ثمة تداول لأنباء لا تنتهي وتحذيرات واسعة الانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن "تجدد الإصابات" بين الأفراد الذين تلقوا بالفعل لقاح كوفيد-19، تخلِّف مثل هذه التقارير انطباعًا خطأً بأن الحماية التي توفرها اللقاحات غير فعالة، كما أنها قد تثير تحفظًا لدى ملايين الأفراد...
بقلم إيميلي ويلنجهام
يُعد تجدُّد الإصابة بالإنفلونزا عقب تلقِّي لقاحها أكثر شيوعًا من تجدُّد الإصابة بكوفيد عقب تلقِّي جرعةٍ من لقاحاته.
ثمة تداول لأنباء لا تنتهي وتحذيرات واسعة الانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن "تجدد الإصابات" بين الأفراد الذين تلقوا بالفعل لقاح كوفيد-19، تخلِّف مثل هذه التقارير انطباعًا خطأً بأن الحماية التي توفرها اللقاحات غير فعالة، كما أنها قد تثير تحفظًا لدى ملايين الأفراد في الولايات المتحدة ممن لم يتلقوا اللقاح بعد، غير أن مثل هذه الإصابات لا تقع عقب تلقي لقاح كوفيد فقط، بل إنها كثيرًا ما تحدث عقب تلقي لقاحات الإنفلونزا والحصبة وكثير من الأمراض الأخرى.
لكن سارس-كوف-2، وهو الفيروس المسبب لمرض كوفيد، يتميز عن غيره من الفيروسات من ناحية أنه -أكثر من أي مسبب آخر للأمراض- قد منح عامة الناس دروسًا في علم المناعة، وصارت مصطلحات مثل "تجدد الإصابات" و"مناعة القطيع" مألوفةً على نطاق واسع، "إن الأمر أشبه بمجهر، بل بمجهر إلكتروني مسلط على كل شاردة وواردة تخص لقاحات كوفيد"، هكذا صرحت كوثر طلعت، الأستاذ المساعد في قسم الصحة الدولية بكلية جونز هوبكنز بلومبرج للصحة العامة، والتي أضافت منوهةً بأنه ما من لقاح أثبت فاعليةً تامةً بنسبة 100%، وأنه "بالرغم من أن بعض اللقاحات أفضل من غيرها، فإن أغلبها يعقبه بعض الإصابات المتجددة".
يعني مصطلح "تجدد الإصابات" ببساطة أن الشخص الملقح قد أثبتت الفحوص إصابته بالعامل المسبب للمرض، لا أنه سيصير مريضًا أو أنه سينقل العدوى إلى غيره، تجدر الإشارة إلى أن أغلب الملقحين الذين تجددت إصابتهم لم تظهر لديهم أعراض، ومَن ظهرت لديهم أعراض كانت عادةً خفيفة، وحتى بالنسبة لمتحور سارس-كوف-2، الذي يُعرف باسم دلتا، تُظهر اللقاحات حمايةً جيدةً ضد ظهور الأعراض والوفاة.
أفادت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة أنه حتى تاريخ 2 أغسطس، تلقى أكثر من 164 مليون شخص في الولايات المتحدة جرعتي اللقاح، أي أقل من نصف تعداد البلاد بقليل، غير أن 97% ممن يتم احتجازهم في المستشفيات من جرَّاء إصابتهم بكوفيد-19 لم يتلقوا اللقاح.
تؤكد هذه الأرقام كيف تتعرض الحقائق أحيانًا للتشويه في الوعي العام، في هذا الصدد تقول تارا سميث، أستاذ علم الأوبئة في كلية الصحة العامة بجامعة كينت: "بناءً على الأخبار المتناقلة وأحاديثي مع أصدقائي وأفراد عائلتي، إلى جانب المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، أعتقد أن الناس قلقون بشأن هذه الإصابات المتجددة أكثر مما تستدعيه معدلات انتشارها".
من المخاوف الأخرى حيال تجدد الإصابات، مسألة نقل الفيروس إلى الآخرين، لكن الأشخاص الذين تتجدد إصابتهم "عادًة ما تقل احتمالات نقلهم للعدوى، بصرف النظر عن المرض محل النقاش، نلاحظ ذلك في تجدُّد الإصابات بالفيروسات والبكتيريا، بل حتى في حالة البكتيريا الشاهوقية المسببة للسعال الديكي، الأمر الذي يدفع الكثيرين إلى ’شرنقة‘ الأطفال الرضع، الذين لا يمكنهم تلقي اللقاح ضد ذلك المرض، يشير مصطلح "الشرنقة" إلى تلقيح مَن يُمضون وقتًا مع الرضع، وذلك لإنشاء حاجز واقٍ حولهم؛ نظرًا إلى أن لقاح السعال الديكي لا يمكن تلقِّيه قبل بلوغ الرضيع عمر الشهرين.
من المتوقع أن تقلل لقاحات كوفيد خطر العدوى بين مَن تجددت إصابتهم دون أعراض، وفق تصريح نيك جراسلي، الأستاذ بقسم وبائيات الأمراض المعدية في كلية إمبريال كوليدج في لندن، الذي يضيف قائلًا: "إذًا فلديك حقيقتان، أُولاهما أنك تتمتع بمناعة وأقل تعرضًا للإصابة، والثانية أنه حتى في حال إصابتك فإنك أقل تعرضًا لنقل الفيروس إلى غيرك".
من الأسباب التي تفسر هذا الأمر أن الحمل الفيروسي في مثل هذه الإصابات -أي الكمية التي تحملها من فيروس كورونا- يكون أقل، ومن ثم لا تكون هناك كمية كبيرة من الفيروس لتنقلها إلى غيرك، لا يزال من غير الواضح ما يبدو عليه هذا النمط بالنسبة للمتحور دلتا، أشارت دراسةٌ أجرتها مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها ونُشرت في يوليو الماضي إلى وجود كميات متشابهة من الفيروس لدى الملقحين وغير الملقحين، لكن الباحثين في هذه الدراسة لم يُجروا اختبارات للتحقق من الحمل الفيروسي الحقيقي أو يوردوا بيانات بشأن انتقال الفيروس من الأشخاص الملقحين، كما تضمنت مجموعة المشاركين "غير الملقحين" أشخاصًا تلقَّوا إحدى جرعتين من اللقاح.
لا تقع حالات الإصابة المتجددة لأن اللقاحات غير فعالة، فالمناعة قد تضعف بمرور الوقت، كما أن اللقاحات ربما تكون أقل فاعليةً ضد مسببات معينة للأمراض، من النماذج الدالة على هذه الحقيقة لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (لقاح MMR)؛ فالوقاية التي يوفرها ضد الحصبة قوية، أما المناعة التي يمنحها ضد النكاف فليست بالقوة ذاتها، على حد قول طلعت.
وحتى لقاح الحصبة الفعال لديه تاريخ من تجدُّد الإصابات، شهدت أواخر ثمانينيات القرن العشرين تفشيًا لمرض الحصبة شمل إلى حدٍّ كبير صغار السن الملقحين، ما أدى إلى تغيير في سياسة التلقيح دعا إلى تقديم جرعتين من اللقاح بدلًا من جرعة واحدة.
توضح طلعت أن الجرعة الأولى من لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية توفر حمايةً بنسبة تقارب 90% على مدار العمر، أما الجرعة الثانية فتغطي حوالي نصف النسبة المتبقية والبالغة 10%، نظرًا لارتفاع معدلات الإصابة بعدوى الحصبة، فإن الوصول إلى أعلى تغطية ممكنة أمرٌ من الأهمية بمكان.
تُعد لقاحات الإنفلونزا أكثر التلقيحات ارتباطًا بالإصابات المتجددة، لو تتبَّعنا مثل هذه الإصابات المتجددة بالإنفلونزا عن كثب مثلما نتتبع الإصابات المتجددة بسارس-كوف-2، "لوجدنا معدل تجدد الإصابات بالإنفلونزا أعلى بكثير"، حسبما تشير سميث، نظرًا إلى أننا "نعرف أن لقاح الإنفلونزا ليس بفاعلية لقاح كوفيد"، تصف سميث تجدُّد إصابات كوفيد بأنه "أمرٌ معتاد" إذا ما قورن بتجدُّد الإصابات الذي يعقب اللقاحات الأخرى.
يبدو أن لقاحات كوفيد تحرز نتائج أفضل مقارنةً بما تحرزه لقاحات الإنفلونزا عادةً من نتائج؛ فجرعات اللقاح تحيِّد متحورات كوفيد بفاعلية تامة حتى الآن، يذكر جراسلي أن كوفيد لا يتغلب على المناعة البشرية مثلما تتغلب عليها فيروسات الإنفلونزا، كما أن بعض أنواع الإنفلونزا تُبدي أداءً أفضل في تفادي الدفاعات التي تحشدها القريحة البشرية في مواجهتها، الأمر الذي يفسر مرور مواسم من الإنفلونزا تقع فيها الكثير من الإصابات المتجددة وتقل فيها فاعلية اللقاحات إلى حد كبير جدًّا.
تنوه طلعت بأنه في حالة الإنفلونزا، "لا نسمي الظاهرة ’إصابات متجددة‘، بل نقول: ’فاعلية بنسبة 47% هذا العام‘ أو ’فاعلية بنسبة 60% هذا العام...‘، نتحدث إذًا عن الفاعلية"، تؤكد طلعت أنه رغم أن لقاحات الإنفلونزا تتميز بفاعلية منخفضة نسبيًّا، فإنها "أفضل من لا شيء"؛ إذ تنقذ أرواحًا وتقي من الاحتجاز في المستشفيات.
يمكن أن تتزايد معدلات تجدد الإصابات في حال كانت نسبة الملقحين ضئيلة وثمة زيادة في عدد الإصابات، في المقابل، يعني ارتفاع معدلات التلقيح أن الملقحين يمثلون نسبةً أكبر من إجمالي الحالات، لو افترضنا أن معظم السكان قد تلقوا اللقاح، فإن أي حالات ستقع غالبًا ما ستكون لدى أشخاص تلقوا اللقاح، وهذا هو ما حدث في إحدى الفاشيات التي شهدتها ماساتشوستس، في إحدى المناطق التي تلقى فيها حوالي 69% من السكان المؤهلين للتلقيح الجرعات، مثَّل الملقحون 74% ممن ثبتت إصابتهم بكوفيد.
ثمة عوامل أخرى تُسهم في التمثيل الزائد للملقحين أصحاب الإصابات المتجددة، منها السن والمشكلات الصحية المتعلقة بضعف الجهاز المناعي، كثيرًا ما يُنتج المستوى المناعي لهؤلاء المرضى استجابةً ضعيفةً للقاح، لذا ربما يكونون أشد تعرضًا للإصابة مرةً أخرى مقارنةً بالأشخاص الأصغر سنًّا غير المصابين بهذه المشكلات الصحية ممن لم يتلقوا اللقاح.
على غرار مَن يتلقون لقاح السعال الديكي على نحو منتظم، قد تكون هناك حاجة إلى إعطاء جرعات منشطة من لقاح كوفيد للأشخاص أصحاب الجهاز المناعي المثبط أو لتلافي ضعف المناعة تدريجيًّا، تشير طلعت إلى تقارير حول وجود استجابات إيجابية لجرعة ثالثة من لقاح كوفيد لدى المرضى الخاضعين لعمليات زراعة الأعضاء، كما أضافت فرنسا وإسرائيل بالفعل جرعة ثالثة يوصى بإعطائها لبعض الملقحين منقوصي المناعة، وتدرس المملكة المتحدة تبنِّي النهج ذاته، اجتمعت اللجنة الاستشارية التابعة لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في تاريخ 22 يوليو الماضي لاستعراض البيانات المتعلقة بإعطاء جرعات منشطة للأشخاص منقوصي المناعة، وخلصت اللجنة إلى أن تقديم جرعة ثالثة قد يكون مناسبًا لهذه الفئة من المرضى.
خلال جلسة أُجريت في يوليو الماضي للإعلان عن نتائج التقرير المالي السنوي، أوردت شركة فايزر نتائج أولية غير منشورة تخص 23 مشاركًا في إحدى التجارب السريرية، وقد أظهرت تلك النتائج ازديادًا في الحماية المضادة لمتحور دلتا بعد تلقي جرعة ثالثة من لقاحها المعتمد على الحمض النووي الريبي المرسال، أدلت الشركة خلال الجلسة بملحوظات معدَّة سلفًا ذكرت فيها أنه من المتوقع في أغسطس أن تقدم لهيئة الغذاء والدواء الأمريكية النتائج التي توصلت إليها بشأن الجرعة الثالثة، سعيًا منها للحصول على ترخيص الاستخدام الطارئ لهذه الجرعة المنشطة.
حتى ذلك الحين، "لا ندري ما إذا كانت هذه الجرعة المنشطة سوف تنجح أم لا، لكننا إذا لقحنا الجميع فسوف نتمكن من حماية الـ2.7% من سكان البلاد المصابين بضعف المناعة"، وفق تعبير طلعت، التي ختمت حديثها قائلةً: "وحينها لن يكون هناك داعٍ للقلق بشأن مدى كفاءة جهازهم المناعي في مواجهة هذا الفيروس".
اضف تعليق