الكوارث الطبيعية الكبرى التي هددت وتهدد الحياة على كوكب الارض، باتت اليوم بحسب بعض الخبراء من اهم واخطر المشكلات، التي تواجه المجتمع الدولي خصوصا بعد تفاقم وازدياد هذه المخاطر، وقد أثارت الكوارث الطبيعية وبعض الظواهر المناخية المتكررة التي شهدها العالم خلال الفترة الماضية وكما تنقل بعض المصادر، اهتمام اغلب المهتمين بالشأن المناخي وعلماء الأرض نظرا للتغيرات السريعة والكبيرة حسب ما يراه المختصون.
فقد شهدت العديد من دول العالم مؤخرا عواصف وزلازل ضخمة تكاد تكون غير مسبوقة خلفت أضرار مادية وخسائر بشرية فادحة، الامر الذي دفع ببعض المؤسسات البحثية الى اجراء دراسات علمية علها تخرج بنتائج دقيقة عن سبب الرئيس وراء تكرار تلك الظواهر بهذا الشكل غير المسبوق، على الرغم من ان بعض الدراسات السابقة تعزو الاسباب الى ظاهرة الاحتباس الحراري الذي يشهده كوكب الأرض. من جانبها انشأت بعض الدول الساحلية مراكز متخصصة لرصد التغييرات المناخية المتوقعة بالإضافة الى حركة الزلازل الارضية، علها تدفع عن نفسها بعض الاضرار عبر استباق تلك الكوارث المستقبلية.
ولا تزال أرقام الكوارث وشِدَّتها آخذة في الارتفاع ويمكن القول إنه بحلول عام 2030 سوف تكون الخسائر الاقتصادية العالمية الناجمة عن الحوادث الجيوفيزيائية والأرصاد الجوية، المائية، والمناخية، قد تضاعفت عما كانت عليه في عام 2005، لتتجاوز 300 مليار دولار أمريكي، إذا استمرت على الوتيرة نفسها التي كانت في العقد الماضي. وقد تتخذ تلك الأرقام منحى أسوأ، حيث يتسبب التغير المناخي، والعولمة، والتطور التكنولوجي، والتوسع في الحياة الحضرية، وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، في تعريض المزيد من البشر والممتلكات للخطر.
خطر الفيضانات
وفي هذا الشأن حذرت مؤسسة خيرية بريطانية من أنه بحلول عام 2060 سيواجه أكثر من مليار شخص يعيشون في المدن حول العالم خطر الفيضانات المدمرة بسبب التغير المناخي. وتقول الدراسة التي أعدتها منظمة "كريستشن إيد" غير الحكومية إن الولايات المتحدة والصين والهند من بين البلدان الأكثر تعرضا لتهديد الفيضانات. وتشير إلى أن مدينتي كولكاتا ومومباي الهنديتين ستكونان من بين المدن الأكثر تعرضا للخطر.
وتقع الثماني مدن الأكثر عرضة لمخاطر الفيضانات في القائمة جميعها في قارة آسيا، تليها مدينة ميامي الأمريكية. وحث التقرير حكومات الدول على اتخاذ التدابير للحد من مستويات الاحتباس الحراري والاستثمار في برامج الحد من الكوارث. وقالت أليسون دويغ، معدة التقرير إن السكان الذين يعيشون في المدن الساحلية الكبيرة على وجه الخصوص يواجهون خطر الفيضانات.
وأضافت "أعتقد بأن من بينها مدنا ككولكاتا ودكار والمدن الضخمة الجنوبية ومدن الاقتصاديات الناشئة، حيث يكون سكانها أكثر تعرضا لارتفاع مستويات البحر ومواسم الأمطار الغزيرة". وقالت إن "الفيضانات في تلك المدن يمكنها أن تؤدي إلى أضرار فادحة، وكذلك تهديد الأرواح". وحذّرت دويغ من أنه يُحتمل أن تواجه فلوريدا فيضانات مدمرة. ومدينة ميامي في فلوريدا واجهت فيضانات في سبتمبر/ أيلول العام الماضي وقالت إن "فلوريدا بأكملها عرضة على نحو كامل" للفيضانات. بحسب بي بي سي.
وأضافت أنها "أرض منخفضة وعبارة عن مستنقعات مستصلحة، وبالتالي فتغير المناخ الكبير الذي أدى إلى ارتفاع المياه لمستوى يتراوح بين نصف متر إلى متر كامل في هذا القرن سيدمر جزءا كبيرا من فلوريدا وقطاعا واسعا من ميامي." وتقول الدراسة إن الأولوية ينبغي أن تُوجه إلى الحد السريع من انبعاثات الكربون وتخفيض ارتفاع درجات الحرارة من خلال التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة منخفضة الكربون. ودعت إلى ضرورة مساعدة المجتمعات المعرضة لخطر الفيضانات من خلال تحسين تدابير حماية المنازل وسبل المعيشة. وطالبت كذلك الأنظمة الدولية بمساعدة المجتمعات على التعافي من العواصف والفيضانات المدمرة.
عدد اكبر من الاعاصير
الى جانب ذلك توقعت الوكالة الاميركية للمحيطات والغلاف الجوي (نوا) ان تكون الاعاصير اكثر عددا هذه السنة في شمال المحيط الاطلسي مقارنة بالسنوات الثلاث الاخيرة. وسيكون موسم العام 2016 الممتد من الاول من حزيران/يونيو الى 30 تشرين الثاني/نوفمبر اقرب الى المعدل الطبيعي (بارجحية 45 %) الا ان ثمة احتمالا بنسبة 30 % بان يكون النشاط اعلى من المعدل الطبيعي و25 % بان يكون اقل، على ما اوضحت وكالة نوا. وقال جيري بيل المسؤول عن قسم ارصاد الاعاصير في مركز المناخ في وكالة نوا "يعني موسم قريب من المعدل الطبيعي اننا قد نشهد مزيدا من الاعاصير مقارنة بالسنوات الثلاث الاخيرة التي كانت دون المعدل الطبيعي". بحسب فرانس برس.
وشهد موسم العام 2015 عشر عواصف استوائية من بينها اربعة اعاصير. وتفيد توقعات وكالة نوا ان ثمة احتمالا بنسبة 70 % ان يشهد موسم العام 2016، عشر عواصف الى 16 عاصفة استوائية مع رياح لا تقل عن 39 كيلومترا في الساعة. وقد تتحول اربع الى ثمان من هذه العواصف الى اعاصير مع رياح تزيد عن 119 كيلومترا في الساعة، من بينها عاصفة واحدة الى اربعة عواصف قد تصل الى الفئات الثالثة والرابعة او الخامسة على مقياس سافير-سبمسون الذي يضم خمس فئات مع رياح لا تقل عن 178 كيلومترا في الساعة.
نيران وانهيارات ارضية
من جانب اخر التهمت النيران التي تعذرت السيطرة عليها احياء باكملها في مدينة فورت ماكموراي الكندية في شمال مقاطعة البرتا غرب البلاد والتي اخليت من سكانها البالغ عددهم نحو مئة الف. وكانت المدينة تحترق بعد اخلائها من سكانها واكدت اجهزة الطوارىء ان النيران اتت على نحو الفي مسكن وعدة مبان بينها نزل صغير.
واحترقت 90% من المساكن في حي ووترويز في الجنوب بين النهر والطريق العام، وتحولت ثلاثة ارباع مساكن حي بيكون هيل الى رماد، وفق بلدية المدينة. وصدرت اوامر باخلاء كل سكان حي سابراي كريك الى الشرق من المطار، وتم نقل مركز رجال الاطفال خارجه. واعلنت حكومة البرتا حال الطوارىء في عموم المقاطعة وبعد وصول النيران الى مدينة فورت ماكموراي النفطية بدأ سكان منطقتين اخريين بمغادرتهما.
وامرت اجهزة الطوارىء باجلاء اربعة الاف شخص من هاي ليفل على بعد نحو 350 كلم شمال غرب فورت ماكموراي وبضع مئات من منطقتين اخريين شرق ادمونتون. لكن فورت ماكموراي هي التي تثير القلق اذ اعلنت رئيسة وزراء البرتا رايتشل نوتلي "النظر اليها من الاعلى يجعل القلب ينفطر". ووعد رئيس وزراء كندا جاستن ترودو بتقديم مساعدة فدرالية وارسال دعم عسكري. وقال في اوتاوا "انها خسارة على مستوى يصعب تصوره لكثير منا".
ومع عدم تسجيل ضحايا في الارواح، تسببت النيران بخسائر مادية جسيمة مع استمرار تقدم النيران في حين يعمل رجال الاطفاء على حماية المباني الاستراتيجية او تلك المهددة بالانفجار. وذكرت بلدية فورت ماكموراي ان وحدة الغاز المنزلي في شركة كان-ويست كانت تشتعل، في حين تمت السيطرة على الحريق الذي بلغ مصنع معالجة المياه. واحترق عدد كبير من السيارات التي تركت في المناطق القريبة من الغابة وموقف مخصص لسيارات التخييم فلم يبق منها سوى هياكل متفحمة يتصاعد منها الدخان، وفق الصور التي عرضتها التلفزيونات المحلية.
وخلال 48 ساعة وصلت النيران التي يتوقع اندلاعها في مثل هذ الفترة من السنة في الغابات والاحراج بسرعة الى المقطورات الاولى في مناطق التخييم والمساكن الصيفية المنتشرة بكثرة في هذه المنطقة حيث تنشط شركات انتاج النفط. ويواجه رجال الاطفاء صعوبة في اخماد النيران بسبب الرياح التي تعصف بسرعة 40 كلم في الساعة وتؤجج النيران في مناطق عدة في المدينة. ومع ارتفاع درجات الحرارة الى مستوى قياسي من 31 درجة مئوية، والهواء الجاف، تلتهم النيران الغابة الشمالية المحيطة بالمدينة.
ويشارك نحو 250 رجل اطفاء في اخماد النيران ويتوقع وصول مئة اخرين من اونتاريو، بمساندة 17 طائرة لرش المياه و12 مروحية على ان يتم استقدام طائرات اخرى فيما خصص الجيش طائرتي نقل لنقل السكان بصورة عاجلة عند الحاجة. وتسبب اجلاء السكان بازدحامات مرورية هائلة وخصوصا امام محطات الوقود حيث قد يطول الانتظار لساعات في هذه المدينة النفطية، حتى ان الوقود نفد في بعض المحطات.
الى جانب ذلك ذكرت السلطات السريلانكية السبت انها تعتقد ان نحو 100 شخص اعتبروا مفقودين منذ الانهيارات الارضية، قتلوا، بعد فشلها في العثور على اي اثر للحياة تحت اطنان الطين. وقال مركز ادارة الكوارث انه تم انتشال 67 جثة من منطقة كيغالي الاكثر تضررا، بينما اعتبر 99 شخصا اخرين مفقودين عقب الكارثة التي تسببت بها الامطار الغزيرة.
وصرح بارديب كوديبيلي المتحدث باسم المركز ان "الجيش يواصل عمليات البحث، ولكن لا امل بالعثور على اي احياء". كما ادت الامطار الغزيرة الى فيضانات في معظم انحاء البلاد اسفرت عن مقتل 37 شخصا اضافة الى الذين قتلوا في الانهيارات الارضية، بحسب المركز. وقال مسؤول عسكري في كيغالي، على بعد 100 كلم شمال غرب كولومبو، ان عمليات البحث تعثرت بسبب استمرار هطول الامطار في المنطقة. بحسب فرانس برس.
وذكرت الحكومة ان الفيضانات والانهيارات الارضية التي تسببت بها الامطار الغزيرة ادت الى تشريد اكثر من 60 الف شخص، الا ان معظمهم عادوا الى منازلهم بعد انخفاض منسوب المياه. وتلقت سريلانكا مساعدات عاجلة من دول اخرى من بينها جارتها الهند التي ارسلت سفينتين تابعتين للبحرية وطائرة امدادات.
كارثة فرنسا النهرية
على صعيد متصل يواصل منسوب نهر السين بباريس الارتفاع مع تحذير جديد لهيئة الأحوال الجوية من أمطار غزيرة متوقعة. ولا يزال مستوى الإنذار أحمر، في منطقتي لو لواريه (وسط) وسين-سور-مارن (شرق باريس)، وبرتقاليا في سبع مناطق فرنسية أخرى. شبح الخوف من كارثة طبيعية مماثلة لما حدث في العام 1910 يخيم على العاصمة باريس.
وتتجه الأوضاع المناخية في فرنسا نحو التعقد مع تواصل هطول مكثف للأمطار في عدة مناطق من البلاد ما تسبب في حدوث فيضانات أدت إلى ارتفاع منسوب مياه الوديان والأنهار لتبلغ مستويات قياسية لم تشهدها فرنسا منذ سنوات، كنهر السين بالعاصمة باريس، والذي يقطعها من الجنوب إلى الشمال فارتفع منسوب مياهه إلى 4,34 أمتار ا ويتوقع أن يواصل الارتفاع ليبلغ ما بين 5,10 و5,70 أمتار، مع تحذير جديد لمصلحة الأحوال الجوية من توقع هطول أمطار غزيرة.
وتتخوف سلطات المدينة من سيناريو مماثل لما حدث نهاية يناير/كانون الثاني 1910، حيث شهدت باريس أسوأ فيضان في تاريخها عندما ارتفع منسوب نهر السين، إلى أكثر من 8,62 أمتار (ثلاثة أضعاف مستواه الطبيعي)، لتغمر المياه البيوت والشوارع، راح ضحيته قتيل ونحو 200 ألف منكوب، فضلا عن خسائر مادية بلغت مليار يورو (نحو 400 مليون فرنك آنذاك). وإن كانت حركة الملاحة على النهر لم تتوقف نهائيا الخميس، إلا أن الكثير من الممرات المؤدية نحوه تم غلقها، كما أعلنت السلطات وقف ملاحة السفن الشراعية وأخرى بدون محركات.
"الأمر الذي أدى إلى تعطيل الأنشطة السياحية والتجارية المتعلقة بالنهر، حيث قال كريستوف بوغار، مسؤول في شركة مراكب سياحية ""تم إيقاف الملاحة المتعلقة بالقوارب بعد ارتفاع منسوب المياه... ولن نستأنف نشاطنا قبل الأربعاء القادم"". ولا يزال مستوى الإنذار عند المستوى الأحمر في منطقتي لو لواريه في الوسط وسين-سور-مارن في شرق باريس بينما أعلن مستوى الحذر البرتقالي في سبع مناطق أخرى في وسط وشرق لورين (شرق فرنسا).
وصرح رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس الخميس أن الوضع "صعب وحرج" في عدة مناطق من البلاد وخاصة في إقليم سانت إي مارن والإيسون. ومن المتوقع أن يتنقل فالس إلى مدينة نامروس في إقليم سانت إى مارن، والتي تسببت المياه في عزلها ما استوجب تدخل فرق الانقاذ لإجلاء 3000 شخص يسكنونها نحو مراكز إيواء. بحسب فرانس برس.
وخلفت الفيضانات بفرنسا خسائر مادية معتبرة، كما أعلن عن حالة وفاة قرب العاصمة باريس حيث عثر رجال الإطفاء على جثة امراة في الـ86 طافية في منزلها الذي غمرته المياه في مدينة سوب سور لوين. وتلقت خدمات الطوارئ على مدى الأيام الثلاثة السابقة أكثر من 4500 طلب مساعدة لإجلاء سكان كما جرى حشد ثلاثة آلاف من رجال الإطفاء في أنحاء متفرقة في فرنسا، وتطلب الأمر تدخلهم عشرة آلاف مرة.
فيضانات المانيا
في السياق ذاته أفادت الشرطة الألمانية أن حصيلة الفيضانات التي ضربت جنوب البلاد قد ارتفع إلى تسعة أشخاص بينهم ثلاثة من عائلة واحدة بعد أن غمرت المياة منزلهم بالكامل. وأضافت الشرطة أن مستوى المياه ارتفع بسرعة فائقة ولم يتسن لأحد الفرار. وصرح متحدث باسم الشرطة المحلية أن أربعة اشخاص بينهم ثلاث نساء من أسرة واحدة توفوا وفقد أربعة آخرون في بافاريا في جنوب شرق ألمانيا، وأعرب عن قلقه لمصير المفقودين مؤكدا أن غطاسين يحاولون العثور عليهم. وأضاف المصدر نفسه أنه عثر على جثة رجل دون أن يحدد ما إذا كان من المفقودين. وكانت الأمطار الغزيرة التي تساقطت أوقعت أربعة قتلى في جنوب غرب البلد.
وكان مستوى المياه بدأ يتراجع في شوارع مدينة سيمباغ-إم-إين التي كانت مركز الفيضانات وقال المتحدث إن "المستوى يتراجع لكن المياه لا تزال تغمر الكثير من المنازل". وظهرا بقيت الجادة الرئيسية في وسط المدينة مغمورة بالمياه وبدأ السكان يزيلون الوحول من داخل منازلهم. وفي هذه المدينة الصغيرة القريبة من الحدود النمساوية عثر الغطاسون في منزل على ثلاث ضحايا من أسرة واحدة، امرأة في الـ56 وابنتها في الـ28 ووالدتها في الـ78. وعلى مسافة بضعة كيلومترات في جولباخ توفيت امراة في الثمانين من العمر جرفتها المياه بعد انهيار منزلها. بحسب فرانس برس.
وقالت الشرطة إن "مستوى المياه ارتفع بسرعة فائقة ولم يتسن لأحد الفرار". ونقلت المياه جذوع أشجار مخزنة في مستودع إلى وسط المدينة حيث ألحقت أضرارا بواجهات المحلات. وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل "أبكي على الضحايا الذين قضوا في الفيضانات. هذه الحالة الطارئة تدل على أن لدينا روح التضامن في ألمانيا".
اضف تعليق