q

المتأني هو الشخص الذي يتدبّر الأمر ويتفحصّهُ بعمق وهدوء، ويصل الى نتائج مضمونة، قبل البدء بالعمل، وفي هذه الحالة تزداد فرص النجاح وتتضاعف، لدرجة أن الفشل قد يحدث من باب المصادفة وليس القاعدة، على العكس مما يحدث مع الشخص العجول، إذ تكون القاعدة هي الفشل والهلاك، أما ما يحدث من نجاح نتيجة العجالة، فإنه يأتي من باب المصادفة والخروج على القاعدة.

وباختصار الشخص المتأني ينجح دائما، أي أن ضمان النتائج الجيدة هي القاعدة مع الشخص المتأني، وقد يحدث الفشل لكن خارج القاعدة، أما الشخص العجول فهو رهن الفشل دائما، وقد ينجح في اطار المصادفة والخروج على القاعدة.

هذه العلاقة المتضادة بين التأني والتعجّل، تتحكم في الربحية من جانب، وفي الخسارة من جانب آخر، فصاحب المشروع الاقتصادي، فردا كان او جماعة، أو شركة، اذا لم يدرس المشروع الذي ينوي القيام به وإنشائه، من حيث التكلفة والانتاج وفق خطوات علمية، تأخذ بنظر الاعتبار طبيعة السوق، والعرض والطلب، والجودة والتسويق، و وضع دراسة دقيقة للجدوى الربحية، فإن النتائج قد تكون وخيمة، وربما ينجح المشروع مصادفة في حالة عدم التأني، ولكن هذا الأمر لا يشكل قاعدة ضامنة للنتائج المربحة.

في التأني السلامة

أما في حالة التدبّر والتأني والعمل بهدوء ودقة، حتى لو تطلّب ذلك وقتا أكثر، فإن النتائج سوف تكون في صالح المشروع حتما، لذلك فإن المثل المعروف (في التأني السلامة وفي العجلة الندامة)، جاء عن تجربة شعبية مستمدة من تجارب الناس، لذلك من يدخل في مشاريع اقتصادية صغيرة او متوسطة او كبيرة، من دون تدبّر وتفكّر وتأني، فإنه سوف يكون معرّض للخسارة إلا في حالة الصدفة التي قد تقوده الى تحقيق الربح.

لذلك يقول الامام علي عليه السلام كما ورد في كتاب غرر الحكم: (الْعَجُولُ مُخْطِىءٌ وَإِنْ مَلَكَ(.

وهذا الأمر يؤكد أن العجالة قد تقود صاحبها الى الربح، لكن في حقيقة الحال، يبقى الانسان العَجول مخطىء وإن مَلَك وصار ملكاً، أو مَلَك الأمر الّذي يعجل فيه ويصل إلى مطلبه. والغرض هو أنّ سلوك الصواب هو أن لا يعجل الإنسان في أُموره بل يفعلها بعد التأمّل والتدبّر فيها، وأنّ من يعجل في أُموره ـ ولو بلغ مطلبه ومقصده أو صار ملكاً ـ فإنّ ذلك لا يعني أ نّه أصاب، بل قد أخطأ السبيل لكنّه نال مراده من باب الصدفة، وأنّ مجرّد احتمال وقوع تلك الصدفة لا يبرر الخروج عن طريق العقل.

إن الاقتصاد في عالم اليوم، لا يركن الى التوقعات فقط، أو الأمل بحدوث نتائج ربحية جيدة، بل يقوم على قواعد علمية لا تقبل الخطأ إلا بنسبة ضئيلة، وهذه الخطوات المتأنية تعني الابتعاد عن التسرّع ودراسة المشروع بصورة مستفيضة، والتخطيط لها وفق رؤية علمية صرفة، وهذا هو بالضبط ما يهتم به الشخص المتأني في أية خطوة يخطوها نحو الهدف الذي يمضي إليه، وطالما يتعلق حديثنا بالربحية المادية، فهذا يتعلق بالمشاريع الاقتصادية الانتاجية التي تستدعي تخطيطا متأنيا (بعيد المدى/ استراتيجي).

الربحية بالصدفة لا تبرر الارتجال

وهذا السلوك والتفكير لا يصدر إلا من العقل المتأني، لذلك فهو يقف بالضد من العمل العشوائي المتهور او المتعجل، او الذي يقوم على التسرع وحسم التوقّع والنتائج مسبقا، وقد يقول قائل أن هنالك مشاريع تم التخطيط لها بهدوء وعلمية وتأني ومع ذلك كان تصيبها الفشل، وهنا لابد أن نتساءل، هل هذا الفشل نتيجة دائمة لمن يخطط بصورة علمية سليمة، أم يحدث تحت بند الصدفة؟؟، في الواقع أن الجواب الدقيق، أن فشل الاعمال المتأنية ليس قاعدة، بل استثناء، ونجاح الأعمال المتسرعة ليس قاعدة، بل هي استثناء أيضا.

وهذا هو بالضبط الفارق بين العقل المتأني، الدارس، الذي يعتمد التخطيط العلمي البعيد، وبين العقل المتهور إن صح التعبير، والذي يقوم على التسرّع والارتجال، أملا في تحقيق ربحية سريعة من المشاريع التي يبدأ بها، وربما ينجح في ذلك، ضمن إطار الصدفة لا أكثر، أما النتيجة الحتمية للشخص العجول، فهي الفشل والهلاك كما تقول النتائج على مر التاريخ.

لهذا نقرأ في قول للامام علي عليه السلام يرد في غرر الحكم: (الْمُتَأَنِّي مُصِيبٌ وَإِنْ هَلَكَ).

بمعنى حتى عندما يفشل الشخص المتأني، فإن السبب هو الصدفة لا أكثر، أما النجاح والربحية المضمونة، فهي النتيجة الأكثر حصولا، بسبب علمية التخطيط والتدبّر والتفكير السليم، الذي يضع الخطوات المرسومة بدقة لتحقيق الهدف، بعيدا عن العجالة التي لا ينتج عنها سوى الفشل، أي أنّ طريق الصواب هو أن يتأنّى الإنسان في أعماله ثمّ يفعلها بعد التفكّر والتدبّر وعن اطمئنان وهدوء، وإنّ من يفعل ذلك يفعل صواباً وإن هلك، لأنّ هلاكه سيكون لمحض صدفة وليس بسبب خطئه.

وهكذا تكمن الربحية في التأني دائما، وهي حصيلة الشخص المتأني في تحصيل الربحية المادية والمعنوية على حد سواء، فمن يريد أن يصنع مكانة كبيرة له في المجتمع، عليه أن يبني شخصية هادئة متوازنة حكيمة، تخطط بدراية وهدوء لمسيرة الحياة وتفاصيلها الشاقة والمعقدة، خلاف ذلك ليس هناك سوى الخسارة التي ستؤدي بالانسان العَجول الى الهلاك، وهذا قد يحدث نتيجة خسارة مادية كبيرة في مشروع اقتصادي لم يتم التخطيط له بعلمية، فهناك الكثير من الأثرياء خسروا كل ما يملكون نتيجة لتسرعهم، وطمعهم في تحصيل المال بأقصر مدة ممكنة، وهذه هي الحفرة التي يتساقط فيها دائما من يترك التأني والتخطيط جانبا.

اضف تعليق