منذ عام أو أكثر، والعراقيون يطالبون حكومتهم بإصلاح أحوالهم وأحوال بلادهم، بمظاهرات بدأت عفوية محدودة، ثم تطورت حتى شملت ارجاء البلد كله، الأمر الذي دفع بالمرجعية الدينية الى الوقوف بشدة الى جانب الجماهير في الايام الاولى من حركة التظاهرات، وفي الوقت نفسه رضخت فيما يبدو حكومة السيد العبادي لمطالبات الجماهير، بإقرار اصلاحات بسيطة اتخذها رئيس الوزراء، وعدد من المحافظين، وعدد آخر من مجالس المحافظات, اتضح فيما بعد أنها اصلاحات اعلامية ودعائية فقط، وازداد الأمر سوء وبدا أكثر فضائحية بعد الاعترافات الاخيرة لوزير الدفاع ووزير المالية بتورط رؤوس سياسية كبيرة بقضايا فساد.
لكن، بعد مرور هذه الايام كلها، ألا يحق لنا ان نتساءل: ما جدوى هذه الاصلاحات التي يرددها العبادي بين فترة واخرى لأبناء الشعب؟ وأين أثرها؟ وما المردود الذي جناه الفقراء من هذه الاصلاحات الورقية؟، هل دمج وزارتين بوزارة واحدة هو ما كنا نطمح اليه؟ هل يعنينا أن يبقي المسؤول الفلاني في منصبه، أو أن يحال الى مكان آخر، وبالراتب نفسه؟ هل ان هذه الحشود من ابناء العراق التي وقفت محتجة في ساحات التظاهر، كانت تطالب بأن تكون احتجاجاتهم وشعاراتهم مبررات لتصفيات سياسية، أو ذريعة لإلغاء عدد من المناصب الحكومية؟.
على الرغم من أهمية الترشيق في الحد من الانتفاخ والترهل الهائل، الذي احدثته طفليات السياسة في جسد الدولة العراقية، لكني اعتقد بأن هناك مطالب اكثر وجوبا، واشد الحاحا من هذه العلاجات الترقيعية، التي لا تعود بالنفع المباشر لرجل الشاعر، بقدر ما تؤشر فساد الواقع السياسي، وتدل بوضوح على ان العراق بلد قد ابتلعته حيتان الزيف السياسي والديني في غفلة من الزمن الرديء.
اقول: على الرغم من رغبة السيد العبادي بالإصلاحات، الا ان الشعب يعي بأن المشكلة أكبر من العبادي, فالرجل محاط باسلاك شائكة تحد من حركته, لذلك خرج الشعب الى ساحات التظاهر مرارا، بعد ان اعياه ضنك المعيشة، ونأى به بعيدا عن مسالك الرفاهية، خرج ليطالب بالقصاص من الحيتان الذين نهبوا خيراته، خرج من اجل سكن مريح، بعد ان شوهت مدن العراق بأحياء التجاوز، وبيوت الخمسين مترا، واكواخ الطين والصفيح، خرج من اجل وظيفة يعتاش منها، بعد ان انهكته متطلبات الحياة، وماتت في نفسه ابسط الأماني... خرج من اجل راتب يكفل له حياة كريمة، بعد ان اصبح المدرس، والمعلم، والمحامي، والموظف، في دوائر الدولة عامة، يبحث عن عمل آخر ليسد نفقات عائلته، خرج من اجل مستشفى يوفر له المعالجة اللازمة، بعد ان ملأ المرضى العراقيون مستشفيات الهند وايران التي تعد في الدرجات الأخيرة في سلم مستشفيات العالم... خرج بعد أن ملأ المتسولون، والعاجزون عن العمل، الساحات والشوارع، يستجدون اللقمة في عراق يطوف على بحر من النفط والخيرات، خرج من اجل دولة يحترم فيها، ويستشعر كرامته كمواطن حر، دون منة من أحد.
فأين الاستجابة لهذه المتطلبات البسيطة، بل الحقوق المشروعة؟.
اضف تعليق