قد تتطوَّر الإصابة بـ«كوفيد-19» سريعًا إلى صورة شديدة من المرض عند نزولها بالحوامل. على سبيل المثال، في هذا السياق، أليسون كاهيل، المتخصصة في طب الأم والجنين بكلية ديل الطبية في مدينة أوستن بولاية تكساس الأمريكية، تستحضر تجربة مريضة كانت في الأسبوع السادس والعشرين من الحمل إبان الموجة الأولى من الجائحة...
بقلم: شانون هال
قد تتطوَّر الإصابة بـ«كوفيد-19» سريعًا إلى صورة شديدة من المرض عند نزولها بالحوامل. على سبيل المثال، في هذا السياق، أليسون كاهيل، المتخصصة في طب الأم والجنين بكلية ديل الطبية في مدينة أوستن بولاية تكساس الأمريكية، تستحضر تجربة مريضة كانت في الأسبوع السادس والعشرين من الحمل إبان الموجة الأولى من الجائحة. استيقظت تلك المريضة ذات صباح وهي تسعل، ثم تدهورت حالتها بسرعة كبيرة استدعت إيداعها مستشفى في مساء اليوم نفسه. ولم تكد ست ساعات تمضي، حتى كانت قد نُقلت إلى وحدة عناية مركزة (ICU)، حيث جرى تخديرها للخضوع لجراحة المجازة القلبية الرئوية. ونظرًا إلى احتياطات تتعلق بالسلامة، اضطر زوجها إلى التواصل مع الفريق الطبي المشرف على علاجها من منطقة انتظار السيارات بالمستشفى.
تعقيبًا على ذلك، تقول كاهيل: "عندما استيقظت تلك المريضة صباح ذاك اليوم، وبدأت تشعر بأنها ليست على ما يُرام، أظن أنه لم يخطر لها في أسوأ كوابيسها أن صباح اليوم التالي سيأتي عليها وقد خُدِّرت وجرى عزلها في وحدة للعناية المركزة". جدير بالذكر أن المريضة لبثت في وحدة العناية المركزة بضعة أسابيع قبل أن يُسمح لها في نهاية المطاف بالعودة إلى بيتها.
وإلى اليوم، يتناقل اختصاصيو الرعاية الصحية قصصًا مشابهة تدمي القلوب بخصوص ما حدث عندما اجتاحت الولايات المتحدة سلالة «دلتا» المتحورة من فيروس كورونا المُسبِّب للمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة من النوع الثاني (المعروف اختصارًا بفيروس «سارس-كوف-2» SARS-CoV-2). فعلى سبيل المثال، اكتظ المستشفى الذي تعمل به كاهيل بأعداد كبيرة من المرضى الذين أصيبوا سريعًا بعدوى «كوفيد-19»، إلى حد اقتضى من طاقم المستشفى أن يحيل طوابق أخرى به إلى وحدات إضافية للعناية المركزة، ولكن هذه المرة، وُجِدَ فارق واحد ملحوظ، تمثَّل في توافر لقاحات مضادة لمرض «كوفيد-19» بالمستشفى. مع ذلك، فجميع النساء اللاتي أُصبن بصورة خطيرة من عدوى المرض، ممن أشرفت كاهيل على علاجهن، رفضن تلقي تطعيم ضده.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه عندما دُشِّنت الحملات المجتمعية للتطعيم باللقاحات لأول مرة أواخر عام 2020، لم تتوافر إلا معلومات قليلة عن تأثير هذه اللقاحات في الحوامل، إذ لم تشاركن في أولى التجارب الإكلينيكية التي أُجريت لقياس مدى فاعلية جرعات التطعيمات. وعلى الرغم من أن إقصاء الحوامل من التجارب هو النهج المتبع عادة، فقد تركهنّ ذلك في حيرة من أمرهن بشأن مدى صحة اتخاذ قرار بتلقيهن أو تلقي أطفالهن تطعيمًا ضد المرض.
بيد أن البيانات المتاحة حاليًا صارت تستند إلى أساس راسخ وسليم، ويتضح منها أن مخاطر الإصابة بمرض «كوفيد-19» خلال الحمل؛ مثل وفاة الأم، وولادة طفل ميت، وحالات الولادة المبكرة، أشد وطأة بكثير من مخاطر تلقي الأم الحامل تطعيمًا ضد المرض. مع ذلك، وفقًا للبيانات المقدَّمة من مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) بالولايات المتحدة، فإن نسبة تلقي التطعيمات المضادة لمرض «كوفيد-19» بين الحوامل بالولايات المتحدة لم تبلغ إلا 40% تقريبًا بحلول الأول من يناير عام 2022 (انظر "بطء وتيرة الإقبال على تلقي التطعيمات"). وتتسم أعداد الحوامل اللائي تلقين تطعيمات ضد المرض بانخفاض مماثل على مستوى العالم. من ثمَّ، فإن مَن تتعرّضن منهن للإصابة بالمرض، ينتهي الحال بهن إلى دخول المستشفيات حيث يواجه العاملون في مجال الرعاية الصحية صعوبات لعلاجهن.
عاصفة حقيقية من الاضطرابات
لم تكن يومًا جسامة المخاطر التي يُشكِّلها مرض «كوفيد-19» في أثناء الحمل محلَّ شك. فجسم المرأة الحامل يثبط أجزاء بعينها في جهازه المناعي كي لا يؤذي الجنين. أيضًا يزداد حجم الدم لدى الحوامل زيادةً هائلة وهو ما يكون مُجهِدًا للجهاز الدوري (القلب والأوعية الدموية)، كما أن حجم الرحم يتزايد، فيضغط على الحجاب الحاجز دافعًا إياه إلى أعلى، ما يقلل من سعة الرئة.
تعقيبًا على ذلك، تقول أندريا إدلو، اختصاصية طب الأم والجنين بكلية الطب من جامعة هارفارد ومستشفى ماساتشوستس العام بمدينة بوسطن: "بعدئذ، عندما تصاب الحامل بعدوى فيروسية تسبب مرضًا قد يهدد حياتها، يُؤثِّر ذلك في الرئتين والقلب والأوعية الدموية. لتجد الحامل نفسها في صراع ضد عاصفة من الاضطرابات، بالمعنى الحقيقي للكلمة".
لكن كيف تحديدًا يُهدِّد «كوفيد-19» النساء الحوامل؟ ظل هذا السؤال عالقًا بلا جواب، إلى أن تمكَّن العلماء من حصر مدى هذا الخطر. ففي شهر أغسطس من العام 2021، استعرضت دراسة1 بيانات تخص ما يقرب من 870 ألف سيدة خضن تجربة الولادة في نحو 500 مركز طبي بالولايات المتحدة في الفترة من الأول من مارس عام 2020 وحتى الثامن والعشرين من فبراير عام 2021. وأظهرت هذه البيانات أنه مقارنة بالنساء الحوامل اللاتي لم يُشخَّصن بالإصابة بـ«كوفيد»، كانت احتمالات الوفاة جرَّاء هذا المرض بين النساء اللاتي شُخِّصن بالإصابة به أكبر بمقدار 15 ضعفًا، فيما كانت احتمالية اللجوء إلى استخدام الأنابيب لمساعدتهن على التنفس أعلى بـ14 مرة، بل وكنَّ أكثر عُرضة لوضع حملهنّ مبكرًا بما يصل إلى 22 مرة.
والوقوف على مخاطر الإصابة بهذا المرض، إلى جانب توافر بيانات تُبرهن على أن اللقاحات آمنة في العموم، شجَّعا هيئة مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها على التوصية بتطعيم الحوامل ضد الفيروس في الحادي عشر من أغسطس العام الماضي. وكانت منظمة الصحة العالمية قد أوصت قبل ذاك في يونيو من العام نفسه بتلقي الحوامل الأكثر عُرضة للإصابة بالمرض تطعيماتٍ ضده.
وقد جاءت هذه التوجيهات الجديدة في وقت غيَّرت فيه السلالة المتحوِّرة «دلتا» قواعد اللعبة، إذ لم تتسبب في ارتفاع أعداد حالات الإصابة بالمرض في كل مكان فحسب، بل شكّلت أيضًا خطرًا أكبر على الحوامل. على سبيل المثال، في أكتوبر من عام 2021، شكّلت السيدات الحوامل اللائي لم يتلقين تطعيمًا ضد مرض «كوفيد-19» نحو 20% من حالات الإصابة الحادة بهذا المرض في مستشفيات إنجلترا. وفي تقرير2 أصدرته مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها أواخر نوفمبر، تبيَّن أن خطر ولادة جنين ميت كان أعلى بـ2.7 مرة بين السيدات اللائي شُخِّصن بالإصابة بـ«كوفيد-19» في فترة انتشار السلالة المتحورة «دلتا»، مقارنة به بين مثيلاتهن في أثناء انتشار السلالات السابقة. كما خلص تقرير3 ثانٍ أصدرته الجهة عينها أن نسبة خطر وفيات الأمهات ارتفعت إلى خمسة أمثالها في الظروف نفسها.
وتعلق إدلو على ذلك: "في العموم، لم يتطوَّر مرض «كوفيد-19» إلا ليصبح أشد فتكًا بالأم والجنين من ذي قبل" (رغم ذلك، لم يتضح بعد ما إذا كان لسلالة «أوميكرون» التي ظهرت في نوفمبر من العام الماضي، وانحدرت من فيروس «سارس-كوف-2»، التأثير نفسه في الأم والجنين). على سبيل المثال، في الولايات المتحدة الأمريكية، بحلول نهاية عام 2021، أُودع أكثر من 25 ألف سيدة حامل في أحد المستشفيات جرّاء الإصابة بالمرض، وتجاوزت الوفيات بين هذه الفئة 250 سيدة.
التطعيم قد ينقذ حياة الأم والطفل
شجعت الزيادة في حجم المخاطر الناجمة عن مرض «كوفيد-19» مزيدًا من الحوامل على تلقي تطعيم ضد المرض متى أُتيحت لهن لقاحاته (وإن كنَّ قد مثَّلن نسبة ضئيلة من إجمالي تلك الفئة)، وهو ما سمح لنظم المتابعة الصحية في جميع أنحاء العالم بالظفر بالمعلومات المطلوبة عن أثر التطعيم خلال الحمل.
فقد تناولت دراسة4 نُشرت في يونيو من عام 2021، الآثار السلبية التي قد تكون للتطعيم في ما يخص الحمل، مثل فقدان الجنين، سواء عن طريق سقوط الحمل، أو ولادة طفل ميت. كما تصدت الدراسة للتبعات السلبية التي قد تكون للتطعيم على حديثي الولادة، مثل الولادة المبكرة والعيوب الخلقية والوفاة. وشملت 827 سيدة في الولايات المتحدة أنجبن أطفالهن بعد تلقيهنّ تطعيمات ضد مرض «كوفيد-19». وخلصت الدراسة إلى أن معدل حدوث هذه الآثار السلبية بين من خُضن تجربة الولادة من المشارِكات كان مشابهًا له بين مثيلاتهن من السيدات الحوامل خلال فترة ما قبل الجائحة (واللائي لم يتلقين تطعيمًا ضد المرض). بالإضافة إلى ذلك، وجدت دراسة5 أخرى نُشِرت مسودتها في أغسطس الماضي وشملت 2500 حامل، كنَّ قد تلقين تطعيمات مضادة لمرض «كوفيد-19» إما قبل حدوث الحمل، وإما في أثناء الأسابيع العشرين الأولى منه، أن خطر سقوط الحمل لم يتزايد بين هؤلاء السيدات.
وقد استمر ورود مزيد من البيانات التي تفيد بأن اللقاح ليس آمنًا في أثناء الحمل فحسب، بل فعَّال أيضًا. على سبيل المثال، أثبتت دراسة6 نُشرت في أكتوبر الماضي أن الحوامل اللائي يحصلن على الجرعة الثانية من اللقاح تتكون لديهن بعدها دفاعات مناعية حصينة ضد الفيروس. (وفي العام الماضي بدأ عدد كبير من التجارب الإكلينيكية الرسمية تقييم هذه القضايا).
ويضاف إلى فوائد اللقاحات احتمالية توفيرها حمايةً للطفل. فقد أشارت دراسات عدة نُشرت في منتصف العام الماضي7،8 إلى أن الأجسام المضادة التي ينتجها الجسم كرد فعل للقاح المضاد لمرض «كوفيد-19» تنتقل عبر المشيمة. يعني ذلك أن المناعة ضد المرض قد يكتسبها الوليد الذي تهدده المُمرِضات في الشهور القليلة الأولى من حياته، ويكون غير مؤهل لتلقي تطعيم ضد الفيروس. ورغم أن الأبحاث في هذا الشأن لا تزال نادرة، أفاد9 فريق إدلو البحثي في مسودة بحثية صدرت في نوفمبر الماضي بأن الأجسام المضادة لفيروس «سارس-كوف-2» استمر وجودها لدى الأطفال بعمر ستة أشهر في 60% من المواليد الرضع الذين تلقت أمهاتهم تطعيمًا ضد مرض «كوفيد-19» خلال فترة الحمل.
عن ذلك، تقول جينيفر جولي، اختصاصية طب الأم والجنين من جامعة كاليفورنيا ومركز إيرفين الطبي: "لا أظن أن ثمة طريقة أفضل لحماية هؤلاء المواليد فور خروجهم إلى العالم، إذ قد يتعرَّضون لاحتمال الإصابة بالفيروس المسبب لـ«كوفيد»".
رغم ذلك، تُعد نسب تلقي التطعيمات بين الحوامل منخفضة إلى حد مهول حول العالم. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، لا تعدو هذه النسبة 50%. بالإضافة إلى ذلك، وفقًا لما كشفه تحليل تجميعي أُجري في أكتوبر الماضي10 فإن 19% فقط من الحوامل في إفريقيا أبدين استعدادًا لتلقي تطعيم ضد «كوفيد-19».
تعقيبًا على ذلك، تقول ساشا إلينجتون، المتخصصة في علم الأوبئة وقائدة فريق التأهب والاستجابة لحالات الطوارئ في قسم الصحة الإنجابية بمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية إن: "صعوبة إحداث تغيير ملموس في هذا الوضع، ورفع المعدلات الحالية لتلقي التطعيمات تزداد تعقيدًا".
وحتى قبل جائحة «كوفيد-19»، مثَّل التردد في تلقي التطعيمات خلال الحمل أحد التحديات المعروفة. على سبيل المثال، قبل جائحة إنفلونزا الخنازير (H1N1) التي اندلعتْ في عام 2009، كانت نسبة تلقي الحوامل تطعيمات الإنفلونزا الموسمية في الولايات المتحدة تقارب 27%. بيد أن الاستراتيجيات الموجَّهة التي استهدفت هذه الفئة من خلال توصية أطباء التوليد بأخذ جرعات التطعيم أو إعطائهم إحدى هذه الجرعات في أثناء مواعيد متابعة الحمل، أسفرت عن زيادة هذه النسبة إلى 61% خلال موسم الإنفلونزا للعام 2019-2020، وهي نسبة تجدر مقارنتها بنسبة الإقبال على التطعيمات بين عموم السكان البالغين.
ويأمل عديدٌ من الخبراء في نجاح الجهود المماثلة في ما يخصّ تطعيمات مرض «كوفيد-19»، لكن جائحة «كوفيد» الحالية تطرح أمامنا تحديات جديدة تمامًا، جانب منها يرجع إلى تزايد تأثير وقدرة وسائل التواصل الاجتماعي يومًا بعد يوم على ترويج المعلومات المغلوطة، ومنها ما يُردّ إلى اختلاف الإقبال على تلقي التطعيمات تبعًا للتوجّهات السياسية. بخصوص ذلك، تقول إدلو: "إنه لمنحدرٌ أصعب من ذي قبل علينا تسلقه". ولكنها ترى أن القيام بهذا بالغ الأهمية، فهو في نظرها "مسألة حياة أو موت بحق".
اضف تعليق