حالة من الذعر والقلق الكبير يعيشها يعيش سكان الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب تفشي وانتشار بعض الإمراض الخطيرة والنادرة شديدة العدوى، مثل النكاف والسعال الديكي والحصبة وغيرها من الإمراض الأخرى التي عاودت الظهور من جديد، وهو ما أثار موجة جديدة من الجدل والنقاش حول عودة هذه الأمراض وخصوصا الحصبة، وهو المرض الذي أعلنت مراكز مكافحة ومنع الأمراض الأميركية القضاء عليه تماماً عام 2000 كما يقول بعض الخبراء. الذين اكدوا على ان تفشي هذا المرض سبب ازدياد مخاوف الآباء وشكوكهم المتواصلة حول سلامة بعض اللقاحات.
ومنذ العام 2000، وكما تشير بعض المصادر كانت حالات الحصبة في الولايات المتحدة تنسب إلى حد كبير لمسافرين يجلبون المرض إلى البلاد. ولكن في السنوات الأخيرة أصبح المرض شائعاً بشكل متزايد، مع ارتفاع عدد الحالات إلى أكثر من 150 حالة في العام 2013، ثم قفز إلى 644 حالة في العام الماضي، وهو أكبر عدد مسجل من الحالات في عام واحد منذ تسعينيات القرن العشرين. ويبدو أن العدد سيرتفع إلى رقم قياسي جديد هذا العام.
الشعور بخطر اللقاحات
وفي هذا الشأن يظن 9% من الأميركيين فقط، بغض النظر عن ميولهم السياسية جمهورية كانت أم ديموقراطية، أن اللقاحات تشكل خطرا على صحة الأطفال، على ما كشفت دراسة وطنية صدرت نتائجها في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة خطر تفشي وباء الحصبة. واعتبرت غالبية الأشخاص المشمولين بهذه الدراسة أن اللقاحات، من قبيل تلك التي تعطى ضد الحصبة والنكاف والحميراء، لا تشكل خطرا على الأطفال الذين هم في صحة جيدة.
ولم يعرب باقي الأشخاص الذين استطلعت آراؤهم عن وجهة نظرهم في هذا الموضوع، بحسب مركز "بيو ريسيرتش سنتر" وهو مركز أبحاث مستقل مقره واشنطن. وتشهد الولايات المتحدة جدلا حاليا حول اللقاحات إثر رصد أكثر من 100 حالة من الحصبة في 14 ولاية خلال الأسابيع الأخيرة، علما أنه من المفترض أن يكون قد تم القضاء على هذا المرض في العام 2000. ولا يزال بعض الأهالي يعتبرون اللقاحات خطرة وقد أعرب عدة نواب جد محافظين من الحزب الجمهوري عن مواقف معقدة وملتبسة في هذا الخصوص.
لكن هذه الدارسة التي أجراها مركز "بيو" وشملت 1003 بالغين أظهرت أن السواد الأعظم من كل الفئات العمرية والأطراف السياسية يعتبر اللقاحات آمنة. لكن المعهد لفت إلى اختلاف المواقف بين البالغين الشباب وهؤلاء الذين لا يتمتعون بمستوى دراسي عال. وقال 89% من الجمهوريين و87% من الديموقراطيين الذين استطلعت آراؤهم إنهم لا يعتبرون اللقاحات خطيرة بالنسبة إلى الأطفال الذين هم في صحة جيدة.
وكان المركز عينه قد أجرى استطلاعا للرأي في كانون الثاني/يناير بينت نتائجه أن عامة الشعب والعلماء (68%) يؤيدون التلقيح الإلزامي للأطفال، في مقابل 30% يعتبرون أن القرار النهائي يعود للأهل. من جانب اخر حذر مسؤولو الصحة في كاليفورنيا الآباء من تعريض ابنائهم عمدا للإصابة بالحصبة الأمر الذي قد يفاقم تفشي المرض في الولاية الأمريكية. وردا على استفسارات لوسائل الاعلام بشأن ما يسمى بحفلات الحصبة قالت ادارة الصحة العامة في كاليفورنيا إنه ليس لديها معلومات عن هذه التجمعات او أعدادها.
وقالت أنيتا جور المتحدثة باسم الادارة "تحذر ادارة الصحة العامة في كاليفورنيا بشدة من تعريض الاطفال عمدا للحصبة لأنها تضع الاطفال المعرضين دون داع أمام مخاطر بالغة محتملة مما قد تسهم في انتشار المرض بدرجة أكبر". وفي عام 2011 أصدرت السلطات الاتحادية تحذيرات شديدة اللهجة في أعقاب تقارير اعلامية تحدثت عن قيام آباء يتخوفون من اللقاح بتداول مصاصات ملوثة بفيروسات الجديري المائي عبر البريد في محاولات مضللة لتكوين مناعة لدى الاطفال من خلال التعرض للفيروس.
ويرتبط أكثر من ثلث حالات الاصابة بالحصبة في كاليفورنيا بتفش يرى مسؤولو الصحة انه بدأ في الظهور بمتنزه بجوار ديزني لاند بمنطقة اناهايم في أواخر ديسمبر كانون الأول. وقالت جور إن 30 في المئة من المصابين في التفشي الحالي نقلوا الى المستشفيات. وأبلغ عن أكثر من 36 حالة إصابة بالمرض الشديد العدوى في 19 ولاية أمريكية أخرى وفي المكسيك منها ثلاث حالات جديدة في مقاطعة كوك بولاية إلينوي. وسبعة من الحالات الثمانية التي رصدت حتى الآن في مقاطعة كوك مرتبطة بمركز لرعاية اليوم الواحد بمدينة بالاتاين. بحسب رويترز.
وقال مسؤولو الصحة في جورجيا إنه تأكدت إصابة طفل وصل الى اتلانتا قادما من خارج الولايات المتحدة بالحصبة وهي أول حالة مسجلة بالولاية للإصابة بالمرض منذ عام 2012. والحالة الخاصة بجورجيا لا تمت بصلة للتفشي في كاليفورنيا. وتقول ادارة الصحة العامة في كاليفورنيا إن 39 من الحالات الاجمالية المؤكدة وعددها 107 حالات مرتبطة بديزني لاند. وأثار ظهور الحصبة الجدل مجددا بشأن ما تسمى بالحركة المعارضة للتطعيم وما تثيره من مخاوف إزاء الآثار الجانبية للتطعيم مستندة إلى أبحاث غير صحيحة تربط بين هذه الآثار والإصابة بمرض التوحد مما دفع بعض الآباء لرفض تطعيم أبنائهم. ورفض بعض الآباء تطعيم ابنائهم لدوافع دينية وأسباب أخرى. .
جدل محموم
الى جانب ذلك ضم الرئيسي الأميركي باراك أوباما صوته إلى نداءات السلطات الصحية الأميركية للمطالبة بحملة تلقيح واسعة خشية انتشار وباء الحصبة في البلاد، وتعد الحصبة مرضا شديد العدوى ينقل عبر الهواء. وهي تتسبب بالحمى وبطفح جلدي وتؤدي في أخطر حالاتها إلى التهاب الرئة أو الدماغ الذي قد يكون فتاكا.
ويتزامن انتشار هذا المرض على نطاق واسع في البلاد مع رفض بعض الأهالي تلقيح أولادهم خشية من أن يتسبب هذا اللقاح الثلاثي (ضد الحصبة والنكاف والحميراء) بتزايد حالات التوحد. ويرفض آخرون التلقيح لأسباب دينية أو سياسية في أغلب الأحيان. ومرد هذا الجدل مقال نشر في مجلة "ذي لانست" البريطانية العلمية سنة 1998 لم تسحبه المجلة إلا في العام 2010. وقد اتهمت أيضا وسائل الإعلام بنشر هذه الأبحاث الخاطئة على صعيد واسع جدا.
ودحضت عدة دراسات علمية أي علاقة بين هذا اللقاح ومرض التوحد أو أي خطر صحي آخر. وكشفت الطبيبة آن شوتشات المسؤولة عن التلقيح في مراكز "سي دي سي" أن أهالي 79% من الأطفال غير الملقحين طلبوا في العام 2014 من السلطات الصحية في ولاياتهم إعفاءهم من التلقيح بناء على قناعاتهم. ويشار في هذا السياق إلى أن نسبة التلقيح ضد الحصبة لا تتخطى 92% في الولايات المتحدة.
وحاول الرئيس باراك أوباما بدوره أن يقنع الأهالي الرافضين للتلقيح بالعدول عن قرارهم. وهو قال عبر قناة "ان بي سي" التلفزيونية "أعرف أن بعض العائلات تكون في بعض الأحيان قلقة من آثار التلقيح، لكن لا بد من أن تتذكروا من أن النتائج العلمية باتت قاطعة اليوم ... ونحن قد درسنا هذه المسألة عدة مرات وما من سبب للامتناع عن التلقيح". وقد أثيرت هذه المسألة أيضا في قلب الأوساط السياسية في الولايات المتحدة، لا سيما في صفوف المرشحين الجمهوريين المحتملين للانتخابات الرئاسية سنة 2016.
وتعد المسألة حساسة بالنسبة إليهم، إذ أنهم لا يريدون إثارة حفيظة الناخبين المحافظين جدا الذين يرفضون التلقيح لأسباب دينية أو بناء على قناعاتهم الخاصة. ورد حاكم نيو جيرسي كريس كريستي وهو جمهوري معتدل على سؤال عن هذا الموضوع قائلا إنه ينبغي للأهالي "أن يكون لهم كلمة في هذا الخصوص". وأصدرت أجهزته الإعلامية بيانا في فترة لاحقة جاء فيه أنه "في حالة مرض مثل الحصبة، لا بد من تلقيح الأطفال".. بحسب فرانس برس.
أما السيناتور راند بول من حزب الشاي المحافظ الذي درس الطب، فهو قال "أظن أنه من الجيد تلقيح (الأطفال)، لكن هذا القرار شخصي". غير أن جون بينر رئيس مجلس النواب الأميركي كان جازما في هذا الخصوص عندما قال "أظن أنه ينبغي لجميع الأطفال أن يحصلوا على التلقيح". ويعكس هذا الجدل الجديد بشأن التلقيح وجهات النظر المعقدة والملتبسة في بعض الأحيان عند الجمهوريين إزاء المسائل العلمية الرئيسية، مثل التغير المناخي.
التهاب الغدة النكفية
على صعيد متصل قال مسؤولو صحة إن تفشي التهاب الغدة النكفية الذي ظهر بإحدى جامعات أيداهو وأصاب 21 شخصا بالولاية انتقل الى ولاية واشنطن المجاورة. يجيء انتشار التهاب الغدة النكفية -ويسببه فيروس معد يؤدي الى تورم مؤلم في الغدد اللعابية، وقالت ادارة الصحة والرعاية في ايداهو إن تفشي الغدة النكفية ظهر بالحرم الجامعي لجامعة ايداهو في منطقة موسكو قرب الحدود مع ولاية واشنطن ثم انتشر بعد ذلك الى العاصمة بويزي. وقال مسؤولو الصحة العامة إن التهاب الغدة النكفية ينتشر بسهولة بسبب اللعاب من خلال القبلات واستخدام أكثر من شخص لنفس ادوات المائدة او زجاجات المياه.
وقال بيان الادارة إنه تم حتى الآن الابلاغ عن 21 حالة مؤكدة ومحتملة بما في ذلك ست حالات في بويزي أكثر مدن الولاية ازدحاما. واضاف البيان انه بعد ذلك أبلغ عن اصابتين في ولاية واشنطن. وقال مسؤولو الصحة العامة إنهم ينصحون الطلبة بحرم موسكو الجامعي وأي شخص قد يخالط شخصا مصابا بالتأكد من ان التطعيمات الخاصة به حديثة. ويمكن منع الاصابة بالحصبة والتهاب الغدة النكفية بلقاح واحد هو (ام.ام.آر) الذي يقي ايضا من الحصبة الالمانية (الروبيلا).
وقالت ادارة الصحة بايداهو في بيان "يقي لقاح ام.ام.آر ايضا من الحصبة التي يتزايد انتشارها في غرب الولايات المتحدة بسبب تفش يرتبط بمتنزه للملاهي في كاليفورنيا." من جانب اخر قالت جامعة كاليفورنيا إنه سيتم إلزام الطلاب في كل الكليات العشر بجامعة كاليفورنيا بإن يتم فحصهم لمعرفة ما إذا كانوا مصابين بالسل وسيتم تطعيمهم ضد الحصبة والغدة النكفية والحصبة الألمانية وأمراض آخرى بموجب خطة صحية جديدة من المقرر سريانها في 2017. ويتجاوز إعلان تغيير السياسة الصحية حقن الالتهاب الكبدي (بي) والتي يتعين على كل طلاب جامعة كاليفورنيا البالغ عددهم 233 ألف طالب أخذها كما أنه يأتي وسط تفشي لمرض الحصبة.
اضف تعليق