في الوقت الذي أعلنت فيه الكثير من الدول إلغاء قيود كورونا وعودة الحياة لطبيعتها، اكتشف الباحثون متحوراً جديداً من فيروس كورونا عبارة عن مزيج بين نسختي دلتا وأوميكرون. فكيف تكون هذا المتحور؟ وما مدى خطورته؟ ظهرت في الولايات المتحدة الأميركية وبعض بلدان أوروبا نسخة أخرى من فيروس كورونا...
في الوقت الذي أعلنت فيه الكثير من الدول إلغاء قيود كورونا وعودة الحياة لطبيعتها، اكتشف الباحثون متحوراً جديداً من فيروس كورونا عبارة عن مزيج بين نسختي دلتا وأوميكرون. فكيف تكون هذا المتحور؟ وما مدى خطورته؟
ظهرت في الولايات المتحدة الأميركية وبعض بلدان أوروبا نسخة أخرى من فيروس كورونا هي هجين بين نسختي دلتا وأميكرون أطلق عليها اسم "دلتاكرون"، وإذا كانت عدد الحالات المصابة بهذه النسخة الجديدة قليلة نسبياً فإنها توحي بأن جائحة كورونا لم تنتهِ بعد في وقت اتجهت الكثير من الدول إلى إلغاء الكثير من قيود كورونا، وقد أكد لوكا سيسين-ساين، رئيس قسم المناعة الفيروسية في مركز هيلمهولتس الألماني لأبحاث العدوى وجود هذا النوع الجديد من الفيروس، كما أن منظمة الصحة العالمية (WHO) يبدو أنها كانت مستعدة بالفعل لهذا النموذج الهجين، وفي هذا الصدد قالت ماريا فان كيركوف، خبيرة منظمة الصحة العالمية، المسؤولة عن كورونا: "نحن نعرف هذه النسخة. إنها مزيج بين دلتا AY.4 وأوميكرون BA.1." لكن ما مدى خطورة دلتاكرون؟
المعروف أن نسخة دلتا من فيروس كورنا تترك أعراضاً حادة على المصاب، في حين تعرف نسخة أوميكرون بأنها شديدة العدوى وتنتقل بشكلٍ سريع من شخص لآخر. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن النسخة الهجين دلتاكرون ستكون خطيرة.
فقد أظهر تحليل تسلسل الجينوم الذي أجراه معهد باستورالفرنسي أن دلتاكرون يحتوي في الواقع على طفرات مميزة لكلا النسختين، وفقًا لتقرير قاعدة بيانات الجينوم. كما أن المتغيّر الجديد له خلفية وراثية مماثلة لمتغير دلتا، بالإضافة إلى بعض الطفرات من أوميكرون. وهو ما خلق نوعاً من القلق من احتمال انتشار نوع هجين أكثر عدوى ، خاصة الآن بعد أن تم تخفيف إجراءات كورونا في الكثير من البلدان .
بيد أن، معظم الخبراء يتعاملون حتى الآن بهدوء نسبي مع المتحور الجديد، إذ لا يوجد سوى عدد قليل من الحالات المعزولة في ألمانيا وفرنسا وهولندا والدنمارك وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. ما يدلّ على أن المتغيّر الهجين ليس بتلك الخطورة التي كان يعتقدها البعض.
ويوضح عالم المناعة الفيروسية سيسين-ساين ذلك بالقول: "إذا كان دلتاكرون فعلا ذلك المتغيّر الذي ينتشر بشكلٍ أسرع ويترك أعراضاً صعبة على المصاب لرأينا أيضاً حالات إصابة أكثر بهذا المتغيّر". ويضيف سيسين-ساين "أكيد علينا مراقبة هذا المتغير الهجين عن كثب، لكنه يبقى غير مزعج في الوقت الحالي".
نفس الشيء يذهب إليه إيسان سيمون لورير من معهد باستور الذي يرى أنه حتى الآن لا يزال المتغير الهجين نادراً للغاية ولا يظهر أيّ علامات تدعو للقلق.
ما الذي نعرفه عنه حتى الآن؟
أعلنت منظمة الصحة العالمية في التاسع من مارس/آذار أن العلماء اكتشفوا متحورا جديدا من فيروس كورونا، وقد سُمي بشكل غير رسمي "دلتاكرون"، لأنه مزيج من متحوري دلتا وأوميكرون، ولا تصنفه منظمة الصحة العالمية حتى الآن كـ "متحور مثير للقلق" - وهو ذلك الذي يمكن أن يكون له تأثير كبير على الصحة العامة.
وقد ظهرت حالات إصابة بـ "دلتاكرون" في أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية، ومع ذلك، لا يزال العلماء وخبراء الصحة غير متأكدين من العوامل الحاسمة لهذا المتحور الجديد، خاصةً ما إذا كان قابلاً للانتقال بدرجة عالية أو مقاومًا للقاحات، أو ما إذا كان يتسبب في أعراض شديدة.
أصله وانتشاره اكتشفت أولى حالات الإصابة بـ "دلتاكرون" في فرنسا في يناير/كانون الثاني 2022، وجرى التأكد من هذا، ومنذ ذلك الحين، ظهرت حالات أخرى في بلجيكا وألمانيا والدنمارك وهولندا، وفقًا لمعلومات من منصة "غيسيد"، وهي منصة على الإنترنت يتبادل عليها العلماء من جميع أنحاء العالم المعلومات الجينية المتعلقة بفيروس كورونا.
وفي الآونة الأخيرة، لوحظت حالات إصابة بـ "دلتاكرون" في المملكة المتحدة والولايات المتحدة والبرازيل، لا يزال عدد الحالات المرتبطة بهذا المتحور منخفضًا للغاية: اعتبارًا من 15 مارس/آذار، جرى تقديم 47 عينة فقط من متحور "دلتاكرون" إلى منصة "غيسيد"، 36 منها من فرنسا، وعلى الرغم من أن هذه ليست معلومات قاطعة، فإن حقيقة أن عدد حالات "دلتاكرون" لم يرتفع بشكل كبير خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار يمكن تفسيرها على أنها إشارة أولية على أن هذا المتحور ليس أكثر قابلية للعدوى من دلتا وأوميكرون، وتأتي المزيد من البيانات التي تدعم هذا الرأي من دراسة لم تُنشر بعد أعدها باحثون في "هيليكس"، وهي شركة خاصة تعمل في مجال التسلسل الجيني في الولايات المتحدة.
وحلل العلماء أكثر من 29,000 عينة إيجابية للإصابة بفيروس كورونا جُمعت خلال الفترة بين نوفمبر/تشرين الثاني 2021 وفبراير/شباط 2022، وهي الفترة التي انتشر فيها دلتا وأوميكرون بكثافة كبيرة في الولايات المتحدة.
لكن من بين كل هذه الحالات الإيجابية، كانت حالتان فقط مرتبطتين بـ "دلتاكرون"، واستنتج معدو الدراسة أن حالات الإصابة بهذا المتحور، في الوقت الحالي، "نادرة" و"لا يوجد دليل على أن مزيج دلتا-أوميكرون يؤدي إلى فيروس أكثر قابلية للعدوى مقارنة بسلالات أوميكرون المنتشرة".
كيف تختلط المتحورات؟ قال عالم الفيروسات فيليبي نافيكا، الذي يعمل في مؤسسة "فيوكروز" البرازيلية، وهي مؤسسة أبحاث للصحة العامة، لبي بي سي إن المتحورات التي تتحد لتشكل سلالة جديدة ليست شيئًا نادرًا أو غير متوقع، وأضاف: "من المحتمل أن يكون هذا قد حدث بالفعل عدة مرات مع سلالات أخرى. لكن نظرًا لأن متحورات فيروس كورونا لم تكن مختلفة تمامًا عن بعضها بعضا في البداية، فقد أصبح اكتشاف ذلك أكثر صعوبة"، وتابع: "الفيروسات تتطور باستمرار، وظهور متحورات جديدة ليس بالضرورة أمرا سيئا. نحن الآن بحاجة لتقييم وفهم تأثير ذلك على الوباء".
لكن كيف يحدث هذا الدمج عملياً؟
أولاً، يتعين علينا أن نضع في اعتبارنا أن الأشهر القليلة الماضية قد شهدت انتشارا مكثفا لمتحورين من فيروس كورونا: دلتا وأوميكرون، في هذا السياق، يمكن أن يصاب الفرد في وقت واحد بكلا المتحورين، عند الاتصال بأشخاص مصابين في حانة أو في وسائل النقل العام أو في أي مكان مزدحم آخر، ويمكن أن يصيب المتحوران خلية واحدة في الوقت نفسه. نتيجة لذلك، تحمل المتحورات الجديدة من الفيروس الخصائص الجينية لكل من دلتا وأوميكرون، وفي حالة "دلتاكرون"، لاحظ العلماء أنه يحمل البروتينات الشوكية لمتحور أوميكرون و"جسم" متحور دلتا، ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا "المزيج" من سلالتين مهمتين من فيروس كورونا يمكن أن يسبب حالة أكثر خطورة، مع زيادة احتمال دخول المستشفى أو الوفاة، لا توجد أيضًا معلومات حول ما إذا كان بإمكان المتحور الجديد الهروب من المناعة التي يكتسبها الجسم بسبب إصابته بالعدوى أو تلقيحه من قبل.
هل هناك أسباب تدعو للقلق؟ دعت سلطات الصحة العامة الوطنية والدولية إلى الهدوء في ما يتعلق بهذا المتحور الجديد. وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية ولا هيئة المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض متحور "دلتاكرون" على أنه متغير مثير للقلق، وتصنفه منظمة الصحة العالمية حاليًا على أنه "متحور تحت المراقبة".
وفي مؤتمر صحفي في التاسع من مارس/آذار، أكدت ماريا فان كيرخوف، القائد التقني لمنظمة الصحة العالمية بشأن فيروس كورونا، أنه "لم تُلاحظ أي تغييرات في الوباء أو شدة المرض المرتبطة بهذا المتحور"، وقالت فان كيرخوف: "لسوء الحظ، نتوقع رؤية المزيد من الفيروسات المعاد دمجها، إذ أن التغيير بمرور الوقت هو بالضبط ما تفعله مسببات الأمراض هذه"، ويضيف عالم الفيروسات فيليبي نافيكا أن ظهور متحور جديد يعزز أهمية المراقبة الجينية من قبل العلماء، ويقول: "نحن بحاجة إلى دراسة المزيد والمزيد من تسلسل العينات لفهم ما إذا كان هذا المتحور الجديد له أي تأثير"، لكن نافيكا يشير أيضًا إلى أنه يتعين على الناس أن يتحلوا باليقظة، قائلا: "من وجهة نظر فردية، من المهم جدًا استكمال جدول التطعيم بالجرعات الموصى بها"، ويختتم عالم الفيروسات حديثه قائلا إن "التدابير الوقائية مثل غسل اليدين وارتداء القناع ما زالت تؤدي إلى تقليل احتمال الإصابة بأي متحور من متحورات فيروس كورونا".
رصد أعراض المتحور الجديد من كورونا
قال علماء إنهم حددوا هجينا جديدا من فيروس كورونا، أطلقوا عليه اسم "دلتاكرون"، كونه يمزج بين متحوري"دلتا" و"أوميكرون"، وبحسب ما أفادت شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، تعتبر السلالة الجديدة من كورونا تركيبا هجينا، مما يعني أنها تحمل في جوفها المعلومات الجينية لكلا السلالتين.
وقال أستاذ علم الأحياء الدقيقة والمناعة في جامعة شريفبورت بولاية لويزيانا الأميركية جيرمي كاميل إن متحور "دلتا" استحوذ على بروتين السنبلة الخاص بـ"أوميكرون". ويؤدي هذا البروتين دورا حيويا في اختراق فيروس كورونا للخلايا البشرية.
ومن السابق لأوانه الحسم بشأن ما إذا كان "دلتاكرون" مختلف عن "دلتا" و"أوميكرون"، ويرجح أن يكون سلوكه قريبا لسلوك "دلتا"، لأن بروتين السنبلة جاء من تلك السلالة، ويقدر إتيان لوريير، عالم الفيروسات الفرنسي، بحسب ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن الجسم غالبا ما يتعرف على المتحور الجديد باعتباره "أوميكرون"، مما يعني أن أعراض "دلتاكرون" ربما تشبه المتحور السابق، ولذلك، من الأعراض المتوقعة لـ"دلتاكرون": سيلان الأنف وصداع في الرأس والعطس والالتهاب في الحلق وغيرها، وجرى رصد إصابات بالمتحور الجديد في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، مثل فرنسا وألمانيا والدنمارك، لكن عدد هذه الإصابات محدود، وتم الإبلاغ عن هذا المتحور للمرة الأولى في منتصف فبراير الماضي في الولايات المتحدة، ويواصل العلماء دراسة هذا الهجين وتتبع احتمال ظهور تركيبات هجينة أخرى من سلالات الفيروس، وذلك لمعرفة كيف يمكن لفيروس كورونا أن يتغير ويتحور، خاصة مع استمراره لفترة طويلة.
سلالة جديدة أم خطأ مخبري؟
تناولت عدة تقارير إعلامية ظهور سلالة جديدة من كورونا تحمل خصائص مشتركة من سلالتي دلتا وأوميكرون، أطلق عليها اسم "دلتاكرون" (Deltacron)، فما التفاصيل؟ وما مدى صدقية هذا الاكتشاف؟ إليكم الإجابات في هذا التقرير، مع معطيات جديدة حول تأثير أوميكرون على أنظمة الرعاية الصحية.
نقلت وكالة "بلومبيرغ" (Bloomberg) -السبت الماضي- عن ليونديوس كوستريكيس أستاذ العلوم البيولوجية في جامعة قبرص اكتشاف "تواقيع جينية" (genetic signatures) تشبه سلالة أوميكرون داخل جينومات سلالة دلتا.
وقال كوستريكيس وفريقه إنهم وجدوا 25 حالة مماثلة، وأضاف -في حديث لشبكة سيغما التلفزيونية القبرصية يوم الجمعة الماضي- أننا "سنرى في المستقبل إذا ما كانت هذه السلالة أكثر مرضية أو معدية"، لكنه أضاف أنه يعتقد أن أوميكرون سيظل في النهاية السلالة المهيمنة، ويعمل كوستريكيس أستاذا للعلوم البيولوجية في جامعة قبرص، ورئيس مختبر التكنولوجيا الحيوية والفيروسات الجزيئية.
ووفقا لتقرير بلومبيرغ، فيظهر التحليل الإحصائي أن التكرار النسبي للعدوى المشتركة أعلى بين المرضى بكوفيد-19 في المستشفى، مقارنة بالمرضى غير المقيمين في المستشفى. وتم إرسال تسلسل 25 حالة من حالات الدلتاكرون إلى قاعدة البيانات الدولية "جي آي إس إيه آي دي" (GISAID) التي تتعقب التغيرات في الفيروس في السابع من يناير/كانون الثاني الجاري، وقال "سنرى في المستقبل إذا ما كانت هذه السلالة أكثر مرضية أو معدية أو إذا ما كانت ستنتصر" على دلتا وأوميكرون، لكن وجهة نظره الشخصية هي أن هذه السلالة ستحل محلها سلالة أوميكرون شديدة العدوى.
بالمقابل، شكك بعض الخبراء في السلالة الجديدة المزعومة، مشيرين إلى أدلة على أنها من المرجح أن تكون بسبب تلوث معملي بين دلتا وأوميكرون، بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل جدا أن تكون هذه عدوى مشتركة بين السلالتين، وفقا للدكتور توم بيكوك عالم الفيروسات في إمبيريال كوليدج للأمراض المعدية في بريطانيا.
وغرد بيكوك السبت الماضي "يبدو أن تسلسلات دلتاكرون القبرصية التي أبلغت عنها العديد من وسائل الإعلام الكبرى ملوثة بشكل واضح"، وأوضح بيكوك كذلك أن التلوث شائع جدا عندما يتم ترتيب المتغيرات الجديدة في المختبرات. وقال إن التلوث يمكن أن يحدث حتى مع وجود "أحجام صغيرة جدا جدا من السوائل"، قبل تصنيف متغير جديد، يقول بيكوك إنه يجب اكتشاف السلالة المزعومة في العديد من المختبرات الأخرى أولا.
دافع كوستريكيس عن نتائجه، وقال -في تقرير ثان لبلومبيرغ– إن سلالة "دلتاكرون كوفيد" (Deltacron Covid) ليست خطأ، وأكد العالم وجود السلالة الجديدة من كوفيد-19 التي تجمع بين خصائص متغيرات دلتا وأوميكرون.
تكهن علماء آخرون بأن النتائج التي توصل إليها ليونديوس كوستريكيس هي نتيجة لتلوث المختبر. لكن كوستريكيس أخبر بلومبيرغ -في بيان أرسل بالبريد الإلكتروني أمس الأحد- أن الحالات التي حددها "تشير إلى ضغط تطوري لسلالة أسلاف لاكتساب هذه الطفرات، وليس نتيجة لحدث إعادة تركيب واحد"، أي أن التطور حقيقي، وليس خطأ.
كيف يهدد أوميكرون أنظمة الرعاية الصحية؟ تتعرض نظم الرعاية الصحية في أوروبا لضغوط مرة أخرى بسبب الانتشار السريع للمتحور أوميكرون خلال فترة العطلات، مع إصابة أعداد كبيرة من أفراد الطواقم الطبية وعزلهم، في حين يقول الخبراء إن أوروبا لم تصل بعد لذروة الانتشار، وفقا لرويترز.
وعلى الرغم من أن الدراسات الأولية أظهرت انخفاض خطر الإصابة بأمراض خطيرة أو دخول المستشفيات بسبب أوميكرون بالمقارنة بالمتحور دلتا السابق عليه، فإن شبكات الرعاية الصحية في إسبانيا وبريطانيا وإيطاليا وغيرها وجدت نفسها في ظروف شديدة الصعوبة، وبدأت بريطانيا نشر أفراد من الجيش لدعم المستشفيات التي تعاني من نقص العمالة ومن ضغوط شديدة بسبب حالات إصابة قياسية في البلاد.
وقال المدير الطبي لهيئة خدمات الصحة الوطنية ستيفن بويس -في بيان- "أوميكرون يعني المزيد من المرضى والقليل من أفراد الطواقم لعلاجهم"، وفي الولايات المتحدة، تؤجل المستشفيات عمليات جراحية لإتاحة الأطباء والأسرة. وفي إسبانيا، تتعرض شبكة الرعاية الصحية لضغوط شديدة لدرجة أن السلطات سمحت في اليوم قبل الأخير من عام 2021 في إقليم أراجون الشمالي الشرقي بالاستعانة بالمتقاعدين من العاملين بالرعاية الصحية وإعادتهم إلى العمل.
ارتفاع حاد في معدلات الإصابة، ترتفع معدلات الإصابة في هولندا ارتفاعا حادا كذلك بين طواقم العاملين بالمستشفيات، خاصة بين الممرضين ومساعديهم، وفقا لما نشرته صحيفة "ديلي تلغراف" (Daily Telegraph) يوم الجمعة الماضي بعد مسح شمل 8 مستشفيات كبرى، وفي أسوأ الحالات، جاءت نتيجة فحص واحد من كل 4 إيجابية كما هو الحال في مركز أمستردام الطبي الجامعي؛ حيث أظهرت الفحوص إصابة ربع العاملين بكوفيد-19 قبل عيد الميلاد بالمقارنة مع 5% قبل أسبوع.
وتدرس المستشفيات الهولندية تغيير قواعد الحجر الصحي للسماح للطواقم المصابة بدون بأعراض بالعودة إلى العمل، وفي إيطاليا، تتفاقم مشكلة الإصابات بين أفراد الطواقم الطبية والتي بلغ عددها أكثر من 12 ألفا و800 إصابة، وفقا لبيانات جُمعت الأسبوع الماضي باستبعاد أفراد الطواقم غير المطعمين الذين يمثلون نسبة 4% من العاملين.
الذروة تلوح في الأفق، وفي أحدث محاولة لسد الفجوة في خدمات الرعاية الصحية، ألغت الهيئات الطبية الإيطالية عطلات العاملين وأحالتها إلى فترات أخرى، وألغت أو أجلت الجراحات التي لا تصنف عاجلة، وقال وزير الصحة البريطاني ساجد جاويد -يوم الجمعة الماضي- إنه مع ارتفاع معدل دخول المستشفيات إلى أعلى مستوياته منذ فبراير/شباط الماضي، من المتوقع أن تعاني هيئة خدمات الصحة الوطنية البريطانية من المزيد من الضغوط بسبب ارتفاع حالات الإصابة بكوفيد-19 بين كبار السن.
وقال جاويد -في تصريحات مذاعة- "ما زلنا نشهد زيادة في دخول المستشفيات، خاصة مع ارتفاع الإصابات بين كبار السن. وهذا أمر مثير للقلق، أعتقد أنه يتعين علينا أن نكون صادقين، عندما نتطلع للهيئة، نتوقع أن يكون الأمر في غاية الصعوبة خلال الأسابيع القليلة المقبلة".
هل يمكن أن يكون المتحوّر المرفوض حقيقيا؟!
بدأت السلطات الصحية في المملكة المتحدة رسميا في مراقبة ما يسمى بمتحوّر "Deltacron" (دلتاكرون) لفيروس كورونا، الذي يُعتقد أنه مزيج من أوميكرون ودلتا، وتأتي هذه الخطوة بعد أن رفض خبراء في منظمة الصحة العالمية وأماكن أخرى المتحوّر باعتباره خطأ معمليا، الشهر الماضي.
وأدرجت وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة (UKHSA) السلالة الطافرة - التي تظهر عندما تندمج المتحورات المختلفة داخل مضيف - في أحدث تقرير مراقبة أسبوعي لها حول "المتحورات ذات الاهتمام بالصحة العامة" هذا الأسبوع. ويُسرد Deltacron من بين "إشارات أخرى قيد المراقبة والتحقيق حاليا"، وهي تسمية أقل من "المتحور المثير للقلق" و"المتحور قيد التحقيق".
ولم تحدد الوكالة العدد الدقيق لحالات Deltacron التي حددتها، لكن مصادر UKHSA لم تذكر اسمها قالت لصحيفة "ديلي ميل" إن المسؤولين "غير قلقين" من المتحور، لأن عدد الإصابات "منخفض". كما ذكرت الصحيفة أن الوكالة لا تعرف حتى الآن مدى العدوى أو الخطورة التي يسببها Deltacron أو ما إذا كان سيؤثر على فعالية اللقاح، وقال مسؤول من وكالة UKHSA لصحيفة "ديلي ميل": "لسنا قلقين بشكل خاص بشأن هذا المتحور. إنه مدرج في تلك القائمة لمجرد أننا ننظر إليه حاليا"، وأضاف المصدر المجهول أن هذا "رهان آمن للغاية" على ألا يمثل الضغط مشكلة في البلاد.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الحالات التي تمت ملاحظتها نشأت في المملكة المتحدة أو وصلت من الخارج، لكن وكالة UKHSA حددت خمسة "متحورات مثيرة للقلق" في البلاد، بما في ذلك دلتا وأوميكرون. وأفادت "ديلي ميل" أن العلماء لاحظوا ما لا يقل عن ثلاثة من هذه المتحورات الهجينة - المعروفة باسم "المؤتلف" - حتى الآن، ولكن لم يتسبب أي منها في تفشي المرض بشكل كبير.
ووفقا لبول هانتر، خبير الأمراض المعدية في جامعة إيست أنجليا، فإن المتحور "من الناحية النظرية لا ينبغي أن يشكل تهديدا كبيرا" نظرا لأن المملكة المتحدة تتمتع "بمستويات عالية من المناعة" ضد دلتا وأوميكرون. وعلى الرغم من أن هانتر حذر "ديلي ميل" من أنه "لا يمكن لأحد التنبؤ بكل شيء على وجه اليقين"، إلا أنه قال إن تقرير وكالة UKHSA "لا يملؤني بالرهبة"، وظهرت التقارير الأولية حول Deltacron الشهر الماضي بعد أن أعلن مختبر في قبرص أنه حدد المؤتلف. ومع ذلك، فقد رفض العلماء النتائج التي توصل إليها، بمن فيهم كبار الخبراء في منظمة الصحة العالمية، الذين رفضوا الادعاءات حول "المتحور الفائق" وقالوا إنه "من المحتمل تلوث أثناء التسلسل".
قصة سلالة متحوِّرة لا وجود لها
في شهر يناير، تطايرت أخبار عن انتشار «متحوِّر خارق» كالنار في الهشيم، لكن الأرجح أن تسلسلات ذلك المتحور إنما ظهرت نتيجة تلوث في العينات.
في السابع من يناير الماضي، أعلن عالم الفيروسات ليونديوس كوستريكيس، على شاشة التليفزيون المحلي، أن فريقه البحثي بجامعة قبرص في نيقوسيا، استطاع التعرّف على عدة جينومات لفيروس «سارس-كوف-2» SARS-CoV-2، تُظهر خصائص محددة تجمع بين سلالتي «دلتا» Delta و«أوميكرون» Omicron المتحورتين. وأطلق كوستريكيس وفريقه اسم «دلتاكرون» Deltacron على ما وصفوه بالسلالة المتحوّرة الجديدة، ثم توجهوا إلى قاعدة البيانات العامة «جيسايد» GISAID ذلك المساء، ورفعوا 25 من هذه التسلسلات، وبعدها بأيام قليلة، رفعوا 27 تسلسلًا آخر. وفي صباح اليوم التالي، تلقفت شبكة «بلومبيرج» Bloomberg الإخبارية هذه القصة، لتُطالعنا أخبار «دلتا كرون» في واجهات الصحف العالمية.
جاءت استجابة المجتمع العلمي سريعة. فقد أوضح كثير من المتخصصين، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أم في الصحافة، أن وجود 52 تسلسلًا لا يدل على وجود متحور جديد، وأن ذلك لم ينتج عن عملية توليف جيني بين الفيروسات؛ أي اشتراك أكثر من فيروس في معلوماتها الجينية، مشيرين إلى احتمالية حدوث ذلك نتيجة تلوث العينات في المختبر.
وفي التاسع من الشهر نفسه، كتبت كروتيكا كوبالي، عضوة الفريق التقني المعنيّ بدراسة مرض «كوفيد-19»، والتابع لمنظمة الصحة العالمية، في جامعة ساوث كارولينا الطبية في تشارلستون، في تغريدة لها على موقع «تويتر»: "لا يوجد شيء اسمه #دلتاكرون. #أوميكرون و#دلتا لم يتحدا لإنتاج سلالة متحوّرة خارقة".
لكن هناك قصة معقدة وراء الطريقة التي أصبحت بها هذه المجموعة من تسلسلات فيروس «سارس-كوف-2» محور نقاش علمي مكثّف، ولو أنه لم يدُم إلا قليلًا. فرغم ثناء بعض الباحثين على النظام الذي استطاع اكتشاف الخطأ المحتمل بهذه السرعة، يحذِّر آخرون من أن أحداث الأسبوع الماضي تقدم أنموذجًا ينبغي الانتباه إليه لانتشار المعلومات الخاطئة خلال الجائحة.
كوستريكيس، على الناحية الأخرى، يقول إن فرضيته قد أُسيء تأويلها، وإنه على الرغم من هذا الاسم المربك الذي تداولته بعض وسائل الإعلام للإشارة إلى وجود فيروس نشأ عن توليف سلالتي» دلتا» و«أوميكرون» المتحورتين، فإنه لم يُصرِّح مطلقًا بأن التسلسلات الجينية تُمثّل هجينًا بين السلالتين.
وفي نهاية المطاف، أزال كوستريكيس التسلسلات من القسم المتاح لعموم المستخدمين على قاعدة البيانات، في انتظار مزيد من الأبحاث في هذا الشأن.
هل هي مشكلة تتعلق بالبادئات؟ توضِّح شيريل بينيت، الموظفة بمكتب مؤسسة «جيسايد» في واشنطن العاصمة، أنه بالنظر إلى تحميل أكثر من سبعة ملايين جينوم لفيروس «سارس-كوف-2» على قاعدة البيانات منذ شهر يناير عام 2020، فوجود بعض الأخطاء في التسلسلات لا ينبغي أن يكون أمرًا مُفاجئًا.
إلا أن شيريل تستدرك موضحة: "رغم ذلك، فالتسرع في الخروج باستنتاجات بشأن البيانات التي قدمتها المختبرات، التي تصارع الزمن من أجل الخروج بالبيانات في الوقت المناسب، ليس أمرًا مفيدًا في أي حالة من حالات تفشي الأمراض".
نتجت تسلسلات «دلتاكرون» من عيِّناتٍ حصل عليها كوستريكيس وفريقه في ديسمبر، في أثناء محاولة تتبع انتشار سلالات «سارس-كوف-2» المتحوّرة في قبرص. فقد لاحظ الباحثون في أثناء فحص بعض التسلسلات وجود جينات، تُشبه في توقيعها الجيني سلالة «أوميكرون»، داخل جين البروتين الشوكي، الذي يساعد الفيروس على دخول الخلايا.
وأوضح كوستريكيس، في رسالة إلكترونية أرسلها إلى دورية Nature، أن فرضيته المبدئية تمثَّلت في أن تكون بعض جسيمات «دلتا» قد أحدثت – وبصورة مستقلة – طفراتٍ في جين البروتين الشوكي، تُماثل تلك الشائعة في «أوميكرون». ولكن بعد التغطية الإخبارية الواسعة، أشار علماء آخرون، يعملون على وضع التسلسلات الجينية ومرض «كوفيد-19»، إلى وجود احتمال آخر: خطأ في المختبر.
يعتمد وضع تسلسل أي جينوم على البادئات الجينية، وهي أجزاء قصيرة من الحمض النووي المُصنع، تعمل كنقطة البداية للتسلسل، عن طريق الارتباط بالتسلسل المُستهدَف.
ويوضح جيريمي كامل، عالم الفيروسات في كلية الطب بجامعة ولاية لويزيانا في شريفبورت، أن سلالة «دلتا» المتحوّرة تملك طفرة في جين البروتين الشوكي، تقلل من قدرة بعض البادئات على الارتباط؛ ما يجعل من الصعب وضع تسلسل لهذه المنطقة من الجينوم. ومع الوضع في الاعتبار أن هذه الطفرة لا تظهر في حالة «أوميكرون»، فإن اختلاط أي جسيمات «أوميكرون» بالعينة عند تلوثها، يمكن أن يجعل تسلسلات البروتين الشوكي تشابه التسلسلات الأخرى الموجودة في «أوميكرون».
لكن كوستريكيس يُعارض ذلك. وذكر أنه إذا كان «دلتاكرون» ناتجًا عن التلوث، لكانت التسلسلات التي لاحظها العلماء تعُود إلى تسلسلات «أوميكرون» مع وجود طفرات تُشبه طفرات سلالة «دلتا». وأضاف: "تبنَّت وسائل التواصل الاجتماعي حُجة تلوث مختبر «دلتاكرون»، دون النظر إلى بياناتنا الكاملة، ودون تقديم أي دليل قوي متماسك على أنها غير حقيقية".
ومع ذلك، فقد أوضح باحثون آخرون أنه حتى إذا لم تكن التسلسلات التي حصل عليها العلماء قد جاءت نتيجة التلوث، فالطفرات التي حددها كوستريكيس ليست حصرية لسلالة «أوميكرون» المتحوّرة، فهي موجودة في سلالات أخرى، ما يجعل من «دلتاكرون» اسمًا مغلوطًا.
ويوضح توماس بيكوك، عالم الفيروسات في كلية إمبريال كوليدج بلندن، أن مؤسسة «جيسايد» تستقبل – في واقع الأمر – كثيرًا من التسلسلات التي تضم عناصر رُصدت في سلالات متحوّرة أخرى، مضيفًا: "تُحمَّل مثل هذه المتسلسلات على قاعدة البيانات طوال الوقت، ولكن بشكل عام، لا يحتاج المتخصصون إلى التدقيق في تلك التسلسلات، نظرًا إلى عدم وجود ضغط من الصحافة العالمية عليهم".
ويوضح كوستريكيس أنه في الوقت الحاليّ "تجري دراسة جميع الآراء الحاسمة التي قدّمها العلماء البارزون حول العالم بشأن الإعلان الأخير عن التسلسل". وأكَّد أنه يخطط لتقديم البحث لمراجعة الأقران.
على أن كامل، ومعه مجموعة من الباحثين الآخرين، أبدوا قلقهم من أن تزيد حوادث كهذه من تردد الباحثين بشأن مشاركة البيانات التي تلزم مشاركتها بصفةٍ عاجلة. ويقول كامل: "علينا أن نسمح للمجتمع العلمي بتصحيح أخطائه بنفسه. وفي جائحة كهذه، يتعين تسهيل المشاركة السريعة لبيانات الجينوم الفيروسي، لأن هذه هي الطريقة المتاحة أمامنا للكشف عن السلالات المتحوّرة".
اضف تعليق