q
هل الهدف من الجرعات المُعَزِّزة هو الوقاية من العدوى وإبطاء وتيرة انتقال الفيروس، أم أنَّ الهدف هو الحد من تطوُّر الحالة المَرَضيّة إلى المستوى الخطير الذي يستدعي الإيداع بالمستشفيات؟ فيما يشير آخرون إلى وجود أدلة على أن الجرعات الإضافية قد توسع نطاق الاستجابة المناعية، بما يكفي للتعرُّف على المُتَحَوِّرات الجديدة...
بقلم: كلير واتسون

في أواخر عام 2021، أظهرت الدراسات أن الجرعة الثالثة من لقاحات «كوفيد-19»، التي يُشار إليها بالجرعة المُعَزِّزة (booster)، كانت فعَّالة في رفع مستوى الحماية – ولو قليلًا – من الإصابة بالعدوى، لا سيِّما في مواجهة السلالة «أوميكرون» المتحوِّرة من فيروس كورونا. وفي الوقت الذي تتيح فيه بعض البلدان لمواطنيها حاليًّا جرعة رابعة؛ يرى قسمٌ من العلماء أن التَّعزيز إلى ما لا نهاية قد لا يكون بالاستراتيجية الناجحة.

يقول داني ألتمان، أخصائي المناعة في إمبريال كوليدج بالعاصمة الإنجليزية لندن، إن هذه "مساحة غير مطروقة في علم اللقاحات". وأردف قائلًا: "اضطرَّتنا الظروف إلى إعطاء الجرعات المُعَزِزة، واحدةً تلو الأخرى، من لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA) باعتباره إجراءً طارئًا. لكن يبدو أن هذا ليس السبيل الذي علينا أن نسلكه".

وفي مطلع يناير الماضي، بدأت إسرائيل في توفير جرعة رابعة لكبار السن، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، فضلًا عن مقدِّمي الرعاية الصحية، أملًا في حماية الفئات المُعَرَّضة للأخطار الناجمة عن تفشِّي «أوميكرون»، حسبما أفاد ويقول ران باليسر، الطبيب المتخصص في مجال الصحة العامة في معهد كلاليت للصحة في تل أبيب. وفي الأسبوع الماضي، كشفت بيانات أولية واردة من إسرائيل أن تلقي جرعة رابعة يقلل من احتمالية التعرُّض لخطر العدوى، وكذا من تطوُّر الإصابة.

ويدور الآن في صفوف الباحثين نقاش حول ما إذا كانت الجرعة الثالثة كافية لمنح مناعة دائمة ضد «أوميكرون»، وغيره من المُتَحَوِّرات الناشئة، لدى معظم الأشخاص، أم ستكون هناك حاجة لجرعة رابعة، أو حتى جرعات مُعَزِّزة تُؤخذ بصفةٍ منتظمة، كما هو الحال مع الأنفلونزا.

يقول بعض الباحثين إن الإجابة تتوقف على التأثير المرغوب: هل الهدف من الجرعات المُعَزِّزة هو الوقاية من العدوى وإبطاء وتيرة انتقال الفيروس، أم أنَّ الهدف هو الحد من تطوُّر الحالة المَرَضيّة إلى المستوى الخطير الذي يستدعي الإيداع بالمستشفيات؟ فيما يشير آخرون إلى وجود أدلة على أن الجرعات الإضافية قد توسع نطاق الاستجابة المناعية، بما يكفي للتعرُّف على المُتَحَوِّرات الجديدة. على أن الغالبية يتفقون على أننا بحاجة إلى لقاحات جديدة، توفر حماية أوسع نطاقًا ضد ما قد يظهر مُتَحَوِّرات مستقبلية.

لقد غيّر «أوميكرون» من نمط التفكير حول الجرعات المُعَزِّزة، حسبما يقول أليخاندرو بالاز، أخصائي المناعة في معهد راجون في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية. ذلك أن الأشخاص الذين كانوا يُعتَبَرون في السابق مُطَعَّمين تطعيمًا كاملًا، عندما تصيبهم العدوى، تتولَّد لديهم "استجابة من الأجسام المضادة لا تكفي لصدّ العدوى"، على حد قوله.

ومع انتشار حالات تفشي المُتَحَوِّر «أوميكرون»، كان اللجوء إلى الجرعة المُعَزِّزة، سعيًا إلى رفع مستويات الأجسام المضادة المُحَيِّدة، وتخفيف وطأة الإصابة، ومن ثم تقليل الضغط على المستشفيات1،2. ما يدعو إلى القلق هو ألا تتمكن الجرعة المُعَزِّزة من منع الإصابة سوى لفترة محددة.

تشير البيانات الواردة من إسرائيل، والتي جرى جمعها في الفترة بين شهري يونيو ونوفمبر من العام الماضي — عندما كان المُتَحَوِّر «دلتا» سائدًا — ونُشِرت على الإنترنت قبل خضوعها لمراجعة الأقران، إلى أن المناعة المُستَمَدَّة من الجرعة الثالثة من لقاح الحمض النووي الريبي المرسال تتراجع في غضون أشهر، وهو ما يفسر التراجع المناعي الذي يُلحَظ بعد تلقي جرعتين.

وأظهرت البيانات الواقعية المتوافرة على الصعيد العالمي، الواردة من المملكة المتحدة، والتي جُمِعَت في أواخر عام 2021، أن المناعة المُستَمَدَّة من الجرعات المُعَزِّزة قد تتراجع بوتيرة أسرع في مواجهة المُتَحَوِّر «أوميكرون»، مقارنةً بحالها في مواجهة المُتَحَوِّر «دلتا». ومع ذلك، تشير دراسة معملية أخرى، نُشِرَت بوصفها مسودة أوَّلية لم تخضع لمراجعة الأقران بعد، إلى أن تحييد الأجسام المضادة، المُتَحَصَّل عليها من الجرعة الثالثة، يمكن أن يُبقي على الحماية من الإصابة بعدوى «أوميكرون» لمدة تصل إلى أربعة أشهر.

ونظرًا لأن الحماية المُستَمَدَّة من الجرعات المُعَزِّزة قد تكون قصيرة الأجل، فإن إعطاء عدد لا نهائي من الجرعات — ربما على حساب تحصين الأشخاص ممن لم يتلقوا التَّطعيم في الدول منخفضة الدخل — لا يُعَد، على المدى البعيد، بالاستراتيجية العالمية "الناجعة أو الحكيمة"، حسب قول كانتا سوباراو، أخصائية الفيروسات في معهد بيتر دوهرتي للعدوى والمناعة بجامعة ملبورن في أستراليا.

وقد حذرت منظمة الصحة العالمية، في بيان أصدرته بتاريخ الحادي عشر من يناير الماضي، من أنه "من غير المُرَجَّح أن تكون استراتيجية التَّطعيم القائمة على إعطاء الجرعات المُعَزِّزة بصفةٍ متكررة من تركيبة اللقاح الأصلية استراتيجية مناسبة أو مُستدامة".

ومن المُحتَمَل أيضًا أن يتضاءل مردود الجرعات المُعَزِّزة المتكررة من اللقاحات الحالية بمرور الوقت، من حيث الحماية من السلالات المستقبلية، حسبما يقول مايلز دافنبورت، أخصائي المناعة الحاسوبية في جامعة نيو ساوث ويلز في مدينة سيدني في أستراليا. واستبعد أن تكون فعَّالية اللقاحات الجديدة، التي تستهدف مُتَحَوِّرات بعينها، أكبر بكثير من اللقاحات القائمة.

ويقول دافنبورت إنه لم يتبين بعد ما إذا كانت الجرعة الرابعة تعزز مستويات الأجسام المضادة، المانعة للإصابة بالعدوى، بأي شكل يزيد عن الجرعة الثالثة أم لا، إلا أن ذلك لم يمنع دولًا، من بينها تشيلي وكمبوديا والدنمارك والسويد، من إتاحة جرعة رابعة لفئات مُحَددة.

ومع ذلك، تشير البيانات الأوَّليّة الصادرة من إسرائيل، الأسبوع الماضي، بشأن مشاركين في دراسة تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، إلى أن إعطاء جرعة رابعة بعد أربعة أشهر من الجرعة الثالثة يُنعِش مستويات الأجسام المضادة، ويُضاعِف المقاومة ضد عدوى «أوميكرون»، كما يخفض الحاجة إلى الإيداع بالمستشفيات بمقدار ثلاث مرات، وذلك بالمقارنة مع المتعاطين ثلاث جرعات.

وتشير دراسات أخرى، تناولت جوانب مختلفة من الاستجابة المناعية للجسم، إلى أن تلقي جرعة ثالثة يمكن أن يوفر بالفعل مناعة طويلة الأمد في غالبية الحالات. ويبدو أنها توفر حماية تدوم لفترةً أطول من التعرُّض لإصابةٍ حادة؛ الأمر الذي ربما يرجع إلى الخلايا البائية والتائية الذاكرة، التي تظل قادرة على مكافحة المُتَحَوِّر «أوميكرون» حتى مع تهاوي دفاعات الأجسام المضادة.

تُبَيِّن البيانات الواقعية المتوافرة عالميًا، الواردة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل، أن الجرعة الثالثة (المُعَزِّزة) من لقاح الحمض النووي الريبي المرسال تكفي غالبية الأشخاص الحاجة إلى الإيداع بالمستشفيات، على مدًى زمني يصل إلى خمسة أشهر، ضد المُتَحَوِّر «دلتا»، ولمدة ثلاثة أشهر أو أكثر ضد المُتَحَوِّر «أوميكرون». يقول باليسر إن هذه المناعة، وإن كنت تدوم لفترة أطول، إلا أنها "تتراجع أيضًا، ولكن بدرجة أقل"؛ وهو ما يعني أن الجرعة الثالثة وحدها قد تكون كافية لمنع تطور الإصابة إلى مستوى الحالة الحَرِجة.

أما الدراسة التي يقودها بالاز، فتذهب إلى أن الجرعة الثالثة من أحد لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال (وهو النوع المُستَخدَم غالبًا في الغرب) لا تجدد مستويات الأجسام المضادة فحسب، بل ربما أيضًا توسع نطاق الاستجابات تجاه المُتَحَوِّرات. وبعد تلك الجرعة المُعَزِّزة، "أصبح في إمكان الأجسام المضادة رؤية «أوميكرون» بالفعل، بعدما لم تكن تراه على نحو فعَّال"، على حد قول بالاز.

وأضاف بالاز: "نأمل أن تكون هذه الجرعة الثالثة كافية" للوقاية من تطور الحالة المَرَضيّة إلى مستوى الإصابة الحرجة لدى معظم الأشخاص، وكذا لتوفير بعض الحماية من الإصابة بالعدوى من الأصل. ولكن بعض الدراسات تشير إلى أن الأشخاص الذين خضعوا للتَّطعيم بلقاحات الفيروسات المُعَطَّلة (مثل جرعات لقاحي «كورونافاك» و«سينوفارم» الصينيين) قد يحتاجون إلى جرعتين إضافيتين من أحد لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال لمكافحة «أوميكرون».

ويقول ألتمان إنه مع تفاوُت المستويات للمناعة المُكتَسَبة من العدوى السابقة، ومع تلقي الأشخاص عدة تركيبات من اللقاحات، "قد نحتاج إلى أن نأخذ نفسًا عميقًا، ونُعيد التَّقييم لمعرفة السُبُل الكفيلة بمنحنا المناعة الأطول عمرًا حقًا، عند إضافتها إلى ما لدينا حتى الآن".

فبدلًا من إعطاء عددٍ لانهائيٍّ من الجرعات المُعَزِّزة، على حد قول باليسر، ثمة طريقة أفضل من شأنها كبج جماح الجائحة، تتمثل في تطوير لقاحات جديدة "ذات تأثير طويل الأمد، ومستدام، وتتيح حماية كافية من السلالات المتعددة، القائمة والمحتملة على السواء".

ومن المُتوَقَّع ظهور البيانات الأولى بشأن اللقاحات الخاصة بالمُتَحَوِّر «أوميكرون» في غضون أشهر (رغم أن حتى ذلك قد يُعد متأخرًا جدًّا، نظرًا لمدى سرعة انتشار المُتَحَوِّر). وسيكون لقاح فيروس كورونا الشامل، الذي يتصدى لجميع السلالات، فضلًا عن الفيروسات ذات الصلة، هو الحل الأفضل. ولكن "لم يتضح بعد ما إذا كان هذا ممكنًا أم لا"، حسبما يقول مارم كيلباتريك، أخصائي الخصائص الإيكولوجية للأمراض بجامعة كاليفورنيا في مدينة سانتا كروز. وأضاف قائلًا: "التطور الفيروسي مسألة يكتنفها دومًا قدر كبير من الارتياب".

وإلى أن تتوفر لدينا لقاحات جديدة، على حد قول بيتر ماكنتاير، أخصائي الأمراض المعدية في جامعة أوتاجو بمدينة دنيدن في نيوزيلندا، يجب أن تكون الأولوية لحماية الأفراد من تطوُّر أعراض المرض إلى الحالة الخطيرة، وإيلاء مزيد من الاهتمام إلى حماية الفئات المُعَرَّضة لأخطار المرض، والاستعانة بالأدوية المضادة للفيروسات لتقليل الحاجة إلى الإيداع بالمستشفيات، وقال: "ما أحوجنا إلى إبقاء تركيزنا مُنصَبًّا على الحيلولة دون تطوُّر المرض؛ ذلك هو المعيار الذي علينا أن نضعه نُصب أعيننا".

اضف تعليق