تعد فريضة الحج من أهم الشعائر الدينية في الإسلام، والركن أساسي من أركان الدين فرضه الله على كل مسلم عاقل بالغ قادر وهو كما نقلت بعض المصادر، من الفرائض الضرورية في الإسلام و التي بُنى عليها. قال تعالي: «وللّه على الناس حِجُّ البيت من استطاع اليه سبيلا و من كفر فإنَّ اللّه غنيٌّ عن العالمين» وفى الحديث الصحيح: «بُنى الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية». و في صحيحة ذريح المحاربى عن أبى عبداللّه عليهالسلام : «من مات و لم يحج حجة الاسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لايطيق فيه الحج، أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً». ويجتمع في هذه المناسبة المباركة، ملايين المسلمين من مختلف أنحاء العالم كل عام في مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج في شهر ذي الحجة في التقويم الهجري.
وموسم الحج هذا العام بحسب مصادر إعلامية مختلف عن باقي المواسم، حيث تمر المملكة بظروف حرجة وازمات ومشكلات مختلفة(سياسية واقتصادية)، تفاقمت بشكل كبير بعد الأزمة الخليجية التي عصفت بالمنطقة بين الرياض والدوحة وما تبعها من تطورات يضاف والخلافات المستمر مع ايران والحرب في اليمن التي تحاول الرياض إنهاءها بشتى الطرق بعد سلسلة من التقارير الدولية التي تتهم المملكة بانتهاك حقوق الإنسان وتمويل القاعدة، إضافة إلى القرارات الاقتصادية الحازمة والتي فرضت صعوبات كثيرة على الاقتصاد السعودي.
وزداد عدد الحجاج القادمين لأداء مناسك الحج من الخارج عبر الموانئ الجوية والبرية والبحرية هذا العام، بنسبة قدرها 24%، وذلك وفق الإحصائية التي أصدرتها المديرية العامة للجوازات. ويتوقع أن يصل عدد الحجاج هذا العام أكثر من مليوني شخص، حسب السلطات، علمًا أنه بلغ العام الماضي نحو 1.8 مليون حاج. ومن المقرر أن تستعين مكة بحوالي 128 ألف موظف وموظفة لخدمة حجاج بيت الله الحرام.
إلى جانب الأزمة الخليجية، يمر موسم الحج هذا العام على السعودية مع استمرار تأزم الحرب في اليمن، وتواجه السعودية تقارير دولية عدة بانتهاك حقوق الإنسان بسبب عاصفة الحزم التي أطلقتها المملكة ضمن مساعيها لوقف سيطرة الحوثي على السلطة في البلاد ومحاربة القاعدة هناك. إضافة إلى تقارير بتمويل السعودية والإمارات لمجموعات مسلحة خارجة عن سيطرة الحكومة الشرعية، حيث أدى ذلك الدعم إلى تفكك كيان الدولة وقامت مقامها تنظيمات إرهابية تحمل السلاح وتؤمن بالعنف ولا تعترف بشرعية الدولة، بحسب مراقبون. كما سببت الحرب هناك أوضاعًا معيشية صعبة، إذ أدت الحرب بمعاناة ثلثي الشعب اليمني تقريبًا، يجدون قوت يومهم بصعوبة، منهم حوالي 7 ملايين في انتظار الموت البطيئ بسبب المجاعة إن لم يتم تدارك الأمر في أسرع وقت، ما يضع اليمن على قائمة الدول الأكثر تعرضًا لأزمة أمن غذائي في العالم
2 مليون حاج
وفي هذا الشأن بدأ صعود نحو مليوني مسلم إلى جبل عرفات استعدادا لرمي الجمرات في أبرز مناسك الحج كل عام. وقضى الحجاج ليلتهم في خيام بمحيط الجبل حيث جاء في القرآن أن الله امتحن النبي إبراهيم بأن أمره بذبح ابنه إسماعيل وحيث ألقى النبي محمد خطبة الوداع. وتقول السلطات السعودية إن أكثر من مليوني حاج يؤدون الفريضة هذا العام معظمهم من خارج السعودية. ويقضي الحجاج يومهم على جبل عرفة ومع حلول الغروب ينتقلون إلى مزدلفة حيث يجمعون الجمرات لرميها الذي يوافق أول أيام عيد الأضحى. وقتل مئات الحجاج في حادث تدافع عام 2015 عندما تدفقت أعداد كبيرة في ذات الوقت من مشعر منى على بعد كيلومترات قليلة شرقي مكة وهم في طريقهم إلى الجمرات. وكانت هذه أسوأ كارثة يشهدها موسم الحج خلال ربع قرن على الأقل.
وقال مسؤولون إن السعودية اتخذت كل الإجراءات الاحترازية الضرورية ونشرت ما يربو على مئة ألف من أفراد قوات الأمن و30 ألف عامل في مجال الصحة للحفاظ على سلامة الحجاج وتقديم الإسعافات الأولية. وعرض التلفزيون السعودي لقطات لتغيير كسوة الكعبة المشرفة وهو تقليد سنوي يحدث في يوم عرفات كل عام. بحسب رويترز.
وفيما يلي أهم الأرقام المرتبطة بالحج هذا العام: يشارك أكثر من مليوني حاج في مناسك هذا العام، بحسب الإحصائيات الرسمية، مقارنة بمليون و86 ألفاً العام الماضي، و24 ألفاً فقط في العام 1941. هناك ما يقرب من 221 ألف إندونيسي في مكة حالياً، وهو العدد الأكبر على الإطلاق من الحجاج القادمين من دولة أجنبية واحدة. تأمل السعودية استقبال 30 مليون حاج ومعتمر كل عام بحلول العام 2030. وتتضمن خطة "رؤية 2030" الاقتصادية والهادفة إلى التقليل من الاعتماد على النفط، إجراءات لدعم السياحة الدينية في السعودية. العام الماضي، تم ذبح 712 ألف رأس غنم كأضاحٍ خلال موسم الحج، وفقاً لما أفادت صحيفة الشرق الأوسط.
وفور وصولهم المطار، فاجأت بعثة الحجاج الإندونيسيين الجميع بتنظيم صفوفهم وإنشاد مقطع ديني في صوت متناغم، يعكس مدى شوقهم لزيارة الأماكن المقدسة. كما ضمَّ الوفد الإندونيسي أكبر الحجيج سناً لهذا العام، وهي مارية مارغاني محمد، التي تبلغ من العمر 104 أعوام، ووصلت إلى جدة مساء السبت الماضي، لأداء خامس أركان الإسلام، بعد أن قطعت رحلة جوية استغرقت 9 ساعات.
من جانبه كشف رئيس المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج جنوب شرق آسيا، المطوف محمد أمين بن حسن أندرقيري، أن حجاج دول جنوب شرق آسيا القادمين من 17 دولة، هم العدد الأكبر بين دول العالم الإسلامي، حيث يصل عددهم إلى نحو 303 آلاف حاج، ويشكل حجاج إندونيسيا 70% من هذا العدد بواقع 221 حاجاً. ولفت أندرقيري في تصريحات صحفية إلى أن مؤسسته قد جهَّزت نحو ثلاثة ملايين وجبة متنوعة لحجاجها هذا الموسم، مبيناً أن من طبيعة الحجاج الإندونيسيين البقاء في أراضي المملكة لمدة 30 يوماً، مقسمة ما بين 20 يوماً بمكة المكرمة، و10 في المدينة المنورة.
يعود هذا العام إلى مكة الحجاج الإيرانيون، الذين غابوا عن شعائر السنة الماضية، بعدما أدى حادث التدافع في 2015 إلى وفاة 464 إيرانياً من بين إجمالي 2300 قتيل، تلاه قطع العلاقات بين المملكة السعودية وإيران، إثر مهاجمة السفارة السعودية في طهران، بعد إعدام الرياض رجل الدين الشيعي نمر النمر. ويؤكد اللواء منصور التركي المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية، أن أكثر من 100 ألف رجل أمن يعملون على تأمين الشعائر في مختلف مراحلها ومواقعها.
كما تجري مناسك الحج هذا العام في خضم أزمة دبلوماسية كبرى في الخليج، إثر قطع المملكة السعودية ودول أخرى علاقاتها مع قطر، على خلفية اتهامها بالتقرب من إيران، الخصم الأكبر للرياض في منطقة الشرق الأوسط، بدعم الإرهاب، وهو ما تؤكد الدوحة نفيه. وتسبب قطع العلاقات مع قطر والإجراءات العقابية التي اتخذتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر بحقها، ومنها إغلاق الحدود البرية مع السعودية والمجالات الجوية أمام طائراتها، بتقليص أعداد الحجاج القطريين. وقبيل بدء موسم الحج، أعلنت السعودية فتح حدودها البرية مؤقتاً أمام الحجاج القطريين، إلا أن أعداداً قليلة فقط من هؤلاء عبروا نحو مكة المكرمة والمدينة المنورة، بحسب عضو في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في إمارة مكة.
وقال المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن هويته "تقديراتنا تفيد بأن 60 إلى 70 شخصاً عبروا الحدود الأسبوع الماضي"، مشدداً على أن هذا العدد "ليس رسمياً بعد، فنحن ننتظر التقديرات الرسمية". في مقابل ذلك، أفادت وسائل إعلام سعودية، أن أعداد الحجاج القطريين وصلت إلى أكثر من 1200 شخص. والعام الماضي أدى نحو 12 ألف قطري مناسك الحج، بحسب ما تفيد وكالة الأنباء الرسمية القطرية.
السعودية وقطر
من جانب اخر وفيما يخص الخلافات الخليجية وتأثيرها على الحجاج هذا العام، فقد أعلنت السعودية أنها لم تتمكن حتى الآن من تسيير طائرات لنقل الحجاج القطريين من الدوحة إلى مكة المكرمة. وأفادت وكالة الأنباء السعودية الرسمية نقلا عن مدير عام الخطوط الجوية العربية السعودية صالح الجاسر أنه "تعذر على الخطوط السعودية حتى الآن جدولة رحلاتها لنقل الحجاج القطريين من مطار حمد الدولي في الدوحة، وذلك لعدم منح السلطات القطرية التصريح للطائرات بالهبوط" لافتا إلى أن طلبا بذلك قدم قبل أيام عدة.
هذا وقد كثفت السعودية ضغوطها على الدوحة عبر بحث قضية الحج مع أحد أفراد العائلة المالكة القطرية، الذي اعتبره البعض خصما محتملا للأمير الحالي، حسب محللين، وأعلنت السعودية في وقت سابق تخفيف القيود التي فرضتها لمناسبة مناسك الحج بحيث تسمح للقطريين بأداء هذه المناسك التي تبدأ في مكة المكرمة نهاية آب/أغسطس من دون عوائق. ومع إعلانها هذه الخطوة، ركزت السلطات السعودية على "وساطة" للشيخ القطري عبد الله بن علي آل ثاني الذي التقى على التوالي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في جدة ثم الملك سلمان الذي يمضي إجازة في طنجة المغربية.
وسارعت قطر للتوضيح بأنها لم تكلف الشيخ عبد الله القيام بأي وساطة وأنها "مبادرة شخصية". ولم توجه الدوحة شكرا للرياض لكنها لم تجد بدا من "الترحيب بالقرار" السعودي. وينتمي الشيخ عبد الله الذي برز اسمه فجأة إلى فرع من الأسرة الملكية القطرية استبعد من السلطة من جانب جد الأمير الحالي الشيخ تميم (37 عاما). وأوضح أندرياس كريغ المحلل في معهد كينغز كولدج في لندن والعارف بمكونات السلطة القطرية أنه "لا ينتمي إلى الصف الأول" الحاكم لكنه ليس أيضا "معارضا". وأضاف أن "علاقته مع الصف الأول جيدة وليس لديه أي مصلحة في اعتباره بديلا من الشيخ تميم". واعتبر أنه عبر لقاءي جدة وطنجة "عمد السعوديون إلى استكشاف الوضع" و"حصل ذلك بالتأكيد للضغط" على الدوحة. وتساءل عبر موقع "يوتيوب" الصحافي عبد الباري عطوان بأن "القرار السعودي ليس بريئا ويخفي غاية (...) ولكن ما هي؟".
في رأي المحلل ماتيو غيدير أستاذ الجغرافيا السياسية العربية في باريس، إن الدور الذي أسند للشيخ عبد الله "هو مناورة من جانب السعودية للضغط على أمير قطر وتذكيره بأن لدى المملكة أوراقا لتلعبها". لكن غيدير استبعد سعي السعوديين إلى الإطاحة بالأمير تميم وقال "لو كانوا يعملون فعلا لتغيير النظام لما أعلن السعوديون هذه الوساطة".
بدوره، رأى غريغ أنه "سيكون من الجنون الاعتقاد أن تغيير النظام ممكن (في قطر) والسعودية تعلم ذلك"، مؤكدا أن "ولاء القطريين لتميم غير مشروط". ثمة أمر واحد مؤكد: بات الشيخ عبد الله "نجما" خلال بضعة أيام بعدما كان غير معروف للرأي العام. فحسابه على موقع تويتر الذي فتح الجمعة بات يضم اليوم نحو 250 ألف متابع. بحسب فرانس برس.
وكتب في تغريدة "ما قمت به هو فقط لصالح قطر"، مشيدا أيضا بسخاء الملك سلمان وموجها الشكر إلى ولي العهد السعودي لقبوله بوساطته التي أدت إلى تخفيف القيود في موضوع الحج. من جهته، أبدى وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أسفه لكيفية "تسييس" هذا الموضوع. ورغم الجهود الكثيفة التي بذلتها خصوصا الكويت والولايات المتحدة، لا يوجد مؤشرات لإمكانية حل قريب للأزمة الخليجية. وكانت الدوحة قد رفضت كل الاتهامات التي وجهت إليها مؤكدة أن الدول المقاطعة لها تسعى لفرض "وصاية" على سياستها الخارجية.
اضف تعليق