كانت الشمس ساطعة، تتوسط كبد السماء النقية تماما، فتبدو للرائي كصفحة بيضاء لم يمسسْها قلم من قبل، مما يساعد بريق عينيّ تلك الفتاة الجذابة على أن تعزف أجمل الحان الجاذبية، فهنالك بريق يخترق حُجب الخيال بأشعته، وقد كانت مبتهجة كفراشة وسط حقل زهور بهيج، إنها تملك قوة خارقة كجاذبية الأرض، فتجذب إليها كل من يراها لا محالة، وكانت تلك الفتاة تملك نظرات ملفتة لدرجة أنها تستطيع أن تستدرج كلَّ من تشاء بسهولة الى شباكها.
عيونها كبحيرة زرقاء باستطاعتها أن تغرق أعظم السباحين في أمواجها..
كانت تتكلم بصمت، ولكن الكلمات التي كانت تخرج من بحر عينيها، تحتاج الى عدة قواميس لتفسيرها...
أما هو، فقد كان بنقائه يسلب لبّ كل فتاة تلتقي نظرتها بنظرته، ويجعلها تحلم وتتمنى أن تفتح عينيها كل صباح في وجهه الوضّاء الكريم.
نظراته البريئة كانت تكفي لتكون سببا باطمئنان قلب كل فتاة، فيرتاح بالها بأنه لها وحدها.. ولكن قلبه أرادها وحدها ولم يكترث لغيرها أبدا.
ثمة للعين نافذة نحو القلب ..وكأن بعض النظرات تساعد النبضات لتدق بانتظام اكبر.
وبعضها تخطف العقول، وللحظات عديدة تجعل القلب ينبض بقوة بالغة، كأنه يريد الخروج من بين الأضلع، وبعد ذلك تتعطل جميع حواسّ الجسم..
وآه من العيون وفعل العيون.... إن لها في القلب جرحاً لا يبرأ.. ومحبة لا تفنى.. وألم لا يهدأ..
كيف ألقي كلاما عذبا يصف ذلك الإحساس الدافئ لرجل لا يزال عذبا وصافيا، وهو لا يعرف عن كيد العيون شيئا؟ ولم يعرف معنى الفتنة في الجمال.. لقد افتتن فجأة بـ عينيها، ولكنه مع ذلك لا يعرف لونهما ولا دهائها.
ربما البشر في بداية الأمر لم يعرفوا لغة بعضهم البعض، ولكن هناك لغة معروفة لدى الجميع، لغة يتقنها الجميع وباستطاعة الجميع إدراكها.. إنها لغة العيون.. فهي باستطاعتها أن تحبس الأشخاص في غمرات الموت، أو تقتل الأرواح لمرات عديدة أو تعذبهم طوال الحياة.. وآه من العيون وفعل العيون...
بسط الرجل جناحيه ليحلق ببساطة في سماء الحب، وأخذ يعلو أكثر فأكثر، فاخترق حجب الخيال، وبعد أن أغمض عينيه كان يتصور تلكما العينين، فربما تفتح العيون طريقا صالحاً نحو القمة والجنة، أو قد تكون خطواتها من خطوات الشياطين فتذهب، به نحو المعاصي والذنوب.
من كان يصدق أن وراء تلك النظرة العابرة، يكمن هذا الوجع والإرهاق الى هذا الحد الكبير الذي لا يمكن للقلب ان يحمل ثقله على عاتقه!.
مضت الأيام يوما بعد يوم ولا زال يبحث عن تلكما العينين الجميلتين ليروي ظمأه، صدق أمير الكلام علي (ع) عندما قال: كم من نظرة تركت حسرة؟.
لكن تلك الفراشة حلقت في السماء بعيدا عن الأنظار، وكأن لم يكن لها وجود في الكون، اختفت فجأة كما ظهرت ...لم تترك له مجال ليسألها عن مأواها...
لا زال يسبح في البحيرة تلك.. هذه أول مرة يخطئ فيها قلبه العذب...
فقد اخطأ عندما نظر الى تلك العينين، ومضى مسرعا وراء أحاسيسه! نعم إنه اخطأ عندما افتتن بتلك الفراشة العابرة!.
اخطأ عندما أفنى أيامه لأجل سراب ...
كان يحتاج الى أخذ جرعات إضافية من عينيها كمن يأخذ قرصا من الأسبرين لمعالجة مرض مزمن، ولكن هذه النظرة لقنتهُ درساً يقول له، ليس كل ما تراه العيون يسهل الوصول إليه، بل بعض الأشياء والأشخاص وُجدوا ليصيبوا الإنسان بمرض خطير مزمن لا شفاء بعده...
وجدوا ليتركوا الحيرة والحسرة في القلوب!
وجدوا ليكونوا وباءً على عاتق المجتمع ...
كتلك الفراشة التي أظهرت جمالها أمام الملأ من دون حذر أو محافظة على مفاتن الجسد ....
قال أمير الكلام علي (ع): من غضَّ طرفه أراح قلبه.
ليت بنات حواء يحافظن على جمالهن لمحارمهن! ليت أولاد آدم يحافظون على نظراتهم! فكل ما تراه العين يتمناه القلب، لذلك يحثنا ديننا المبين أن نحافظ على النظر:
(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ* وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
اضف تعليق