في الاقتصاد العالمي هناك ظواهر تؤكد عدم مصداقية بعض الشركات، ولا ينحصر ذلك بالشركات الصغيرة او الناشئة، وانما قد تقوم شركات عريقة ببعض حالات الاحتيال التي تحصل من خلالها على بعض المكاسب المادية، ولكنها في الوقت نفسه تخسر الكثير، لاسيما في مجال سمعتها في التصنيع، وضياع تاريخها العريق في مهب الريح كما يقال.
وشركة او مجموعة فولكسفاغن لصناعة السيارات الشهيرة، يمكن أن تكون مثالا على ذلك، فقد طرحت هذه الشركة انتاجها ودفعت به الى اسواق كثيرة امريكية واوربية وسواها، على أنها محصنة من بعث الغازات السامة او الملوثة للهواء، ولكن تم كشف نوع من التحايل في هذا المجال، في مجموعة كبيرة من السيارات تصل الى الآلاف، ملأت الشوارع الامريكية وهي تبعث من خلال العوادم غازات مضرة بالصحة.
ومع ذلك تبقى هذه الشركات (الخاطئة) متمسكة ومتشبثة بأسواقها، معتمدة في ذلك على تاريخها التصنيعي العريق، فعلى الرغم من فضيحة المحركات المغشوشة وتداعياتها على فولكسفاغن في العالم عامة وفي الولايات المتحدة بشكل خاص، اكد مولر ان السوق الاميركي يبقى بالنسبة الى مجموعته سوقا "رئيسيا"، وهذا دليل على تمسك هذه المجموعة بأسواقها على الرغم من الفضيحة التي لا تزال تتفاعل بين زبائنها في الاسواق العالمية.
وقد يكون هذا النوع من التحايل في التصنيع، بوابة لكشف الكثير من انواع الفساد الذي لم يكن ظاهرا للعيان لدى هذه المجموعة او سواها، فمن يتمكن من غش الزبائن والاسواق، قد لا يجد مانعا في تجريب انواع اخرى من الغش ومنها على سبيل المثال الغش الضريبي، فقد نشرت وسائل اعلام مستقلة بأن مجموعة فولكسفاعن لم تكتفي بالغش الصناعي.
إنما ألحق ذلك بالغش الضريبي كما يقول احد الأخبار بأن المجموعة التي يتعين عليها دفع مليارات الدولارات من التعويضات والغرامات في فضيحة البرامج المعلوماتية اضافة الى سحب كل السيارات المعنية لاصلاح عيوبها، تجد نفسها اليوم في صلب قضية غش ضريبي.
وهذا الحدث او الخبر قد يساعد على إضعاف مركز هذه المجموعة اقتصاديا، وإلحاق الضرر بها غلى صعيد السمعة والجودة التي كانت تتمثل بها وتتمسك بك بها طوال تاريخها التصنيعي العريق، ولكن هل ينفع الاعتذار للزبائن عن أخطاء من هذا النوع، أي اخطاء بسبب الغش الصناعي أو سواه؟ في الحقيقة ربما يكون التاريخ النظيف لهذه المجموعة عاملا مساعدا على عودتها بقوة الى السوق مجددا، لاسيما اذا عالجت هذا الخطأ الفادح بسرعة واتقان، ولكن تبقى مثل هذه النواقص نقط او لطخة سوداء في تاريخ المجموعة التصنيعي، ولكن لا ضير من العودة الى الانتاج الجيد اذا كانت هذه التجربة في الخداع هي الاخيرة، ولابد أن تكون درسا لهذه المجموعة تستفيد منه هي وسواها، بغض النظر عن سمعتها وتاريخها الصناعي العريق الذي قد لا يحميها في حال وقعت في مشكلة اخرى من هذا النوع.
كذلك لابد من التحرك السريع لتفادي شبهات التهرب من الدفع الضريبي، فهو نوع آخر من الغش الذي يلحق الضرر بمن يستفيد من الضريبة، وهو الشعب على وجه العموم وهنا سوف يكون الدرس والاضرار اكثر قسوة على المجموعة، وعندها لا ينفع الاعتذار مجددا، فقد ينفع مرة واحدة ولكن سياسة تكرار الاعتذار تسيء ولا تنفع مصدرها.
رئيس فولكسفاغن يعتذر للاميركيين
في هذا السياق قدم المدير العام لمجموعة فولكسفاغن ماتياس مولر اعتذارا علنيا للشعب الاميركي على فضيحة محركات الديزل المغشوشة التي اضرت كثيرا بسمعة العملاق الالماني. وقال مولر في ديترويت في شمال الولايات المتحدة "نعرف اننا خيبنا كثيرا امل عملائنا والهيئات الحكومية والجمهور هنا في الولايات المتحدة".
واضاف خلال حفل استقبال عشية معرض ديترويت للسيارات "انا حقا آسف. اعتذر عن الامور التي سارت خطأ في فولكسفاغن". وفي اول زيارة له الى الولايات المتحدة منذ توليه رئاسة فولكسفاغن في ايلول/سبتمبر عقب الفضيحة، اكد مولر ان المجموعة الالمانية "ملتزمة بالكامل اصلاح الامور". وردا على سؤال لوكالة فرانس برس، اكد مولر ان فولكسفاغن تبحث في امكانية ان تشتري من عملائها الاميركيين اكثر من 100 الف سيارة من اصل 600 الف سيارة مزودة بمحركات مغشوشة في الولايات المتحدة.
وكان مصدر مطلع على الملف قال لفرانس برس في وقت سابق الاحد ان المجموعة الالمانية قد تشتري هذه السيارات من اصحابها او تعرض عليهم سيارات جديدة بدلا منها، كما انها قد تقترح حلولا تقنية للسيارات الاخرى. وعلى الرغم من فضيحة المحركات المغشوشة وتداعياتها على فولكسفاغن في العالم عامة وفي الولايات المتحدة بشكل خاص، اكد مولر ان السوق الاميركي يبقى بالنسبة الى مجموعته سوقا "رئيسيا". وتأكيدا على هذا اعلن مولر ان فولكسفاغن تعتزم استثمار 900 مليون دولار اضافية في الولايات المتحدة لانتاج سيارة رياضية متعددة الأغراض "اس يو في" رباعية الدفع من الفئة المتوسطة، مشيرا الى ان هذا الاستثمار من شأنه احداث الفي وظيفة جديدة في الولايات المتحدة. ومنذ منتصف ايلول/سبتمبر وفولكسفاغن غارقة في فضيحة انكشاف امر استخدامها برامج معلوماتية للتلاعب بمستويات انبعاثات الغازات الملوثة للبيئة من محركات 11 مليونا من سياراتها العاملة بالديزل بهدف التحايل على اختبارات قياس مستوى الانبعاثات الملوثة، بحسب فرانس بريس.
قطر ضد تزايد نفوذ العمال
من جهتها أوردت صحيفة ألمانية أن قطر ثالث أكبر مساهم في فولكسفاجن لصناعة السيارات حث الشركة الألمانية على تقليص نفوذ نقابات العمال القوية بها في الوقت الذي تكافح فيه لتجاوز تبعات فضيحة الانبعاثات. ونشرت صحيفة بيلد آم زونتاج دون أن تذكر مصادرها أن جهاز قطر للاستثمار سيطلب في اجتماع مع الرئيس التنفيذي ماتياس ميلر وعدد من كبار مسؤولي الشركة العمل على تقليص نفوذ المجلس الخاص بالعمال.
وأحجم جهاز قطر للاستثمار الذي يملك 17 بالمئة في أكبر شركة سيارات في أوروبا عن التعقيب في حين قال متحدث باسم فولكسفاجن إن محادثات مولر مع الجهاز في قطر هدفها التواصل بين القيادة الجديدة في الشركة وشريك مهم. وامتنع مجلس العمال في الشركة عن التعقيب.
ويشغل المجلس نفس عدد المقاعد المخصص للمساهمين في المجلس الإشرافي المكون من 20 عضوا وله نفوذ كبير في شركة السيارات وسبق أن منع خططا لخفض التكاليف. وأدت فضيحة الانبعاثات لفقد أسهم فولكسفاجن المليارات من قيمتها السوقية وكان مولر أعلن أن الشركة ستضطر لتنفيذ خفض كبير للتكاليف لسداد الغرامات وتحمل أعباء الدعاوى القضائية وتعديلات يقدر المحللون أن تكلف أكثر من 40 مليار يورو (44 مليار دولار).وبحسب الصحيفة سيطلب جهاز قطر للاستثمار الذي يشغل مقعدين في المجلس الإشرافي - الذي يعين المسؤولين التنفيذيين ويفصلهم - إعداد حملة تسويقية تتكلف مليارات الدولارات للسيارات الكهربائية في الولايات المتحدة لاستعادة حصة الشركة بثاني أكبر سوق في العالم بحسب رويترز.
فضائح الانبعاثات يتبعها الغش الضريبي
في سياق مقارب وجدت شركة فولكسفاغن نفسها الخميس في عين الاعصار اذ ان اعلانها عن عمليات تلاعب جديدة في انبعاثات محركاتها يشكل فضيحة جديدة لعملاق صناعة السيارات الالماني ستكلفه غاليا وقد يواجه بسببه غرامات بملايين اليورو بتهمة الغش الضريبي. ومنذ منتصف ايلول/سبتمبر وفولكسفاغن غارقة في فضيحة انكشاف امر استخدامها برامج معلوماتية للتلاعب بمستويات انبعاثات الغازات الملوثة للبيئة من محركات 11 مليونا من سياراتها العاملة بالديزل. وهذا الاسبوع اتخذت الفضيحة ابعادا جديدة مع اعلان العملاق الالماني اكتشافه "مخالفات" جديدة.
فقد اعلنت مؤخرا المجموعة المصنعة ل12 ماركة مختلفة من السيارات والتي تعتبر فخر الصناعة الالمانية انها اكتشفت "مخالفات" في انبعاثات غاز آخر هو ثاني اكسيد الكربون، وذلك في محركات 800 الف سيارة في العالم، قبل ان يوضح متحدث باسمها الخميس للصحافيين ان هذا الرقم "موقت لاننا ما زلنا في صلب التحقيق". ومع هذا الفصل الجديد يتسع نطاق الفضيحة لتشمل هذه المرة انبعاثات ثاني اكسيد الكربون، الغاز الذي يركز عليه الاوروبيون، وكذلك ايضا محركات تعمل على البنزين (98 الف سيارة بحسب المجموعة)، الامر الذي يسقط كل ما دفعت به الشركة طيلة الاسابيع الماضية من ان فضيحة الانبعاثات قضية منعزلة حصلت نتيجة غش ارتكبته قلة من مسؤوليها بحسب فرانس بريس.
وكتبت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" ان "فولكسفاغن ليست، كما كان يمكن ان نصدق قبل اسابيع، مجموعة سليمة بالكامل وجدت نفسها في ازمة بسبب خطأ فادح. كلا، التحليل يجب ان يكون: لدى فولكسفاغن الكثير من الامور الفاسدة من بدايتها الى نهايتها". وفي الواقع فان انبعاثات ثاني اكسيد الكربون -المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري- من بعض السيارات من ماركات فولكسفاغن وسكودا واودي وسيات هي اعلى بنسبة 18% مما تدعيه الشركة على الورق. ويشكل هذا التطور ضربة جديدة لسمعة فولكسفاغن التي انخفضت مبيعاتها في بريطانيا بنسبة 10% في شهر تشرين الاول/اكتوبر على اساس سنوي بحسب ارقام نشرت الخميس. وفي الولايات المتحدة تواجه المجموعة الالمانية من جهة ثانية اتهامات جديدة بخصوص الانبعاثات من محركات تعمل بالديزل وسعتها اكبر.
كذلك فان المجموعة التي يتعين عليها دفع مليارات الدولارات من التعويضات والغرامات في فضيحة البرامج المعلوماتية اضافة الى سحب كل السيارات المعنية لاصلاح عيوبها، تجد نفسها اليوم في صلب قضية غش ضريبي. ومنذ 2009 ترتبط قيمة ضريبة السير التي يدفعها اصحاب السيارات في المانيا بمستوى انبعاثات ثاني اكسيد الكربون من محركاتهم. وبناء على هذا فان حزب الخضر (معارضة) اعتبر ان فولكسفاغن "مذنبة بالغش الضريبي باعلانها عن مستويات انبعاثات ثاني اكسيد الكربون ادنى" مما هي عليه في الواقع. وبحسب وزير النقل الالماني الكسندر دوبريندت فان الحكومة تريد "حلا لا يعاقب زبائن فولكسفاغن"، في تلميح الى ان برلين سترغم العملاق الصناعي على دفع الضرائب الفائتة التي لم تتضح قيمتها بعد.
وبحسب المنظمة غير الحكومية الالمانية "دويتشيه اومويلثيلف" المتخصصة بالدفاع عن البيئة فان قيمة الضرائب الفائتة المتوجبة على السيارات بسبب انبعاثاتها من ثاني اكسيد الكربون وصلت في 2015 الى 1,8 مليار يورو وسترتفع في 2016 الى 2,2 مليار يورو، ولكن هذا الرقم لا ينحصر بسيارات فولكسفاغن بل بماركات اخرى تتهمها المنظمة بالغش. وبحسب المنظمة فان الفارق بين مستويات االانبعاثات التي تعلن عنها الشركات المصنعة للسيارات والمستويات الحقيقية لهذه الانبعاثات يبلغ 42%، وذلك بحسب اختبارات اجراها مستخدمون.
واذا كانت قيمة الخسائر المالية التي ستتحملها فولكسفاغن بسبب هذه الفضيحة الجديدة اقل من تلك الناجمة عن فضيحة البرمجيات المغشوشة، فان تداعيات التلاعب بمستويات انبعاثات ثاني اكسيد الكربون قد تكون اضراره المعنوية اكبر بكثير على الشركة. فخفض انبعاثات ثاني اكسيد الكربون يشكل صلب المعركة الجارية لمكافحة الاحتباس الحراري والحكومات الاوروبية لا تنفك تزيد ضغوطها على الصناعيين للالتزام بشكل صارم بالمعايير المفروضة في هذا المجال. والعام الماضي قال الرئيس السابق لفولكسفاغن مارتن وينتركورن، الذي اطاحت به الفضيحة من منصبه، في معرض شكواه من هذه المعايير ان "كل غرام من ثاني اكسيد الكربون في اسطولنا في اوروبا يكلفنا 100 مليون يورو سنويا" بحسب فرانس بريس. وغداة اعلان فولكسفاغن عن الفضيحة الجديدة كان موقف المفوضية الاوروبية صارما. وقالت المفوضة الاوروبية للشؤون الصناعية الزبييتا بيينكوفسكا ان "المستهلكين فقدوا الثقة. لقد دفعوا آلاف اليورو الاضافية على سيارة كان يفترض ان تكون انبعاثاتها اقل".
اعتراف مهندسين بالتلاعب في بيانات الانبعاثات
من جهتها قالت صحيفة بيلد آم زونتاج إن عدة مهندسين في فولكسفاجن اعترفوا بالتلاعب في بيانات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قائلين إن الأهداف الطموح التي وضعها الرئيس التنفيذي السابق مارتن فنتركورن كانت صعبة التحقيق. وقالت الصحيفة إن مهندسي فولكسفاجن تلاعبوا في ضغط الإطارات وخلطوا الديزل بزيت المحرك لخفض استهلاك الوقود في عملية غش بدأت في 2013 واستمرت حتى ربيع هذا العام.
وقال متحدث باسم فولكسفاجن ممتنعا عن التعليق على تقرير الصحيفة "أشار الموظفون في تحقيق داخلي إلى أنه كانت هناك مخالفات في التحقق من بيانات استهلاك الوقود. هناك إجراءات جارية لمعرفة كيف حدث ذلك." وقالت الشركة إنها أعلنت عن أرقام أقل غير حقيقية لاستهلاك الوقود وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون لنحو 800 ألف سيارة بيعت في أوروبا لكنها قالت في وقت لاحق إنها ستتحمل فاتورة الضرائب الإضافية التي تكبدها المشترون نتيجة لذلك.
وبهذا التطور الأخير تتفاقم فضيحة فولكسفاجن التي تفجرت في سبتمبر أيلول حينما اعترفت الشركة بالتحايل في اختبارات انبعاثات أكسيد النيتروجين في الولايات المتحدة. ويقول محللون في قطاع السيارات إن الشركة قد تتحمل نحو 35 مليار يورو (38 مليار دولار) تتضمن غرامات وتعويضات قانونية وإعادة تجهيز سيارات بحسب رويترز.
تحايل فولكسفاجن بين أوروبا وأمريكا
في حين قالت مجموعة فولكسفاجن الألمانية لصناعة السيارات إن سيارات فاخرة لها في أوروبا تعمل بالديزل مزودة بنفس البرنامج الذي يقول منظمون أمريكيون إنه استخدم للتحايل على اختبارات انبعاثات العادم في الولايات المتحدة. وقال منظمون أمريكيون إن نحو عشرة آلاف سيارة من انتاج مجموعة شركات فولكسفاجن في الولايات المتحدة -من بينها بعض طرز أودي وبورشه- مزودة ببرنامج للغش في اختبارات انبعاثات العادم يظهر قراءات في النطاق المسموح به في حين ان الانبعاثات الحقيقية تكون اعلى بما يصل الي تسعة اضعاف.
وأضافوا أن الشركة لم تبلغهم بوجود هذا البرنامج في المحركات الكبيرة سعة 3.0 لترات المستخدمة في سيارات رياضية فاخرة. ومن شأن ذلك أن يوسع نطاق فضيحة فولكسفاجن والتي تركزت في وقت سابق بشكل رئيسي على سيارات ذات محركات أصغر منتشرة في السوق. وقالت فولكسفاجن - التي نفت أن البرنامج يغير مستويات الانبعاثات "بطريقة محظورة" - لرويترز يوم الخميس إن البرنامج نفسه موجود في سيارات لها في أوروبا أكبر سوق لها والتي تشكل نحو 40 بالمئة من مبيعات المجموعة.
وامتنعت فولكسفاجن عن تحديد عدد سياراتها في أوروبا المزودة ببرنامج الكمبيوتر في ردها على اسئلة بالبريد الألكتروني لكنها لم تستبعد ان يكون العدد الإجمالي في الولايات المتحدة أعلى من عشرة آلاف سيارة. وقال محللون ببنك باركليز إن العدد في أوروبا قد يكون اكبر 20 مرة من عدد السيارات في الولايات المتحدة بحسب رويترز.
أشخاص كان بوسعهم إنقاذ شركة "فولكس فاغن"
في السياق ذاته قيل ان "فولكس فاغن" تمر بأزمة عميقة، وهي شركة كبرى يبلغ عمرها 78 عاماً. في سبتمبر/أيلول، تكشّف للعالم تلاعب الشركة في اختبارات انبعاثات الغاز. فقد وضعت الشركة المصنّعة للسيارات برنامجاً في سياراتها التي تعمل بمحركات الديزل والبنزين، صُمم خصيصاً للغش في اختبارات الانبعاثات السامة عند فحصها من قبل المراقبين.
يصعب تقريباً حسبان الأضرار التي سببتها هذه الأزمة لـ"فولكس فاغن". فالمشاكل تتفاقم، وتُفتح جلسات استماع من قبل الهيئات التشريعية في العديد من البلدان حول العالم. كما يجري استدعاء سياراتها عبر القارة الأوروبية وخارجها. وقد أثر ذلك على أسعار أسهم الشركة وتصنيفها الائتماني. ولا يمر يوم تقريباً دون أن يتكشّف شيء جديد وتحديات جديدة يتوجب على "فولكس فاغن" أن تعالجها.
عندما احتلت تلك المشكلة عناوين الأخبار، تركزت العديد من الأسئلة حول الأشخاص الذين كانوا يعلمون بها، وحدود معرفتهم بها، ومتى حصل ذلك؟ إنها أسئلة توجّه في أعقاب كل أزمة تمر بها شركة، أو فضيحة تؤثر عليها. لعل السؤال الأكبر هو طبيعة الهيكل الإداري أو الإجراءات التي تتيح وقوع أمرٍ مثل هذا، وما الذي كان ينبغي عمله لتفادي تلك المشكلة؟ يتحمل أعضاء مجلس إدارة الشركة ومجموعة الإدارة التنفيذية بعض اللوم. ما الدور الذي لعبه مجلس إدارة "فولكس فاغن" في هذه الأزمة؟ هل باستطاعة أعضاء مجالس إدارة الشركات الأخرى أن يتعلموا درساً من أخطاء "فولكس فاغن"؟
مجلس إدارة شركة "فولكس فاغن" هو من المجالس الكبيرة، وهو يضم 20 عضوا. وكحال معظم الشركات الألمانية العامة، للشركة ممثلين عن العمال ومستثمرين كبار في مجلسها المشرف على إدارتها. ورغم أن للشركة حضور عالمي هائل، فإن مجلسها لا يزال منعزلاً إلى حد ما. وللعائلة المؤسِّسة تمثيل كبير من خمسة أشخاص، وهم من أفراد عائلتي "بورشه" و "بياخ". وهناك 17 من بين الأعضاء العشرين من الألمان أو النمساويين. وبالتالي، ليس للمجلس قدر كبير من التنوع الفكري. وتمارس الشركة نشاطاتها على مستوى عالمي وفي سوق تنافسية استثنائية. ولشركة بمثل هذا المستوى من النشاط، ووفق معايير عديدة لإدارة الشركات، لا يبدو أن هناك مجلس إدارة في "فولكس فاغن" يصلح لمواجهة التحديات الحاضرة والمستقبلية للشركة.
تطلع عموماً إلى الجالسين حول مائدة مجلس إدارة المؤسسة التي تعمل فيها. هل ترى فيها تنوعاً فكرياً؟ هل بينهم عدد كافٍ من الأعضاء الذين يوجهون أسئلة محرجة؟ والأهم من ذلك، هل من بينهم أشخاص يتحدون واقع الحال ويعملون على ألّا يصبح المنتج بالياً. لذا، على مثل هؤلاء الأعضاء أن يفكروا في قيمة شركتهم اليوم، وفي نفس الوقت ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟ إذا لم يتوفر فيهم ذلك، فقد آن الأوان لكي تُجري بعض التغييرات. وتحتاج مجالس الإدارة إلى أشخاص ربما لا ترغب دوماً في الخروج معهم لتناول وجبة عشاء. لكن، لعل أسئلتهم الصعبة وخبراتهم ستجعل الشركة أكثر متانة، سواء على المدى القصير أو البعيد.
وأصيب مجلس إدارة "فولكس فاغن" بلغط منذ مدة من الزمن. ففي أبريل/نيسان، استقال رئيس الشركة "فرديناند بياخ" بعد شجار علني مع المدير التنفيذي للشركة، "مارتن فينتركورن"، الذي استقال بعد الأزمة. نشرتُ كتابات عديدة حول إيجابية التوترات التي قد تحدث داخل مجالس الإدارة، والتي تنتج عن طرح أسئلة صعبة أو محرجة. ومع ذلك، فإن كثرة النزاعات في مجالس الإدارة تولّد أجواءً غير منتجة ويمكنها أن تصرف انتباه المجلس عما يجب عليه القيام به، بما في ذلك في هذه الحالة، ضمان عدم تبديد الشركة لسنين من حسن النية والثقة التي نالتها بشقّ الأنفس. فإذا كان مجلس إدارتك أو فريق عملك معرّضاً للصراعات، فعليك أن تحدد بسرعة إذا ما كان ذلك التوتر نافعاً أم مدمراً. إذا أخذتْ نزاعات المجلس أوقاتاً أكثر من أوقات التفكير في تسيير أعمال الشركة، فيعني ذلك أن الحاجة ماسة لإجراء تغيير ما. وإذا لم يتفق المجلس، فعليك إيجاد حل سريع ـ حتى وإن كان ذلك يعني استقدام إستشاريين من خارج الشركة للمساعدة في العثور على مسار نحو الأمام. وأيضاً، حاول أن تكبح تلك الخلافات لتمنعها من الانتشار في المجالات العامة.
في السياق نفسه أمام "فولكس فاغن" مسؤوليات جسام لتواجهها. بداية، لم تتصدّ الشركة بشكل جيد لمواجهة الأزمة عندما اختارت تعيين أشخاص من بين مديريها ليقوموا بدور رئيس الشركة ومديرها التنفيذي. لكن، لا يزال أمام "فولكس فاغن" فرصة لإصلاح مجلس إدارتها والإتيان بأشخاص يوجهون أسئلة صعبة ومحرجة. عليهم أن يضمنوا أن الشركة ستُحاسب على أفعالها ويشجعوا على الشفافية، ويعيدوا بنشاط بناء الثقة والعلاقات. سيتطلب الأمر من مجلس الإدارة أن تكون لديه رؤية واضحة، وأن يكون ملتزماً باللوائح والأنظمة.
عندما تمر شركة ما بأزمة محددة، يسهل الإسراع في محاولة معالجة الأمور دون التراجع خطوة للنظر إلى الأزمة باعتبارها فرصة لحل المشكلة بشكل أعمق. هل لأعضاء مجلس الإدارة دور في المشكلة؟ وهل تخطو الشركة خطوات باتجاه الطريق الصحيح؟ وهل تفتقد لقدرات ومهارات من يمكنهم أن يجعلوا الشركة أقوى من السابق؟ إذا ما أديرت الأمور بعناية، يمكن اعتبار الأزمة نعمةً مقنعة. أحياناً، ليست الأزمة إلا نداءً لفعل شيء ملموس تحتاجه المؤسسة لإجراء بعض التغييرات، ورصّ الصفوف، وبناء شيء أفضل للمستقبل.
تراجع مبيعات فولكس فاغن خلال أكتوبر في بريطانيا
تراجعت مبيعات شركة فولكس فاجن الألمانية للسيارات في السوق البريطاني، خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على خلفية فضيحة الغش في اختبارات انبعاثات الغاز. وشمل ذلك التراجع العلامات التجارية: فولكس فاغن وسيات وسكودا. وثار جدل حول الشركة، بسبب ارتفاع مستوى انبعاثات الغاز من سياراتها، التي تعمل بالبنزين والديزل. وانخفضت مبيعات السيارات التي تحمل العلامة التجارية، فولكس فاغن، بنسبة 9.8 في المئة، ومبيعات سكودا بنسبة ثلاثة في المئة، ومبيعات سيات بنسبة 32.2 في المئة، بينما ارتفعت مبيعات سيارات من طراز أودي وبورش وبنتلي.
وقال اتحاد مصنعي وبائعي السيارات في بريطانيا SMMT إن شهر أكتوبر/ تشرين الثاني شهد انخفاضا عاما، في مبيعات السيارات في السوق البريطاني بنسبة 1.1 في المئة، وذلك بعد 43 شهرا متتاليا من ارتفاع المبيعات. وباعت فولكس فاغن 13.970 سيارة في أكتوبر/ تشرين الأول، وذلك انخفاضا من 15.495 خلال نفس الشهر من العام الماضي. وبحسب اتحاد مصنعي وبائعي السيارات انخفضت مبيعات فولكس فاغن بنسبة 6 في المئة.
لكن الشركة لم تكن الوحيدة التي شهدت مبيعاتها انخفاضا في ذلك الشهر، بل إن مبيعات شركة فوكسول انخفضت بنسبة 16 في المئة، وفورد انخفضت بنحو تسعة في المئة. وقال مايك هاويز، الرئيس التنفيذي لاتحاد مصنعي وبائعي السيارات في بريطانيا، لبي بي سي: "بالأخذ في الاعتبار الموضوع الذي أثير بالنسبة للشركة خلال الأسابيع الستة الأخيرة، فإن بعض التعديلات البسيطة متوقعة". وأضاف أن انخفاض مبيعات سيارات فولكس فاغن قد يعود إلى :انخفاض المبيعات في سوق السيارات عموما" لكن فضيحة الغاز أيضا "ستتسبب في أن بعض الناس سيفكرون جيدا قبل الشراء، حتى لمجرد البحث عن مزيد من المعلومات، مما قد يؤجل من عملية الشراء". لكن ستيف فاولر، من شركة أوتو إكسبريس، يرى أن فضيحة فولكس فاغن قد تؤدي إلى كبح السوق الأوسع.
وأضاف: "نعرف الكثير من الأشخاص الذين يتعاملون معنا وقد أجلوا عمليات الشراء، إنهم لا يزالون يرغبون في شراء سيارة، لكنهم ليسوا متأكدين مما يجب عليهم عمله، أو تحديدا من يجب أن يحظى بتقتهم في الوقت الراهن". وكانت وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة قد اكتشفت برمجيات، ملحقة ببعض سيارات فولكس فاغن ذات المحركات التي تعمل بالديزل، تقوم بالتلاعب في اختبارات انبعاثات الغاز. وأقرت الشركة لاحقا بأن نحو 11 مليون سيارة حول العالم تأثرت بهذه القضية. واتسعت الفضيحة لتشمل "مخالفات" انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، والتي يعتقد أنها طالت نحو 800 ألف سيارة في السوق الأوربي بحسب رويترز.
اضف تعليق