بعد يوم شاق تحركت المرأة نحو غرفة صاحبة المنزل لتستلم راتبها، لم تكن تعرف ماذا ينتظرها وراء الكواليس، فهل هذه المرة كسابقتها أيضا؟!.. طرقت الباب ودخلت الى الداخل وطلبت من صاحبة العمل أن تسلمها راتبها، لكنها فوجئت برد صاحبة المنزل عندما قالت:
- كنا قد اتفقنا أن يكون أجرك الشهري 200 ألف دينار أليس كذلك؟. أجابت المرأة:
- بل 250 ألفا.
ولكن صاحبة المنزل أجابتها بصوت مشحون بالثقة والقوة:
- لكنني دوّنتُ الأجر في مذكرتي 200 ألف!.
طأطأت المرأة رأسها بحزن ولم تتفوه بأية كلمة، ورضخت للأوامر الحاسمة لصاحبة البيت الذي تعمل فيه مقابل أجر شهري، ثم تذكرت المرأة الأم تلك الأمنيات التي ترغب بها وتعددها صغيرتها كل ليلة قبل أن تنام، فشعرت المرأة كأن ثقل العالم قد سقط على كاهلها ليقضي عليها، للحظات شعرت بأنها تكاد تفقد صبرها وتثور بوجه صاحبة المنزل وظلمها لها، لكنها تذكرت تلك الأماني الصغيرة لطفلتها، ووالدتها العجوز التي لا تستطيع أن تفعل شيئا سوى التحديق الى وجهها المهموم، أخذت زفيرا كي تستعيد توازنها من جديد.
ثم أكملت صاحبة المنزل كلامها الى المرأة العاملة لديها:
- لقد طلبتي إجازة لمدة خمسة أيام ومنحتكِ ما تريدين، لذا فإن أجور هذه الأيام الخمسة يجب أن تُقطَع من راتبك. ثم أكملت:
- كان أحد أطفالي مريضا لمدة ثمانية أيام وأنت قمتي برعاية طفل واحد فقط ودونت في دفتري بأنك أخذتي مبلغ 50 ألف من زوجي وكسرتي إناء الضيوف، كل هذه سوف تُحسَم من راتبك ولم يبقَ منه سوى 100 ألف.
توشح وجه المرأة بالاحمرار واغرورقت عيناها بالدموع وبصوت مرتجف مشفوع بنبرة مقهورة تتراكم في حنجرتها أجابت:
- كما تشائين.
استلمت المرأة المبلغ من صاحبة المنزل وهي تتمتم: (يوجد بين الظلم والرحمة خيط رفيع لا يستطيع العبور منه إلا أهل الرَّحمة وأصحاب القلوب البيضاء).
ثم قبيل خروجها من الغرفة سمعت صوت صاحبة المنزل تقول لها:
- ارجعي واستلمي باقي المبلغ. رجعت وعلى وجهها آثار الدهشة والاستغراب، وبختها صاحبة المنزل وسألتها، كيف لم تدافع عن حقها؟. لكنها أجابت قائلة: كلما وددت أن أتكلم قطعتي كلامي بأنك كتبتي كل شيء في مدونتك، وفي البيوت الأخرى حرموني فعلا من هذا المبلغ أيضا (مئة ألف).
استلمتْ ثمن تحقيق أماني ابنتها الصغيرة التي كانت تختصر حياتها البسيطة في (حذاء وحقيبة مدرسية جديدة). خرجتْ وهذه المرة ابتسامة جميلة كانت تزين وجهها المهموم ولكن صاحبة المنزل جلست تفكر مع نفسها الى أي درجة يستطيع الإنسان أن يكون رخيصاً!.
بسهولة يستطيع الظالم أن يقضي على كرامة الآخرين ويظلمهم دون رحمة، ولكن ظلم الناس من الكبائر وهو ذنب عظيم، قال سبحانه وتعالى في وعيد الظلمة: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا. طه:111).
وقال تعالى: (فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا الفرقان:19).
الظلم كما عرفه البعض هو وضع الشيء في غير موضعه، وهو الجور، وقيل: هو التصرف في ملك الغير ومجاوزة الحد. ويطلق على غياب العدالة أو الحالة المناقضة لها. ويستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى حدث أو فعل معين، أو الإشارة إلى الوضع الراهن الأعم والأكثر شمولا. ويشير المصطلح بصفة عامة إلى إساءة المعاملة أو التعسف أو الإهمال أو ارتكاب جرم دون تصحيحه أو توقيع العقوبة عليه من قبل النظام القانوني وقد تمثل إساءة المعاملة والتعسف فيما يتعلق بحالة أو سياق معين إخفاقا نظاميا في خدمة قضية العدالة (قارن الفراغ القانوني).
ويقصد بالظلم "الإجحاف البين". ويجوز تصنيف الظلم كنظام مختلف مقارنة بمفهوم العدالة والظلم في البلدان المختلفة. فقد يكون الظلم ناجما ببساطة عن اتخاذ قرار بشري خاطئ، وهو أمر من المفترض أن يحمي النظام من التعرض له. وفي الشريعة عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل.
أنواع الظلم
هناك أنواع مختلفة من الظلم، فتارة قد يكون ظلم الإنسان فيما بينه وبين الله تعالى عندما يكفر أو يشرك لذلك قال تعالى: "إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" و يقول الباري عز وجل "أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ".
وتارة يظلم الآخرين ويعتدي على حقوقهم وربما على حياتهم بكلمة أو فعل قد يصدر منه لذلك ينهى الباري عز وجل عباده عن الظلم والاقتراب منه ويعدهم بعذاب أليم: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ". وفي النوع الثالث يظلم الشخص نفسه كما ورد في القران الكريم :فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ".
كيفية علاج الظلم
- على العبد أن يدرك بأن الباري عز وجل منزه عن الظلم ويكره الظالمين (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) (سورة النساء:40). وقال {وما الله يريد ظلما للعالمين} (سورة آل عمران:108).
- أن يتعلم الإنسان العلوم كي يخرج من ظلمات الجهل ليعرف ماذا يحدث حوله ويكون حاذقا لكي يدرك خطوات الآخرين لان الظالم بكياسة وذكاء يستولي على أموال الآخرين ويظلمهم بإتباع حيل ولكن عندما يتسلح الإنسان بالذكاء والكياسة فإنه يفوت على الشخص الظالم الكثير وهناك قصص كثيرة تتكلم عن أناس أذكياء استطاعوا أن يقضوا على الظلم وظلّت أسماؤهم عالقة في مزبلة التاريخ.
- استخدام لغة واضحة في اخذ الحق من الظلمة بأن يتكلم الإنسان بوضوح ولغة فصيحة ليدافع عن حقه لذلك هناك من يوكل محاميا للدفاع عن حقه اذا وجد عجزا في مجاراة من ظلمه.
- يبتعد الإنسان عن الظالمين ومجاورتهم ويكون حذرا في التعامل معهم ويسأل الله أن لا يصبح منهم لأن هناك فئات تقترب من الظالمين رغبة في ما عندهم من أموال أو شهرة أو جاه.
- الاستعانة بالذكر والاستغفار كي يخرج الإنسان من الظلمات الى النور ويجدد خلايا الرحمة في قلبه قال تعالى {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} (سورة آل عمران:135).
- النظر في سجل التاريخ ومعرفة سوء عاقبة الظالمين (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا)(سورة مريم:71-72).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم كلما اشتد ظلام الليل أخبرنا بأن الصبح قريب وكلما فعل الظالم يجب أن يعرف نهايته اقترب لأن عمر الظلم قصير، مهما طال الزمن.
والله هو الكافل بأن يأخذ حق المظلومين ويرفع من شأنهم وينصرهم ولو بعد حين يجب أن يتذكر الجميع ان الله يمهل ولا يهمل كما قال بعضهم دعوة المظلوم رصاصة لا تخطئ إنها كالرصاصة القوية تسافر في سماء الأيام بقوة ... لتستقر بإذن ربها.. في أغلى ما يملك الظالم.
اضف تعليق