هل كان على العراقيين تحمل كل هذا الخراب والخوف والدماء المسفوحة على ارصفة وشوارع المدن المستباحة لتتوصل الطبقة السياسية الحاكمة الى ان هناك علاقة ما بين الفساد والعمليات الارهابية التي تتبسط على امن وامان العراقيين بيسر وسهولة اهل الدار اكثر منه الضيف او الغريب، وهل كنا نحتاج لكل تلك المآسي والآلام ليفهم الحكم ان الارهاب يعتاش على الفساد الذي اصبح لازمة متعشقة مع ذكر الحكم والادارة في العراق..
لم يحس اغلب العراقيين بالصدمة امام تصريحات السيد وزير التجارة وكالة محمد شياع السوداني والتي تناول فيها الشبهات بوجود عمليات فساد أو سرقة وراء أحداث سايلو خان ضاري، ان لم يكن شعور الاغلب من المواطنين هو الدهشة من التأخر الكارثي للحكومة في فهم المدى الخطير الذي وصلته اليه عملية الترابط ما بين الارهاب والفساد الاداري والى الضرر البين على ارواح ومقدرات العراقيين جراء سياسة المحاصصة الطائفية والعرقية التي تشكل الفيء الواسع الذي تستظل به جميع المآزق الامنية والسياسية التي انهكت البنية الاجتماعية والاقتصادية للدولة العراقية..
وهذا الواقع قد يحتم الوعي بأولوية التصدي للفساد والمفسدين، رغم انخراط الدولة والمجتمع في الصراع الوجودي مع قوى الارهاب التكفيري الداعشي، لما يشكله الفساد من عامل تكبيل لموارد الدولة وقدراتها في المواجهة الشاملة مع الارهاب الذي يوظف الفساد لتقويض الجهد الامني والاقتصادي للبلد، ويستفاد ويتمدد من خلال المقاومة الطبيعية للمفسدين تجاه اي مبادرة تستهدف افشاء وفرض القانون حد التواطؤ مع قوى الارهاب لما يشكله اي مسار اصلاحي ممكن من تهديد لمصالحهم ومنافعهم الشخصية الضيقة.
فقد يكون من الهذر المكلف والمؤذي الحديث عن امكانية استشراف اي نتائج ايجابية لأي عملية اصلاح او تغيير مع تربع رموز الفساد على سدة العديد من مفاصل الدولة ومراكز القرار، اذ ان الفساد يرتبط أساسا بسوء استعمال السلطة وتوظيفها في خدمة المصالح الخاصة بصورة تتناقض مع القوانين المرعية، ويشكل السبب الرئيس في المشاكل التنموية وفي طرد الاستثمار الخارجي -وحتى الداخلي- مما يسهم في عرقلة اي جهد نحو الاصلاح الحقيقي والتغيير المطلوب لتحقيق الارضية الملائمة للنماء والاستقرار و-بالضرورة- تعزيز موارد القوة للقضاء على الارهاب.
فالارهاب والفساد وجهان لجناية واحدة من حيث اشتراكهما بالتجاوز على حقوق وحريات الأفراد وتهديدهما لاستقرار الدولة والمجتمع وتأثيرهما البالغ السوء على التنمية والادارة الرشيدة للموارد، وتكريسهما لثقافة التحلل من الالتزامات والقوانين والضوابط مما يقوض الثقة ما بين الدولة وافراد المجتمع ويعرقل الانخراط الجماهيري المطلوب في اي عملية اصلاحية قد تقودها الدولة وتتطلب تحمل المجتمع لتبعات بعض القرارات الصعبة التي تحتاج لدعم وتفهم وثقة المواطن.
فلا يمكن التفاؤل بنهاية قريبة للإرهاب تحت كل هذا الفساد وخاصة في شقه السياسي المحاصصاتي الذي انتج ثقافة راسخة من التجاوز الممنهج على القانون والعرف والضوابط، والتطاول على المال العام، وافرز حكومة فاقدة السيطرة والتحكم في العديد من المفاصل التنفيذية والسيادية وبرلمان بصلاحيات غائمة ومضببة.. وكل هذا في ظل التأزم المزمن -حد التعود- في أوضاع قطاعات الصحة والقضاء والتعليم والسكن.. والاهم، تحت علاقة شائكة ما بين الدولة والمواطن اساسها انعدام الثقة بنزاهة وكفاءة مشاريع الاصلاح التي تتبناها الحكومة في ظل نظام المحاصصة وما يشكله من سواتر يحتمي بها الفساد المالي والاداري والسياسي.
ان القضاء على الارهاب يحتاج قبل كل شيء الى تحشيد طاقات وموارد الوطن والمواطن في خدمة هدف النصر والتحرير واعادة الامن والاستقرار، ومكافحة الفساد هو الخطوة الاولى والصحيحة نحو الاصلاح وهو العامل الفعال في تعزيز الثقة والامل لدى المواطن بوجود ارادة حقيقية تستهدف ضبط ولملمة مقدرات الوطن في سبيل تحقيق امن وسلامة ورخاء افراده، وهذا ما يحتاج الى اجراءات وتدابير قانونية شجاعة وميدانية تستهدف تحجيم الفساد ووضعه تحت شمس الرقابة والادانة بقوة وثبات توازي الصلابة التي نواجه بها قوى الارهاب، ان لم يكن اشد.. ودون ذلك قد يكون الطريق امام العراق واهله شائكا وليلهم طويلا ولا ينتظر من فجره نهاية قريبة للارهاب..
اضف تعليق