يمكن وصف الكافيين على أنه عادة مكتسبة، وليس إدمانا بالنسبة إلى الشخص العادي الذي ليس عالماً يدرس المكافأة والتعزيز، فهو يفكر في الكافيين على أنه إدمان بالمعنى العامي. من ثم يشعر الناس بأنهم في حاجة إلى تناول الكافيين، وعندما لا يتناولونه، يتكدر مزاجهم. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن...
الكافيين - بالنسبة إلى كثيرين - متعةٌ مصحوبة بشعور بالذنب. ولكن هناك أدلة متزايدة على أن مشروبنا اليومي هذا الذي نتعلق به ليس سيئاً بالضرورة، وقد يعود علينا في الواقع ببعض الفائدة.
لقد بدأت سمعة الكافيين Caffeine تتضعضع منذ بعض الوقت. فقد صار الكافيين، في نظر كثير من الناس، سبباً للقلق سواء تعلق الأمر بمشروبات الطاقة التي تحتوي على نسبة عالية من الكافيين، وتجعل من الصعب على الأطفال التركيز في المدرسة، أو بتناول كثير من الشاي والقهوة في أثناء النهار مما يجعلنا غير قادرين على النوم ليلاً. على هذا النحو يبدو أن النصيحة العامة بخصوص استهلاك الكافيين هي التقليل منه، أو حتى التوقف تماماً عن تناوله.
لكن الأمر ليس كأن الكافيين ليست له أي فائدة على الإطلاق. لا يمكن إنكار أنه مادة ذات تأثير نفسي. أو لنقل الأمر بصراحة أوضح: الكافيين هو مادة دوائية Drug (في الواقع، إنها العقار الأكثر استهلاكاً على نطاق واسع في العالم، ومن المحتمل أنك تحت تأثيرها وأنت تقرأ هذه السطور). ولكن، مثل عديد من المواد ذات التأثير النفسي الأخرى، فإننا يمكن أن نحصل على فائدة منه لدى تناوله بالجرعة المناسبة. فصفاء الذهن والنشاط والحيوية التي وفرتها جرعات الكافيين (في مقاهي الشاي والقهوة في أوروبا) هي التي ساعدت على الدخول في عصر التنوير والتحول من المزارع إلى المصانع خلال الثورة الصناعية.
لكن الجرعة هي المتغير الرئيس. وعلى الرغم من أن القهوة والشاي وفرا لنا مذاقاً جعلنا نعود لتناول مزيد منهما على امتداد قرون عدة، فإن كثيراً منا في الوقت الحاضر يستهلكون الكافيين بتركيزات أعلى بكثير بسبب الطفرة في مشروبات وأقراص الطاقة المنتشرة على نطاق واسع. وقد أدى هذا إلى زيادة الأبحاث المتعلقة بالكافيين وتشجيع العلماء على فهم تأثيراته فينا على نحو أفضل والآليات التي تنتج عنها تلك التأثيرات.
إذن ماذا نتعلم من كل هذه الأبحاث؟ أحد الأمور التي تعلمناها هو أن كل واحد منا يختلف في تجاوبه وتفاعله مع الكافيين عن الآخر. ولكن ربما كان الأهم من ذلك هو أنها تقدم دليلاً على أنه فضلاً عن بث النشاط فينا في الصباح، فإن تناول بضعة أكواب من القهوة أو الشاي كل يوم قد يساعدنا أيضاً على درء بعض الأمراض، مثل داء السكري وأشكال معينة من السرطان. فهل يستحق الكافيين حقاً أن يوصم بسمعة سيئة؟
درجة السمية تعتمد على الجرعة
أي شخص يستهلك الكافيين يومياً يعرف أهمية الجرعة التي يتناولها منه: الكمية التي يجب تناولها ومتى. احصل على الجرعة الصحيحة منه، وستجد أن الكافيين يمكن أن يحسِّن مزاجك وينشِّطَك؛ تناول أكثر مما يجب وستجد أنك تعرِّض نفسك للشعور بالقلق والرعشة واضطراب النوم. تقول كل من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية وهيئة سلامة الأغذية الأوروبية إن تناول الكافيين يومياً بمقدار 400 ملغم (نحو كوبين أو ثلاثة أكواب من القهوة المفلترة، اعتماداً على حجم الكوب) لن يسبب مشكلات لدى البالغين الأصحاء.
أما بالنسبة إلى أوقات تناول الكافيين، أو بالأحرى متى نتوقف عن تناوله لمنعه من التأثير في نومنا، فهذا يعتمد على طريقة تناوله. نشر باحثون من أستراليا والمملكة المتحدة دراسة في دورية مراجعات طب النوم في 2023 حاولوا تقديم إرشادات واضحة حول التوقيت الذي يجب أن نأخذ فيه ”الجرعة“ الأخيرة من الكافيين. ووفقاً لتقريرهم يتعين علينا أن نشرب آخر كوب من الشاي أو القهوة قبل 8 ساعات و48 دقيقة من الذهاب إلى السرير. ولكن، إذا كنت ممن يتناولون قبل التمارين الرياضية مكمل الكافيين الذي يحتوي عادةً على ضعف الكافيين الموجود في فنجان من القهوة، فيجب أخذه في موعد لا يقل عن 13 ساعة و12 دقيقة قبل وقت النوم.
ومع ذلك فإن المشكلة في إعطاء توجيهات محددة بشأن مقدار الكافيين المسموح به ومتى يجب التوقف عن استهلاكه، تتمثل في أن البعض منا أكثر حساسية تجاهَه من غيرهم. وتختلف أيضاً مدة بقائه داخل أجسامنا، إذ يبلغ نصف عمر الكافيين (وهو الوقت اللازم لتفقد المادة نصف فعاليتها الأساسية) من 3 إلى 7 ساعات لدى البالغين.
وهناك سبب جيني لذلك. ولكن لفهمه، عليك أولاً أن تعرف ما يفعله الكافيين داخل جسمك.
الكافيين والجينات
خلال النهار، يتراكم جزيء يسمى الأدينوزين في دماغك. يرتبط الأدينوزين بمُستقبِلات الخلايا العصبية – أو العصبونات – مما يبطئ نشاطها ويجعلك تشعر بالنعاس. لكن الكافيين قادرٌ أيضاً على الارتباط بهذه المستقبلات، وبذلك فهو يمنع تأثير الأدينوزين، مما ينشِّط الخلايا العصبية ويبقيك في حالة يقظة وتأهب.
ينشِّط الكافيين أيضاً الغدة النخامية الموجودة في قاعدة دماغك. يؤدي ذلك إلى إفراز الهرمونات التي تخبر الغدد الكظرية فوق الكليتين بإنتاج الأدرينالين، مما يسبب تسارع نبضات قلبك وارتفاع ضغط الدم.
ولكن، إذا كان تناولك اليومي للكافيين ثابتاً، فسوف يتكيَّف دماغك معه.
تقول البروفيسورة جينيفر تمبل التي يُجري مختبرُها في جامعة بافالو في نيويورك بحثاً عن تأثيرات الكافيين: ”يقول دماغك: ’حسناً، كل صباح أحصل على هذا الكافيين الذي يرتبط بهذه المستقبلات ويمنع الأدينوزين من الارتباط بها‘. وهكذا يُنشئ دماغك مستقبِلات إضافية لإعطاء الأدينوزين فرصة أكبر للارتباط بها وممارسة تأثيره المعتاد“.
وتضيف: ”ويُنتج أيضاً مزيد من الأدينوزين لمقاومة تأثير الكافيين. ولهذا السبب يتطلب الأمر مزيداً ومزيداً من الكافيين للحصول على التأثير نفسه“.
تحدث هذه التعديلات بسرعة، في خلال أقل من أسبوع.
يعود جزء من الاختلافات الفردية في الكيفية التي نستجيب وفقها للكافيين إلى مدى تكيُّف جسم كل واحد منا معه. ولكن هناك أيضاً تأثير جيناتنا. يُكسّر الكافيين أو يُستقلب Metabolized بنحو أساسي بواسطة الإنزيم CYP1A2 الموجود في الكبد، وقد وُجد أن الجين الذي يرمز إلى إنتاج هذا الإنزيم يختلف كثيراً من شخص إلى آخر.
تُظهر الأبحاث، في معظم الحالات، أن نسخة الجين CYP1A2 لديك هي التي تحدد مدى سرعة استقلاب الكافيين، ومن ثمّ مدة بقائه في جسمك. أصحاب الأيض السريع قادرون على التخلص من الكافيين بسرعة، ومن ثمّ فإن تأثير كوب من قهوة الإسبريسو يختفي خلال وقت أقصر في حالتهم. كما تختلف مستقبلات الأدينوزين في الدماغ كثيراً اعتماداً على التركيب الجيني لكل فرد. وهناك أيضاً بعض التنويعات Variants في الجين ADORA2A الذي يُرمِّز Encodes نوعاً واحداً من مستقبلات الأدينوزين، مما يجعل الأشخاص حساسين بنحو خاص للكافيين.
كما أن جيناتنا هي التي تؤثر في كمية القهوة والشاي – المحتوية على الكافيين – التي نحتسيها كل يوم. تقول مارلين كورنيليس، الأستاذة المشاركة في الطب الوقائي من جامعة نورث وسترن في إلينوي والتي تبحث في الارتباط بين الجينات والكافيين: ”القهوة مادة مُرة بطبيعتها، ولذا فإن ما يثير الاهتمام هو كيف حظي هذا المشروب المُر بمثل هذه الشعبية الكبيرة. بناء على مسارنا التطوري يجدر بنا أن نتجنب الأطعمة المُرة، وهو رد فعل وقائي للجسم لتجنب المواد السامة“.
لذلك من المنطقي أن نفترض أن الأشخاص الأقل حساسية للمذاق المُر هم الذين يحتسون كمية أكبر من القهوة. لكن ليس هذا ما هي عليه الحال.
أظهرت دراسة أجرتها كورنيليس ونشرت في دورية التقارير العلمية أن نسخة الجين CYP1A2 التي لدينا تؤثر في كمية القهوة التي نشربها إلى حد أكبر بكثير من حساسيتنا تجاه المذاق المُر. الأشخاص الذين لديهم نسخة الجين CYP1A2 التي تجعلهم سريعي التمثيل الغذائي، يشربون كمية أكبر من القهوة. وتُظهر الاختبارات أن من يستقلبون الكافيين بسرعة لديهم مستويات منخفضة من الكافيين في دمائهم. تقول كورنيليس: ”يفترض هذا أنهم يستقلبون الكافيين بسرعة كبيرة، وأنهم يستهلكون مزيداً من القهوة للحصول على التأثيرات المنشطة التي ننسبها بالكافيين“.
ولكن سواء كنت تستقلب الكافيين بسرعة أو لا، فمن المحتمل أنك تتمتع بقدرة جيدة جداً لتناول الكافيين باعتدال. تقول تمبل: ”تشير البيانات إلى أنه، سواء كانوا يفعلون ذلك عن وعي أو لا، فإن الناس يحسنون فعلياً ضبط كمية الكافيين التي يتناولونها للوصول إلى النقطة المفضلة لديهم. لأنهم عندما يتجاوزون ذاك الحد، تصير تأثيراته غير سارة وهم يتذكرون ذلك، لذا يعودون إلى الحد الملائم لهم“.
ومع ذلك قد يكون من الصعب قياس هذا التوازن المثالي لتناول الكافيين مع مشروبات الطاقة التي تحتوي على الكافيين. تشير الدراسات إلى أن مشروبات الطاقة التي تحتوي على الكافيين الأكثر مبيعاً في المملكة المتحدة والولايات المتحدة تحتوي على 75-160 ملغم من الكافيين. لكن الأبحاث المنشورة في دورية إدمان المخدرات والكحول ذكرت أن بعضها يحتوي على ما يصل إلى 500 ملغم من الكافيين. وبالمقارنة، فإن كوباً سعته 240 ملم من القهوة المفلترة يحتوي على نحو 190 ملغم. ومستويات الكافيين المتنوعة في مشروبات الطاقة المختلفة يمكن أن تجعل الحكم على كمية الكافيين التي نتناولها أمراً صعباً. لكن العوامل التي تجعل الأمر معقداً لا تنتهي عند هذا الحد.
توضح تمبل: ”تحتوي مشروبات الطاقة على مكونات أخرى تتفاعل مع الكافيين بطريقة لا نزال نحاول فهمها لأننا لا نعرف ما هي. كل هذه الخلطات تحميها قوانين العلامات التجارية، ولذلك لا نعرف تركيبتها الدقيقة. لكن الناس يستجيبون لها على نحو مختلف… لذلك نحن ندرس تأثيرات مشروبات الطاقة بالطريقة نفسها التي كنا ندرس بها القهوة والكافيين بنمط منهجي“.
هل لديك مشكلة مع الكافيين؟
يبدأ معتادو تناول الكافيين صباحَهم في أكثر الأحيان وهم يشعرون بالخمول والكسل، وفي أسوأ الأيام بصداع خفيف. الشيء الوحيد الذي سوف يشحذ طاقتك، ويجعلك صافي الذهن ويمحو ذاك الألم من رأسك هو تناول كوب ساخن من الشاي أو القهوة. ولكن هل هذه الحاجة الملحة إلى تناول الكافيين في مطلع كل صباح تعني أنك مدمن عليه؟ تعتمد الإجابة عن هذا السؤال على تعريف الإدمان.
تقول البروفيسورة جينيفر تمبل، من جامعة بافالو، نيويورك: ”هناك كثير من المعايير المستخدمة لتشخيص الإدمان أو اضطراب تعاطي المخدرات التي لها علاقة بطبيعة العقاقير غير المشروعة. هل تستخدم هذه المادة على حساب العمل أو على حساب قضاء الوقت مع عائلتك، وهل تبذل جهوداً كبيرة (وربما غير قانونية) للحصول على هذه المادة؟ وبذا لا تنطبق معايير تشخيص الإدمان التي نستخدمها مع مواد أخرى على الكافيين“.
تختلف أيضاً الكيفية التي يؤثر بها الكافيين في أدمغتنا عن المواد التي نربطها عادةً بالإدمان. تقول تمبل: ”معظم العقاقير التي يمكن إساءة استخدامها ترتبط مباشرة بمستقبلات الدوبامين، أو إنها تمنع إعادة امتصاص الدوبامين. إنها تؤثر بنحو مباشر في مراكز المكافأة في الدماغ، والكافيين لا يعمل بهذه الطريقة“.
تقول تمبل إنها يمكن أن تصف الكافيين على أنه عادة مكتسبة، وليس إدماناً: ”بالنسبة إلى الشخص العادي الذي ليس عالماً يدرس المكافأة والتعزيز، فهو يفكر في الكافيين على أنه إدمان بالمعنى العامي. من ثم يشعر الناس بأنهم في حاجة إلى تناول الكافيين، وعندما لا يتناولونه، يتكدر مزاجهم. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن عمر النصف للكافيين قصير جداً، لذلك عندما تستيقظ في اليوم التالي يكون قد خرج من نظامك“.
أما تمبل، عالمة الأحياء العصبية، فلديها نهج عملي فيما يتعلق بتناولها للكافيين: ”كنت أتوقف عن احتساء الكافيين عند الظهر. ربما أتناول كوباً من الشاي، لكنني أتوقف عن شرب القهوة. لكنْ لديَّ طفل لاعب هوكي جاد، وفي العام الماضي وجدتُ نفسي أتناول القهوة عندما أكون في الحلبة [بغض النظر] في أي وقت من اليوم كانت المباراة“.
ما يمكن اعتباره تحديداً مشكلة مع الكافيين هو شيء يبذل الباحثون جهوداً منذ سنوات لوصفه. في الطبعة الخامسة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية والذي يُستخدم على نطاق واسع في الولايات المتحدة للتشخيص، اقترحت الرابطة الأمريكية للطب النفسي مجموعة من المعايير لاضطراب استخدام الكافيين. وهي:
1- الرغبة المستمرة أو الجهد غير الناجح للتحكم في استخدام الكافيين.
2- استخدم الكافيين على الرغم من وجود مشكلة جسدية أو نفسية مستمرة أو متكررة مرتبطة بالكافيين.
3- أعراض الانسحاب عند التوقف عن تناوله.
وبناءً على هذه المجموعة من المعايير، تشير الدراسات إلى أن 10-13% من البالغين يعانون اضطراب استخدام الكافيين.
إذا كنتَ تعتقد أن تناول الكافيين يمثل مشكلة في حالتك، فإن الأبحاث حول التوقف عن تناول الكافيين تظهر أن تقليل تناولك تدريجياً له هو الحل الأمثل. يمكن أن يؤدي إيقاف استهلاك الكافيين فجأة إلى ظهور أعراض الانسحاب التي قد تكون شديدة جداً. في دراسة نرويجية نشرت في دورية الدراسات المتقدمة في علم الأعصاب في العام 2020، واجه عديد من المصابين بالصداع النصفي صداعاً نصفياً حاداً بعد توقفهم عن شرب الكافيين فجأة، بدلاً من تقليله تدريجياً.
حددت الأبحاث المنشورة في دورية مجلة الاستشارات وعلم النفس الإكلينيكي في العام 2020 ”التخفيض التدريجي“ (وهو التقليص التدريجي للكافيين على مدى 4-6 أسابيع) بصفته وسيلة لتقليل استهلاك الكافيين أو إيقافه مع تجنب أعراض الانسحاب. في إحدى الدراسات – التي نشرت في هذه الدورية في العام 2016، طُلب إلى المشاركين تقليل تناولهم للكافيين إلى 75% من مستواهم الطبيعي في الأسبوع الأول، و50% في الأسبوع الثاني، و25% في الأسبوع الثالث، و12.5% في الأسبوع الرابع. المشاركون الذين اتبعوا إرشادات التخفيض التدريجي كانوا لا يزالون يستهلكون مستويات منخفضة من الكافيين بعد عام من نهاية فترة التخفيض التدريجي.
ردود فعل إيجابية
في حين أن تركيبات مشروبات الطاقة التي تحتوي على الكافيين وتأثيراتها فينا قد دفعت إلى إجراء كثير من الأبحاث الحديثة، فإن هناك أيضاً اهتماماً متزايداً بالتأثيرات المفيدة للكافيين. مثلاً يُستخدم الكافيين بقدر متزايد كعقار قانوني لتحسين الأداء في الألعاب الرياضية التنافسية. تبين من خلال مراجعة للأبحاث حول الكافيين والأداء الرياضي أجرته الجمعية الدولية للتغذية الرياضية في العام 2022 أنّ الكافيين له ”تأثير صغير إلى متوسط“ في قدرة العضلات على التحمل وقوتها. ومع ذلك، تظهر أكبر تأثيراته في الأداء في رياضات التحمل. ويعتقد أن بعضاً من هذا الأداء المعزز على الأقل يرجع على الأرجح إلى الكافيين الذي يساعد على تقلص العضلات بتغيير مستويات الكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم، إضافة إلى عمله كمسكن للألم.
كانت هناك أيضاً مجموعة كبيرة من الدراسات التي تحاول تحديد كيف يعزز الكافيين قدراتنا المعرفية. لقد وجدت أن جرعةً معتدلة منه تصل إلى 300 ملغم، تساعدنا على الاستمرار في التركيز فترة أطول. تظهر بعض الأبحاث أيضاً أن الكافيين يمكن أن يعزز ذاكرتنا على المدى الطويل، ولكن الأدلة هنا متفاوتة إلى حدٍّ ما.
عندما يتعلق الأمر بتحديد الفوائد الصحية طويلة المدى للكافيين، تصير الأمور معقدة لأن معظم الأبحاث أجريت على القهوة التي تحتوي على مزيج من المكونات النشطة بيولوجياً. من الصعب معرفة ما إذا كان الكافيين، أو أحد المكونات العديدة الأخرى للقهوة، هو الذي يعود علينا بفوائد صحية.
ومع ذلك هناك أخبار سارة لشاربي القهوة. تشير مراجعة نُشرت في دورية مجلة نيوإنجلند للطب في العام 2020 إلى أن تناول القهوة بانتظام يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري من النوع الثاني وأمراض الكبد وأشكال معينة من السرطان، مثل سرطان الكبد.
بالنسبة إلى بعض الأمراض، مثل داء السكري من النوع الثاني، تُظهر الأبحاث أن الكافيين ليس هو الذي يساعد على الوقاية منها وإنما بعض المكونات الأخرى في القهوة، إذ إنّ القهوة منزوعة الكافيين تقلل من المخاطر تماماً مثل القهوة التي تحتوي على الكافيين. يقول روب فان دام، أستاذ التمارين الرياضية وعلوم التغذية وعلم الأوبئة من جامعة جورج واشنطن في مدينة واشنطن والذي أشرف على المراجعة البحثية: ”لكن من المثير للاهتمام أنك إذا نظرت إلى حالات أخرى، مثل مرض باركنسون، فيبدو أن الكافيين هو السبب المباشر في تقليل مخاطر الإصابة به. ثم هناك بعض الأمراض التي تقع في المنتصف، مثل سرطان الكبد، يبدو أن الكافيين قد تكون له بعض الفائدة، ولكن قد تكون هناك مكاسب إضافية من بعض المكونات الأخرى للقهوة“.
في المستقبل، سيتمكن العلماء من تعميق فهمهم للكيفية التي تحدد وفقها جيناتنا تأثيرات الكافيين والقهوة فينا. وكلما تعلمنا أكثر، اقتربنا من إمكان الحصول على إرشادات شخصية بشأن تناول الكافيين يومياً.
تقول كورنيليس: ”معظم الإرشادات الخاصة بالكافيين كانت تنظر فقط إليه على مستوى السكان بوجه عام. إنها لا تأخذ في الاعتبار التباين الفردي، ونحن في مرحلة من البحث تتوافر فيها فرص لإعطاء إرشادات حول التغذية الفردية“.
وهذا يعني أنه في يوم من الأيام يمكن للاختبار الجيني أن يخبرك بدقةٍ ما “الجرعة الملائمة” لتناول الكافيين يومياً. وقد لا يكون ذلك اليوم بعيداً كما تظن.
تشرح كورنيليس: ”عندما بدأت هذا البحث الجيني أول مرة في أثناء دراستي للدكتوراه في العام 2001 تقريباً، لم أستطع أن أتخيل يوماً يستطيع فيه كل فرد الحصول على صورة كاملة للجينوم الخاص به. حسناً، نحن في العام 2023، وقد وصلنا إلى تلك المرحلة التي صار فيها الناس على دراية بجيناتهم ودفعوا أموالاً لهذه الشركات لمثل هذه التحاليل. لقد تلقيت رسائل بالبريد الإلكتروني من أشخاص يقولون لي: ’مرحباً، لقد حصلت من فوري على نمطي الجيني وقرأت مقالك، ويبدو أنني أستقلب الكافيين بسرعة‘ “.
بقلم: د. آندي ريدجواي، من كبار محاضري التواصل العلمي من جامعة غرب إنجلترا
اضف تعليق