء مكانتها العلمية والثقافية كونها من المدن الدينية المقدسة، فاستقطبت الكثير من العلماء والطلاب الذين هاجروا من البلاد الإسلامية كافة ليحضروا دروسه، وقد تخرج على يد المجدد الشيرازي الكثير من أجلاء العلماء وأفاضل الفقهاء وأهل التحقيق البالغين مرتبة الاجتهاد وفي طليعتهم الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي.

إزدهرت سامراء في عصر المجدد الشيرازي الذي نقل إليها الفكر الشيعي وافتتح فيها مدرسته التي ضمّت أعلام الفقه والعلم، ولم تخل سامراء من توافد طلاب العلم عليها طوال حياة المجدد الشيرازي، يقول محمد حسين المظفر في كتابه (تاريخ الشيعة) ص (103): (ولما قطن فيها ــــ أي سامراء ــــ زعيم أهل الدين في عصره السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي، استعاد التشيّع فيها نشاطه وهاجر إليها كثير من أبناء العلم وأرباب المكاسب)، وقد أثار ظهور التشيّع المفاجئ في سامراء حفيظة العثمانيين الذين سعوا إلى الحد من نشاطه، يقول الدكتور علي الوردي في كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ج3 ص97): (وقد أثار انتقال الإمام الشيرازي إليها ــــ أي سامراء ــــ قلق العثمانيين بعد أن فاجأهم الحضور الشيعي فيها بشكل سريع من انتقال الفكر الشيعي إليها بعد قيام الإمام الشيرازي بإعلان فتواه في تحريم (التنباك) خلال انتفاضة التبغ في إيران بين عامي (1891ــــــ 1892م) مما دفع بعض المسؤولين العثمانيين في العراق إلى توجيه نداءات متكررة إلى اسطنبول للوقوف أمام انتشار التشيع في العراق وكان رد فعل اسطنبول هو إقامة مدرستين في سامراء سلمت إدارتها الى شيخ من مشايخ المتصوفة).

ومن أبرز هؤلاء العلماء الأعلام الذين وفدوا إلى سامراء لحضور دروس المجدد الشيرازي الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي الحائري الذي هاجر إليها مع صديقه وشريكه في البحث والدرس السيد محمد الفشاركي الأصفهاني فأصبح الميرزا الشيرازي من أقطاب دروس المجدد وأعمدة بحثه وصار مدرساً لطلاب أستاذه .

وبفضل الميرزا محمد تقي الشيرازي بقيت مدرسة أستاذه المجدد تواصل نشاطاتها بعد وفاته (رحمه الله)، فقد حافظ تلاميذه على مدرسة أستاذهم وأبقوها متفاعلة ومتواصلة ومستمرة وهو ما كان يحرص عليه الإمام الشيرازي وذلك وفاء منهم لأستاذهم الراحل، وبقي تلميذه من بعده الميرزا محمد تقي الشيرازي الذي كان يعد من أبرز تلاميذه لأكثر من عقد ونصف من الزمن مواصلاً الدرس والبحث ومهمة الإفتاء وأصبح بعده مدرساً لطلابه حتى احتلال سامراء من قبل القوات البريطانية عام (1917) وانتقال الميرزا محمد تقي الشيرازي إلى الكاظمية.

الكاظمية

أصبح الشيرازي المرجع الديني الأعلى للطائفة الشيعية في العراق والعالم، وأخذ على عاتقه مواصلة الدرس والبحث ومهمة الإفتاء، مصمماً على إن يُبقي تراث سلفه وأستاذه المجدد الشيرازي حيًّا متجدداً وبعد احتلال الإنكليز لمدينة سامراء وانتزاعها من أيدي العثمانيين اضطر الميرزا الشيرازي إلى مغادرتها إلى الكاظمية ولكنه لم يبق فيها سوى سنة واحدة فغادرها إلى كربلاء رغم جهود علمائها ومناشداتهم بالبقاء في الكاظمية.

في كربلاء

شهدت كربلاء بقدوم الميرزا الشيرازي انعطافة تاريخية مضيئة ومهمة تركت أثراً كبيراً في تاريخ العراق السياسي فبعد وفاة السيد كاظم اليزدي في (3/4/1919) أصبح الشيرازي بالإجماع المرجع الأعلى في كربلاء في مرحلة حاسمة من تاريخ العراق، ولعل الجانب السياسي قد طغى على كل من كتب عن الميرزا الشيرازي بقيادته لثورة العشرين والدور العظيم الذي قام به في توجيه الثوار ورسم مسارات الثورة وتعبئتها ورفع معنوياتها، ولكن الجوانب الأخرى في حياة هذا الرجل الفذ كانت أيضاً زاخرة بالعطاء، فقد تميز بصفات وخصال نادرة في تاريخ الرجال، فإضافة إلى علميته فقد كان انموذجا للإنسان المسلم الذي يقتدي بأئمة أهل البيت (عليهم السلام) في السر والعلن وقرن العلم في حياته بالعمل.

أقوال تصف الشمس

امتاز الميرزا الشيرازي بعلمية فائقة وكبيرة أهلته لأن يحل مكان أستاذه المجدد ويتزعم الحوزة العلمية والإفتاء من بعده، كما امتاز بمزايا الكمال الإنساني فكان آية في حلمه وتواضعه حتى قال تلميذه الشيخ محمد كاظم الشيرازي لمن سأله عن عدالة أستاذه الميرزا وتقواه: (اسألوني عن عصمته)، فقد كان بين تلاميذه كالشمس تنشر بأشعتها عليهم فيقتبس كل منهم من نوره، يقول عنه الشيخ أغا بزرك الطهراني في كتابه (هدية الرازي إلى الإمام الشيرازي) (ص6): (كان عليه ملامح القديسين وكان لا يطلب من أحد شيئاً حتى الماء، وكان زاهداً عازفاً عن الدنيا).

ونورد هنا ما جاء في ترجمته في كتاب (طبقات اعلام الشيعة) ــ نقباء البشر ــ (ج1ص261) للشيخ أغا بزرك الطهراني أيضاً حيث يقول: (هو الشيخ الميرزا محمد تقي بن الميرزا محب علي بن أبي الحسن الميرزا محمد علي المُتَخلص بـ (جلشن) الحائري الشيرزاي، زعيم الثورة العراقية ومُوري شرارتها الأولى، من أكابر العلماء وأعاظم المجتهدين ومن أشهر مشاهير عصره في العلم والتقوى والغيرة الدينية.

ولد بشيراز ـ كما حدثني به ـ ونشأ في الحائر الشريف (كربلاء) ، فقرأ فيه ألأوليات ومقدمات العلوم وحضر على العلامة المولى محمد حسين الشهير بالفاضل ألأردكاني حتى برع وكمل، فهاجر إلى سامراء في أوائل المهاجرين مع صديقه وشريكه في البحث العلامة السيد محمد الفشاركي ألأصفهاني، فحضر على المجدد الشيرازي حتى صار من أجلاء تلاميذه وأركان بحثه وكان يومئذ مدرساً لجمع من أفاضل تلاميذ المجدد إلى أن توفى أستاذه الجليل فتعين للخلافة بالإستحقاق وألأولوية، فقام بالوظائف من ألإفتاء والتدريس وتربية العلماء، وقد تخرج من مجلس بحثه الشريف جمع غفير من أجلاء العلماء وأفاضل المجتهدين البالغين رتبة ألإجتهاد، وذلك لدقة نظره وفكره وكثرة غوره في المطالب الغامضة والمسائل المشكلة).

ويقول العلامة المحقق السيد حسن الصدر عنه في كتابه (التكملة): (عاشرته عشرين عاماً فما رأيت منه زلة ولا أنكرت عليه خلة ، وباحثته إثنتي عشرة سنة فما سمعت منه إلا الأنظار الدقيقة وألأفكار العميقة والتنبيهات الرشيقة).

ويعلق الشيخ أغا بزرك الطهراني على هذا القول بقوله: (وقد تتلمذت عليه وحضرت بحثه ثمان سنين في سامراء، فتأكدت لدي صحة كلام سيدنا الصدر وبانت لي حقيقته، وصدق الخبر وتحققنا ذلك من طريقي السمع والبصر).

ويقول الدكتور العقيقي البخشايشي في كتابه (كفاح علماء الإسلام) (ص117): (لقد كانت حلقة درس الميرزا محمد تقي الشيرازي قبلة لجماعة كثيرة من عشاق العلوم الإلهية ومحبي طريق الكمال والفضيلة الإنسانية، وذلك لقدرته على حسن البيان ووفور علمه وكماله وشهرته، فقد ضم مجلس بحثه جماعة من الفضلاء، بل وحتى المجتهدين، إضافة إلى طلابه ومريديه والباحثين عن طريق الحق والحقيقة، وذلك لأنهم كانوا يقولون: (لن يستغني أحد وفي أية مرتبة كان عن علم الميرزا الشيرازي).

مكتبته ومؤلفاته

لم تقتصر العلوم التي درسها الميرزا محمد تقي الشيرازي على الفقه، بل كان عالماً موسوعياً وقد ضمّ إلى مؤلفاته في الفقه الشعر الذي كان مكثراً منه ويكتبه باللغتين العربية والفارسية، وكانت له مكتبة ضخمة في مقره بسامراء وبعد وفاته انتقلت الكتب التي تعود إليه إلى ورثته بكربلاء، أما الموقوفة منها فقد انتقلت إلى المدرسة الشبرية.

أما مؤلفاته فهي:

1ــ حاشية على المكاسب في الفقه.

2ــ رسالة في أحكام الخلل.

3ــ رسالة في صلاة الجمعة.

4ــ شرح منظومة السيد صدر الدين العاملي في الرضاع.

5ــ ديوان شعر ضخم فارسي وعربي أكثر قصائده في مدائح ومراثي أهل البيت

طلابه

كان الميرزا الشيرازي قد تصدّر للتدريس في حياة أستاذه المجدد وأصبح أستاذا لأقرانه، وأصبح بعد المرجع الأوحد فبقيت مدرسة أستاذه زاخرة ومتواصلة بفضله وقد تخرج على يديه كثير من العلماء الأعلام والمجتهدين الكبار والفقهاء العظام وقد أورد الأستاذ كامل سلمان الجبوري في كتابه عن الميرزا الشيرازي من (ص16) إلى (ص32) أكثر من مائة من العلماء الذين تخرجوا على يديه وسنذكر هنا بعضهم: السيد الميرزا إبراهيم بن الميرزا حسن الحسيني الشيرازي الاصطهباناتي، الشيخ عباس القمي الطهراني، الشيخ عبد الحسين بن محمد جواد البغدادي، الشيخ عبد الكريم بن محمد جعفر اليزدي الحائري، السيد الميرزا عبد الهادي بن السيد إسماعيل الشيرازي، السيد علي بن قاسم الجلالي الحسيني الكشميري، الشيخ علي بن محمد الشاهرودي الحائري، السيد محمد باقر بن أسد الله الشفتي الرشتي، السيد محمد رضا بن إسماعيل بن عبد الرزاق الحسيني، الشيخ محمد سعيد بن محمد علي الكلبايكاني، السيد نور الدين بن أبي طالب الحسيني الشيرازي.......

سيرته وصفاته

ربما يدل قول أحد معاصري الميرزا الشيرازي من العلماء على بعض من المزايا الخلقية العظيمة والصفات الذاتية الكريمة التي تمتع بها الميرزا الشيرازي، وذلك حينما سُئِل ذلك العالم عن علم الشيرازي وزهده ونسكه وعدالته فقال لمن سأله: (لا تسألني عن عدله وتقواه وكلمات من هذا القبيل، بل اسألني عن عصمته وقل لي: هل هو إنسان معصوم أم لا) ؟

لقد تحلى الشيرازي في حياته بصفات الكمال البشري ونهل من أخلاق أئمته المعصومين (عليهم السلام) علومهم وسلوكياتهم الفاضلة، فكان مقتدياً بأمير المؤمنين في زهده، وبسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسن السبط في حلمه وكرمه، وبسيد الأحرار في إبائه، وبسيد الساجدين في عبادته، وبصادق القول في علمه، وبكاظم الغيظ في صبره، وشابه موته موتهم فمضى شهيداً مسموماً على يد عملاء الإنكليز.

فرغم الأموال الطائلة التي كانت تأتيه من كثير من الدول إلا أنه كان يعيش عيش الفقراء في مأكله وملبسه وحتى أنه لم يمتلك داراً ملكاً له، بل إنه كان يستأجرها يروي الشيخ نور الدين الشاهرودي في كتابه (أسرة المجدد الشيرازي) (ص187 ـ 188) هذه القصة عن أحد العلماء المعاصرين للميرزا الشيرازي:

(يقول: رأيت ثوب الشيخ الشيرازي مرقّعاً في عدة أجزاء منه فقلت لنجله الشيخ الميرزا عبد عبد الحسين الشيرازي: لماذا ثوب الشيخ مرقع هكذا مع أنه من غير المناسب لموقعه بوصفه الزعيم الروحي الأكبر والقائد الأوحد لثورة العراق؟

فأجاب الميرزا عبد الحسين بالحرف الواحد: إن لوالدي مزرعة في شيراز متوارثة من آبائه تدرّ عليه في كل سنة دخلاً يقدّر بمائة تومان، ويرى الشيخ الوالد ضرورة تأمين مصاريف ونفقات العائلة من هذه المائة تومان ــ لا غير ــ طوال السنة أكلاً ومشرباً وملبساً وإيجاراً وغير ذلك من المصروفات، وحيث أن هذا المبلغ لا يكفي بالمرة لكل ضرورات العيش للعائلة فقد اقتصر الشيخ الوالد في ملبسه على الملابس المتواضعة وعدم شراء ملابس جديدة لكي يكفي المبلغ لسائر الشؤون).

حرصه على وحدة المسلمين

دأب الميرزا الشيرازي على وحدة المسلمين بكل مذاهبهم وجهد على رص صفوفهم وتوحيد كلمتهم ونبذ الطائفية ووأد الفتن التي كان يثيرها الإنكليز لشق عصاهم وإثارة النعرات الطائفية، وقد حاول البريطانيون مراراً زرع الفتنة من خلال أساليبهم القذرة ولكن الميرزا الشيرازي وأد كل الفتن التي حاولوا إثارتها في مهدها فكانت مواقفه العظيمة في هذا المجال محل تقدير وتبجيل وإجلال من كل المسلمين ولاقت ترحيباً منهم.

من هذه المواقف الكثيرة نذكر موقفا واحدا للدلالة على حرص الميرزا على حفظ الدين من والدفاع عنه، فبعد وفاة السيد كاظم اليزدي في (3/4/1919)، أصبح الميرزا محمد تقي الشيرازي بالإجماع المرجع الأعلى في كربلاء في مرحلة حاسمة من تاريخ العراق، وقد حاول البريطانيون استمالة الشيرازي إلى جانبهم أو إبعاده عن نشاطه السياسي ضدهم بعد صدور فتوى تحريم انتخاب غير المسلم باللعب على وتر الطائفية، فأرسلوا الحاكم السياسي البريطاني العام في بغداد السير (أرنولد ويلسون) إلى كربلاء للمفاوضة مع المرجع الشيرازي، فعرض ويلسون على الميرزا ثلاثة مطالب رفضها الشيرازي رفضاً قاطعاً، المطلب الأول تضمن تعيين رجل شيعي في منصب كليدار للروضة العسكرية في سامراء بدلاً من الكليدار السني، ولكن الأغراض التي أراد البريطانيون تحقيقها من خلال هذا المطلب لم تكن تُخفى على الميرزا الشيرازي وهي إحداث فتنة طائفية بين الشيعة والسنة وزرع الشقاق بينهما، فرفض هذا المطلب قائلا: (لا فرق عندي بين الشيعي والسني وإن الكليدار الموجود الآن رجل طيب ولا أوافق على عزله).

وقد لقي هذا الموقف من الميرزا الشيرازي ترحيباً وتأييداً من قبل السنة في بغداد وغيرها، أما المطلبان الثاني والثالث فقد تضمّنا إصدار فتوى تناقض فتوى الجهاد التي أصدرها الشيرازي في جنوب إيران والتراجع عن ندائه للإنتفاض ضد الإنكليز وقد رفضهما أيضاً.

اضف تعليق