نحنُ عربٌ ومن ثمَّ فنحن عراقيون؛ لنا تقاليدنا وأخلاقياتنا التي نتعامل بها فيما بيننا، نرتضي أشياءً فنفعلها ونوَّد للآخرين فعلها، ونغضب من أشياء فلا نوّد لأنفسنا ولا لغيرنا فعلها، وهكذا نجد أنَّ هناك منظومة متكاملة من السلوكيات نتصرف بضوئها من ممكن أن تشكل منظومة أخلاقية خاصة بنا نحن ـ العراقيين ـ لا مشاحة من تسميتها بـ (الأخلاق العراقيّة).
فالغيرة والكرم والهمم العالية والإباء أهم ما يميزنا ابتداءً وهذا ليس فخرا إنما بديهيات يشهد بها كلّ من عرف العراقيين وعاشرهم، وقد كنت ليلة البارحة اتحدث مع أستاذ من دولة الإمارات قد تكلم بأضعاف مما ذكرته الآن مدحا.
وهكذا جُبلنا، وعلى هذه الشاكلة خُلِقت نفوسنا؛ نستنكف من أشياء ونعدها مشينة؛ بل منقصة على من يفعلها وعى ذلك أم لم يعِ، يزعجنا جدا التجاهل وعدم احترام الآخرين كأن تسلِّم فلا يُرد عليك كما يفعل بعض الموظفين الصغار في عدد من الدوائر الحكومية، ويزعجنا جدا أن تقابل شخصا بطيبة وخلق عال ثمَّ يبادرك بمثلها فيهش ويبش لك ما دمت حاضرا لكن ما أن تتركه حتى يغتابك بما ليس فيك، ويزعجنا أيما إزعاج أن ينشغل الرجل بسفاسف الأمور وصغائرها فيزعل دونما أسباب وجيهة ويعتب عليك لشأن تافه، ويلومك على ما تعده أنت سفاهة.
ويبدو أن للسياسة دورها في التركيبة الأخلاقية للمجتمع، فالمسؤول ــوأقصد بالمسؤول هنا السياسي ورجل الدين ورجل الدولة على السواءــ بحسب مقررات الشرائع جميعا واستنتاجات الفلسفة الأخلاقية وُجد ليكون قدوة يتعلم منها الآخرون ويهتدون بهديه ؛ أمّا أن يكون المسؤول فاسدا لا يراعي إلّا ولا يعرف ذمّة ؛ يتصرف برعونة المستهتر بالقيم ؛ يكذب علنا وينافق جهارا ويسرق باسم القانون فهذا هو الوبال بعينه ؛ ويبدو أن شاهد ذلك سبيل المقارنة ــ ولو على وجه البساطة ــ بين الأمس واليوم، فقد كان الحياء قبل الخوف من القانون، وكانت الغيرة على مصلحة العامة قبل مراقبة الرقيب، وكانت الكرم سجية لا تعتدُّ بتملق لزيد ولا لعمرو.
فأن يكون اليوم الحرام حلالا، والممنوع مباحا، والكرم دجلا، وحب الناس رياء، والوطنية زيفا، وأن تكون كل هذه سُنَّة للمسؤول فهي الطامة الكبرى، وأخطر ما فيها إنها تودي بالقيم عند أصحاب النفوس الهشة من الرعية وهذا ما حصل فعلا عندنا على ما أعتقد مع عزائنا لأنفسنا في كل ذلك، وحسبنا أن هناك مسكة من الحكمة مازلنا نرثي فيها واقعنا.
اضف تعليق