أعلنت منظمة الصحة العالمية في آخر تقرير صادر عنها، أن عدد الوفيات الناتجة عن فيروس إيبولا في غرب إفريقيا ارتفع إلى اكثر من 7693 من أصل 19695 إصابة. وسجل في سيراليون أكبر عدد من الإصابات، فبتاريخ 24 ديسمبر/كانون الأول أعلن عن 9203 إصابة و2655 وفاة، أما في ليبيريا فقد وصل عدد الحالات إلى 7862 بينها 3384 حالة وفاة في الــ 20 من ديسمبر/كانون الأول. وبقيت غينيا، منبع انطلاق عدوى حمى إيبولا قبل عام، الأقل تضررا من حيث الإصابات والوفيات حيث أعلنت منظمة الصحة العالمية عن إصابة 2630 ووفاة 1654.
ولا يزال فيروس "ايبولا" القاتل من اخطر التحديات التي تواجه المجتمع الدولي الذي يعيش اليوم حالة من الذعر والقلق الشديد بسبب سرعة تفشي هذا الوباء الخطير، و"ايبولا" يتفشى طوال العام وهو مرض معدي يتصف بمعدلات إماتة عالية، يصيب الإنسان وبعض أنواع القرود واكتشف هذا المرض لأول مرة سنة 1976، ومن حينها ظهرت أنواع مختلفة منه مسببة أوبئة تكون نسبة الوفيات فيها عالية جدا. وتشمل أعراض الفيروس ارتفاعا في درجة الحرارة، ونزيف، وأضرارا بالجهاز العصبي المركزي ومعدل الوفيات جراء المرض قد يصل إلى 90 في المئة ممن يصابون بالفيروس. والعدوى من إنسان إلى إنسان آخر تكون عن طريق اتصال خارجي أو داخلي من شخص مريض أو عند استخدام شفرات تعود للمريض أو عند انتقال سوائل الجسم.
وهناك مخاوف كبيرة لدى بعض علماء الفيروسات الذين اكدوا بأن احتواء فيروس إيبولا ربما يكون مستحيلا في الوقت الحالي خصوصا مع ضعف الامكانات وقلة الدعم وعدو وجود ادوية خاصة لمعالجة هذا المرض. ويصف جوناثان بال، عالم الفيروسات بجامعة نوتينغهام، الوضع بأنه "ميؤوس منه". ويعرب عن مخاوفه من أن الفيروس يأخذ فرصته الأولى للتكيف نتيجة العدد الكبير لحالات انتقال العدوى بين البشر خلال هذا التفشي غير المسبوق. وعلى النقيض من فيروس الإيدز والانفلونزا، فان الشفرة الوراثية لفيروس إيبولا هي شريط من "آر إن إيه". وبالنظر إلى هذا الشريط فهو أقل استقرارا من شريط الحمض النووي "دي إن إيه" الذي يحمل معلوماتنا الوراثية. وذلك يعني أن إيبولا لديه معدلات تحول عالية، ومع وجود هذا التحول تزاداد احتمالية التكيف.
كما توجد علاقة بين قدرة الفتك للفيروس وسرعة الانتشار. فبوجه عام كلما كان الفيروس أقل فتكا بك، أصبحت ناقلا له على الأرجح، على الرغم من أن الجدري استثناء من ذلك. وأضاف :"هو مثل فيروس الإيدز، الذي كان ينتقل بين البشر لمئات السنين قبل أن يجد في النهاية الطريقة الصحيحة للتحور والانتشار بين السكان من البشر."
مسؤولية صندوق النقد الدولي
وفيما يخص آخر تطورات هذا المرض الخطير فقد قال باحثون في بريطانيا إن الإجراءات بشأن تخفيض النفقات العامة التي دعا إليها صندوق النقد الدولي، ربما تكون قد أسهمت في سرعة انتشار فيروس إيبولا في ثلاث بلدان بمنطقة غربي أفريقيا. وأضاف الباحثون أن هذه الإجراءات الاقتصادية أدت إلى "نقص التمويل وعدم كفاية الموظفين وعجز الأنظمة الصحية عن الاستجابة لحالات الطوارئ" في سيراليون وليبيريا وغينيا.
لكن صندوق النقد الدولي نفى هذه الاتهامات، قائلا إن النفقات على القطاعات الصحية شهدت ارتفاعا في هذه البلدان ما بين أعوام 2010-2013. وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، ألكسندر كينتيكينليس، إن "السبب الرئيسي في سرعة انتشار وباء إيبولا هو ضعف الأنظمة الصحية في المنطقة. سيكون من سوء الحظ عدم الالتفات إلى العوامل الكامنة (وراء ما حدث)".
وجاء في الدراسة أن السياسات التي كانت تقتضي تخفيض النفقات الحكومية "طُبِّقّتْ بصرامة بالغة، الأمر الذي أدى إلى امتصاص الموارد التي كان يمكن أن تخصص للاستجابة إلى التحديات الصحية الملحة". وقال الباحث الرئيسي إن "فرض السقف الأعلى للفواتير يعني أن البلدان (المعنية) لم يكن بإمكانها توظيف ممرضين وأطباء في قطاع الصحة ودفع رواتب كافية لهم". وأضاف الباحث الرئيسي قائلا إن "تركيز صندوق النقد الدولي على ضرورة تطبيق أنظمة صحية غير مركزية جعل من الصعوبة التنسيق في الاستجابة للطوارئ الصحية مثل تفشي إيبولا". بحسب بي بي سي.
وقال لورانس كينغ، وهو باحث آخر شارك في إعداد هذه الدراسة، إن بلدان غينيا وليبيريا وسيراليون أكملت تطبيق توصيات النقد في عام 2013 أي قبيل تفشي إيبولا. وأضاف الباحث المشارك في الدراسة قائلا لكنها "فشلت جميعا في رفع النفقات على القطاعات الاجتماعية بالرغم من الحاجات الصحية الملحة".
رصد 6 مليار دولار
على صعيد متصل دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما الكونغرس إلى رصد نحو ستة مليارات دولار لمكافحة وباء إيبولا في غرب أفريقيا والتعامل مع خطره في الولايات المتحدة. وقال أوباما "لن نستطيع التغلب على إيبولا من دون تمويل إضافي". وأضاف "إذا كنا نريد أن تستمر بلدان أخرى في التعبئة فعلينا أن نكون دائما في الطليعة"، مذكرا بأن نحو ثلاثة آلاف أمريكي من مدنيين وعسكريين ينتشرون على الأرض في غرب أفريقيا وخصوصا في ليبيريا، البلد الأكثر إصابة بإيبولا.
وإذ أقر بأن هذا الموضوع تم التفاهم في شأنه حتى الآن بين الجمهوريين والديموقراطيين، حذر من محاولة خلط تمويل مكافحة إيبولا بالمفاوضات الشاقة التي تجري حول الموازنة. وتابع أوباما "القضية ليست سياسية. فلنقم بها"، داعيا أعضاء الكونغرس إلى اتخاذ قرار معتبرا أن التصويت على هذا التمويل العاجل الذي اقترحه في بداية تشرين الثاني/نوفمبر سيكون "هدية جيدة للأمريكيين والعالم".
وقالت جنيفر هينغ المتحدثة باسم اللجنة المكلفة صوغ قوانين المال في مجلس النواب إن "أي قرار لم يتخذ حتى الآن"، موضحة أن "قانون المال ستتم مناقشته في وقت لاحق". وفي مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الديمقراطيون، أبدى أحد المفاوضين حول الموازنة تفاؤله بالحصول "على المبلغ كاملا" مع تأكيده أن المفاوضات تتواصل مع مجلس النواب. بحسب فرانس برس.
وقال أوباما أيضا "علينا أن نقضي على هذا المرض. إنه ليس فيروسا يمكننا التعامل معه عبر بضع حالات هنا وهناك". وأكد أن هذا التمويل ضروري خصوصا لتسريع وتيرة الاختبارات على أي لقاح أو علاج واعد، وخصوصا تلك التي تجريها معاهد الصحة الأمريكية.
نتائج اولية مشجعة
على صعيد متصل أظهرت التجارب الاولى للقاح ايبولا على افريقيين نتائج أولية مبشرة، حسبما جاء في تقرير في دورية لانسيت الطبية. ويقول العلماء إن تلك النتائج تمثل خطوة ضرورية، حيث أظهرت لقاحات اخرى معدلات حماية اقل في افريقيا. واوضحت اختبارات على متطوعين اوغنديين وامريكيين أن اللقاح آمن حتى الآن وحقق رد فعل مناعي في كل من الامريكيين والافارقة. ويقول التقرير إن نتائج الاختبارات تقدم تطمينات لتجارب اخرى يتم اجراؤها حاليا.
ولا يوجد لقاح ناجح حتى الآن ضد فيروس ايبولا، ولكن يتم اجراء تجارب على عدد من اللقاحات. ولكي يكون اللقاح ناجحا، لابد من يتمكن من حث الجهاز المناعي للأصحاء على انتاج اجسام مضادة للفيروس لها القدرة على مقاومة العدوى. واجرى باحثون من المعهد الوطني للصحة اختبارا على اللقاح التجريبي على بالغين اصحاء في اوغندا، بعد اجراء تجارب في الولايات المتحدة. بحسب بي بي سي.
وقالت جولي ليدجيروود، الباحثة الرئيسية، إن الدراسة "هي الاولى التي تظهر استجابة مناعية لعقار تجريبي لايبولا على افارقة". وأضافت "إنه امر مشجع لان الاشخاص الاكثر عرضة للاصابة بإيبولا يعيشون بصورة رئيسية في افريقيا". ووفقا للدراسة فإن 56 بالمئة من الاوغنديينن الذين حصلوا على اللقاح انتجوا اجساما مضادة لايبولا في الدم. وقال الدكتور سريدار من جامعة اوكسفورد معلقا على نتيجة البحث إن النتائج تقدم تطمينات بشأن الاختبارات المنفصلة التي تجري الان على لقاحات لايبولا في مالي وبريطانيا والولايات المتحدة. ولكنه اضاف انه يجب اجراء المزيد من الاختبارات لمعرفة اذا ما كانت الاجسام المضادة قوية بما يكفي لتوفير المناعة ضد المرض.
الوباء قد يستمر
الى جانب ذلك فمن المحتمل أن تستمر أزمة فيروس إيبولا في غرب إفريقيا حتى نهاية عام 2015، بحسب ما يقوله باحث كبير ساعد في اكتشاف الفيروس. وقال بيتر بيوت إنه سعيد بالتقدم الحاصل، وبالوعد بعلاج جديد مضاد للفيروس. لكنه حذر أيضا من أن اللقاحات المضادة للفيروس قد تستغرق وقتا لظهورها. وقد أدى انتشار فيروس إيبولا الحالي - وهو أكثرها فتكا - إلى وفاة أكثر من 7600 شخص. وكان أغلب ضحايا الفيروس في سيراليون، وليبيريا، وغينيا.
وبروفيسور بيوت هو أحد العلماء الذين اكتشفوا إيبولا في عام 1976، وهو الآن رئيس كلية لندن للصحة والطب الاستوائي. وقال بيوت إنه على الرغم من بلوغ انتشار الفيروس ذروته في ليبيريا، كما أنه من المحتمل أن يرتفع في سيراليون خلال الأسابيع القادمة، فإن الوباء قد "يستمر لفترة أطول بعواقب أوخم".
وأضاف أن "وباء إيبولا لا يزال حاضرا. والأشخاص لا يزالون يموتون، ولا تزال حالات جديدة تكتشف". وقال "نحتاج إلى الاستعداد لبذل الجهود لوقت طويل، جهود مستمرة ربما تتواصل حتى نهاية 2015". ولكنه عبر عن انبهاره بالتقدم الذي رآه في سيراليون. وقال "انشئت مراكز للعلاج عبر أرجاء البلاد بمساعدة البريطانيين. ولم تعد ترى منظر الجثث وهي ملقاة في الشوارع". بحسب بي بي سي.
وقال إن مما يشجعه أيضا أن العلاج البسيط، من قبيل السوائل الوريدية، والمضادات الحيوية، أدى إلى انخفاض معدل الوفيات إلى واحد من بين كل ثلاثة. "وحتى نصل إلى أقل من هذا المعدل، فإن هذا يتطلب علاجا خاصا يجري اختباره حاليا". وعبر عن أمله في أن يتضح خلال ثلاثة أشهر أي مضادات الفيروس سيكون أكثر فعالية. وقال إن تطوير لقاح قد يكون أكثر تعقيدا، لكن يجب الاستمرار فيه "حتى لو ظهر وباء آخر، أو حتى لو استمر الوباء الحالي لفترة أطول، يكون اللقاح متاحا بين أيدينا".
اضف تعليق