التوحّد هو اضطراب في التطور النفسي والعصبي، يظهر عادة خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، يؤثر هذا الاضطراب على التفاعل والتواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى ظهور سلوك نمطيّ متكرر واهتمامات محدودة، وقد تكون أحياناً مرفقة باضطرابات أخرى كالتأخر الذهني، الصرع، حركة مفرطة وضعف في التركيز...
التوحّد هو اضطراب في التطور النفسي والعصبي، يظهر عادة خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، يؤثر هذا الاضطراب على التفاعل والتواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى ظهور سلوك نمطيّ متكرر واهتمامات محدودة، وقد تكون أحياناً مرفقة باضطرابات أخرى كالتأخر الذهني، الصرع، حركة مفرطة وضعف في التركيز.
ويؤثر اضطراب طيف التوحد على واحد بالمائة من سكان العالم، ويصيب الأطفال الذكور أكثر بأربع مرات من الإناث، وهو مرض لا يسهل إيجاد العلاج المناسب الذي يخفف من أعراضه ويساعد المصابين به، إلا بتضافر جهود المختصين والأهل والمجتمع المحيط.
لا يزال مرض التوحّد يواجه غموضاً بالرغم من البحوث الحديثة والتطورات التي قطعت شوطاً كبيراً في مرحلة تشخيصه وأعراضه وكيفية دمج الطفل المتوحّد مع مجتمعه، صحيح أن العوامل البيولوجية والوراثية تلعب دوراً رئيسياً في الإصابة به، لكن أعراضه تختلف بين طفل وآخر، وتتراوح بين خفيفة ومتوسطة وشديدة. لذلك يمثّل التشخيص الدقيق للتوحّد القاعدة الأساسية للبرنامج التعليمي والعلاجي الأكثر ملاءمة للحالة.
كيف يمكن التشخيص؟، غالباً ما تظهر أعراض التوحّد قبل الشهرا الثامن عشر، إلا ان التشخيص النهائي يكون في سن الثالثة. لذلك يُشكّل التشخيص المبكر عنصراً مهماً في تقديم العلاج وتقديم الدعم المعنوي والنفسي والسلوكي لتطوير مهارات وتفاعل الطفل. وعلينا أن نعرف أنه كلما كان التشخيص قبل سن الثالثة، نجحنا في التدخل السريع ومساعدة الطفل على الدمج الاجتماعي والأكاديمي.
على الأهل أن يستعينوا باختصاصي في علم النفس الطفولي، واختصاصي في الأمراض العصبية عند الأطفال لفحص الطفل ومراقبته بالاستناد إلى بعض المعايير الطبية المنصوص عليها من منظمة الصحة العالمية والجمعية الأميركية للطب النفسي لتشخيص الحالة بطريقة دقيقة وصحيحة.
وبناء عليه، على الأهل أن يراقبوا أطفالهم ويستشيروا الطبيب فوراً عند ظهور هذه الأعراض:
الضعف المعرفي والإدراكي إلى حد ما، تأخير في اكتساب المهارات اللغوية، عدم التفاعل مع الآخر، يرفض أي تغيير في حياته وأنشطته اليومي، يُعيد تكرار بعض الحركات مثل الاهتزاز أو اللعب باليدين أو ضرب رأسه في الحائط، يتعرض إلى نوبات صرع وغضب، يظهر سلوكيات عدوانية، لا ينظر في عيون الشخص المتحدث، وقد لا يستجيب عند مناداته باسمه، تنتابه حالة بكاء شديدة عند رؤية الضوء أو سماع ضجيج، نعرف جيداً انه لا يتوافر علاج لاضطرابات التوحد إلا أن التدخلات النفسية والاجتماعية السريعة والمبكرة يمكن أن تحد من المصاعب المصادفة في التواصل والسلوك الاجتماعي وتؤثر تأثيراً إيجابياً في تحسين نوعية الأشخاص وحياتهم. من المهم جداً الإيمان بالمتوحد حتى يتمكن من شق طريقه في المجتمع. على الأهل الإستعانة بفريق عمل متعدد الإختصاصات كإختصاصي نفسي واختصاصي في علاج النطق والإختصاصي في العلاج الحسي- الحركي لتعليم المهارات الإجتماعية وكيفية تطوير مهارات اللعب وتنمية مهاراته الإدراكية.
تشخيصات مختلفة، يحدد المختصون مرض التوحد بأنه متلازمة تقع تحت مجموعة من الاضطرابات تسمى اضطرابات طيف التوحد. ويتضمن تشخيص تلك الاضطرابات:
اضطراب التوحد: هو مرض التوحد الذي يتميز بمشاكل التواصل والتفاعلات الاجتماعية، اضطراب الطفولة التفكيري: يؤثر هذا النوع من التوحد على الأطفال الذين يتطورون بشكل طبيعي لمدة عامين على الأقل، ثم يفقدون معظم تواصلهم ومهاراتهم الاجتماعية. إنه اضطراب الطفولة التفكيري وهو أمر نادر الحدوث.
متلازمة أسبرغر: يعاني الأطفال المصابون بمتلازمة أسبرغر من نفس المشكلات الاجتماعية مثل اضطراب التوحد. لديهم نطاق محدود من الاهتمامات لكنهم لا يواجهون أي مشاكل مع اللغة، ويسجلون قدراً متوسطاً أو أعلى من مستويات الطلاب عموماً.
اضطراب النمو المتفشي (الطفرة الجينية): يشبه أيضاً مرض التوحد النموذجي. هو اضطراب يصيب الأطفال الذين يعانون من بعض سلوكيات التوحد لكنهم لا يتناسبون مع أي من الفئات المذكورة أعلاه من ذوي اضطراب طيف التوحد.
تظهر الاعراض عادة اما واضحة في ضعف التواصل الاجتماعي واللغوي منذ السنة الأولى من عمر الطفل ويستمر مدى الحياة، اما في حالات اخرى فيكون الطفل قد مر بمرحلة تطور طبيعية، ولكن حصل له تراجع ففقد المهارات اللغوية او الاجتماعية بعد بلوغه السنة والنصف او السنتين، رغم أن تشخيص الحالة يمكن أن يحدث بعد هذا العمر أحياناً.
فيعاني الاطفال صغيرو السن من صعوبات عندما يطلب منهم مشاركة تجاربهم مع الاخرين، وعند قراءة قصة لهم، على سبيل المثال، لا يستطيعون التأشير بأصبعهم على الصور في الكتاب، هذه المهارة الاجتماعية التي تتطور في سن مبكرة جدا ضرورية لتطوير مهارات لغوية واجتماعية في مرحلة لاحقة من النمو.
الى الان لا يوجد علاج لهذا الاضطراب، ولكن يمكن مساعدة هذه الشريحة من الأطفال وآبائهم من خلال العلاج بالكلام واللغة والعلاج المهني والدعم التعليمي، بالإضافة إلى عدد من التدخلات الأخرى، لان العلاج المكثف والمبكر، قدر الامكان، يمكنه ان يحدث تغييرا ملحوظا وجديا في حياة الاطفال المصابين بهذا الاضطراب.
تناول مضادات الاكتئاب أثناء الحمل
أظهرت دراسة أن الأطفال الذين تناولت أمهاتهم عقاقير مضادة للاكتئاب خلال فترة الحمل يواجهون فيما يبدو خطر الإصابة بالتوحد بنسبة أعلى قليلا من غيرهم، غير أن الباحثين الذين أجروا الدراسة قالوا لدى نشر نتائجها يوم الأربعاء إن النتائج لا ينبغي أن تثير الفزع لأن خطر الإصابة بالتوحد لدى الأطفال لا يزال ضعيفا جدا.
والاكئتاب شائع بين النساء أثناء فترة الحمل. ويقول خبراء إن ما بين ثلاثة وثمانية بالمئة من الحوامل في أوروبا توصف لهن مضادات للاكتئاب، وأشارت دراسات سابقة كثيرة إلى صلات بين تناول مضادات الاكتئاب خلال الحمل وإصابة الأطفال بالتوحد. غير أن باحثين يقولون إن من غير الواضح ما إذا كان ذلك يرجع إلى المرض نفسه أو عقاقير الاكتئاب أو عوامل أخرى غير معروفة.
ولإجراء الدراسة الجديدة، حلل الباحثون بقيادة دهيراج راي بجامعة بريستول في بريطانيا بيانات لأكثر من 254 ألف طفل يعيشون في ستوكهولم بالسويد وتتراوح أعمارهم بين أربع سنوات و17 عاما، وكانت أمهات الأطفال إما بلا مرض نفسي ولم يتناولن مضادات للاكئتاب أو عانين من اضطراب نفسي وتناولن عقاقير مضادة للاكتئاب خلال الحمل أو أنهن واجهن اضطرابات نفسية لكن لم يتناولن عقاقير مضادة للاكتئاب.
ووجدت الدراسة أن من بين 3342 طفلا تعرضوا للعقاقير المضادة للاكتئاب أصيب 4.1 بالمئة منهم بالتوحد مقارنة مع 2.9 بالمئة من بين 12325 طفلا لم يتعرضوا لمضادات الاكتئاب رغم إصابة أمهاتهم باضطراب نفسي.
غير أن الباحثين أكدوا أن خطر الإصابة ضعيف إذ أن أكثر من 95 بالمئة من الأمهات بالدراسة اللائي تناولن عقاقير مضادة للاكتئاب خلال الحمل أنجبن أطفالا غير مصابين بالتوحد، ونشرت نتائج الدراسة في دورية (بريتش ميديكال جورنال) البريطانية.
العناصر الغذائية في أسنان الطفل
قال باحثون إن التعرض لعناصر غذائية ومعادن مثل الرصاص والزنك في رحم الأم أو خلال الطفولة المبكرة ربما يرتبط بخطر تعرض الطفل لاضطراب طيف التوحد، وقال الدكتور مانيش أرورا من مركز ماونت سايناي الطبي في نيويورك "حددت بحوث كثيرة حتى الآن عناصر وراثية لا يمكن تغييرها".
وأضاف لرويترز هيلث في رسالة بالبريد الإلكتروني "دراستنا خطوة مهمة لفهم عوامل الخطر المتغيرة مثل التعرض للملوثات البيئية ونقص العناصر الغذائية"، لكنه أكد قائلا "من السابق لأوانه إصدار توصيات طبية".
وحلل أرورا وزملاؤه أسنان 16 زوجا من الأطفال التوائم المتطابقة في السويد عانى واحد من كل توأمين منهم اضطراب طيف التوحد عندما كان عمره 18 عاما. ولعقد مقارنة حللوا أسنان 22 زوجا من الأطفال التوائم الأصحاء.
وتتشكل طبقة من الأسنان كل أسبوع أو نحو ذلك خلال نمو الجنين في رحم أمه وخلال مرحلة الطفولة. ومع الوقت تقدم هذه الطبقات سجلا للتعرض للمواد الكيماوية المختلفة، ولاحظ الباحثون فروقا واضحة بين المجموعتين فيما يتعلق بامتصاص المعادن خلال مراحل نموهم بحسب ما ذكروا في دورية (نيتشر كوميونيكيشنز).
وعلى سبيل المثال ظهر على أسنان الأطفال الذين عانوا من اضطراب طيف التوحد أنها تمتص قدرا أكبر من الرصاص، وهو مادة سامة للمخ، وقدرا أقل من العناصر الغذائية الأساسية مثل المنجنيز والزنك، وعلاوة على ذلك فإنه بعد ثلاثة شهور من الولادة يمكن أن تنبئ كمية المواد السامة في الأسنان بمدى حدة الإصابة باضطراب طيف التوحد للأطفال في عمر يتراوح بين ثمانية وعشرة أعوام.
وقال إريك بوتر الذي لم يشارك في البحث لرويترز هيلث في رسالة بالبريد الإلكتروني "إن جيناتنا وجينات أطفالنا تتأثر بأنماط معيشتنا"، وأضاف بوتر وهو مدير مركز تنمية الطفل والصحة النفسية للأطفال في مستشفى (نيشن وايد) بولاية اوهايو الأمريكية "ما نأكله والهواء الذي نتنفسه وما نفعله يمكن أن يغير أسلوب عمل جيناتنا"، وقال إن الدراسة الحالية تساعد الباحثين في فهم "العلاقات المعقدة" بين الجينات والمعادن السامة والعناصر الغذائية وكيفية تأثيرها على الأطفال.
فحص تجريبي للدم
أظهرت دراسة أن فحصا تجريبيا للدم للكشف على اضطراب التوحد يمكن أن يرصد المرض في أكثر من 96 بالمئة من الحالات بما يسمح بالتشخيص المبكر، ونشرت نتائج الدراسة في دورية (بلوس كمبيوتيشينل بيولوجي) وهي الأحدث ضمن جهود التوصل إلى تحليل للدم للكشف عن اضطرابات طيف التوحد، والذي تشير تقديرات إلى أنه يصيب طفلا من بين كل 68. ولا يزال السبب وراء التوحد غامضا.
وقال يورجن هان، الذي شارك في وضع الدراسة وهو من معهد رنسيلير للعلوم التطبيقية، لخدمة رويترز هيلث إن الأمل في هذه الفحوص، إذا ثبتت دقتها، هو أن تطمئن الآباء الذين يخشون إصابة أطفالهم بالتوحد، وقد تساعد في تطوير علاجاته.
ويشمل التوحد طيفا واسعا من الاضطرابات التي تتراوح من العجز الشديد عن التواصل والتخلف العقلي إلى أعراض بسيطة نسبيا كما هو الحال في متلازمة أسبرجر، ويشخص الأطباء في العموم حالات الأطفال من خلال رصد السلوكيات المرتبطة باضطراب التوحد ومنها التصرفات التكرارية والانطواء الاجتماعي. ولا يتسنى تشخيص حالات غالبية الأطفال قبل بلوغهم سن أربع سنوات تقريبا وإن كان بعض الأطباء البارعين قد يكتشفون الإصابة بالتوحد قبل هذه السن.
وقاس هان وزملاؤه مستويات 24 بروتينا مرتبطا بالتوحد ووجدوا أن خمسة منها إذا اجتمعت تتيح تحديد الإصابة بالاضطراب أكثر من غيرها. ويصيب التوحد قرابة 1.5 بالمئة من الأطفال وتتفاوت شدته وأعراضه.
وتوصل الباحثون إلى البروتينات الخمسة من خلال فحص 83 طفلا تراوحت أعمارهم بين ثلاث وعشر سنوات شٌخصت إصابتهم بالتوحد بالوسائل التقليدية. وفي حين رصدت مجموعة البروتينات الخمسة في 97.6 بالمئة من الأطفال فإنها لم تكن موجودة لدى 96.1 بالمئة من 76 طفلا ممن لا يعانون من الاضطراب.
زيادة السوائل النخاعية
أظهرت نتائج دراسة حديثة أن كمية زائدة من السوائل النخاعية خارج نطاق المخ والحبل الشوكي مرتبطة باحتمالات أكبر للإصابة بالتوحد في الرضع المعرضين لخطر وراثي للإصابة بسمات التوحد، والدراسة يطلق عليها اسم (إنفانت برين إيمدجينج ستادي) أو "دراسة تصوير مخ الرضع"، وقال الطبيب مارك دي. شين من كلية الطب في تشابل هيل في جامعة نورث كارولاينا "هذه العلامة الحيوية في عمر ستة أشهر تزيد من احتمالات الرصد المبكر للتوحد في العام الأول من حياة الطفل قبل أن تبدأ الأعراض السلوكية في الظهور".
وقال لرويترز هيلث عبر البريد الإلكتروني "هذا ضروري لأن كلما تمكنا من بدء التدخل السلوكي مبكرا كانت النتائج طويلة الأمد على الطفل أفضل"، وفي الدراسة التي نشرت على موقع دورية (بيولوجيكال سيكاتري) على الإنترنت فحص فريق البحث الصلة بين السوائل النخاعية الخارجية وخطر الإصابة بالتوحد في 343 رضيعا من بينهم 221 رضيعا لديهم احتمالات مرتفعة للإصابة بالمرض بسبب وجود شقيق أكبر مصاب به فيما انخفضت الاحتمالات عند 122 رضيعا ليس لديهم تاريخ أسري للتوحد.
وخلص الباحثون إلى أن المعرضين بشكل أكبر للإصابة بالتوحد ازدادت لديهم السوائل النخاعية الخارجية عند بلوغهم ستة أشهر من العمر وظلت مرتفعة بشكل ملحوظ حتى بلوغهم 24 شهرا، ولم تختلف مستويات السوائل النخاعية الخارجية بشكل كبير بين الرضع غير المعرضين لخطر الإصابة بالمرض.
والرضع الذين ظهرت عليهم أعراض حادة للتوحد كانت لديهم مستويات أعلى من السوائل النخاعية في كل الأوقات مقارنة بغيرهم، وقال الطبيب جوزيف بايفن المشارك في الدراسة من تشابل هيل أيضا لخدمة رويترز هيلث عبر البريد الإلكتروني "هذا الكشف الجديد له أهمية كبرى محتملة لفهمنا للتوحد لأنه يحدد مجموعة فرعية محتملة للمصابين بالتوحد لديهم علامة بيولوجية مشتركة ويزودنا بهدف علاجي محتمل في هذه الفئة"، وقال شين "تصوير النظام العصبي بحثا عن كمية السوائل النخاعية قد يكون وسيلة أخرى تساعد الأطباء على تشخيص التوحد مبكرا قدر الإمكان".
يمكن للجدة المساعدة في التشخيص المبكر
تشير دراسة صغيرة إلى أن الجدات يمكنهن المساعدة في تشخيص إصابة الأطفال بالتوحد في سن صغير إذا كن يقضين الكثير من الوقت مع أحفادهن الصغار، وقال جوزيف بوكسباوم أحد الباحثين في الدراسة من كلية إيكان للطب في نيويورك لرويترز هيلث عبر البريد الإلكتروني "هذه النتائج مهمة بشكل لا يصدق إذ يمكنهن تشخيص الحالة مبكرا... التشخيص المبكر يعني التدخل المبكر وهو أمر مهم لتحسين نتائج العلاج."
وأشار الباحثون في دورية التوحد أو (أوتيزم) على الإنترنت في الثامن من فبراير شباط إلى أنه على الرغم من أن اضطراب طيف التوحد يمكن رصده بدءا من بلوغ الطفل سن العامين فإن حالات كثيرة لا يتم تشخيصها إلى أن يقترب الطفل من سن الرابعة.
وتابعوا أنه كلما جرى تشخيص الإصابة بالتوحد مبكرا كلما كان العلاج أفضل لأن مخ الأطفال الصغار يكون أكثر قدرة على الاستجابة للعلاج من الأطفال الأكبر سنا، وأجرت الدراسة الحالية مسحا عبر الإنترنت لآباء وأمهات أطفال مصابين بالتوحد وشملت أيضا بعض الأصدقاء وأفراد العائلة، وجرى تشخيص إصابة الأطفال الذين شاركوا في الدراسة بالتوحد عندما أتموا 40 شهرا من العمر في المتوسط إلا أن تشخيص إصابة الأطفال الذين أمضوا وقتا مع جداتهم بانتظام كان قبل ذلك بخمسة أشهر تقريبا.
وقال ناتشوم سيكرمان كبير الباحثين في الدراسة وهو من جامعة كولومبيا بنيويورك لرويترز هيلث عبر البريد الإلكتروني "لاحظ نحو 50 بالمئة من الأصدقاء وأفراد العائلة أن الطفل يعاني من أمر ما قبل أن يدرك الآباء والأمهات أنفسهم ذلك"، ولتحديد كيف يمكن أن يؤثر الكيان الأسري على رصد المرض فحص الباحثون بيانات 477 من أولياء أمور أطفال مصابين بالتوحد وبيانات 106 من الأصدقاء المقربين وأفراد العائلة.
وأوضحت الدراسة أن تشخيص إصابة الأطفال الذين ليس لهم إخوة بالتوحد جرى ما بين ستة وثمانية أشهر قبل الأطفال الذين لهم أشقاء أو شقيقات، وعندما سئل الآباء والأمهات عن شخص آخر بالغ مقرب من الطفل تعرف على احتمال إصابته بالتوحد أوضحت 27 في المئة من الحالات أن هذا الشخص كان الجدة من ناحية الأم و24 بالمئة من الحالات كانت المعلمة، وأوضحت الدراسة أن الجدود والجدات لاحظوا قبل الآباء والأمهات احتمال إصابة الطفل بالتوحد بنسبة نحو 59 بالمئة.
وقال الطبيب توماس فريزير مدير مركز التوحد في مستشفى كليفلاند كلينيك للأطفال في أوهايو الذي لم يشارك في الدراسة عبر البريد الإلكتروني "من المعتاد أن يقضي الأجداد وقتا طويلا مع الأطفال أو يوفرون لهم الرعاية بحيث يسهل رصد وجود مشكلة مما قد يؤدي إلى تشخيص الإصابة بالتوحد، "يجب أن يكون الآباء والأمهات منفتحين لمخاوف أفراد العائلة بما في ذلك الجدود والجدات المتعلقة بأبنائهم... كلما زادت الأعين كان أفضل وهذا حقيقي بشكل خاص عندما يكون الطفل الذي يواجه مشكلات هو الطفل الأكبر سنا."
التوحد لا يمنع من التحليق في عالم الرسم
ببراءة طفولية تصحبها همهمات غير مفهومة يرسم اللبناني جميل حرب ابن الثمانية أعوام المصاب بالتوحد لوحات تشي بالكثير من الأحاسيس والتفاعل مع أشكال وألوان ينقلها من عالمه الخاص إلى ورق الرسم الأبيض.
وأقام جميل حتى الآن معرضا فرديا كبيرا كما شارك في معرضين مع فنانين مخضرمين. وصفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تلاقي شعبية كبيرة لاسيما بين متذوقي الفن، بيديه الصغيرتين يرسم حرب يوميا عشرات اللوحات باستخدام مواد مختلفة تحت إشراف والدته رنا قاروط التي ترافقه في نزهاته الفنية الزاهية وترى في هذه الهواية التي تحولت شغفا صلة وصل فنية بينها وبين ابنها المختلف من حيث العالم الذي يحضنه ويزخرف أحلامه البعيدة، وتقول رنا المفعمة بالأمل لرويترز إنها تعيش "هذا النشاط البيتي" كما تصفه وقد تحول مع الوقت "إلى غرام.. وأيضا إلى انتقام غير مقصود من المأساة والحزن والتعاسة والنظرة السطحية والتافهة للطفل المتوحد ولوالدته ولحياتهما."
وأضافت "لا أعرف إذا ما يقوم به جميل هو رسم حقيقي أو مجرد تخريج لطاقته على الورق من خلال الألوان أساعده فيه فتظهر هذه الأشكال البديعة."
اكتشفت الأم النزعة الفنية لدى ابنها المصاب بالتوحد خلال صيف 2015 وتقول "لاحظت تعلق جميل بالمواد اللزجة كالشامبو وسائل الجلي.. يسكبها على البلاط ويمرغ بها جسمه. في تلك الفترة أحب جميل أيضا اللعب بالحبوب الجافة وجرت العادة أن يكمشها وينثرها على الأرض.، وكان جميل قد تلقى هدية من صديقة للعائلة هي عبارة عن مجموعة من الألوان المائية وفرشاة رسم ودفتر كبير. تعلق رنا قائلة "فكرت عندئذ أن أساعد جميل لينقل ما يقوم به من على الأرض إلى الورق."
وتشير الأم إلى أنه لأن من الصعب أن يمسك جميل فرشاة الرسم أو أن يعمل بنظافة وتنظيم وتقول "أراد منذ اللحظة الأولى أن يعمل بيديه بفوضى أو حرية - غير مهم أن نحدد - المهم أن ثمة شيئا بديعا أحسسته ورأيته يتكون"، وقالت لرويترز إن في اللقاء الأول مع المواد الفنية غير التقليدية "كان جميل يرفرف بيديه على البياض ويطرقه طرقا مبهما في إطلالته فيتلون كأن سحرا مسه.. واليدان عندما تجمحان أمسكهما له وأهدئ من روعهما وأعيدهما من الفراغ والهواء إلى السطح الأملس."
ومضت رنا قائلة إنه عندما صنع ابنها المجموعة الأولى من لوحاته وضعتها في الشرفة لتجف وبعد أن جفت بدت رائعة كأنها لفنان حقيقي فصورتها وشاركتها مع أصدقائها على صفحة خاصة بجميل على موقع فيسبوك خصصتها للحديث عن يومياتها مع التوحد.
لا أدلة على جدوى أنظمة غذائية خاصة في علاج التوحد
أشارت مراجعتان جديدتان لأبحاث قائمة إلى أنه لا توجد أدلة كثيرة تدعم علاجات رائجة لمساعدة الأطفال المصابين باضطرابات طيف التوحد، وخلصت إحدى المراجعتين إلى أن هناك بعض الأدلة على أن العلاجات الشعورية تؤدي إلى فوائد قصيرة الأمد فحسب لكن المراجعة الأخرى أشارت إلى أن هناك أدلة قليلة تدعم استخدام الأنظمة الغذائية الخاصة أو المكملات الغذائية لعلاج الأطفال المصابين باضطرابات طيف التوحد.
وقالت كاثرين لورد مديرة مركز التوحد وتطوير الدماغ في وايت بلينز بنيويورك "أعتقد أنها تظهر بعثرة المعلومات التي لدينا"، وأضافت لورد التي لم تشارك في المراجعتين "نحتاج إلى سبل أفضل لجمع بيانات منظمة عن العلاجات".
ونشرت الباحثة آيمي ويتلوف وزملاؤها في المركز الطبي لجامعة فاندربيلت في مدينة ناشفيل بولاية تنيسي النتائج في دورية بيدياتريكس (طب الأطفال) الإلكترونية في 26 مايو أيار وقالوا إن الإحصائيات تشير إلى أن ما يصل إلى 88 بالمئة من المصابين باضطرابات طيف التوحد يعانون من مشاكل معالجة شعورية.
وقالت ويتلوف لرويترز هيلث "يمكن أن يكون المصابون بالتوحد مفرطي الحساسية تجاه شكل شيء ما أو رائحته أو شعورهم تجاهه"، وعكف فريق ويتلوف على دراسة بيانات 24 دراسة اختبرت فعالية وسلامة علاجات المشاكل الشعورية لاضطرابات طيف التوحد ومن بينها 20 تجربة محكومة. وقسم الباحثون العلاجات إلى ست مجموعات استنادا إلى العلاج المستخدم ومن بينها التعرض لأحاسيس مختلفة مثل اللمس والحركة والعلاج بالموسيقى وبالتدليك.
وبشكل عام استطاعت العلاجات التي تعرض الأطفال لأحاسيس مختلفة تحسين قياسات مهاراتهم الحسية والحركية أما العلاج بالتدليك فأدى إلى تحسين وطأة الأعراض وأمور حسية، وعلى أية حال لم تكن الأدلة بهذه القوة ولم تتناول الدراسات سوى فترات قصيرة من الوقت، وفي المراجعة الثانية درس الباحثون أنظمة غذائية خاصة ومكملات غذائية تستخدم لعلاج أعراض اضطرابات طيف التوحد، وعكفوا على تحليل 19 تجربة محكومة لعلاجات مثل استخدام مكملات أوميجا 3 أو الأنظمة الغذائية الخالية من الجلوتين أو الكازين، ولم يتوصل الباحثون إلى أدلة كافية لدعم أي نظام غذائي أو علاج آخر كما أن مكملات أوميجا 3 ثبت ارتباطها بأضرار مثل العدوى ومشاكل في المعدة، وقال زاكاري وارين وهو من المركز الطبي لجامعة فاندربيلت أيضا "ليست لدينا أدلة واضحة توثق السلامة والفعالية لكن الكثير (إن لم يكن معظم) أسر الأطفال المصابين باضطرابات طيف التوحد يجربون أنظمة غذائية مختلفة ومكملات غذائية في وقت ما"، وأضاف "غالبا ما يكون هناك افتراض بأن هذه التدخلات ستكون آمنة وأن أضرارها الجانبية أقل بكثير من الأدوية التقليدية... الأمر ليس على هذا الحال دائما"، وقال وارين لرويترز هيلث إن موارد الآباء والأمهات ربما تكون محدودة وإنهم يجب أن ينفقونها على علاجات لها فوائد مثبتة.
إنسان آلي يساعد الأطفال المصابين بالتوحد على تحسين مهاراتهم
يتحدث إنسان آلي وهو يلهو مع طفل يبلغ من العمر أربعة أعوام في مدرسة لعلاج التوحد بشمال لندن ويقول "هذا جميل إنه داعبني"، ويقوم الإنسان الآلي كاسبار الذي طورته جامعة هرتفوردشاير بالغناء ويتظاهر بالأكل ويضرب على الدف ويمشط شعره خلال جلسات تهدف إلى مساعدة الطفل الذي يدعى فين على التفاعل الاجتماعي والتواصل.
وإذا أصبح فين فظا يصرخ كاسبار قائلا "هذا يؤذيني". ويوجد معالج لتشجيع الطفل على تصحيح سلوكه وتشجيعه على مداعبة الجهاز، الطفل فين واحد من نحو 170 طفلا مصابين بالتوحد ساعدهم كاسبار في مجموعة من المدارس والمستشفيات خلال الأعوام العشرة الماضية، لكن في ظل وجود نحو 700 ألف شخص في بريطانيا يعانون من التوحد وفقا لبيانات الجمعية الوطنية لعلاج التوحد، التي ستحتفل باليوم العالمي لعلاج التوحد يوم الأحد، تحتاج الجامعة من كاسبار إلى علاج عدد أكبر.
وقالت كريستين دوتنهان بروفيسور الذكاء الاصطناعي في الجامعة لرويترز "رؤيتنا هي إمكانية حصول كل طفل في مدرسته أو منزله أو المستشفى الذي يعالج به على كاسبار إذا رغب في ذلك"، ويتوقف تحقيق الهدف على نتائج تجربة إكلينيكية قد تسهم في عمل كاسبار بكل المستشفيات في أنحاء البلاد.
ورصدت منظمة تراكس الخيرية في مدينة ستيفنيج نتائج إيجابية من العمل مع كاسبار، وقالت نائبة مدير المنظمة أليس لينش "كنا نحاول تدريب صبي صغير كيف يأكل مع نظرائه وكان يعاني بسبب شعوره بالقلق"، وتابعت قائلة "بدأنا نفعل ذلك مع كاسبار وحقا استمتع وهو يطعم كاسبار ودفعه لتناول الطعام عندما كان جائعا وأمور كهذه. الآن بدأ الاندماج في الفصل الدراسي وتناول الطعام مع نظرائه".
نظارة جوجل قد تساعد الأطفال المصابين بالتوحد على قراءة تعابير الوجوه
أفادت دراسة جديدة أن الأطفال المصابين بالتوحد قد تتحسن قدرتهم على فهم تعابير الوجوه وتتطور مهاراتهم الاجتماعية باستخدام نظارة جوجل مع تطبيق للهواتف الذكية، وتستخدم هذه الأداة التجريبية، التي تعرف باسم (سوبر باور جلاس)،ألعابا لمساعدة الأطفال على تمييز الوجوه والانفعالات عند التفاعل مع الأسرة والأصدقاء.
وبحسب المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها فإن واحدا من كل 68 طفلا في الولايات المتحدة مصاب بالتوحد، وقال فريق الباحثين في الدراسة التي نشرت بدورية (إن.بي.جيه ديجيتال ميديسين) إن الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد يعانون كثيرا في تمييز تعابير الوجوه والتواصل بالعينين والتفاعل الاجتماعي، لكن بمقدور الكثيرين التحسن على نحو كبير إذا تعلموا مهارات اجتماعية في الصغر.
وطور الباحثون نظارة (سوبر باور جلاس) وهي أداة تعليمية تعمل ببرنامج يتم تشغيله على نظارة جوجل وهاتف ذكي يعمل بنظام أندرويد، وتساعد الألعاب، مثل لعبة (امسك الابتسامة وخمن الانفعال)، الأطفال للتعرف على الوجوه والانفعالات من خلال عرض أيقونات للمشاعر بالنظارة أو النطق باسم الانفعال ليسمعه الطفل.
وقدم فريق البحث نظارات تجريبية إلى 14 أسرة قالت 12 منها إنهم لاحظوا زيادة التواصل بالعين لدى أطفالهم، كما انخفضت حدة المرض عند ستة أطفال، ومع ذلك فالعدد الصغير من المشاركين في الدراسة يعد من أوجه القصور، كما أن الباحثين غير قادرين على تأكيد ما إذا كان سبب التغيرات التي طرأت على الأطفال هو البرنامج أم زيادة إدراكهم أو تركيز الدراسة على التفاعل مع الأصدقاء والأسرة.
اضف تعليق