مَنْ منّا يغمره الإيمان الشيعي التام فتدفعه الشجاعة إلى أداء الدور العظيم المستوحى مِن قول الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه: "ولا تُسْقط مَن هو دونك فيسقطك مَن هو فوقك، وإذا رأيت مَن هو أسفل مِنك بدرجة فارفعه إليك برفق ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره، فإنّ مَن كسر مؤمنا فعليه جبْره"، وهل الشيعي يمتثل لهذا المعنى المقدس الرفيع في كفاحه الإجتماعي والثقافي؟
الكفاح الاجتماعي والثقافي الشيعي في ظرفنا المعاصر مسلوب الإرادة وخاضع لهيمنة "السياسة" المجرّدة مِن المُثل العليا.. ونعني بـ"السياسة" هنا جميع معانيها المتداولة عند الإتجاهات الشيعية المناضلة قاطبة.. ففي جميع تلك المعاني يُتصور السياسي كمجتهد في رفع حِملٍ مِن سفح جبل ويروم إيصاله إلى القمة، فيتحدى الصعاب بأنانية مفرطة الحساسية لا تقبل إملاءات وشروط ومتطلبات المُثل والقيم، وقد يؤولها شر تأويل إن لم يكن مِن تدبير لقهرها.
بين السياسيين الذين يقودون الكفاح الشيعي الاجتماعي والثقافي صراع أضداد، ظاهر أو باطن، يغزو عمق الجماعة الواحدة إذ تغيب مفاهيم التكامل والقيم المُنظّمة للخلاف. فإن تظاهر أحدهم بالإيمان والتقوى وخضع كالحِمل الوديع؛ فتلك "عِدّة الشغل" في فنّ مناجزة الأقران والأنداد أو قطع طرق التدرج عليها.
قد نُطلق على هذه الحال وصف "خلاف المعارضة" أو "نزاع القيادات أو سوء تدبيرها" أو " سرقة التضحيات" أو " الثورة تأكل أبناءها" أو "مصادرة الثورة" أو "الحزبية الحادة" أو "قطع طريق التغيير" أو "صُنع الرموز الصُور" وما أشبه مِن أوصاف بألفاظ ذات طابع سياسي، ويُعنى بها: "كذب مبتذل" يشتمل على حقيقة "صراع الأضداد" امتثالا لأحكام السياسة حيث تَجرّد الأخلاق والمُثل والقِيم مِن معانيها وتؤول إلى معاني أخرى.
في الكفاح الاجتماعي والثقافي يُسقِط "الزعيم" ذي المرتبة الصُورية العليا مَن هو فوقه مرتبة حقيقية أو يحتمل تفوقه بها، ويَمنع مَن هو دونه مرتبة مِن التدرج إلى الكمال، والأداة في كلا الحالين دعائية مبتذلة باعثة على الشفقة قبل السخرية في عالَم التواصل المفتوح وتبادل المعارف الحضارية السهل الميسر. و"مَن كسر مُؤمنا فعليه جبره" قيمة عليا ومثال لا مكان لهما في عالَم "السياسة" مطلقا، لأنّ مُهمة إسقاط السياسي لِمن هو أعلى منه مرتبة وقطع الطريق على مَن هو أدنى منه مرتبة يُمثل خاتمة أعمال الكفاح ذي الحساسية المفرطة، ولا اعتبار فيها للإيمان حتى يكون الجبر واجبا مستدركا!
الإستعداد للتضحية بالهدف الأعلى النبيل أو التنزّل عنه في سبيل إسقاط الأنداد والأقران، ومنع مَن هو أقل مرتبة مِن السمو والسيادة؛ كلها مِن "سِمات" السياسي المُدبّر الحاذق!. ولا يختلف الأعلى مرتبة والأقل مرتبة عمن هو في "الوسط" بينهما مِن حيث علاقته بظاهرة "صراع الأضداد". والمأثور عن الإمام الصادق صلوات الله عليه "ولا تسقط مَنْ هو..." في عقيدة الساسة مفاهيم ممتنعة التطبيق لأنها مُثل ساكنة في "أعلى مرتبة" لا تُنال إلا بعصمة. ومع عدمها في أفق الكفاح الاجتماعي والثقافي جاز الإجتهاد في التدبير مِن أجل صُنع التفوق في صراع الأضداد!
صراع المراتب لا محيص عنه في الكفاح الاجتماعي والثقافي.. إنّه شيطنة يختلقها الساسة أنفسهم في أوساطهم عبر سباق الدعاية المبتذلة وقليل من التوازن" المدبَّر"، ثم يصارع بعضُهم البعض الآخر لنيل "أعلاها وأسماها"، فإنْ تقدم أحدُهم بها بَطَش بطْش الجبارين وعلا واستكبر وكان مِن المفسدين.
و"الإيمان والتقوى والورع" مُثل يجري تسويقها بضاعة بين السياسيين بذات الدعاية المبتذلة التي تصنعهم للتعويض عن نقص الكفاءة إزاء تقدم الأنداد والأقران، ثم مِن أجل حماية أنفسهم مِن "الكسر" قبل أنْ يصبح واجبا في ذمة الأغيار.. صلوات الله على مولانا الإمام الصادق وسلامه.. كلامكم نور!
اضف تعليق