q

الذي دعاني إلى الخوض في هذا السجال العريق والمضمار الطويل هو الصورة المشوّهة التي صوّرها المتعنّتون والمنافقون عن الشيعة في نظرتهم إلى الصحابة والتي لا زالوا يتناقلونها في كتبهم وقنواتهم الفضائية وإعلامهم المأجور، على الرغم من أن كتب الشيعة في هذا المجال ـ كلها ـ قد نقلت رأي علمائهم الواضح والصريح ـ قديماً وحديثاً ـ تجاه الصحابة وموقفهم السليم والصحيح منهم ، وهو الرأي الذي استند إلى القرآن الكريم وأحاديث الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) وروايات أهل البيت (عليهم السلام) والحقائق التاريخية.

الرأي المحك

إن رأي الشيعة في الصحابة جاء مطابقاً تماماً لما نزل فيهم في القرآن الكريم من المدح والقدح، ولما جاء في حقهم من الأحاديث النبوية الشريفة من الرضا والذم، ولما جسّدوه هم أنفسهم في سيرتهم من الخير والشر، ولو أنصف الباحث والدارس وتجرّد من عصبيته المذهبية وأهوائه، لوجد أن رأي الشيعة في الصحابة هو المحك الذي يعرف به الصالح من الطالح منهم والمؤمن من المنافق.

إن تمادي المتهجِّمين على الشيعة والمُمعنين في تشويه عقيدتهم في الصحابة وفي غيرها من العقائد، ومحاولتهم النيل من علمائهم الأجلاء لم يعد عليهم بسوى الفشل الذريع والخسران المبين في كل أدوارهم وأساليبهم، وقد افتضحت كل تلك الأكاذيب والأباطيل والافتراءات التي ألصقوها بالشيعة.

العقيدة أقوى من الإعلام المزيف

ورغم الإمكانيات الضخمة ووسائل الإعلام الكبيرة والواسعة التي سخّروها لتسقيط الشيعة، وتشويه عقائدهم، والنيل من علمائهم لأغراض سياسية ومذهبية، إلا أنهم كانوا كمن يحاول إخفاء الشمس أو طمس القمر، فعقيدة الشيعة في الصحابة وغيرهم هي عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم الامتداد الطبيعي للرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) وهي مدرسة الإسلام الحق (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).

الوهابية منبع الفتن ومصدر الإرهاب

إن التشيّع هو حقيقة الإسلام التي جاء بها الرسول محمد (صلى الله عليه وآله)، وهو محتواه ومحوره والقوة المؤثرة في صنعه، وهذه الحقيقة تبرز بأجلى وأوضح وأنصع وأصفى صورها كلما حاول المشركون والمنافقون والوهابيون النواصب إخفاءها فهي كما قال أبو تمام:

وإِذَا أَرادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضيلَةٍ *** طويتْ أتاحَ لها لسانَ حسودِ

لَوْلاَ اشتعَالُ النَّارِ فيما جَاوَرَتْ *** ما كَانَ يُعْرَفُ طيبُ عَرْف العُودِ

إن شيوخ الفتن والفتاوى الدموية الحاقدة،  ما فتأوا يلعقون دماء المسلمين، وما فتأت فتاواهم تحمل معاول الهدم وتهوي بها على كيان الإسلام وزرع الفتن والخلافات والانقسامات بين المسلمين وبثّ العداء بين أبناء الأمة الواحدة من خلال تشويه عقائد الشيعة، وتصويرهم بأبشع صور الخروج عن الإسلام، ووصمهم بما ليس فيهم من افتراءات وأكاذيب وأباطيل، وقد ساعد الدور السياسي القذر على تحريكها ونشرها في أذهان الناس، وتركيزها في عقول السذج واستغلال تلك العقول وتسخيرها والسيطرة عليها في التحريك والتحريض المذهبي الطائفي البغيض.

دور علماء الشيعة في توحيد الصف الإسلامي

وفي الوقت الذي عملت الوهابية على بذر الشقاق وخلق الصراع بين المسلمين بفتاوى التكفير وقتل المسلمين الأبرياء وغيرها من أساليبهم الوحشية والدموية، كان قادة الفكر الشيعي ورجاله الأفذاذ وعلماؤه الأعلام يبذلون غاية الجهود وأقصى الإمكانيات في سبيل الدعوة إلى وحدة الصف ولم الشمل ونبذ الخلافات المذهبية والتقريب بين المسلمين، فكان لهم السبق في مدِّ يد الأخوة والتعاون والحفاظ على الدين ودرء الخطر عنه.

إن الدور الذي العظيم الذي أداه علماء الشيعة في سبيل صيانة الدين وحقن دماء المسلمين استقى من دور أهل البيت (عليهم السلام) الذين قدّموا التضحيات العظيمة من أجل أن تبقى راية الإسلام عالية، وكما أدى أئمة أهل البيت دورهم في التصدّي لضلالات النواصب وافتراءات وعاظ السلاطين وعلماء السوء والدفاع عن المذهب الحق، فقد تصدّى علماء الشيعة لكشف الدسائس والمكائد التي حاكتها يد الوهابية القذرة وفضح أكاذيبهم ودحض فتاوى العهر والسياسة التكفيرية التي تحرض على قتل الشيعة.

الفضائيات المسمومة

ومن أهم تلك الإفتراءات التي ركّز الإعلام الوهابي على نشرها وبثّها في أذهان الناس فامتلأت بها كتبهم ونعقت بها قنواتهم الفضائية المسمومة ليل نهار: هي أن الشيعة يسبّون الصحابة !!!

فمتى ما قرأتَ كتاباً، أو شاهدتَ قناة تلفزيونية، أو تصفّحتَ موقعاً ألكترونياً لهم حتى يطالعك هذا الإفتراء، ولا يكادُ المطلّع على هذا التزييف أن يصغي له لبرهة حتى يصابَ بحالة من الاشمئزاز والتقززّ من تلك الأفواه النتنة وهي تردد هذه التهمة التي حمل أصحابها حقد آكلة الأكباد على رسول الله، حتى ليُخيل لمن يستمع إليهم أن الشيعة لا شغل لهم ولا عمل ولا عبادة سوى سبِّ الصحابة من شروقهم إلى غروبهم، بل ليُخيل إليه أن الشيعة هم من حملوا معاولهم وهدَّموا قبور الصحابة في البقيع !!!!

إن مما يثير الغرابة هو إصرارهم على الجري وراء هذه السفاسف والترهات والافتراءات التي لا أساس لها من الصحة، وما أنزل الله بها من سلطان ولصقها بالشيعة.

العقول الخاوية

أليس عجيباً أن يستند الباحثون والكتاب اليوم إلى آثار الإغريق والرومان والفينيقيين والبابليين والسومريين والفراعنة وغيرهم من الأقوام الغابرة واكتشاف عاداتهم وتقاليدهم ووصف لباسهم ومناسباتهم وأعيادهم وطقوسهم و..... ولا يكتشف أصحاب العقول الخاوية الذين يهاجمون الشيعة حقيقة عقائد الشيعة من كتبهم وليس من خلال الصورة المشوّهة والمزيّفة التي نقلها لهم شيوخهم عن الشيعة ؟

أليس عجيباً ونحن في عصر التقنية المتقدّمة أن نرى الاكتشافات الهائلة في الفضاء والطب وأسرار الإنسان والحيوان والأرض ولا ترى تلك العيون ـ التي أعماها الله عن النظر إلى الحقيقة ـ معتقدات الشيعة وآرائهم في الصحابة من أفواه علماء الشيعة أنفسهم وليس ممن توارث الحقد والعمى والضلالة ليصوِّر له الصورة التي رسمها له التعصّب المذهبي؟

عجباً والله !! هلّا كلّف الواحد منهم نفسه بالإطلاع ولو على كتاب واحد من كتب الشيعة في هذا الجانب لينظر إلى عقيدتهم في الصحابة وليكتشف بنفسه الأكاذيب التي ألصقها شيوخه بالشيعة؟

المنابر الأموية الحاقدة

نحن نعرف أن المنابر الوهابية الأموية قد أدّت دورها المسموم في التحذير والتخويف من كتب الشيعة والاستماع إلى علمائهم وشنِّ الحملات الهمجية على كل ما يتعلّق بالفكر الشيعي، لأنه يحمل الحق الذي طالما أخفوه عن الناس وشوّهوه وزيّفوه، وهم يعرفون قبل غيرهم إنه يفضح عقيدتهم الوهابية الفاسدة.

ولكن الإنسان الآن ـ ونحن نعيش في هذا العصر المتقدِّم تكنلوجيا ـ يستطيع مطالعة أي كتاب وتحميله بكبسة زر، ومن أراد لنفسه أن تهتدي فهذه أمهات كتب الشيعة في هذا الجانب وهي من تأليف كبار علمائهم، وقد أوضحت وبيّنت وصرّحت بالدليل القاطع عن موقف الشيعة المستند إلى القرآن الكريم في اعتقادهم بالصحابة الأجلاء المهتدين المنتجبين الأخيار الأبرار (رضي الله عنهم)، وتناولت سيرتهم العطرة العظيمة المليئة بالتضحيات بالتبجيل والتوقير والاحترام والتقديس.

الصحابة الأجلاء في كتب الشيعة

وهذه كتب الشيعة التي تبجّل وتقدِّس الصحابة الأوفياء بدأً بكتب الرجال للطوسي والكشي والبرقي والنجاشي وأبي داود وبحر العلوم والبهبهاني والكنى والألقاب للقمي، وانتهاء بمعجم رجال الحديث للسيد الخوئي، وتراجم الرجال للسيد أحمد الحسيني، وتاريخ علم الرجال لحسين الراضي وغيرها الكثير من كتب الرجال والدراية، إضافة إلى كتب (المراجعات) و(الفصول المهمة في تأليف الأمة) للسيد عبد الحسين شرف الدين، و(أصل الشيعة وأصولها) للشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء، و(الشيعة في التاريخ) للشيخ محمد حسن الزين، و(دائرة المعارف الإسلامية الشيعية) للسيد حسن الأمين، و(الشيعة وفنون الإسلام) للسيد حسن الصدر، و(أعيان الشيعة) للسيد محسن الأمين، وموسوعة (الغدير) للشيخ عبد الحسين شرف الدين وغيرها الكثير، وهذه الكتب كلها اتفقت على تبجيل الصحابة الأوفياء الذين (لم ينقلبوا على أعقابهم)، وكلها قد استندت إلى القرآن الكريم وروايات أهل البيت ونهج البلاغة.

تمسُّك الشيعة بما جاء بحق الصحابة في القرآن الكريم

يقول الشيخ جعفر سبحاني: (إنّ مدرسة الشيعة منذ أن ارتحل النبيّ الأكرم إلى يومنا هذا، أنتجت تفاسيراً على أصعدة مختلفة، وخدمت الذكر الحكيم بصور شتّى، فأتى بوجه موجز، لما اُلّف في القرون الإسلامية الاُولى).

لا تجدُ أكثر تعبداً والتزاماً وتمسّكاً وتقديساً للقرآن من الشيعة فهم أول من فسَّره وصنّف في علومه المختلفة، فكيف يسبُّ الشيعة الصحابة وهم يعتقدون ويلتزمون بما أنزل الله تعالى في القرآن الكريم فيهم ويتلون ذلك في بيوتهم ومساجدهم والمراقد المقدسة عندهم وقنواتهم الفضائية وإذاعاتهم قوله جل وعلا في وصفهم: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)؟

كيف يسبّون الصحابة الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه وقد أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار بنص القرآن الكريم: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)؟

كيف يسبّون الصحابة الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الإسلام وساندوا رسول الله وآزروه على نشر دعوته الشريفة: (لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)؟

كيف يسبّون الصحابة الذين صرح القرآن الكريم بإيمانهم وجهادهم وهجرتهم في سبيل الله ورجاء رحمته: (إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)؟

ألا لعن الله من يسبّ هؤلاء الصحابة الذين خصهم الله بقوله: (رضي الله عنهم ورضوا عنه) والذين اتّصفوا بهذه الصفات التي ذكرها القرآن الكريم.

مدح الصحابة في نهج البلاغة

والآن لنرَ ما جاء في وصف هؤلاء الصحابة العظام الأجلاء الأتقياء الأنقياء (الذين خصّهم الله بالمدح) في نهج البلاغة وما وصفهم به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أخوهم ورفيقهم وسيدهم في مسيرة الجهاد من أجل نشر الإسلام من الصفات ولينظر القارئ إلى مدى التطابق في الوصفين:

(لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله فَمَا أَرَى أَحَداً مِنْكُمْ يُشْبِهُهُمْ، لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً وَقَدْ بَاتُوا سُجَّداً وَقِيَاماً يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَخُدُودِهِمْ وَيَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ اَلْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ رُكَبَ اَلْمِعْزَى مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ إِذَا ذُكِرَ اَللَّهُ هَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى تَبُلَّ جُيُوبَهُمْ وَمَادُوا كَمَا يَمِيدُ اَلشَّجَرُ يَوْمَ اَلرِّيحِ اَلْعَاصِفِ خَوْفاً مِنَ اَلْعِقَابِ وَرَجَاءً لِلثَّوَابِ).

(أَيْنَ الْقَوْمُ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى الاِسْلاَمِ فَقَبِلُوهُ؟ وَقَرَأُوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ؟ وَهِيجُوا إِلى الْجِهَادِ فَوَلَّهُوا اللِّقَاحَ أَوْلاَدَهَا، وَسَلَبُوا السُّيُوفَ أَغْمَادَهَا، وَأَخَذُوا بِأَطْرَافِ الاْرْضِ زَحْفاً زَحْفاً وَصَفّاً صَفّاً؟! بَعْضٌ هَلَكَ، وَبَعْصٌ نَجَا. لاَ يُبَشَّرُونَ بِالاْحْيَاءِ، وَلاَ يُعَزَّوْنَ عَنِ الْمَوْتَى، مُرْهُ الْعُيُونِ مِنَ الْبُكَاءِ، خُمْصُ الْبُطُونِ مِنَ الصِّيَامِ، ذُبُلُ الشِّفَاهِ مِنَ الدُّعَاءِ، صُفْرُ الاْلْوَانِ مِنَ السَّهَرِ، عَلَى وَجُوهِهمْ غَبَرَةُ الْخَاشِعيِنَ، أُولئِكَ إِخْوَاني الذَّاهِبُونَ، فَحَقَّ لَنَا أَنْ نَظْمَأَ إِلَيْهِمْ وَنَعَضَّ الاْيْدِيَ عَلَى فِرَاقِهمْ!)

(فَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، وَإِنَّ الْقَتْلَ لَيَدُورُ بَيْنَ الاْباءِ وَالاْبْنَاءِ وِالاْخوَانِ وَالْقَرَابَاتِ، فَمَا نَزْدَادُ عَلَى كُلِّ مُصِيبَة وَشِدَّة إِلاَّ إِيمَاناً، وَمُضِيّاً عَلَى الْحَقِّ، وَتَسْلِيماً لِلاْمْرِ، وَصَبْراً عَلَى مَضَضِ الْجِرَاحِ.).

(وَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، نَقْتُلُ آبَاءَنا وَأَبْنَاءَنَا وَإخْوَانَنا وَأَعْمَامَنَا، مَا يَزِيدُنَا ذلِكَ إلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً، وَمُضِيّاً عَلَى اللَّقَمِ، وَصَبْراً عَلى مَضَضِ الاْلَمِ، وَجِدّاً عَلى جِهَادِ الْعَدُوِّ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَالاْخَرُ مِنْ عَدُوِّنا يَتَصَاوَلاَنِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ، يَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا، أيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ المَنُونِ، فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا، ومَرَّةً لِعَدُوِّنا مِنَّا، فَلَمَّا رَأَى اللهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصرَ، حَتَّى اسْتَقَرَّ الاْسْلاَمُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَمُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ، وَلَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ، مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ، وَلاَ اخْضَرَّ لِلاِيمَانِ عُودٌ).

(مَا ضَرَّ إِخْوَانَنَا الَّذِينَ سُفِكَتْ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ بِصِفِّينَ أَلَّا يَكُونُوا الْيَوْمَ أَحْيَاءً يُسِيغُونَ الْغُصَصَ وَيَشْرَبُونَ الرَّنْقَ قَدْ وَاللَّهِ لَقُوا اللَّهَ فَوَفَّاهُمْ أُجُورَهُمْ وَأَحَلَّهُمْ دَارَ الْأَمْنِ بَعْدَ خَوْفِهِمْ أَيْنَ إِخْوَانِيَ الَّذِينَ رَكِبُوا الطَّرِيقَ وَمَضَوْا عَلَى الْحَقِّ أَيْنَ عَمَّارٌ وَأَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ وَأَيْنَ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ وَأَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ وَأُبْرِدَ بِرُءُوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ .

قَالَ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى لِحْيَتِهِ الشَّرِيفَةِ الْكَرِيمَةِ فَأَطَالَ الْبُكَاءَ. ثُمَّ قَالَ (عليه السلام):

أَوِّهِ عَلَى إِخْوَانِيَ الَّذِينَ تَلَوُا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ وَتَدَبَّرُوا الْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ أَحْيَوُا السُّنَّةَ وَأَمَاتُوا الْبِدْعَةَ دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا وَوَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوهُ)

وَقَالَ (عليه السلام) فِي مَدْحِ الْأَنْصَارِ: (هُمْ ـ وَاللَّهِ ـ رَبَّوُا الْإِسْلَامَ كَمَا يُرَبَّى الْفِلْوُ مَعَ غَنَائِهِمْ بِأَيْدِيهِمُ السِّبَاطِ وَأَلْسِنَتِهِمُ السِّلَاطِ).

وقال (عليه السلام في مدح الصحابي الجليل خباب بن الأرت: (رَحِمَ اللَّهُ خَبَّابًا ، لَقَدْ أَسْلَمَ رَاغِبًا، وَهَاجَرَ طَائِعًا، وَعَاشَ مُجَاهِدًا، وَابْتُلِيَ فِي جِسْمِهِ أَحْوَالا، وَلَنْ يُضَيِّعَ اللَّهُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا).

مكانة الصحابة عند أمير المؤمنين

فأي إنسان يسبُّ هؤلاء الرجال العظام وهو يدّعي الإسلام ؟ إنه الكفر بعينه أن يُسبَّ هؤلاء الذين قام الإسلام على سواعدهم وشُرِّعت الأحكام بجهادهم وتضحياتهم بالأموال والأرواح.

وهذه أقوال أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين فيهم ومكانتهم العظيمة في نفسه حيث يستذكرهم ويبكي عليهم ويسمي ابنه عثماناً على أحد أفاضلهم وهو عثمان بن مظعون الصحابي الكبير، ويخرج لتوديع آخر من أجلائهم وهو أبي ذر الغفاري الذي نُفي إلى الربذة بهذه الكلمات التي تتقطر ألماً:

(يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ غَضِبْتَ لِلَّه فَارْجُ مَنْ غَضِبْتَ لَه ، إِنَّ الْقَوْمَ خَافُوكَ عَلَى دُنْيَاهُمْ وخِفْتَهُمْ عَلَى دِينِكَ ، فَاتْرُكْ فِي أَيْدِيهِمْ مَا خَافُوكَ عَلَيْه ، واهْرُبْ مِنْهُمْ بِمَا خِفْتَهُمْ عَلَيْه ، فَمَا أَحْوَجَهُمْ إِلَى مَا مَنَعْتَهُمْ ، ومَا أَغْنَاكَ عَمَّا مَنَعُوكَ ، وسَتَعْلَمُ مَنِ الرَّابِحُ غَداً والأَكْثَرُ حُسَّداً ، ولَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ والأَرَضِينَ كَانَتَا عَلَى عَبْدٍ رَتْقاً ، ثُمَّ اتَّقَى اللَّه لَجَعَلَ اللَّه لَه مِنْهُمَا مَخْرَجاً ، لَا يُؤْنِسَنَّكَ إِلَّا الْحَقُّ ، ولَا يُوحِشَنَّكَ إِلَّا الْبَاطِلُ ، فَلَوْ قَبِلْتَ دُنْيَاهُمْ لأَحَبُّوكَ ، ولَوْ قَرَضْتَ مِنْهَا لأَمَّنُوكَ)

وصف المنافقين في القرآن الكريم

أظننا قد وصلنا إلى المقصود من هذا الموضوع في هذه الكلمات التي ودّع بها أمير المؤمنين (عليه السلام) أبا ذر الغفاري، فإنها تحمل الكثير من المعاني والأحداث، فمن هم الذين خافوا من أبي ذر على دنياهم وخافهم هو على دينه ؟

إن هذه الكلمات من أمير المؤمنين وغيرها الكثير التي سوف نستعرض بعضها تدل بوضوح على أن الصحابة لم يكونوا كلهم بنفس المكانة، بل شتان ما بين من مدحهم القرآن الكريم وبين من ذمهم وهو ما نراه جلياً وواضحاً في نهج البلاغة.

إن القرآن الكريم قد صرح بأن من الصحابة كانوا يُظهرون الإسلام ويُخفون الكفر كما في قوله تعالى: (لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ).

ومنهم من ذمه الله لفراره من قتال المشركين: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ)

ومنهم من ينكث عهد الله وبيعة الرسول: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) وواضح في هاتين الآيتين ذم المنافقين في أولهما الذين نكثوا بيعة النبي، ومدح المؤمنين الذين أوفوا بما عاهدوا الله عليه في ثانيهما.

كما أن منهم من ارتابوا بما أنزل الله على نبيه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) وهذه الآية تستدعينا للرجوع إلى قول عمر بن الخطاب يوم الحديبية (فما شككت إلا يومئذ)!!

ونجد في سورة الأحزاب الصورة واضحة في تقسيم الصحابة وتمييز المؤمن من المنافق والذين حملوا الإيمان في قلوبهم ومن (في قلوبهم مرض):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً)

ومنهم من ينقلب على عقبيه بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) فوصفهم جل وعلا: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ).

إنه تصريح واضح بكفر بعض الصحابة ونفاقهم وجبنهم وارتدادهم عن الإسلام وانقلابهم على أعقابهم ومخالفة أوامر النبي (صلى الله عليه وآله) فمن هم هؤلاء الصحابة المنافقون الذين انقلبوا على أعقابهم ؟

حديث الحوض يكشف المنافقين

هذا الحديث ذكرته جميع كتب الحديث بشقيها السني والشيعي وبألفاظ مختلفة ومضمون واحد وهو يدل ويؤكد على أن بعض الصحابة كانوا منافقين وظهر نفاقهم وكفرهم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذا هو الحديث من كتب السنة وتحديداً من صحيح البخاري (ج7ص206) وهو موجود كذلك في جميع الصحاح وكتب الحديث:

قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: سحقاً سحقاً لمن غير بعدي).

وذكره البخاري أيضاً في (ص208) بهذا اللفظ: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، قلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على ادبارهم القهقري، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم).

فهل يبقى شك بعد ما ذكره الله في كتابه الكريم بشأن المنافقين وهذا الحديث بأن الصحابة ليسوا كلهم عدول، وإن فيهم الصالح والطالح والمؤمن والمنافق، وهذه الحجة على صحة ما يعتقده الشيعة في الصحابة هي من كتب أهل السنة.

صفة المنافق بغض علي

لقد ميّز الشيعة المؤمنين من الصحابة عن المنافقين بحبهم وولائهم وتمسّكهم بأمير المؤمنين (عليه السلام) استناداً إلى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يا علي لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق)، كما ورد عن بعض الصحابة كجابر بن عبد الله الأنصاري، وحذيفة بن اليمان، وأبي ذر الغفاري قولهم: (كنا نعرف المنافق ببغضه لعلي).

الإنقلاب

إن أولى خيوط الإنقلاب والمؤامرة على الإسلام بعد وفاة رسول الله تتضح في السقيفة بعد أن سبقها احساس المنافقين من الامتداد الطبيعي للإسلام ومواصلة مسيرة النبي في رسم مستقبل الدعوة بإعلانه مباشرة الوصي عليها مهامه كقائد خلفاً له في قيادة المسلمين، فما إن أراد صاحب الدعوة (صلى الله عليه وآله) أن يخط بيده العهد الذي يُحصِّن الأمة من الضلال، ويوصي إلى القيم عليها، ومن يحملها على المحجة البيضاء، حتى هبّت رواسب الجاهلية في نفوس المنافقين فتمخضت عن القول بـ (إن النبي ليهجر) !!!

إن أول انقلاب على الإسلام قام به المنافقون تحت مسمى (الصحابة) كان المؤامرة التي جرت في السقيفة حيث قرروا بمجلسهم المشؤوم هذا إبعاد أمير المؤمنين عن حقه في الخلافة فسُنّت تلك السُّنة المنحرفة التي لا تزال الأمة الإسلامية تعاني من ويلاتها وتبعاتها إلى الآن.

السقيفة في نهج البلاغة

نرى هذه الحادثة جلية في نهج البلاغة في الخطبة الشقشقية حيث يقول (عليه السلام): (أمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابن أبي قحافه وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى)

فهذا القطاع المستتر بالإسلام والذي سماه القرآن بـ (المنافقين) بدأ يلمّ أتباعه الذين اشرأبت أعناقهم للخلافة، وهم لم يؤمنوا بالنبي إلّا كرها، فكيف يرضون باجتماع النبوة والخلافة في بيت واحد، وهذا ما صرح به عمر بن الخطاب نصاً في قوله لابن عباس ونقله الطبري في تاريخه (ج2ص578): (إن قريشاً كرهت أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة فتجحفون على الناس جحفا) !!! أليس هذا القول قدحاً بالنبوة ؟

وكان لعمر نصيبه من شطر الحليب الذي احتلبه: (لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ يَغْلُظُ كَلْمُهَا وَيَخْشُنُ مَسُّهَا وَيَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا وَالِاعْتِذَارُ مِنْهَا).

حكم الطلقاء!!!

إن أعظم ما ابتلي به الإسلام والمسلمون هو حكم الطلقاء وعلى رأسهم معاوية رأس الكفر والنفاق فقد بدأ حزب المنافقين يجمع شتاته ويلمُّ أتباعه بعد السقيفة للكيد بالإسلام، وتوليتهم على رقاب المسلمين، وكانت الضربة القاضية التي قصمت ظهر الإسلام أن يولي عمر بن الخطاب معاوية بن أبي سفيان عدو الإسلام وابن عدوه وعدوّته على الشام، وقد قال رسول الله: (إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه).

وقال أمير المؤمنين (أَمَّا إِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي رَجُلٌ رَحْبُ الْبُلْعُومِ مُنْدَحِقُ الْبَطْنِ يَأْكُلُ مَا يَجِدُ ويَطْلُبُ مَا لا يَجِدُ فَاقْتُلُوهُ ولَنْ تَقْتُلُوهُ أَلا وإِنَّهُ سَيَأْمُرُكُمْ بِسَبِّي والْبَرَاءَةِ مِنِّي).

قرن الشيطان

ونجد التطابق الواضح أيضاً بين قولي رسول الله وأمير المؤمنين في عائشة حيث قال النبي (‏صلى الله عليه وسلم) وهو يشير نحو مسكن ‏عائشة: (‏هنا الفتنة ـ ثلاثاً ـ من حيث يطلع قرن الشيطان)، وبين قول أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يصف معسكر الجمل الذي تقوده عائشة: (أَلاَ وإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ذَمَّرَ حِزْبَهُ، وَاسْتَجْلَبَ جَلَبَهُ، لِيَعُودَ الجَوْرُ إِلَى أَوْطَانِهِ، وَيَرْجِعَ البِاطِلُ إِلَى نِصَابِهِ) فقول أمير المؤمنين هو عين قول رسول الله.

المضحي الأكبر

لقد بدأ أمير المؤمنين من حيث بدأ رسول الله، وكما عانى (صلى الله عليه وآله) من أذى المشركين فقد عانى أمير المؤمنين من نفس تلك الأنفس التي حاربت الإسلام، فكان المضحي الأكبر الذي آثر أن يُغتصب حقه على أن تدور على الإسلام دائرة السوء ويكون مطمعاً للكفار والمشركين، فدرء بتضحيته الكبيرة الخطر المحدق به: (فَصَبْرَتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذىً، وَ فِي الْحَلْقِ شَجًا) وهو يرى تراثه وحقه تنهبه (الصحابة) فجلس في بيته ولم يبايع حتى أخرجوه كرهاً احتفاظاً بحقه واحتجاجاً على مغتصبي الخلافة، ولو أسرع إلى البيعة لما تمت له حجة، ولكنه جمع فيما بين حفظ الدين والاحتفاظ بحقه في إمرة المؤمنين، وقد صرح بذلك في جوابه على كتاب معاوية حيث يقول (عليه السلام): (وَقُلْتَ: إِنِّي كُنْتُ أُقَادُ كَمَا يُقَادُ الْجَمَلُ الْمَخْشُوشُ حَتَّى أُبَايِعَ وَلَعَمْرُ اللَّهِ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَذُمَّ فَمَدَحْتَ وَأَنْ تَفْضَحَ فَافْتَضَحْتَ وَمَا عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَةٍ فِي أَنْ يَكُونَ مَظْلُوماً مَا لَمْ يَكُنْ شَاكّاً فِي دِينِهِ وَلَا مُرْتَاباً بِيَقِينِهِ) فأمير المؤمنين يصرح هنا بمظلوميته من قبل (الصحابة)!!

ثالث القوم

(فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ وَ شِدَّةِ الْمِحْنَة) هذا هو وصفه لخلافة الشيخين وصبره على الفظائع التي قاما بها: (إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَمُعْتَلَفِهِ وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ خِضْمَةَ الْإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ إِلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَكَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ) !!

أيمكنُ أن نضمَّ هذا (الصنف) الذي (اِسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ اَلْأَثَرَةَ) إلى الصحابة الأجلاء الأوفياء؟

أيمكن أن نضمَّه إلى الذين وصفهم تعالى بأنهم: رضي الله عنهم ورضوا عنه الذين: (يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) !!!

أم يمكن أن نَصِفَ من فرّ من قتال المشركين ويعترف بذلك: (فرأيتني أفرّ كأني أروى) وكان من أكثر (الرحماء) مع المنافقين فولّاهم على رقاب المسلمين، وعُرف بأنه من أكثر (الأشداء) على الصحابة الأجلاء الكبار، فنفى أبا ذر وضرب عمار وعبد الله بن مسعود والمقداد وسجن وعذّب عبد الرحمن بن حنبل، بأنه من المشمولين بهذه الآية من الصحابة: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) ؟

معاوية وعمرو بن العاص

إين هذا المجرم من الصحابة المجاهدين الكبار؟ معاوية الإسم الذي إن دلّ على شيء فإنه يدل على كل رذيلة وجريمة وبائقة، الفاجر والغادر والمنافق الذي لم يدخل الإسلام إلى قلبه، وقد ارتكب ما لا يحصى من الجرائم والبوائق وحارب الله ورسوله ووصيه وقتل كبار الصحابة الأجلاء.

إن من أعظم الإساءة إلى الصحابة الأجلّاء أن يُصنّف هذا الإسم بينهم وهو عدوهم وقاتِلهم، فمن أساء إلى الصحابة هل هم الشيعة أم من أضفوا على هذا الإسم القذر قول (رضي الله عنه) !!

وإليك وصف هذا المجرم ـ معاوية ـ وشريكه في بؤرة الغدر والجبن والخسة والنذالة وشبهة النسب عمرو بن العاص وذكر بعض بوائقهما ومخازيهما من نهج البلاغة:

وصف (عليه السلام) معاوية بقوله: (وَاللهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي، وَلكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ، وَلَوْلاَ كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ، وَلَكِنْ كُلُّ غَدْرَة فَجْرَةٌ، وَكُلُّ فَجْرَة كَفْرَةٌ، وَلِكُلِّ غَادِر لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَاللهِ مَا أَسْتَغْفَلُ بالْمَكِيدَةِ، وَلاَ أُسْتَغْمَزُ بالشَّدِيدَةِ) وهذا القول لا يحتاج إلى تفسير

وقال (عليه السلام) عن بيعة عمرو بن العاص لمعاوية واتفاقهما على قتاله: (وَلَمْ يُبَايعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهِ عَلَى الْبَيْعَةِ ثَمَناً، فَلاَ ظَفِرَتْ يَدُ الْبَائِعِ، وخَزِيَتْ أَمَانَةُ الْمُبْتَاعِ).

مخازي عمرو بن العاص

هذا (الصحابي) جمع هو انوذج لكل صفات الخزي والعار التي يندى لها جبين كل إنسان شريف، وهاك (إحدى إنجازاته العظيمة) في الحرب وهي كشف سوأته خوفاً من سيف أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفين حتى أصبحت (فعلته) وصمة وسُبّة يُوصم بها، قال الحارث بن النضر السهمي:

أفي كلِّ يومٍ فارسٌ ليسَ ينتهي *** وعورته وسطَ العجاجةِ باديهْ

يكفُّ بها عنه عليٌّ سنانَه *** ويضحكُ منه في الخلاءِ مُعاوية

بدتْ أمسُ من عمرو فقنَّع رأسَه *** وعورةُ بشرٍ مثلها حذو حاذيه

وقال أبو فراس الحمداني:

ولا خيرَ في دفعِ الردى بمذلةٍ *** كما ردها يوماً بسوءتهِ عمرو

هذا هو (الصحابي) (البطل) الذي يساويه الوهابيون مع الصحابة الأجلاء وهذه ذكر بعض مخازيه كما جاءت في نهج البلاغة قال (عليه السلام):

(عَجَباً لاِبْنِ النَّابِغَةِ! يَزْعُمُ لاِهْلِ الشَّامِ أَنَّ فِيَّ دُعَابَةً، وَأَنِّي امْرُؤٌ تِلْعَابَةٌ : أُعَافِسُ وَأُمَارِسُ! لَقَدْ قَالَ بَاطِلاً، وَنَطَقَ آثِماً.

أَمَا ـ وَشَرُّ الْقَوْلِ الْكَذِبُ ـ إِنَّهُ لَيَقُولُ فَيَكْذِبُ، وَيَعِدُ فَيُخْلِفُ، وَيُسْأَلُ فَيَبْخَلُ، وَيَسْأَلُ فَيُلْحِفُ، وَيَخُونُ الْعَهْدَ، وَيَقْطَعُ الاْلَّ; فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْحَرْبِ فَأَيُّ زَاجِر وَآمِر هُوَ! مَا لَمْ تَأْخُذِ السُّيُوفُ مَآخِذَهَا، فَإِذَا كَانَ ذلِكَ كَانَ أَكْبَرُ مَكيدَتِهِ أَنْ يَمْنَحَ الْقَوْمَ سُبَّتَهُ.

أَمَا واللهِ إِنِّي لَـيَمْنَعُنِي مِنَ اللَّعِبِ ذِكْرُ الْموْتِ، وَإِنَّهُ لَيمَنَعُهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ نِسْيَانُ الاْخِرَةِ، إِنَّهُ لَمْ يُبَايعْ مُعَاوِيَةَ حَتَّى شَرَطَ لَهُ أَنْ يُؤْتِيَهُ أَتِيَّةً، وَيَرْضَخَ لَهُ عَلَى تَرْكِ الدِّينِ رَضِيخَةً)

مروان بن الحكم

قال (عليه السلام) في وصف مروان بن الحكم الذي وصفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بـ (الوزغ ابن الوزغ): (أَوَلَمْ يُبَايِعْنِي بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ، لَا حَاجَةَ لِي فِي بَيْعَتِهِ إِنَّهَا كَفٌّ يَهُودِيَّةٌ، لَوْ بَايَعَنِي بِكَفِّهِ لَغَدَرَ بِسَبَّتِهِ، أَمَا إِنَّ لَهُ إِمْرَةً كَلَعْقَةِ الْكَلْبِ أَنْفَهُ، وَهُوَ أَبُو الْأَكْبُشِ الْأَرْبَعَةِ، وَسَتَلْقَى الْأُمَّةُ مِنْهُ وَمِنْ وَلَدِهِ يَوْماً أَحْمَرَ)

طلحة والزبير

وقال عن طلحة والزبير (اللَّهُمَّ إنَّهُمَا قَطَعَاني وَظَلَمَاني، وَنَكَثَا بَيْعَتِي، وَأَلَّبَا النَّاسَ عَلَيَّ; فَاحْلُلْ مَا عَقَدَا، وَلاَ تُحْكِمْ لَهُمَا مَا أَبْرَمَا، وَأَرِهِمَا الْمَسَاءَةَ فِيَما أَمَّلاَ وَعَمِلاَ، وَلَقَدِ اسْتَثَبْتُهُمَا قَبْلَ الْقِتَالِ، وَاسْتَأْنَيْتُ بِهمَا أَمَامَ الْوِقَاعِ، فَغَمَطَا النِّعْمَةَ، وَرَدَّا الْعَافِيَةَ.)

أعداء علي أعداء رسول الله

إن الحزب الذي اصطف لقتال رسول الله من قريش اصطف أيضاً لقتال وصيه أمير المؤمنين تحت مسمى (الصحابة) الذين كانوا أشد على الإسلام من الكفار، وأصبحت الأمة خاضعة لنزوات عثمان ومعاوية وولاتهما فجرّدوا الإسلام من جوهره وحولوه إلى حكم فردي يسوده الظلم والقتل والاستبداد والسلب والنهب، وقد ذاقت الأمة من هذه السياسات أبشع أنواع الاضطهاد، وسُفك ما لا يحصى من الدماء البريئة، كل ذلك بسبب حجب الخلافة عن الذي نص عليه النبي من بعده:

(اَللَّهُمَّ فَاجْزِ قُرَيْشَ عَنّىِ الْجَوازِىَ، فَقَدْ قَطَعَتْ رَحِمي، وَتَظاهَرَتْ عَلَىَّ، وَدَفَعَتْني عَنْ حَقّي، وَسَلَبَتْني سُلْطانَ ابْنِ اُمّي، وَسَلَّمَتْ ذلِكَ اِلى مَنْ لَيْسَ مِثْلي، في قَرابَتي مِنَ الرَّسُولِ وَسابِقَتي فِي الْاِسْلامِ، اِلاَّ اَنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ ما لا اَعْرِفُهُ وَلا اَظُنُّ اللَّهَ يَعْرِفُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى كُلِّ حالٍ).

(اللَّهُمَّ اِنّي اَسْتَعْديكَ عَلى قُرَيْشٍ وَمَنْ اَعانَهُمْ، قَدْ قَطَعُوا رَحِمي، وَ اَكْفَؤُوا اِنائي، وَاَجْمَعُوا عَلى مُنازَعَتي حَقّاً كُنْتُ اَوْلى بِهِ مِنْهُمْ، فَسَلَبُونيهِ وَ قالُوا: اَلا اِنّ فِي الْحَقِّ اَنْ تَأْخُذَهُ، وَفِي الْحَقِّ أنْ تُمْنَعَهُ، فَاصْبِرْ مَغْمُوماً اَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً).

(اَللَّهُمَّ اِنّي اَسْتَعْديكَ عَلى قُرَيْشٍ، فَاِنَّهُمْ اَضْمَرُوا لِرَسُولِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ ضُرُوباً مِنَ الشَّرِّ وَالْغَدْرِ، فَعَجَزُوا عَنْها، وَ حُلْتُ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَها، فَكانَتِ الْوَجْبَةُ لي وَالدَّائِرَةُ عَلىَّ).

الحكمان

وقال في الحكمين عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري : (فأَجْمَعَ رَأْيُ مَلَئِكمْ عَلَى أَنِ اخْتَارُوا رَجُلَيْنِ، فَأَخَذْنَا عَلَيْهِمَا أَنْ يُجَعْجِعَا عِنْدَ الْقُرْآنِ، ولاَ يُجَاوِزَاهُ، وَتَكُونَ أَلْسِنَتُهُما مَعَهُ وَقُلُوبُهُمَا تَبَعَهُ، فَتَاهَا عَنْهُ، وَتَرَكَا الْحَقَّ وَهُمَا يُبْصِرَانِهِ، وَكَانَ الْجَوْرُ هَوَاهُمَا، وَالاْعْوِجَاجُ دَأْبَهُمَا، وَقَدْ سَبَقَ اسْتِثْنَاؤُنَا عَلَيْهِمَا فِي الْحُكْمِ بِالْعَدْلِ وَالْعَمَلِ بِالْحَقِّ سُوءَ رَأْيِهِمَا وَجَوْرَ حُكْمِهِمَا، وَالثِّقَةُ فِي أَيْدِينَا لاِنْفُسِنَا، حِينَ خَالفَا سَبِيلَ الْحَقِّ، وَأَتَيَا بِمَا لاَ يُعْرَفُ مِنْ مَعْكُوسِ الْحُكْمِ.)

المتخاذلون عن الحق

وقال عن موقف المتخاذلين عنه وهما سعيد بن مالك وعبد الله بن عمر الذين اعتزلا القتال بينه وبين معاوية: (إِنَّ سَعْداً سَعِيداً وَعَبْدَ اَللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَنْصُرَا اَلْحَقَّ وَ لَمْ يَخْذُلاَ اَلْبَاطِلَ) وهذا القول ينطبق على كل من تخلف عن علي في قتاله الناكثين والقاسطين والمارقين

القتال على التأويل

وهذا وصف من حاربوه وقاتلوه على لسانه (عليه السلام): (وَقَدْ أَمَرَنِيَ اللهُ بِقِتَالِ أَهْلِ الْبَغْي وَالْنَّكْثِ وَالْفَسَادِ فِي الاْرْضِ، فَأَمَّا النَّاكِثُونَ فَقَدْ قَاتَلْتُ، وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَقَدْ جَاهَدْتُ، وَأَمَّا الْمَارِقَةُ فَقَدْ دَوَّخْتُ) ودوخت أي أضعفت وأذللت

هذا قول أمير المؤمنين وسيد المسلمين وأحرص الناس على الإسلام: (وَلَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفَظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى اللَّهِ وَلَا عَلَى رَسُولِهِ سَاعَةً قَطُّ وَلَقَدْ وَاسَيْتُهُ بِنَفْسِي فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَنْكُصُ فِيهَا الْأَبْطَالُ وَتَتَأَخَّرُ فِيهَا الْأَقْدَامُ نَجْدَةً أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِهَا ...)

علي سيد الصحابة

ورغم غصب حقه في الخلافة فقد قام (عليه السلام) مقام رسول الله في الإسلام وقد وجد فيه الصحابة الأوفياء الموئل والملاذ والموجه والقائد والأب الروحي الذي يفيض عليهم بعلمه ورأفته ورحمته وخلقه: (وَ لَيْسَ رَجُلٌ ـ فَاعْلَمْ ـ أَحْرَصَ اَلنَّاسِ عَلَى جَمَاعَةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وأُلْفَتِهَا مِنِّي أَبْتَغِي بِذَلِكَ حُسْنَ اَلثَّوَابِ وَكَرَمَ اَلْمَآبِ وَسَأَفِي بِالَّذِي وَأَيْتُ عَلَى نَفْسِي)

هذا موقف أمير المؤمنين من الصحابة وتمييزهم الذي وافق القرآن الكريم وأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) وهو رأي الشيعة فبالصالحين منهم الذين والوا أمير المؤمنين وتبعوه (ولم ينقلبوا على أعقابهم) نقتدي وبهداهم نهتدي وبالمنافقين منهم الذين خالفوا وصية الرسول في علي وحاربوه وقاتلوه نتبرأ وهو ما أمرنا الله به.

والآن أما آن لهؤلاء الوهابيين النواصب أن يكفوا حقدهم الأعمى على الشيعة ويستخدموا عقولهم التي لم يستخدموها في حياتهم وجحدوا نعمتها ويطلعوا على عقيدة الشيعة في الصحابة التي لم تحد عن نظرة القرآن الكريم والأحاديث الشريفة إليهم قيد أنملة.

كبار الصحابة مع أمير المؤمنين

هلا احتكموا إلى التاريخ ليجدوا أن كبار الصحابة انضموا إلى أمير المؤمنين وعارضوا مؤتمر السقيفة ووقفوا معه في حروبه الثلاث، قال المسعودي في (مروج الذهب) (ج2ص374): (شهد صفين مع علي من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجلا منهم سبعة عشر من المهاجرين وسبعون من الأنصار وشهد معه من الأنصار ممن بايع تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله تسعمائة وكان جميع من شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة)

وقال الذهبي في (تاريخ الإسلام) (ج3ص484): (كان مع علي أربعة آلاف من أهل المدينة ممن شهد بيعة الرضوان وقد قتل مع علي بصفين خمسة وعشرون بدريا منهم عمار)

وقال ابن حجر في (الإصابة) (ج2ص388): (قتل من أصحاب بيعة الرضوان مع علي ثلاثة وستون رجلا منهم عمار)

الصحابة الشيعة

وقد وثقت المصادر التاريخية وكتب السير أسماء الصحابة الشيعة الأجلاء الذين لم ينقلبوا على أعقابهم وقد أحصى السيد عبد الحسين شرف الدين (قدس سره الشريف) من الصحابة الشيعة (223) صحابياً في كتابه (الفصول المهمة في تأليف الأمة) (ص179ــ190)، كما نوّهت كتب السير السنية إلى تشيّعهم كالإصابة والإستيعاب وغيرها، ونذكر بعضاً منهم رداً على كل من يتّهم الشيعة بسبِّ الصحابة ومن هؤلاء الصحابة الشيعة: عمار بن ياسر، المقداد بن الأسود الكندي، سلمان الفارسي، أبو ذر الغفاري، خالد بن سعيد بن العاص، بريدة الأسلمي، أبو الهيثم بن التيهان، سهل بن حنيف، عثمان بن حنيف، أبيُّ بن كعب، خزيمة بن ثابت (ذو الشهادتين)، أبو أيوب الأنصاري، جابر بن عبد الله الأنصاري، حجر بن عدي الكندي، عمرو بن الحمق الخزاعي، حذيفة بن اليمان العبسي، حكيم بن جبلة العبدي، زيد بن صوحان، قيس بن سعد بن عبادة، سعد بن مسعود الثقفي، صعصعة بن صوحان، عدي بن حاتم الطائي، هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عبيد بن التيهان، أبو فضالة الأنصاري، سهيل بن عمرو الأنصاري، ثابت بن عبيد الأنصاري، بشير بن عمرو سعد بن الحارث الأنصاري، عبد الرحمن بن حنبل الجمحي، عبد الله بن كعب، المهاجر بن خالد بن الوليد، محمد بن أبي بكر، جندب بن زهير الغامدي، أبو قدامة العدوي، جارية بن زيد، الفاكه بن سعيد الأنصاري، و...... رضي الله عنهم ورضوا عنه هؤلاء هم قدوتنا في اتباع الحق ومحاربة الباطل وحشرنا الله معهم على حب أمير المؤمنين (عليه السلام).

اضف تعليق