q

الكلام لغة تنطوي على معانٍ كثيرة متعددة يُصعَب حصرها، تتحدد في ضوئها مواقف معينة، تدفع الى اتخاذ افعال تنتج عن معاني الكلمات، ونتيجة لذلك يكون هناك ترابط وثيقا بين الأقوال والأفعال، وتصل هذه العلاقة ذروتها عندما تتطابق الاقوال مع الافعال على الارض، والأهم من هذا التطابق بين الاثنين، طريقة تعامل الانسان الفرد أو الجماعة مع القول والفعل، وهذه الطريقة هي التي تحدد نوع العقلية والفكر الذي تمت في ضوئه عملية التعامل مع القول والفعل، فهناك من ينجح في استثمار الكلام وتحقيق الربحية المطلوبة منه، من خلال التروّي والتأني في التعامل المطلوب مع الكلام والافعال.

وهذا الامر يتعلق برجاحة العقل، ونزاهة الفكر، وقوة الارادة، وحضور الكياسة والحكمة في السلوك المقرون بالقول المتوازن، لذلك يؤكد أهل التخصص أن التروي يعد من زينة الرجال والنساء معا، كما ان الشخصيات الذكية المتوازنة، غالبا ما تتسم بالتروي وتبتعد عن التسرع في الرد بالكلام او الفعل، بمعني غالبا ما تبدي هذه الشخصيات الناجحة، نوعا من الصبر والتأني لتستغرق وقتا كافيا في التمحيص والتحليل والاستنتاج وصولا الى اتخاذ القرار المناسب، لذلك اذا كان رجل الاعمال من هذا النوع، لا يتسرع في قوله وفعله، ولا يصدر قرارا عجولا، ولا يبدأ فعل غير مدروس ولا مناسب، فإنه لا ريب سوف يكون من اصحاب المشاريع الاقتصادية الناجحة، لأن الامر يعود أولا واخير الى الحنكة في التفكير والسلوك، بالاضافة الى اللغة التي يتعامل بها صاحب العمل او الشركة مع الآطراف الاخرى التي تتعامل معه.

لذلك لا يقتصر التأني والتروي في الرد بالكلام او الفعل على الجانب الاخلاقي والانساني فقط، نعم ان الانسان الذي يحمل هذه الصفات سيكون ذا شخصية محترمة من لدن المحيط الاجتماعي، ويكون مؤثرا فيهم، ولكن هناك نتائج ذات ربحية اقتصادية كبيرة ومضمونة، لمن يتخذ من التروي والتأني منهجا له في التعامل مع الاخرين، حتى في عقد الصفقات الشرائية وما شابه، لابد أن يتحلى صاحب الانتاج او السلعة الاقتصادية، بكثير من التروي والتفكير الاقتصادي المتوازن، حتى يضمن ربحية عالية، على العكس تماما من ارباب العمل المتسرعين، فبعضهم يعتقد أن الشطارة تكمن في السرعة باتخاذ القرار وما شابه، ولكن اثبتت التجارب أن التأني والتمهّل في التفكير والكلام والفعل واتخاذ القرار، هي التي تشكل علامات نجاح واضحة لرب العمل.

لذلك علمتنا التجربة أن من يتأنى في افعاله، قبل أن يشرع بها ويحولها من الكلام المجرد الى الفعل الملموس، هو الذي سيحقق الربحية المأمولة، على العكس من الانسان الذي يظن أن التسرع والعجالة، يجعله متقدما على الآخرين، لذلك جاء في مقولة معروفة (من يصعد سريعا يسقط سريعا)، لهذا لا يصح مطلقا أن يتعجل الانسان في اقواله وافعاله، حتى يكون في منأى عن الوقوع في الخطل، لأن أكثر الناس الذين يتعرضون للاخطاء هم الذين يسرعون في الوقت الخاطئ ويترددون في الوقت الذي يستدعي الحزم وسرعة اتخاذ القرار، لذا لابد من التعامل السليم والمناسب في هذا الخصوص، حتى لا يقع الانسان فريسة للعجالة.

يقول الامام علي بن ابي طالب عليه الشلام: (الْتَّأَنِّي فِي الْفِعْلِ يُؤْمِنُ الْخَطَلَ). بمعنى أوضح أن التأنّي والتريث في الفعل وعدم الاستعجال فيه من دون تأمّل وتفكّر يؤمن الإنسان من الخَطَل، أي من عدم إحكام الفعل وعدم إتقانه، أو من السباب والكلام الفاسد، أي يؤمن الإنسان من أن يسبّه الناس ويقولون فيه سوء، لذلك ينبغي الموازنة في هذا الجانب، وعدم تغليب العجالة على التأني، (ففي التأني السلامة، وفي العجلة الندامة)، كما نقرأ ذلك في امكنة ومحال عديدة، لاسيما أصحاب السيارات، فالتروي في الحقيقة يمثل سلوكا حياتيا سليما، وينبغي أن لا يتحدد في مجال بعينه، بقدر ما يكون طبيعة بشرية، يتحلى بها الانسان، مهما كانت طبيعة عمله وحياته، لأن الجميع في حقيقة الامر يهدفون الى الربحية بشقّيها المادي والمعنوي.

وهذا الامر لا يمكن أن يتحقق في ظل المنهج المتسرّع في عموم مجالات الحياة، وبغض النظر عن طبيعة العمل، علما ان هناك بعض الحالات التي تستدعي العجالة والتصرف السريع، كالتخلص من الخطر الداهم في حالة التعرض لحادث طبيعي او من فعل الانسان، هنا لابد أن يتحرك الانسان، لكي يدرأ الخطر عن نفسه وذويه وكل الذين يكون مسؤولا عنهم، هنا يختلف الامر بطبيعة الحال، ولكن نحن نتحدث عن حياتنا الطبيعة العملية الانتاجية والسلوكية والفكرية بشكل عام، إننا غالبا ما نلاحظ أن الانسان المتروي الصبور هو الذي يفوز في تحقيق مآربه وأهدافه في نهاية المطاف، قد يغلبه آخرون أسرع منه في التعامل ورد الفعل وما شابه، ولكن بالنتيجة سيتكون الربحية الأكيدة من حصة المتأني المتروي في سلوكه واقواله وفي اتخاذه لقراراته المتنوعة، لسبب بسيط أن الانسان المتروي لا يخطئ، فيما الانسان المتسرع في افعاله او اقواله، غالبا ما يقع في فخ التسرع والعجالة التي تطيح بأهدافه ومآربه، فالتروي يقي الانسان من خطأ الكلمة، وكلنا نعرف المثل الذي يقول (لسانك حصانك إن صنته صانك وان خنته خانك).

في حين نقرأ قولا للامام علي عليه السلام في هذا المجال: (الْتَّرَوِّي فِي الْقَوْلِ يُؤمِنُ الزَّلَلَ). فالتروّي والتأمّل في القول، وعدم التفوّه بكلام إلاّ بعد التأمّل والتفكّر يؤمن الإنسان من الزلل والخطأ، وهذا هو الذي نحتاجه دائما، اذا كان هدفنا تحقيق الربحية وتأمينها لأنفسنا وذوينا.

اضف تعليق