في حرب غير متكافئة، يكون الاغتيال سلاح الطرف الذي لا يتحلى بشجاعة المواجهة المباشرة. فالحرب بين المقاومة اللبنانية والكيان الصهيوني غير متكافئة، لكن الجانبين يتبادلان الكفة الراجحة، فالكيان الغاصب لا يقوى على المواجهة المباشرة في الميدان مع حزب الله، بعد أن جربها سابقاً وخسر فيها كثيراً، وهو لا يتحمل الخسائر البشرية...
في حرب غير متكافئة، يكون الاغتيال سلاح الطرف الذي لا يتحلى بشجاعة المواجهة المباشرة. فالحرب بين المقاومة اللبنانية والكيان الصهيوني غير متكافئة، لكن الجانبين يتبادلان الكفة الراجحة.
فالكيان الغاصب لا يقوى على المواجهة المباشرة في الميدان مع حزب الله، بعد أن جربها سابقاً وخسر فيها كثيراً، وهو لا يتحمل الخسائر البشرية، وعدم التكافؤ هنا كون هذه الحرب تجري بين جيش نظامي وقوات تستخدم حرب العصابات، مسلحة بعقيدة تعدُّ الموت استشهاداً وأمنية، مقابل جيش قوامه جنود يخافون الموت ولا تؤهلهم عقيدتهم- إن وجدت ـ إلى الترحيب به والسعي اليه. في المقابل فإن كفّة عدم التكافؤ تميل إلى الكيان الغاصب، كونه يحصل على أكثر الأسلحة تطوراً من داعمه الرئيس، أي الولايات المتحدة الأميركية. يقول المفكر المصري الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري إن مقومات حياة الكيان الصهيوني لا تأتي من داخله، إنما من الخارج، من خلال عنصرين أساسيين هما الدعم الأميركي اللامحدود، والغياب العربي اللامحدود.
من هنا كانت اعتماد الكيان على التكنولوجيا والعمل الاستخباري، متحاشيًّا الدخول المباشر بوجود حزب الله القوي. استخدم العنصرين سالفي الذكر من أجل سلب إضعاف الحزب وشله عن مواجهة الاجتياح المباشر. العمل الاستخباري بدأه بعيد هزيمة قواته في جنوب لبنان عام ٢٠٠٦، مركزاً جهده على اختراق الضاحية والجنوب بعملاء على الأرض وتفخيخ أجهزة اتصالات بمتفجرات وأجهزة تنصت وبيعها إلى حزب الله عبر وسطاء، حتى حان وقت التثمير بتنفيذ تفجيرات البيجر وأجهزة اللاسلكي، التي أصابت عددا غير قليل من قيادات الحزب الميدانية، ثم جاء دور التكنولوجيا والصواريخ الأميركية المتطورة، لتهاجم قياديين جاء في مقدمتهم الأمين العام للحزب وعدد من كبار القياديين.
لكن كل ما جمعوه من معلومات على مدى خمسة عشر عاماً لم يوصلهم إلى عناصر مهمة في طبيعة هذا الحزب، الذي يشكل جزءًا من تيار بدأ منذ نجاح الثورة الايرانية العام ١٩٧٩ وانطلاق ما عرف بالصحوة الإسلامية، التي عمت المنطقة لتتحول فيما بعد إلى ما يعرف بتيار المقاومة التي يتمحور حول القضية الفلسطينية ومواجهة إسرائيل. هو تيار يقوم على عقيدة تعتبر الموت في سبيلها نيلاً لإحدى الحُسنييَن، وهما النصر أو الشهادة، ومن يعتبر الموت في سبيل عقيدته شرفاً وكرامة إلهية، لا يمكن تخويفه أو إرعابه بسلاح أو قتل. وبفعل هذه العقيدة فإن كل المتصدين للقيادة في هذا المحور يعتبرون انفسهم شهداء مؤجلين إلى حين يأتي الأمر الإلهي، لذا فهم يعدّون خلفاء ( وليس خليفة واحداً) لهم يواصلون المهمة بمجرد سقوط أحد. هذا التيار يؤمن أن دم الشهيد ينبت العشرات ممن يسلكون نهجه. ولهذا تجد أن الأمين العام السابق للحزب اغتيل على يد إسرائيل في ١٩٩٢ ولم يضعف الحزب، وسقط العديد من قياداته الميدانيين دون أن يتأثر عمله، وباستشهاد السيد حسن نصر الله لن يؤدي إلى نهاية الحزب. هي أحزاب لا تقوم على فرد – رغم أهمية مواصفات الافراد- لكن أساسها العقيدة التي تعبّئ الجميع للعب دورهم.
ما يميز حزب المقاومة هو بيئته الاجتماعية، التي كلما راهن الجانب الإسرائيلي على تفتيتها ازدادت صلابة. لا يعرف الكيان الصهيوني إن هذه البيئة الحاضنة لا تدفعها مصالح أو امتيازات، بل هي ذائبة في هذا المنهج وأبناؤها جزء من هذا الجسد المتماسك المتسلح بهذه العقيدة.
أما التخلي العربي الذي تحدث عنه المسيري كأحد عناصر قوة إسرائيل، فقد تطور إلى مساندة لإسرائيل من قبل أغلب الدول العربية، فيما المتبقي منها يلتزم الصمت، وهذا ما تجلّى واضحا منذ بدء البطش الوحشي بغزّة قبل ما يقرب من العام. وحدها الحركات والفصائل التي تعمل خارج سطوة الحكومات العربية وقفت مع الغزّاويين، في مقدمتهم حزب الله اللبناني الذي أسهم في تخفيف الضغط وعرقلة إكمال مشروع إفراغ غزّة حاليا، والضفة الغربية لاحقاً، لهذا كان التوجه الإسرائيلي إلى الاغتيال ظنّاً منه أنه يتخلص من عنصر الضغط والمشاغلة على حدود الكيان الشمالية.
اضف تعليق