قبلَ الشروع في أحداث هذا الموضوع ربما يتبادر سؤال؟ وهو هل يشكّل طرح مثل هذه الموضوعات أثراً في المجتمع؟ وهل لها تأثير على واقعنا وحياتنا اليومية؟ ربما يقول البعض بأن حوادث التأريخ قد ولت مع أصحابها ولا سبيل إلى إمكانية حدوثها، كما لا يمكن للإنسان أن يتنبأ بما يحمل إليه المستقبل، ولكن في الحقيقة إن هذه النظرة إلى التأريخ نظرة خاطئة، فرغم إنه لا أحد يستطيع التنبأ بأحداث محددة لأن المحدَّد يدخل تحت مظلة الأشياء المفردة التي تصنعها الصدفة، لكنه لا يمكن أن يتغاضى عن التعميم والتجربة الماضية والسياسة التي رافقتها جماعات بصورة مباشرة وأحيانا بصورة غير مباشرة بالعمل على تكريسها لكي لا تُمحى بَصْمَتُها من التأريخ وهي تَظهر كلما سُنحت لها الفرصة فتنتشر كالفيروس الذي يحمله الإنسان ليصيب به من يخالطه.
إن هذه الحوادث التي سنسردها ألقت بظلالها على واقعنا، حيث انتشر من أصيب بهذا الفيروس الدموي في البلاد ليكرر ما فعله أسلافه من مجرمي التأريخ الأموي ويزرع الرعب في القلوب ويهرق الدماء ويعيد سنة من قبله، فيعيث فساداً في الأرض ويستبيح البلاد والعباد قتلاً ونهباً وسلباً وحرقاً وتعذيباً وتشريداً وتجويعاً وتنكيلاً.
أدوات الجريمة
في عام (2014) دخلت زمرٌ إرهابية إلى العراق باسم تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) واحتلت مدينة الموصل وصعد زعيمها أبو بكر البغدادي المنبر ليفتي بقتل الشيعة وقتالهم، فقتالهم واجب وهم كفرة !!
فمن هو أول من بذر هذه البذرة الخبيثة ؟ ومن الذي جعلها سنة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن تنقص من أوزارهم شيئاً ؟
تشير بوصلة التأريخ إلى معاوية مؤسس داعش الأول وملتقى كل رذيلة وجريمة وبائقة، الفاجر والغادر والمنافق والذي ارتكب ما لا يحصى من الجرائم والبوائق وحارب الله ورسوله ووصيه وقتل كبار الصحابة الأجلاء وأهرق دماء الناس الأبرياء.
لقد بث ابن آكلة الأكباد أدواته الإجرامية في البلاد وغذّاها بسياسته الإجرامية لتهلك الحرث والنسل وتعيث فساداً في الأرض وتسومُ الناس سوء العذاب فتلوّثت أيديها بدماءِ الآلاف من الأبرياء وزرعوا الرعب في البلاد وقتلوا ونهبوا وسبوا واستباحوا المحرمات وهتكوا الحرمات...
لقد رأى معاوية في هؤلاء المجرمين الذين كانوا من شرار الخلق وأراذل الناس وأنذالهم انعكاساً لنفسيته الدموية وممثلين لسياسته الإجرامية في التسلط والظلم والجور والقهر والاستبداد ومن أبرز هؤلاء المجرمين: بسر بن أرطأة القرشي، وسفيان بن عوف الغامدي، والضحاك بن قيس المشرقي، وعبد الله بن مسعدة بن حكمة الفزاري، والنعمان بن بشير، وعبد الرحمن بن قباث بن أشيم، والحرث بن نمر التنوخي، وزهير بن مكحول العامري، وسمرة بن جندب وغيرهم، وكل واحد من هؤلاء يسابق صاحبه في الجريمة ويحتفظ التاريخ لكل واحد منهم بسجل مليء بالدماء والأعمال الوحشية، لا سيما بسر بن أرطأة الذي ارتكب عمليات إبادة تامة بحق شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام).
بسر بن أرطأة القرشي
وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) معاوية بؤرة الغدر والجبن والخسة والنذالة وشبهة النسب كما جاء في نهج البلاغة بما نصه: (وَاللهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي، وَلكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ، وَلَوْلاَ كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ، وَلَكِنْ كُلُّ غَدْرَة فَجْرَةٌ، وَكُلُّ فَجْرَة كَفْرَةٌ، وَلِكُلِّ غَادِر لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَاللهِ مَا أَسْتَغْفَلُ بالْمَكِيدَةِ، وَلاَ أُسْتَغْمَزُ بالشَّدِيدَةِ).
استدعى معاوية المجرم بسراً أداته لغدرةٍ جديدةٍ وسيئةٍ مخزيةٍ تُضاف إلى سجل إجراميهما الذي سوّدا به صحائف التأريخ .. كان ذلك عام (39هـ) حيث جهزّه بجيش قوامه ثلاثة آلاف وأمره أن يغير على اليمن ويتخذ طريق الحجاز والمدينة ومكة إليها وقال له: (لا تنزل على بلد على طاعة علي إلا بسطت عليهم لسانك حتى يروا أنهم لا نجاة لهم وإنك محيط بهم وادعهم إلى البيعة لي فمن أبى فاقتله، واقتل شيعة علي حيث كانوا)!!!!
هذه بعض وصايا ابن آكلة الأكباد ربيب الجريمة والغدر والعهر إلى أحد عملائه المتوحّشين وهو يسلطه على رقاب المسلمين!!!
سار بسر ووصية سيده معاوية تشعل في جسده دماء الجريمة ولا يطفئ اللهب في عينيه شيء سوى الدماء .. الدماء فقط ولا يهم دماء من تكون... الرجل القادر على القتال... أم الشيخ.. أم المرأة.. أم الفتاة... أم الصبي... وحتى.. الطفل في حضن أمه !! فدماء كل هؤلاء تشعره باللذة!!
دخل المدينة وعليها أبو أيوب الأنصاري والياً من قبل أمير المؤمنين (عليه السلام) فهرب أبو أيوب عندما رأى أن لا طاقة له على قتال هذا الجيش، فصعد بسر المنبر وشتم أهل المدينة وتوعّدهم بالقتل والإبادة ثم شتم الأنصار ونعتهم باليهود وسبهم وأراد أن ينفذ وعيده فيهم فيبيدهم عن بكرة أبيهم وقال لهم : (والله لأوقعنَّ بكم وقعة تشفي غليل صدور آل عثمان، أما والله لأدعنكم أحاديث كالأمم السالفة)
ضجَّ الناس وخافوا وعمَّ الاضطراب والهلع في قلوبهم فلجأوا إلى حويطب بن عبد العزى زوج أم بسر فهدّأه وسكن هيجانه ولما نزل من المنبر دعا الناس إلى بيعة معاوية فبايعه الناس خوفاً منه ثم أرسل إلى بني سلمة فقال: والله ما لكم عندي أمان حتى تأتوني بجابر بن عبد الله. فلجأ جابر إلى أم المؤمنين أم سلمة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) فقال لها: ماذا ترين؟ إن هذه بيعة ضلالة وقد خشيت أن اقتل. فقالت: أرى أن تبايع فإني قد أمرت ابني عمر بن أبي سلمة وختني عبد الله بن زمعة أن يبايعا، فأتاه جابر فبايعه، ولكن بسراً لم يكن ليكتفي بذلك حتى روى نفسه الهمجية ببعض الدماء وأحرق دوراً كثيرة منها دار الوالي أبي أيوب الأنصاري صاحب منزل رسول الله.
في مكة
خرج بسر من المدينة في طريقه إلى مكة فوجد قافلة فقتلهم وأخذ أموالهم، ودخل مكة فكرر ما فعله بالمدينة، وقتل عبد الرحمن بن عبيد، وعمرو بن أم إراكة الثقفي، وقتل كل من كان في طاعة علي بن أبي طالب، فأقام في المدينة شهراً، فما قيل له في أحد: إن هذا ممن أعان على عثمان إلا قتله، وقتل قوماً من بني كعب على مائهم فيما بين مكة والمدينة وألقاهم في البئر، ثم دخل الطائف ونجران ولم يختلف فعله عمّا سبقه في المدينة و مكة حتى دخل صنعاء فقتل كل من وجده في طريقه، وأتاه وفد مأرب فقتلهم جميعاً وخرج من صنعاء إلى جلسان فقتل الكثير منهم من شيعة علي، ثم رجع إلى صنعاء، ولنستمع إلى ما ذكرته المصادر عن هذه الرحلة المشؤومة المليئة بالغارات الدموية فجاء عنها ما نصه:
(بعث معاوية بسر بن أرطاة بعد تحكيم الحكمين، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) يومئذ حي، وبعث معه جيشاً آخر، وتوجه برجل من عامر ضمَّ إليه جيشا آخر، ووجه الضحاك بن قيس الفهري في جيش آخر، وأمرهم أن يسيروا في البلاد فيقتلوا كل من وجدوه من شيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأصحابه، وأن يغيروا على سائر أعماله، ويقتلوا أصحابه، ولا يكفوا أيديهم عن النساء والصبيان. فمرّ بسر لذلك على وجهه حتى انتهى إلى المدينة فقتل بها ناساً من أصحاب علي (عليه السلام) وأهل هواه، وهدم بها دوراً، ومضى إلى مكة فقتل نفراً من آل أبي لهب، ثم أتى السراة فقتل من بها من أصحابه، وأتى نجران فقتل عبد الله بن عبد المدان الحارثي وابنه، وكانا من أصهار بني العباس عامل علي (عليه السلام))...
وفي الإصابة: (عمرو بن عميس قتله بسر بن أرطاة لما أرسله معاوية للغارة على عمال علي فقتل كثيراً من عماله من أهل الحجاز واليمن).
ونترك الحديث ما بعد هذه الحوادث لنتحدث بالتفصيل عن حادثة وحشية بشعة قام بها بسر لا يمكن أن تصدر إلا من مجرم انسلخ عن آدميته
الطفلان
سمع بسر أن طفلين لعبيد الله بن العباس عامل أمير المؤمنين يستتران عند امرأة من أبناء فارس فقتل منهم مائة رجل وأحضر الطفلين الصغيرين وهما عبد الرحمن وقثم وأخرج مدية ليذبحهما فلما أراد ذبحهما قال له الرجل الذي كان الطفلان في بيته: ولم تقتل هذين ولا ذنب لهما ؟ فإن كنت قاتلهما فاقتلني معهما فقتله ثم ذبحهما !!!
هذه سياسة معاوية الدم والإرهاب وهذا النموذج الذي يقدمه لسياسته البشعة ...
سمعت أم الطفلين وهي أم حكيم بنت قارظ بذبحهما فجن جنونها وأصابها ولهٌ عليهما فكانت لا تعقل ولا تصغي إلى أي قول سوى إلى من يسميهما فكانت تطوف في الموسم وهي تسأل عن ابنيها بهذه الأبيات:
ها منْ أحسَّ بإبنيَّ اللذينِ هُمَا *** كالدُّرَّتينِ تشظّى عنهما الصدفُ
ها منْ أحسَّ بإبنيَّ اللذينِ هُمَا *** سمعي وقلبي.. فقلبي اليوم مُختطف
ها منْ أحسَّ بإبنيَّ اللذينِ هُمَا *** مُخُّ العظامِ فمُخِّي اليوم مزدهف
نبئتُ بِسراً وما صدقتُ ما زعموا *** من قولهم، ومن الإفكِ الذي اقترفوا
أنحَى على ودجَيْ ابنيَّ مرهفةً *** مشحوذةً، و كذاكَ الإثمُ يُقترَفُ
فالآنَ ألعنُ بسراً حقَّ لعنتهِ *** هذا لعمرُ أبي بسرٍ هوَ السرفُ
من دلَّ والهةً حرَّى مولهةً *** على حبيبينِ ضلّا إذْ غدى السلفُ
أحصي من قتلهم بسر في غاراته على المدينة ومكة والطائف والحجاز واليمن فكانوا أكثر من ثلاثين ألفاً سوى من أحرقهم بالنار وعدا الدور التي هدمها !!!
جريمة تفوق الوصف
هل اكتفى بسر بما أراقه من هذه الدماء البريئة ؟ كلا إنه لم يترك السبق إلى سيئة ووصمة لغيره في تاريخ الإجرام لغيره، فعندما أغار على قبيلة همدان وهم شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وقتل أكثر من مأتين رجلا، وقتل كثيراً من أبنائهم، سبى نساءهم فكن أول مسلمات سبين في الإسلام وذهب بهن إلى الشام وأقامهن في السوق وعرضهن للبيع فكان يُكشف عن سوقهن ــ جمع ساق ــ فأيتهنّ كانت أعظم ساقاً أشتريت على عظم ساقها !!!!
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: (أغار بسر بن أرطأة على همدان في اليمن، - وكانت في يد أمير المؤمنين (عليه السلام) وسبى نساءهم فكن أول مسلمات سبين في الإسلام).
وليتخيل القارئ هذا المنظر الذي تقشعر منه الجلود وترتجف له الأبدان وليعرف من أين أتت داعش ؟
الأخبار ترد الكوفة
وصلت هذه الأخبار المؤلمة التي يتفطر لها القلب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو في الكوفة فصعد المنبر وخطب في الناس فقال: (أُنْبِئْتُ ؟ بُسْراً ؟ قَدِ اِطَّلَعَ ؟ اَلْيَمَنَ ؟ وَإِنِّي وَاَللَّهِ لَأَظُنُّ أَنَّ هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَ تَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ وَبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ فِي اَلْحَقِّ وَطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ فِي اَلْبَاطِلِ وَبِأَدَائِهِمُ اَلْأَمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ وَخِيَانَتِكُمْ وَبِصَلاَحِهِمْ فِي بِلاَدِهِمْ وَفَسَادِكُمْ فَلَوِ اِئْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْبٍ لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلاَقَتِهِ اَللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وَ أَبْدِلْهُمْ بِي شَرّاً مِنِّي اَللَّهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ اَلْمِلْحُ فِي اَلْمَاءِ أَمَا وَاَللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُمْ أَلْفَ فَارِسٍ مِنْ ؟ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ ؟)
ثم نزل من المنبر وخاطب الناس قائلا: (إن من ذل المسلمين وهلاك الدين أن ابن أبي سفيان يدعو الأراذل والأشرار فيجاب، وأدعوكم وأنتم الأفضلون الأخيار فتراوغون وتدافعون، ما هذا بفعل المتقين، إن بسر بن أبي أرطاة وجه إلى الحجاز وما بسر؟! لعنه الله لينتدب إليه منكم عصابة حتى تردوه عن شنته)
فقام جارية بن قدامة السعدي وتولى أمر ملاحقة بسر فسار إليه بألفي مقاتل وتبعه وهب بن مسعود الخثعمي بألفين أيضاً وقال لهما: (إخرجا في طلب بسر حتى تلحقاه أينما لحقتماه، فناجزاه فإذا التقيتما فجارية على الناس) ثم خرج (عليه السلام) يشيّع الجيش وأوصى جارية قائد الجيش بوصية، ليستمع إليها كل إنسان منصف وليقارن بينها وبين وصية معاوية وليميز بين الإسلام الإنساني والإنسانية العظيمة التي تخلق بها ربيب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصيته وفي جميع جوانب حياته، وبين الهمجية والوحشية ونزعة الجريمة التي جُبل عليها ابن آكلة الأكباد!!!
أوصى أمير المؤمنين (عليه السلام) قائد جيشه جارية فقال: (اتقِ اللهَ الذي إليهِ تصير، ولا تحتقرْ مسلماً ولا معاهداً ولا تغصبنَّ مالاً ولا ولداً ولا دابة، وإن حفيتَ وترجلتَ، وصلِّ الصلاةَ لوقتها)
يوصيه (عليه السلام) بأن لا يغتصب إنسانا دابته ونعله حتى وإن بقيَ راجلاً وحافياً وهو قائد جيش!! وقد التزم جارية بوصية سيده أمير أمير المؤمنين (عليه السلام) فسار من طريق الحجاز حتى وصل اليمن ولم يقتل أو يسلب أحداً وهو يسأل عن بسر فقيل له إنه بمكة فسار نحوه فلما سمع بسر بجارية هرب إلى الشام.
بسر في الحرب
هذا المجرم الذي سفك دماء الآلاف من الأبرياء لم يكن جباناً في الحرب فقط، بل إنه كان يرتعد من السيف فيكشف أمام الصليل عورته لينقذ نفسه من الموت ويؤثر الخزي والعار على الموت في ساحة الحرب، فقد كشف سوأته في صفين خوفاً من سيف أمير المؤمنين (عليه السلام)، غير آبه بهذه الوصمة التي يَندى لها جبين كل إنسان شريف، حتى أصبحت (فعلته) وصمة وسُبّة يُوصم بها.
فقد وقف هذا المجرم كأمثاله موقفاً معادياً لأمير المؤمنين (عليه السلام) منذ أن تولى الخلافة وكان عثمانياً ومن ثم معاوياً فضمَّته بؤرة النفاق ومشبوهي النسب فكان أحد قادة جيش معاوية في صفين رغم ما افتُضِح به في هذه المعركة وإليكم هذه الوصمة المخزية التي تجلبب بها هذا (القائد) في جيش معاوية كما وردت نصاً !!!
ذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب في باب (بسر بن أرطاة) فقال (كان بسر من الطغاة وكان مع معاوية بصفين فأمره أن يلقى عليا (عليه السلام) في القتال وقال له إني سمعتك تتمنى لقاءه فلو أظفرك الله به و صرعته حصلت على الدنيا والآخرة، ولم يزل يشجعه ويمنيه حتى رأى علياً (عليه السلام) في الحرب فقصده والتقيا فطرحه عليٌّ على الأرض فكشف بسر عن عورته فتركه الإمام ودار بوجهه عنه) !!!
ولم يقتصر الأمر على هروب بسر من أمير المؤمنين (عليه السلام)، بل إنه كرر هروبه من أمام أصحاب الإمام، فكان بعد ذلك إذا لقي الخيل التي فيها علي تنحى ناحية وتحامى ملاقاة أصحاب أمير المؤمنين، وفي كشف بسر لسوأته وكذلك قبله ابن العاص في صفين يقول الحارث بن النضر السهمي:
أفِي كلِّ يومٍ فـــارسٌ تندبونَــه *** له عــورةٌ وسطَ العجاجةِ باديــهْ
يكفُّ بهـــا عنهُ علـيٌّ سنانَــه *** ويضحــكُ منها في الخلاءِ معاويهْ
بدتْ أمسُ من عمروٍ فقنّعَ رأسَـــه *** وعورةُ بسرٍ مثلها حـذوَ حاذيــهْ
فقولا لعمروٍ وابـــن أرطاةِ أبصرا *** سبيلَكمـــا لا تلقيا الليثَ ثانيــهْ
ولا تحمدا إلا الحَيَــا وخصاكمــا * همــا كانتا والله للنفس واقيـــه
فلولاهما لم تنجـوا مــن سنانِــه * وتلك بمــا فيها عن العودِ ناهيـه
متى تلقيا الخيلَ المشيحــةَ صبحـة *** وفيهــا عليٌّ فاتركا الخيل ناحيـه
وكونــا بعيداً حيــث لا يبلغ القنا *** وخمى الوغى إن التجــاربِ كافيه
وإن كــانَ منه بعدٍ ففي النفسِ حاجةٌ *** فعودا إلى ما شئتمــا هي ماهيـه
نهاية الطغيان
روت المصادر إنه لما بلغ أمير المؤمنين (عليه السلام) ما فعله بسر من قتل الصبيين جزع لذلك جزعاً شديداً، ودعا على بسر لعنه الله فقال: اللهم اسلبه دينه، ولا تخرجه من الدنيا حتى تسلبه عقله. فأصابه ذلك وفقد عقله، وكان يهذي بالسيف ويطلبه فيؤتى بسيف من خشب ويجعل بين يديه زق منفوخ فلا يزال يضربه حتى يسأم.
وذكر الثقفي أن لعنة أمير المؤمنين (عليه السلام) تحققت في حق بسر بن أبي أرطاة، ففقد عقله وظهرت منه التصرفات الجنونية.
اضف تعليق