كم من المشكلات واجهنا في حياتنا؟ وكم عقبة وجدت في طريقنا؟ يُقال أن جميع هذه المشكلات والعقبات مصدرها الوضع النفسي للإنسان!.

إن الإنسان الذي يواجه خللاً نفسيا لا ريب أنه ينزف من الداخل، ولا يمكن أن يشفى إلا إذا عالج هذا الجرح وقام بمداواة نفسه .

عندما يعاني شخص ما من المشاكل النفسية، لا يرى حوله سوى الظلام، لذلك يصبح كانتحاري يفجر جميع من لديه صلة به !فلا يُقدم شخص على قتل أحدهم أو تدميره إلا إذا كان الدمار قد ملأ نفسه وكيانه، ولا يكره أحد أحداً إلا إذا كانت الكراهية تعتصر نفسه من الداخل.

هكذا إذاً فالمشكلة النفسية تكمن وراء معظم عمليات التخريب والتدمير والفساد الموجود الذي نجده منذ القدم في الحياة، ولو عدنا الى أول مشكلة حدثت منذ أن خُلق نبينا ادم عليه السلام، نجد أن مصدرها المرض النفسي، حيث تآمر الشيطان ضد نبينا ادم وضد جميع البشرية: (لأغوينهم أجمعين) *1

لأن الشيطان كان يعاني من مشكلة نفسية وهي (التكبر)، إذ قال: خلقتني من نار وخلقته من طين!*2

وبعد ذلك لو ندقق في قصة قابيل وهابيل نجد أن وراء أول جريمة قتل في التاريخ، وهي الجريمة التي ارتكبها قابيل في حق أخيه تقف وراءها مشكلة نفسية ألا وهي (الحسد): إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ*3.

أما نمرود وهو أول جبار في الأرض من الملوك الكافرين.. فهو أول من وضع التاج على رأسه وتجبر في الأرض وادّعى الربوبية واستمر في ملكه أربعمائة سنة، وكان قد طغى وتجبر وعتا وآثر الحياة الدنيا، وادعى الإلوهية لأنه كان يعاني من مشكلة نفسية وهي (عقدة الحقارة ) حيث جاء في القرآن الكريم: (إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ)*4.

وهكذا يبدو أن جميع مشاكلنا في الحياة منشأها المشاكل النفسية، لماذا صدام قتل الملايين ودمر النسيج الديني والثقافي والاجتماعي في العراق؟.. لا زلنا حتى هذه اللحظة نتحمّل عقوبات جرائمه مع إن البعض ليس مستعدا أن يشهد على ذلك، وربما يقول لو أن الزمان عاد بِنَا لعشنا بسلام تحت راية صدام، ولكن نسي هؤلاء أن ما يحدث اليوم في العراق من انتهاك وفقر وتدمير يرجع الى صدام، لأنه هو الذي مهد هذه الأرضية، وهو الذي كان الأساس في نشر الظلم والفساد وساعد على نشأة اللصوص المنافقين، ولعل وراء كل ذلك مجموعة من العقد النفسية!.

لذلك يجب أن لا نستهين بالمشاكل النفسية، لأنها تدمرنا وتدمر الآخرين أيضا، وتعمل كداء السرطان تنتشر في الجسم بالكامل عاجلا أم آجلا.

ليست كل الأمراض جسدية وصحية، بل بعضها وربما الكثير منها يكون نفسياً وينتج عن خبرات مؤذية عاشها الإنسان في طفولته، أو في إحدى مراحل حياته، حيث تظهر بعد حين، في أشكال فكرية وسلوكية مختلفة لتدمر الإنسان ومن معه .!

ما هي النفس؟

لغويا للنفس أكثر من تعريف، فهي تعني الروح أو الدم أو الجسد، أو نفس الشيء بمعنى عينه. وثمة اختلاف في الثقافات حتى في مجال علم النفس، وقد قال بعض العلماء بأن النفس هي ذلك النشاط الذي يميز الكائن الحي ويسيطر على حركاته. وفسرها البعض بأنها القوة الخفية التي يحيا بها الإنسان.

فيما عرَّفها فريق آخر بأنها وظيفة العقل والجهاز العصبي أو محرك أوجه نشاط الإنسان المعرفية والانفعالية والسلوكية والعقلية، وهناك رأي لغوي في محيط المحيط أن كلمة نفس مذكر ومؤنث في نفس الوقت، فكلمة نفس المذكرة تعني الإنسان كاملا جسدا وروحا، أما نفس المؤنثة فهي الروح، والنفس ميالة دائماً لإشباع غرائزها، ولكن الإنسان السوي هو الذي يتحكم بها ويسيطر عليها، ويسعى لتزكيتها (قد أفلح من زَكَّاهَا )*5.

فتسمو هذه النفس وتتهذب ويصبح الإنسان قادراً على أداء وظائفه في الحياة التي خلق لأجلها، ولو أنّ الإنسان يهتم بتزكية نفسه سوف تقوى علاقته مع باقي المخلوقات، وتنمو بصورة أفضل، وبعد ذلك يعمّ الحب وفعل الخير وينتشر بين الناس، حيث ينعم الناس بحياة لا مثيل لها، وتتحقق غاية الله في خلقه ويصبح صاحبها أفضل من الملائكة.

أما إذا كانت هذه النفس تعاني من الأمراض، فإنها سوف تدمر البشرية، وتنشر الخراب في الأرض، كما فعل الجبابرة والمتكبرون والحاقدون في الأرض، أولئك الذين أنزلوا أشد أنواع العذاب والنكبات في الأمم، إذ لم تكن هذه النفوس نفوساً سوية، على اختلاف حقب التاريخ البشري، بل على العكس تماماً كانت نفوساً مريضة أحاقت الويلات في جميع مخلوقات الله ولَم يستثنَ من عذابهم حتى الحيوانات!.

الإنسان قد يدمر نفسه بنفسه!

إن أخطر عامل يقف وراء كل نوع من أنواع التدمير، هو العامل النفسي، لذلك من الجدير بالإنسان أن يتنبّه لهذه القضية، ويفهم بأن الإنسان قد يدمر نفسه بنفسه!.. علما أن للإنسان أعداء كثيرون، منهم زوجته وأولاده فمن الممكن أن يكونوا أعداء له: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ )*6.. كما أن الشيطان عدو للإنسان وقد نبّهنا الله تعالى على ذلك في أكثر من آية، حيث أن الشيطان عدونا وانه من نصب العداوة لنا، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) *7.. وأمرنا سبحانه بمعاداة الشيطان فقال: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) *8.

والكفار أيضا من أعداء الإنسان كما ورد في النص القرآني: (إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا) *9.

ولكن جميع هؤلاء الأعداء لا يستطيعون أن يدمروا الإنسان إلا بمعونة العدو الأخطر، ألا إنه (نفس الإنسان) لأن العدو الخارجي لا يستطيع أن يؤثر فينا إلا بمساعدة العدو الداخلي، ولأن القلب منطقة مقفلة لا يستطيع أحد أن يدخلها إلا إذا أذنتَ أنت بذلك!.

يشبه هذا الأمر كأن شخصا ما يحتمي في حصن ولا يستطيع أحد من الدخول الى ذلك الحصن إلا إذا وجد أحدا يساعده على الدخول، كأن يفتح له الباب ويأذن له ويساعده على الدخول، إذاً فإن كنّا نعاني في الحياة، إنما نحن نعاني من أنفسنا: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي )*10.

لذلك يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك )*11.

هامش:
1- سورة الحجر آية39.
2- سورة ص الآية 76.
3- سورة المائدة الآية 27.
4- سورة البقرة الآية 258.
5- سورة الشمس الآية 9.
6- سورة التغابن الآية 14.
7- النور الآية 21 .
8- فاطر الآية6 .
9- النساء الآية101.
10- سورة يوسف الآية 53.
11- بحار الأنوار جزء67 ص 64.

اضف تعليق