من المهم أن يتم توفير كل التسهيلات للأشخاص الذين لا يمانعون بأخذ اللقاح، فمن الملاحظات الشخصية لبعض طرق وبرامج التطعيم في العراق وعدد من الدول العربية، فان الاستراتيجيات المتبعة قد تساهم بشكل غير مباشر في زيادة العزوف عنها، وهنالك جملة من الطرق تؤدي الى حدوث تغيرا في الموقف من اللقاح...
لكل دولة فلسفتها في التعامل مع القضايا التي تخص حياة الافراد، وبالأخص في التعاطي مع ملف التطعيم، فمنها من أجبرت مواطنيها على تلقي اللقاح دون قناعة، مقابل الحصول على مرتبه الشهري الذي يتقاضاه عن تقديم خدمة يومية، وبعض آخر حرمت غير الملقحين من السفر خارج الحدود الإدارية للبلد ما لم يحمل كارت يثبت تلقيه احدى أصناف اللقاح، ومع هذا كله تبقى نسبة الإقبال على التطعيم في العراق ضعيفة مقارنة بغيره من الدول.
اخذ اللقاح يعني الحصول على شيء ما من قبل الافراد وهذا الحصول قد يكون بدافع ذاتي او مؤثر خارجي، وصولا الى النتيجة الأولى وهو (الحصول)، فمن يريد شراء سلعة معينة، قد تكون رغبته منخفضة نسبيا، لكن هنالك عوامل تساعد على ارتفاعها، وهذه العوامل تتمثل بأسلوب الترغيب الذي يوجه صوب الفرد ويعمل على إقناعه بشكل تام، ليتخذ بعد ذلك قرار الشراء بإرادة مطلقة.
ولم يحدث هذا مالم تكون قوة الاقناع تفوق بكثير قوة الفرد الذاتية التي يحملها ويتخذها جدار الصد لقبوله امر معين، اخذ اللقاح يشبه بدرجة كبيرة الاقدام على شراء بعض الاحتياجات الكمالية من الأسواق، فهو أيضا يحتاج لقوة اقناع تسهم في تغيير وجهة النظر السائدة عن اللقاحات ومدى تأثيره على حياة الافراد في الحاضر والمستقبل، فالناس سواسية في الخوف على حياتهم، الجميع يحب العيش طويلا ويهرب بعيدا عن احتمالات الأذى.
وبذلك نكون امام مشكلة تبدو بسيطة لكنها كبيرة في الواقع، وهي مشكلة عدم القناعة في تلقي اللقاح الذي يحفظ الافراد من الانجرار الى تهلكة المرض والعيش بصحة وسلامة بصورة دائمة، وهنا يتوجب تذليل العقبات، وتبسيط العملية الى اقصى الدرجات، والعمل على إيجاد بدائل أكثر فعالية من الطرق القائمة في الوقت الحالي، وتسمى عملية الاقناع هذه في علم الاقتصاد السلوكي بالتأثير الافتراضي، وهو ظاهرة زيادة احتمالية تفضيل خيار معين لمجرد أنه الخيار الأسهل.
في كل مرحلة من مراحل ظهور الفيروس والتعايش معه مررنا بخيرات متعددة، ويمكن القول اننا اجبرنا على التعامل او الانقياد الى هذه الخيارات، فبعضها كانت قرارات موفقة وسليمة وبعضها الآخر اضرت كثيرا بالمواطنين على مختلف مستوياتهم، ومنها حالة الحظر غير المدروس والذي استمر لعدة أسابيع دون التفكير بطريقة كسب لقمة العيش من قبل الطبقات الكادحة.
وهذه طريقة التعاطي مع الموقف، ولدت عزوفا غريبا عن اخذ اللقاح، ووصلت الحالة في بعض الأحيان الى التشهير باللقاحات والتشجيع بصورة مدهشة على عدم التطعيم، دون الاستناد الى معايير علمية صحيح، فهنالك أشخاصا يحملون طاقة سلبية كبيرة ويحاولون بثها أينما يتواجدون، وكأنهم مكلفون بمنع الناس من الذهاب الى منافذ التطعيم ويتقاضون اجرا على ذلك العمل.
ومن المهم أن يتم توفير كل التسهيلات للأشخاص الذين لا يمانعون بأخذ اللقاح، فمن الملاحظات الشخصية لبعض طرق وبرامج التطعيم في العراق وعدد من الدول العربية، فان الاستراتيجيات المتبعة قد تساهم بشكل غير مباشر في زيادة العزوف عنها، وهنالك جملة من الطرق تؤدي الى حدوث تغيرا في الموقف من اللقاح وزيادة في اعداد الملقحين وصولا إلى الحماية المجتمعية المرجوة بوقت أقصر.
ويأتي من ضمن الطرق الأكثر نجاحا في تعميم التطعيم على الافراد دون تسبب معاناة للمعنيين، هو خلق روابط وتنسيق مع العيادات الطبية التي يقصدها الافراد بشكل دوري لإجراء الفحوصات المستمرة، وتزويدهم بالجرع بشكل سلس دون تأخيرهم واضطرارهم الذهاب بشكل مباشر الى منافذ التطعيم وتبديد الوقت على شيء قد يرونه غير ضروري.
وكذلك تفعيل دور النقابات ومنظمات المجتمع المدني في مضاعفة اعداد اللقاحات وخلق أجواء إيجابية، عبر جعلها منافذ للتطعيم، لا سيما وان عمل هذه النقابات تميز بوجود العلاقات الطيبة بين أعضاءها وربما هذا يكون من عوامل الضغط على الافراد المترددين عن اخذ الجرعة.
ويبقى أخير الإجراءات التسهيلية هو الغاء التقديم الالكتروني للأشخاص الذي لا يجيدون التعامل مع التقنيات في الوقت الحاضر، ويصعب عليهم الانتظار طويلا، فبهذه الخطوات نكون قد شارفنا على بلوغ مرحلة اقناع وتشجيع المترددين او الذين يقفون على الحياد، وهم بطبيعة الحال أكثر بكثير من الأشخاص المستعدين للتطعيم.
اضف تعليق