ما أصدقها من حكمة عندما قالها الكاتب (جوزيف إديسون): “لا يخترق الروح مثل الجمال”
وقال الشاعر الإيطالي (دانتي): “الجمال يوقظ الروح”.
لكن عن أي جمالٍ يتكلمون؟.. وأي جمالٍ يقصدون؟ وكيف له أن يخترق ويوقظ الروح..؟!
“الجمال” من ألمع صفات الإنسان التي أشاد بها القرآن الكريم للدلالة على قدرة العلي العظيم وإبداعه في خلقه. ولكن للجمال “فرعان أساسيّان”، وكلاهما مهم جداً في حدّ ذاته، وهما: “جمال ظاهر وجمال باطن”. فجمال الظاهر هو “حسن الصورة” أي أن نهتم بمظهرنا وأن يكون مريحاً ولائقاً ومحبباً لنا ولأحبتنا ولكلّ من يرانا، وأما جمال الباطن وهو“حسن العقل”، كما قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): “حسن الصورة جمال ظاهر، وحسن العقل جمال باطن“ المصدر: الدرة الباهرة .
إذ أنّ جمال الباطن وهو “حسن العقل” في دوره أهم، فعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): “لا جمال أحسن من العقل“المصدر: نهج البلاغة .
فحسن العقل هو الذي يقودك الى “حسن الصورة”، فإذا كان عقلك جميلا وتفكيرك جميلا سيتبدل الى كلمات جميلة.. وتصرفات جميلة.. وعادات جميلة.. وبذلك الى”شخصية جميلة” ومن ثم الى “مظهر جميل”.. لكن هناك ثُلّة لا يهتمون بالمظهر ويحسبونه أمر دنيوي..! فيزهدون عن هذه الأمر المهم!، جاهلين أو متجاهلين.. ولو أنهم أدركوا أهمية ذلك ومدى تأثيره الخارق في نفوس أحبائهم ومن حولهم لما زهدوا فيه. فعن الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله): “ الريح الطيّبة تشدّ القلب”. المصدر: وسائل الشيعة.
وعن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) قال: وقف رجل على باب النبي (صلى الله عليه وآله) يستأذن عليه، قال: “ فخرج النبي (صلى الله عليه وآله) فوجد في حجرته ركوة فيها ماء، فوقف يسوي لحيته وينظر إليها، فلما رجع داخلا قالت له عائشة: يا رسول الله. أنت سيد ولد آدم ورسول رب العالمين. وقفت على الركوة، تسوي لحيتك ورأسك. قال: يا عائشة إن الله يحب إذا خرج عبده المؤمن إلى أخيه أن يتهيأ له وأن يتجمل“.المصدر: مكارم الأخلاق .
وعن أمير الكلام علي (عليه السلام): “التجمّل مِن أخلاق المؤمنين”. المصدر: غرر الحكم .
وعن سفيان الثوري قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أن تروي أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يلبس الخشن وأنت تلبس القوهي والمروي! قال: “ويحك إن علي بن أبي طالب كان في زمان ضيق، فإذا اتسع الزمان فأبرار الزمان أولى به”. المصدر: مكارم الأخلاق.
فجمال الظاهر أمر في غاية الأهمية.. قال العلي الأعلى: “قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ“. سورة الأعراف .
فإذا كان الله سبحانه قد أحلّ لنا هذه النعم، فليس لأحد أن يحرمها على نفسه بل إنّ الباري عزّ وجلّ يحب أن يرى آثار نعمته على عبده.. لا أن يكتمها ويضيق على نفسه ويعيش حياة الفقراء والمساكين.. ويعتبره من الزهد! فليست المعادلة هكذا.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): “الزهد بين كلمتين من القرآن، قال الله تعالى: “لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُم” (سورة الحديد) ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتى فقد استكمل الزهد بطرفيه”. المصدر: وسائل الشيعة .
فالزهد هو أن لا نفرح بالدنيا المقبلة.. ولا نحزن على الدنيا المدبرة.. لنصل إلى مرحلة لو أصبنا فيها حظاً وافراً لم نفرح فرح المنتصرين، ولو أصبنا بمصيبة لم نجزع جزع الحريصين. فالزاهد هو الذي يستفيد من الدنيا دون أن يكون أسيراً لها. وإذا كان حال أهل البيت (عليهم السلام) ذلك فعلينا أن نتبعهم في ذلك، لا أن نظهر حالة البؤس على أنفسنا ونعمة الله تعالى في أيدينا ونحن قادرون على تحسين مظهرنا، ففي الرواية عن الإمام الصادق(عليه السلام): “ إن الله يحب الجمال والتجمل، و يكره البؤس والتباؤس، فإن الله عز وجل إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى عليه أثرها، قيل: وكيف ذلك؟ قال عليه السلام: ينظف ثوبه، ويطيب ريحه، ويحسّن داره، ويكنس أفنيته ”. المصدر: بحار الأنوار .
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): “ركعتان يصليهما متعطِّر أفضل من سبعين ركعةً يصليها غيرُ متعطّر”. المصدر: بحار الأنوار .
ولكن هذا لا يعني أن تتعطر المرأة عند خروجها وهي تعلم أنها ستمشي في الشارع أو ستركب سيارة شخص أجنبي فقد تشددت الروايات التي تنهى المرأة عن الخروج من البيت متعطرة .
وعن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) :”من تطيب لله تعالى جاء يوم القيامة وريحه أطيب من المسك الأذفر، ومن تطيب لغير الله جاء يوم القيامة وريحه أنتن من الجيفة ”. المصدر: ميزان الحكمة.
فكما المؤمن هو طيب النفس والأخلاق فهو طيب الرائحة وجميل الشكل، والإهمتام بالمظهر أمر حسن ومحبب عند الله عز وجل وهو ما وصى به رسولنا الحبيب وأئمتنا الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) لكن.. هناك “ثُلّة” يفرطون في هذا الأمر.. فتراهم يسعون جاهدين ويشغلون أفكارهم وأوقاتهم وأعمارهم الثمينة ويهدرون أموالهم وطاقاتهم وقدراتهم العظيمة التي منحهم الله سبحانه تاركين الأهم لكسب الظاهر فقط، فيصبح “الجمال الظاهري” غايتهم المنشودة.. وأكبر معضلة في خاطرهم وأذهانهم، وبذلك سيكون فقط آفة ووبال عليهم .
فينبغي أن لا يكون الإهتمام مفرط أو أن يسرف أو يبذر أو يكون مدعاة للتباهي أو يكون لباسه لباس “شهرة” وهو ما يشير إليه الناس لغرابته.
قال الإمام الكاظم(عليه السلام): “لم يكن شيءٌ أبغض إليه من لبس الثوب المشهور ، وكان يأمر بالثوب الجديد فيُغمس في الماء فيلبسه. المصدر: مكارم الأخلاق .
وعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): “من لبس ثوبًا يباهي به ليراه الناس، لم ينظر الله إليه حتى ينزعه “.المصدر: الطبراني.
عن إسحاق بن عمار قال: “قلت لأبي إبراهيم الكاظم ( عليه السلام) الرجل يكون له عشرة أقمصة، أيكون ذلك من السرف؟. فقال: لا ولكن ذلك أبقى لثيابه، ولكن السرف أن تلبس ثوب صونك في المكان القذر”. المصدر: مكارم الأخلاق .
عن إسحاق بن عمار قال: ”سألته عن الرجل الموسر المتجمل يتخذ الثياب الكثيرة ـ الجباب والطيالسة (ولها عدة) والقمص. يصون بعضها ببعض ويتجمل بها، أيكون مسرفا؟. قال: فقال: إن الله يقول (لينفق ذو سعة من سعته )“. المصدر: مكارم الأخلاق.
ولا أن يجعل الإنسان جُلَّ همه هذا الأمر.. ويصرف الوقت الكثير عليه.. فالتبذير ليس فقط بالمال وإنما بالوقت أيضاً، فقد يسلب الإنسان بذلك توفيقاته ويجعله مادي ومنغمس في الدنيا، ومتمسك بها أشد التمسك.. تارك هدفه الجوهري الذي سُخِّر وخُلِق من أجله، فهو (خليفة الله في أرضه). والإسلام هو دين الإعتدال، لا إفراط و لا تفريط.
وليجمّل باطنه بأن يكمّل روحه، ويهذب أخلاقه، ويصقل شخصيته، ويرقي وينمي عقله ومعلوماته بالعلم النافع. وأحسن الزي كما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): “إنّ أحسن الزيّ ما خلطك بالناس، وجمّلك بينهم، وكفّ ألسنتهم عنك”. المصدر: عيون الحكم .
فإن الثوب النظيف والأنيق والرائحة الطيبة ترفع من قدر الإنسان في عين الآخرين، فيحترمونه ويقدرون اهتمامه بالنظافة والترتيب ومثلما تريد أن تصقل روحك وتهذبها اهتم بمظهرك وبكل شيء يخصك، لتسرّ الناظرين إليك وتبعث لهم الطاقات والأمواج الإيجابية المسرّة لنفسك ولهم .
قال الأديب الألماني (يوهان غوته): “يمكنك أن تصنع الجمال حتى من الحجارة التي توضع لك عثرة في الطريق".
فإن كان بمقدورنا أن نصنع الجمال في جميع أمورنا لم لا نصنعه؟؟ فهو أمر سهل ٌيسير لكن تأثيره قويّ وعجيب. فالعين تريد “جمال الظاهر” فتنتعش للمظهر الأنيق والجميل.. والقلب ينجذب للرائحة المحببة والجميلة.. والعقل يريد “جمال الباطن” فتراه لا ينجذب ولا يحب إلّا الإنسانٍ العاقل والفهم والحكيم.. كما قال الإمام الصادق(عليه السلام): “إنا لنحب من كان عاقلاً عالماً فهماً فقيهاً حليماً مدارياً صبوراً صدوقاً وفياً… ”. المصدر: التحف .
إذا فخليط “حسن الصورة” و“حسن العقل” يصنع لنا مزيج رائع، ذا طعمٍ لذيذ.. ولونٍ جميل.
إذا لنصنع من أنفسنا المثال الأعلى للجمال، كما قال في ذلك الأديب الروسي (ليو تولستوي): “نفس جميلة في جسد جميل هو المثل الأعلى للجمال".
وصدق الشاعر حينما تلا هذه الأبيات :
فَرَثَاثُ ثَوْبِكَ لا يَزِيدُكَ زُلْفَةً … عِــــــــــــــــــــنْدَ الإِلَهِ وَأَنْتَ عَبْدٌ مُجْرِمُ
وَبَهَاءُ ثَوْبِكَ لا يَضُرُّكُ بَعْدَ أَنْ … تَخْشَى الإِلَهَ وَتَتَّقِي مَا يَحْرُمُ .
اضف تعليق