والحياة في جوهرها وحقيقتها إنما تقوم على النشاط والحركة والعمل، والأشخاص المتدفقون نشاطًا وعملًا في حياتهم هم أكثر الناس نجاحًا وتميزًا وتقدمًا في مسيرتهم الحياتية، بل إن من يقودون الحياة هم الأشخاص النشطون الذين لا يتوقفون عن النشاط والفاعلية والعمل، وأما الكسالى فلا نصيب يذكر لهم في إدارة الحياة...

تحقيق النجاح بحاجة إلى الجد والاجتهاد، والنشاط والفاعلية، وعلو الهمة، والعمل المتواصل بلا كلل ولا ضجر ولا ملل؛ وأما من يُصاب بالكسل والضجر، وقلة النشاط والفاعلية فهو يحكم على نفسه بالفشل في الحياة، والعيش في شقاء وتعاسة؛ لأن الكسل عدو النجاح، فقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: «آفةُ النُّجْحِ الكَسَلُ»[1]، وعنه (عليه السلام): «مَن دامَ كَسَلُهُ خابَ أمَلُهُ»[2] فلا نجاح مع الكسل؛ لأن النجاح يحتاج إلى نشاط وفاعلية وحيوية وعمل دؤوب.

ومعنى الكسل كما قال أهل اللغة: هو التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه. فالكسل يعني ترك الأمور على ما هي عليه، والتثاقل عن القيام بما ينبغي القيام به من عمل ونشاط، وهو ما يؤدي إلى التراخي والتسويف والمماطلة وعدم إنجاز الأعمال في أوقاتها، أو تركها كما هي عليه دون تحريك وتطوير.

والحياة في جوهرها وحقيقتها إنما تقوم على النشاط والحركة والعمل، والأشخاص المتدفقون نشاطًا وعملًا في حياتهم هم أكثر الناس نجاحًا وتميزًا وتقدمًا في مسيرتهم الحياتية، بل إن من يقودون الحياة هم الأشخاص النشطون الذين لا يتوقفون عن النشاط والفاعلية والعمل، وأما الكسالى فلا نصيب يذكر لهم في إدارة الحياة، وهو يعيشون على هامشها.

ومتى قلَّ نشاط الإنسان وفاعليته واستكان إلى الكسل والخمول قلَّت فرص نجاحه، وأصبح أقرب إلى الفشل من أي شيء آخر؛ فلا يمكن أن يكون المرء ناجحًا وهو يعاني من داء الكسل، ولا يمكن أن يكون متميزًا وهو في غاية الخمول والضجر.

بين النشاط والكسل

من صفات المؤمن أنه دائم النشاط، بعيد عن الكسل، فقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام) -وهو يتحدث عن صفات المؤمن-: «تَراهُ بَعيداً كَسَلُهُ، دائِماً نَشاطُهُ»[3]، وعنه (عليه السلام): «المؤمنُ يرغَبُ فيما يَبقى‏، ويَزهَدُ فيما يَفنى‏... بَعيدٌ كَسَلُهُ، دائمٌ نَشاطُهُ»[4].

ومن مناجاة الإمام زين العابدين (عليه السلام): «رَبَّنا... وَامنُن عَلَينا بِالنَّشاطِ وأعِذنا مِنَ الفَشَلِ وَالكَسَلِ»[5].

وللنشاط فوائد جمة، فهو يجدد الحيوية والفاعلية عند الإنسان، ويقوي بنيته البدنية، ويزيد من مناعته النفسية والعقلية، ويجعله عضوًا فاعلًا ومفيدًا في المجتمع.

وأما الإنسان الكسول فيشعر بالملل والسأم والضيق والتذمر في حياته، ويكون عبئًا على غيره، وعنصرًا غير مفيد في مجتمعه، وقد يصاب بالأمراض المختلفة الناتجة من قلة الحركة والنشاط.

ولذا نجد أن بعض الأشخاص بمجرد أن يتقاعدوا عن العمل، ويصابوا بالكسل والخمول تدب إليهم الأمراض سريعًا، بينما كانوا في تمام الصحة والعافية عندما كانوا يذهبون للعمل في صباح كل يوم، ويمارسون نشاطهم بكل حيوية وجد واجتهاد.

ونتيجة للتقدم التكنولوجي والتقنية الحديثة في إنجاز الكثير من الأعمال الحياتية من دون حاجة إلى النشاط والحركة، وتسهيل إنجاز قضايا وشؤون الحياة بضغطة زر؛ إلا أن ذلك ساعد أيضًا على حب الراحة والميل إلى الكسل والخمول مما ساهم في انتشار داء الكسل بين بعض الشباب، وعدم الرغبة في العمل والنشاط؛ وهو ما يجب أن يدفع بالشباب للبحث عن مجالات أخرى لممارسة النشاط كممارسة الرياضة البدنية، والمشي في كل يوم وغيرها.

الكسل يضر بالدنيا والآخرة

الكسل يضر بالدين والدنيا، ومن كان كسولًا عن أمور دنياه فهو أكسل عن أمور آخرته، إذ لا تقتصر الآثار السيئة للكسل على الحياة الدنيا، بل تشمل الآخرة أيضًا، فنجد من يتكاسل عن أداء صلواته في أوقاتها، أو يؤديها بكسل كما قال تعالى عن المنافقين: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾[6] وقال تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى﴾[7].

وتجد من يتكاسل عن أداء فرائض الدين كأداء الحج الواجب، وتأدية الواجبات المالية وغيرها، ويسوف الإتيان بها.

والكسل يضر بدنيا الإنسان وآخرته، ففي الدنيا يصاب بالفشل والخيبة في حياته، وفي الآخرة يخسر أجر العاملين الفائزين، فقد قال تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾[8] فلكل إنسان أجره على قدر عمله، وعادة الكسول يفوت على نفسه الفرص في العبادات والطاعات وأعمال الخير.

إن الكسول يضيع على نفسه كل خير، ويفوت كل فرصة، ويخسر في كل يوم، روي عن الإمام علي (عليه السلام): «الكَسَلُ يُفسِدُ الآخِرَةَ»[9]، وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «الكَسَلُ يُضِرُّ بالدِّينِ والدُّنيا»[10].

النهي عن الكسل

لداء الكسل آثار سيئة، ومفاعيل سلبية، ومنها: التثاقل عن أداء الواجبات والطاعات والأعمال الصالحة، كثرة الكلام وقلة العمل، تضييع الأوقات من دون فائدة، التسويف والمماطلة في أداء الواجبات والالتزامات، عدم الشعور بالمسؤولية، كثرة التبريرات لعدم العمل، خداع النفس بالاشتغال وهو فارغ.

ولما للكسل من آثار سيئة على الأفراد والمجتمعات حذَّرت النصوص الدينية منه أشد التحذير، ونهت عنه أشد النهي، فقد أوصى رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) الإمام عليًا (عليه السلام) بقوله: «إيّاكَ وَخَصلَتَينِ: الضَّجرَ وَالكَسَلَ، فَإِنَّكَ إن ضَجِرتَ لَم تَصبِر عَلى‏ حَقٍّ، و إن كَسِلتَ لَم تُؤَدِّ حَقّاً»[11].

وروي عن الإمام عليّ (عليه السلام): «إيّاكُم والكَسَلَ؛ فإنّه مَن كَسِلَ لم يُؤَدِّ حَقَّ اللَّهِ عَزَّ وجلَّ»[12].

وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّي لأُبغِضُ الرَّجُلَ -أو أُبغِضُ لِلرَّجُلِ- أن يَكونَ كَسلانَ عَن أمرِ دُنياهُ، ومَن كَسِلَ عَن أمرِ دُنياهُ فَهُوَ عَن أمرِ آخِرَتِهِ أكسَلُ»[13]، وعنه (عليه السلام): «إيّاكَ والكَسَلَ والضَّجَرَ؛ فإنّهُما مِفتاحُ كُلِّ شَرٍّ، مَن كَسِلَ لم يُؤَدِّ حَقّاً، ومَن ضَجِرَ لم يَصبِرْ على‏ حَقٍّ»[14].

وعن الإمام الصّادق (عليه السلام): «مَن كَسِلَ عن طَهُورِهِ وصلاتِهِ فليسَ فيهِ خَيرٌ لِأمرِ آخرَتِهِ، ومَن كَسِلَ عمّا يُصلِحُ بهِ أمرَ مَعيشَتِهِ فليسَ فيهِ خيرٌ لِأمرِ دنياهُ»[15].

وعن الإمام الكاظم (عليه السلام): «إيّاكَ والكَسَلَ والضَّجَرَ؛ فإنّكَ إن كَسِلتَ لم تَعمَلْ، وإن ضَجِرتَ لم تُعطِ الحَقَّ»[16] فمن لا يعمل لا ينجح، والكسول لا يرغب في العمل ويتثاقل عنه، ومن ثم لا يمكنه تحقيق أي نجاح.

وعنه (عليه السلام): «إيّاكَ والضَّجَرَ والكسلَ؛ فإنّهُما يَمنَعانِكَ حَظَّكَ مِن الدُّنيا والآخِرَةِ»[17] فالكسل والضجر يمنعان الإنسان من الحصول على نصيبه من خير الدنيا والآخرة، فمن أراد الدنيا فعليه بالعمل والنشاط، ومن أراد الآخرة فعليه بالعمل والنشاط في الطاعة والعبادة، ومن أرادهما معًا فعليه بالجد والاجتهاد والنشاط والعمل.

ومن علامات الكسلان كثرة النوم، وهو مبغوض عند الله سبحانه وتعالى، فقد روي عنه (عليه السلام): «إنَّ اللَّهَ -جَلَّ وعَزَّ- يُبغِضُ العَبدَ النَوّامَ الفارِغَ»[18].

وعلى الإنسان الذي يطمح ليطور نفسه وينمي ذاته أن يخطط لحياته، ويتصف بالنشاط الدائم حتى يصل إلى أهدافه، فقد ورد عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «مَنِ اسْتَوَى يَوْمَاهُ فَهُوَ مَغْبُونٌ، وَمَنْ كَانَ آخِرُ يَوْمَيْهِ شَرَّهُمَا فَهُوَ مَلْعُونٌ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ الزِّيَادَةَ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ فِي نُقْصَانٍ، وَمَنْ كَانَ إِلَى النُّقْصَانِ فَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْحَيَاةِ»[19].

إن هذه التوجيهات والإرشادات الدينية تحثنا على اجتناب الكسل، والتحلي بالنشاط والعطاء، حتى نكون من أهل العمل والإنجاز والإنتاج والفاعلية.

تخلصوا من الكسل

يحتاج الإنسان للتخلص من الكسل والتحلي بالنشاط والجد والاجتهاد أمور، ومنها: أن يصاحب أهل النشاط والفاعلية، وأن يعوِّد نفسه على العمل والإنجاز والعطاء، وأن يقلل من النوم والأكل، وأن يروض نفسه على الجلوس مبكرًا والسعي في طلب الحلال، وأن يكون مجدًا ومجتهدًا في طاعة الله تعالى، فقد روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «وَعَلَيْكَ بِالْجِدِّ، وَلَا تُخْرِجَنَّ نَفْسَكَ‏ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعْبَدُ حَقَّ عِبَادَتِهِ»[20].

إن على الإنسان أن يطرد الكسل من حياته، ويعوِّد نفسه دومًا على النشاط والحيوية، فالمرء وما اعتاد؛ فعودوا أنفسكم على العمل والنشاط والعطاء تكونوا كذلك. 

....................................... 

الهوامش

[1] غرر الحكم: 3968.

[2] غرر الحكم: 7907.

[3] الكافي: ج 2 ص 230 ح 1.

[4] بحار الأنوار: 75/ 26/ 92.

[5] بحار الأنوار: ج 91 ص 125.

[6] سورة النساء: 142.

[7] سورة التوبة: 54.

[8] سورة الأنعام: 132.

[9] مستدرك الوسائل: 13/ 45/ 14695.

[10] بحار الأنوار: 75/ 180/ 64.

[11] كتاب من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 355 ح 5762.

[12] الخصال: 620/ 10.

[13] الكافي: ج 5 ص 85 ح 4.

[14] تحف العقول: 295.

[15] الكافي: 5/ 85/ 3.

[16] الكافي: 5/ 85/ 5.

[17] مستطرفات السرائر: 80/ 9.

[18] الكافي: ج 5 ص 84 ح 2.

[19] بحار الأنوار: ج 75، ص 327. ونسبه الشيخ الصدوق في الأمالي ومعاني الأخبار إلى الإمام الصادق مع اختلاف يسير.

[20] الكافي: 2/ 72/ 1. بحار الأنوار: ج 75، ص 3.

اضف تعليق