q
الشعور بالرضا والسعادة، وإعلاء القيم الروحية والأخلاقية، وتبادل مشاعر المحبة والمودة، ووجود الأمل، ونمو الثقافة تمثل جميعها دافعاً قوياً لتحقيق جودة الحياة وتحسينها في حياة الأفراد والمجتمعات معاً. أشار الإمام الصادق الى بعض مفاتيح جودة الحياة وفي وصاياه إشارات مهمة في العيش بكرامة ورفاهية وسعادة...

الإمام الصادق (عليه السلام) رسم للأمة من خلال وصاياه وتعاليمه ثقافة الحياة، ومنها (مفهوم جودة الحياة)، وأهمية حيازة وامتلاك المفاتيح التي تساهم في تجويد الحياة وتحسينها.

فمن المفاهيم التي تحظى بأهمية كبيرة دراسة وبحثاً واهتماماً في القرن الواحد والعشرين هو مفهوم جودة الحياة، ويعد هذا المفهوم من البحوث الأسرع نمواً في مجال الطب النفسي في العالم المعاصر، كما يعتبر مقياساً لمستوى رفاهية الأفراد والمجتمعات الإنسانية، وشعورهم بالسعادة والرضا عن حياتهم، والقدرة على التعايش مع مجتمعاتهم المتغايرة.

إن الشعور بالرضا والسعادة، وإعلاء القيم الروحية والأخلاقية، وتبادل مشاعر المحبة والمودة، ووجود الأمل، ونمو الثقافة تمثل جميعها دافعاً قوياً لتحقيق جودة الحياة وتحسينها في حياة الأفراد والمجتمعات معاً.

وقد أشار الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) الى بعض مفاتيح جودة الحياة في وصاياه وإرشاداته وتعاليمه القيمة لأصحابه، فعندما نقرأ تراث هذا الإمام العظيم – وهو تراث ضخم للغاية – سنجد فيه إشارات مهمة لامتلاك مفاتيح جودة الحياة، ومن خلالها يمكن التمتع بتجويد الحياة، والعيش بكرامة ورفاهية وسعادة.

المفتاح الأول، لجودة الحياة هو تحلي الإنسان بالقيم الروحية والمعنوية والأخلاقية، لأن هذه القيم تجعل المرء يشعر بالرضا والسعادة، فلا شيء كالدين قادر على خلق الاطمئنان والسكينة الداخلية، بينما القيم المادية لوحدها غير قادرة على صناعة السعادة، وتجويد الحياة.

المفتاح الثاني، لجودة الحياة هو امتلاك العلم، فمن يملك العلم يملك الحياة، فالعلم هو طريق التقدم والرقي، ولذلك حثّ الإمام الصادق (عليه السلام) الشباب على طلب العلم، وقال: «لَستُ اُحِبُّ أن أرى‏ الشّابَّ مِنكُم إلّا غادياً في حالَينِ: إمّا عالِماً أو مُتَعَلِّماً، فإن لَم يَفعَلْ فَرَّطَ، فإن فَرَّطَ ضَيَّعَ، وإنْ ضَيَّعَ أثِمَ».

إن أفضل فرصة لكسب العلم عندما يكون الإنسان في مرحلة الشباب، فهي المرحلة التي يتم فيها تكوين شخصية الإنسان ورسم معالم مستقبله.

ولأهمية العلم في حياة المجتمعات الإنسانية، وصناعة الرقي والتقدم والازدهار، وحيازة (جودة الحياة) دعا الإمام الصّادق (عليه السلام) أصحابه ومحبيه إلى طلب العلم مهما كانت المشاق والمصاعب في سبيل تحصيله، حيث قال (عليه السلام): «اطلُبوا التَّعَلُّمَ ولَو بِخَوضِ اللُّجَجِ وشَقِّ المُهَجِ». وقال: «لَو عَلِمَ النّاسُ ما في طَلَبِ العِلمِ لَطَلَبوهُ ولَو بِسَفكِ المُهَجِ وخَوضِ اللُّجَجِ».

فالعلم هو أصل كل شيء، وهو أشرف وأرفع منزلة من غيره، كما أشار إلى ذلك الإمام الصّادق (عليه السلام) بقوله: «العِلمُ أصلُ كُلِّ حالٍ سَنِيٍّ، ومُنتَهى‏ كُلِّ مَنزِلَةٍ رَفيعَةٍ».

وعلى الشباب ألا يتوقفوا عند مرحلة من مراحل طلب العلم، فالعلم لا نهاية ولا حدّ له، حيث قال الإمام الصّادق (عليه السلام): «مَنهومانِ لا يَشبَعانِ: مَنهومُ عِلمٍ، ومَنهومُ مالٍ».

المفتاح الثالث، سعة الرزق، ومما يوجب ذلك الانخراط في الأعمال التجارية المربحة، ولذلك حثّ الإمام الصادق (عليه السلام) أصحابه وأتباعه على التجارة، إذ أشار إلى أن أغلب الرزق في التجارة، فقد قال (عليه السلام): «مَنْ طَلَبَ التِّجَارَةَ اسْتَغْنى‏ عَنِ النَّاسِ‏» وأضاف (عليه السلام): «إِنَّ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الرِّزْقِ فِي التِّجَارَةِ».

وكان الإمام الصادق (عليه السلام) ينهى أصحابه عن ترك التجارة، ويحثهم على الانخراط فيها وممارستها، فقد قال (عليه السلام) لأصحابه: «لَا تَدَعُوا التِّجَارَةَ فَتَهُونُوا، اتَّجِرُوا بَارَكَ‏ اللَّهُ لَكُمْ».

وعلى الشباب العمل في التجارة والأعمال الحرة، لأنها تجلب السعة في الرزق، وتحسن من الحالة الاقتصادية للإنسان، وهي بلا شك تساعد على تجويد الحياة وتحسينها.

كما على الشباب الاستفادة من أصحاب التجارب التجارية الناجحة، ومعرفة أصول وفنون وقواعد التجارة، واستخدام التفكير والتخطيط والأسس العلمية في التجارة.

فالتجارة اليوم تطورت كثيراً، وأصبح هناك مجالات جديدة كالتجارة الالكترونية والمنزلية التي تقدر بمليارات الدولارات في العالم.

المفتاح الرابع، من مفاتيح جودة الحياة هو الحفاظ على الصحة، والوقاية من الأمراض، فالمرء الذي يتمتع بصحة عالية يشعر بالسعادة، ويمتلك القدرة على العطاء والإنجاز والتميز.

وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) توجيهات عديدة في مجال الحفاظ على الصحة، والوقاية من الأمراض، من قبيل غسل اليدين قبل الأكل وبعده، فقد روي عنه (عليه السلام) أنه قال: «مَنْ غَسَلَ يَدَهُ قَبْلَ‏ الطَّعَامِ‏ وَبَعْدَهُ بُورِكَ لَهُ فِي أوَّلِهِ وَآخِرِهِ، وَعَاشَ مَا عَاشَ في سَعَةٍ، وَعُوفِيَ مِنْ بَلْوىً فِي جَسَدِهِ».

ومن توجيهاته (عليه السلام) أيضاً: تغطية الطعام حتى لا يلوث بأي نوع من الملوثات الضارة، فقد روي عنه (عليه السلام) أنه قال: «لَاتَدَعُوا آنِيَتَكُمْ بِغَيْرِ غِطَاءٍ؛ فإنَّ الشَّيْطَانَ إذَا لَمْ تُغَطَّ الآنِيَةُ بَزَقَ فِيها، وَأخَذَ مِمَّا فِيهَا مَا شَاءَ».

ومن توجيهاته (عليه السلام): غسل الإناء وتنظيف الدار، فقد قال (عليه السلام): «غَسلُ الإناءِ وكَسحُ الفِناءِ، مَجلَبَةٌ للرِّزقِ».

المفتاح الخامس، من مفاتيح جودة الحياة تمتين العلاقات الاجتماعية العامة، وألا يكون الاختلاف في الدين أو المذهب أو التوجهات الفكرية وغيرها حاجزاً عن التواصل مع الآخرين.

فقد ركّز الإمام الصادق (عليه السلام) في عدد من أقواله على أهمية تمتين العلاقات بين الناس، والتواصل والانفتاح عليهم، ومشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم، من خلال عيادة المرضى، وتشييع الجنائز، وأداء الأمانة، وصدق الحديث وغيرها من التوصيات الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام) في مجال بناء العلاقات الاجتماعية العامة، بما يخلق حالات الوئام والانسجام والتعايش بين الناس، وهي بلا شك عامل مهم في تحسين الحياة وتجويدها.

إن الإمام الصادق (عليه السلام) رسم للأمة من خلال توجيهاته ووصاياه وتعاليمه القيمة ثقافة الحياة، وبين المفاتيح الذهبية التي يؤدي امتلاكها إلى الولوج في جودة الحياة وتحسينها.

اضف تعليق