من أعمق الأسئلة التي ربما تُطرح على الإنسان، هذا السؤال: من أين تجد قيمتك؟. هكذا يُجعل الإنسان أمام منحدر كبير حيث يغوص في أعماقه كي يجد الجواب الشافي والصحيح، في إحدى المرات جلس أحد الأشخاص وبدأ يعرّف نفسه، فقال أنا ابن فلان من العشيرة الفلانية، وسرعان ما علا صوت من الأرجاء منادياً عليه: أنت من؟...
من أعمق الأسئلة التي ربما تُطرح على الإنسان، هذا السؤال: من أين تجد قيمتك؟.
هكذا يُجعل الإنسان أمام منحدر كبير حيث يغوص في أعماقه كي يجد الجواب الشافي والصحيح، في إحدى المرات جلس أحد الأشخاص وبدأ يعرّف نفسه، فقال أنا ابن فلان من العشيرة الفلانية، وسرعان ما علا صوت من الأرجاء منادياً عليه: أنت من؟.
ماذا نعمل بعائلتك وعشيرتك وأنت تباهي بأسلافك، لو سمحت أخبرنا بأنك من؟
وماذا تجيد؟
كل إنسان يميل إلى جانب ما وفي داخله لابد وأن تكون هناك أشياء يجد نفسه ينتمي إليها ويرتاح لها وإنها مصدر قوته ولكن ماذا لو كانت هذه الأشياء التي يتمسك بها ويشعر بأنها مصدر قوته و قيمته زائلة و رديئة؟
من هنا نجد بأن اختلاف الناس سيكون باختلاف مصدر هذه القيم والقدرات، فالبعض يرى قيمته في لباسه وأثاث بيته، والبعض الآخر يرى قيمته باقتناء الهاتف الحديث، والآخر بركوب سيارة حديثة، وهناك من يجد قيمته في شكله أو في إطراء الناس ومدحهم له، وعدد الأصدقاء والمتابعين في الفيس ومواقع التواصل الأخرى، وبعضهم يجد قيمته في مجال عمله حيث إنه دكتور، أو معلم أو مهندس..... الخ.
كل شخص يرى أمورا معينه ويتمسك بها لأنها مصدر قيمه، ويشعر بسببها براحة البال والفخر،
فعندما يعرف الإنسان مصدر قيمه يعرف مكانته، ويعرف أين هو الآن ويشعر بالرضا النفسي.
لذلك ما يقال اليوم "من أهم أسباب السلام النفسي أن يقلل الواحد تعلقه بالأشياء والناس، ولكن ماذا يعمل تجاه ذلك الشعور الذي ينبعث من داخله؟ حيث إنه يحتاج أن يشعر بأن له قيمة وهناك أمور ترفع من قيمته"، هنا لابد وأن يرجع الفرد إلى هذه الجملة التي فيها كنوز المعرفة، ودرر الحكم حيث يقول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: قيمة كل امرئ ما يحسنه.
في هذه الحالة ينبغي أن يحول الشخص قيَمه من الأشياء الزائلة والفانية إلى مبادئ أرفع مستوى من ذي قبل، فبدلا من أن يجعل مجرى اهتماماته ومصدر سعادته الأشخاص الذين يحيطونه ويكيلون المديح له، يجب أن يصب اهتمامه في رضا الله حيث يتغير مصدر القيم من الأشياء الزائلة إلى المبادئ العليا، ويتبدل المصدر من الأمور الخارجية إلى مصدر داخلي، لأنه لو تكون قيمة الإنسان بيد الآخرين ستنعدم هذه القيمة مع كل مشكلة أو فقدان.
قد تزول النعم ويتغير الأصحاب وتُفنى الأموال، فكما قال أحد الحكماء، إن العيش حركة أفقية من المهد إلى اللحد، ولكن الحياة والشعور بها حركة عمودية تبدأ من الأرض وتنتهي إلى السماء، حيث العلو والرفعة، فكن ملك القلوب ولكن لا تكسر قلباً وابنِ الجسور ولكن لا تصعد على الآخرين ولا تضغط عليهم كي ترتفع.
إهتم بالناس واجعلهم حولك، ولكن لا تضيع نفسك في الزحام الذي يسببه الناس من حولك، كن ذهباً ولكن تذكر إنك من تراب وإلى التراب، ومعايير الآخرة ليست بالمال والشهرة ولكن بالأخلاق وحسن النية.
فعندما تعرف قيمتك ستظل أنت حتى وإن كنت في أسوأ الظروف، كتلك الورقة النقدية التي أحضرها الأستاذ لطلابه وسألهم من يريد أن يحصل عليها دون شرط، رفع كلهم أيديهم دليل علامة الرضا، وبعد ذلك قام بكرمشتها بين يديه حتى تغير شكل الورقة، وسأل الطلاب مرة أخرى من يريد أن يحصل عليها دون شرط فرفع الجميع أيديهم أيضا... تبسّم الأستاذ وألقى العملة النقدية على الأرض وبدأ يدوس مرة بعد أخرى عليها، حتى باتت قذرة، وسأل طلابه: من يريد أن يحصل عليها، هنا تردد البعض ولكن أحدهم رفع يده بسرعة، عندئذ سأله الأستاذ لماذا تريد أن تأخذها؟ فقد اتسخت بشدة. أجاب الطالب: سأنظفها وترجع كما كانت.
ابتسم الأستاذ قائلا: "هذا هو الدرس اليوم، مهما حاولت تغيير هيئة هذه الورقة فإن قيمتها محفوظة"، فربما يحاول البعض تدمير الانسان وتحقيره وحياكة المؤامرات ضده، أو ربما الطريق يكون مملوءا بالعقبات ولكن مهما فعل الآخرون لأجل إسقاط الشخص، لا يستطيعون لأن قيمة الفرد إذا كانت في داخله لا أحد يستطيع أن يمسها أو يغيرها، خصوصا إذا كانت هذه القيمة متصلة بالله سبحانه وتعالى، فستكون من النوع الخالص والنفيس.
إذاً لقد حان الوقت لكي تبدل مصدر طاقتك من البنك الذي تودع فيه أموالك، إلى بنكك الداخلي الذي تودع فيه أفكارك ومبادئك، وعليك أن تهتم بمصدر طاقتك وتستمد قواك من ثنايا روحك عن طريق الارتباط بالله جل وعلا واربط مصادرك بالمصادر الخالدة ...
"إِلَهِي إِنْ رَفَعْتَنِي فَمَنْ ذَا الّذِي يَضَعُنِي، وَ ِنْ وَضَعْتَنِي فَمَنْ ذَا الّذِي يَرْفَعُنِي".
اضف تعليق