"حرب المياه"! خطر لا مفر منه، هذا ما يتوقعه الخبراء في السنوات المقبلة من القرن الحالي، إذ سيزداد خطر الصراع على المياه، لانه من المحتمل ان يفوق الطلب العالمي على المياه الامدادات الحالية بنسبة 40 بالمئة بحلول عام 2030، مع الاستنزاف الجائر للمياه في معظم بلدان العالم الشحيحة بمصادر المياه والمهددة بالجفاف والنضوب، أضحى العالم اليوم على شفا حرب بسبب أزمة المياه لاسيما الدول الفقيرة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، التي لا تملك الحلول والبدائل لهذه الأزمة القادمة التي تنذر بنشوب حرب من أجل الغذاء، لا سيما وانهناك 650 مليون شخص أي عشر سكان العالم لا يحصلون على مياه آمنة وهو ما يعرضهم لأمراض معدية وموت مبكر، فيما يعاني اربعة مليارات شخص في العالم بينهم ملياران تقريبا في الصين والهند، من ازمات مياه حادة خلال شهر واحد من السنة على الاقل.
إذ يزيد الطلب على المياه في كل انحاء العالم مع ارتفاع عدد السكان وتوسع الزراعات لكن ثمة كميات كافية من المياه العذبة في العالم لتلبية كل الحاجات على ما افاد الخبراء في هذا الشأن، لكن المشكلة تكمن في عدم توافرها بكميات كافية اينما كان وفي الوقت المناسب، واعتبر هؤلاء الخبراء ان ازمة المياه الحادة تقع عندما يكون الطلب على المياه في منطقة معينة اكثر بمرتين من الكميات المتوافرة.
فيما يرى خبراء آخرون إنه تمثل الاضطرابات السياسية مبعث القلق الرئيسي اليوم في الشرق الاوسط فربما كان الجفاف ونقص المياه في سوريا أسهم في الاضطرابات الاجتماعية التي أذكت الحرب هناك، ونزح نحو 1.5 مليون شخص معظمهم من المزراعين والرعاة الى مناطق عمرانية فيما عجزوا عن الحصول على فرص عمل وخدمات كافية، وقالوا إن المياه لعبت دورا مهما في الصراع الممتد منذ عقود بين الاراضي الفلسطينية واسرائيل، لذا فمن غير المرجح ان تصبح المياه سببا للصراع بل قد تكون عنصرا لتسريع وتيرته او مضاعفة الصراعات.
على الصعيد ذاته قال خبراء إن المزارعين يواجهون مخاطر متزايدة على محاصيلهم جراء موجات الجفاف المتكررة وأحوال الطقس المتطرفة خلال العقود القادمة وإن ترشيد استهلاك المياه قد يساعدهم على حماية امداداتهم من الطعام والمياه، وتستهلك الزراعة على مستوى العالم نحو 70 في المئة من المياه التي يستهلكها الانسان كل عام.
في البرازيل ترتفع لافتة كتب عليها "خطر الغرق" عند مدخل احد السدود التي تمد ريو دي جانيرو بمياه الشرب، غير ان السد لم يعد يحتوي على قطرة مياه واحدة، بينما تواجه الصين معوقات بشأن موارد المياه في وقت يشتد فيه الطلب عليها وفيما يتوسع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وعليه يبقى توقع ازمات المياه صعبا جدا في حين ان الطلب عليها وتوافرها يتفاوتان وفقا للمناطق والمواسم في اجزاء كثيرة من العالم.
650 مليونا بلا مياه صالحة للشرب
هناك 650 مليون شخص أي عشر سكان العالم لا يحصلون على مياه آمنة وهو ما يعرضهم لأمراض معدية وموت مبكر، ووفق تقديرات الأمم المتحدة يمكن للمياه القذرة وسوء نظم الصرف أن تصيب الأطفال بإسهال شديد وتقتل 900 طفل تحت سن الخامسة يوميا على مستوى العالم أي طفل كل دقيقتين، وتقول منظمة الصحة العالمية إن العدوى التي تحدث بين المواليد نتيجة لنقص المياه الآمنة والبيئة النظيفة تتسبب في حالة وفاة كل دقيقة في مكان ما من العالم.
وتقول الأمم المتحدة إن توفير مياه الشرب الآمنة وخدمات الصرف الصحي أساسي لصحة الإنسان. وهي مهمة أيضا لمزايا واضحة أخرى منها توفير المال والوقت وعناصر ملموسة أكثر مثل سهولة ورغد العيش والكرامة والخصوصية والسلامة.
وتقدر منظمة الصحة العالمية أن الاستثمار بدولار واحد في تحسين موارد المياه وخدمات الصرف الصحي سيعود بمكاسب تتفاوت ما بين 4 و11 دولارا وأن ذلك يعتمد على أسلوب التدخل.
ثلثا سكان العالم يعانون من ازمات مياه
يعاني نحو نصف مليار شخص من شح في المياه طوال السنة على ما اوضح الخبيران اللذان اعداد تقرير نشر في النسخة الاخيرة من مجلة "ساينس ادفانس" العلمية الاميركية، وجاءت توقعاتهما سلبية اكثر من تلك المتوافرة حتى الان والتي تقدر عدد الذين يواجهون هذه الازمات ب1,7 مليار الى 3,1 مليارات.
وقد تفيد نتائج هذا البحث الحكومات والشركات في اطار وضع استراتيجيات اكثر فعالية لادارة المياه بطريقة تلبي الحاجات السكان الملحة، واوضح معدا التقرير مسفين ميكونين واريين هوكسترا من جامعة توينته في هولندا ان النمو السكاني وتحسن مستوى المعيشة والتغير في انماط الاستهلاك وتطور الري في الزراعة هي من العوامل الرئيسية التي تزيد كثيرا من الطلب على المياه في العالم.
وقد حاولت ابحاث عدة في السابق ان تقدر ازمات المياه في العالم لكن على اساس سنوي فقط ولم تتمكن تاليا من الوقوف على التفاوت الحاصل طوال السنة مما يفسر التفاوت في التقدير، وخلصت الدراسة الحالية الى ان عددا كبيرا من السكان يواجهون ازمات حادة في المياه خلال بعض فترات السنة في دول غير الصين والهند، مثل بنغلادش وباكستان ونيجيريا والمكسيك والولايات المتحدة (في حنوب غربها لا سيما كاليفورنيا والجنوب خصوصا تكساس وفلوريدا)، واعتبر معدا التقرير ان وضع حدود لاستهلاك المياه في احواض الانهر وتحسين فعالية استخدامها واعتماد توزيع افضل للموارد المائية العذبة، عوامل حاسمة لخفض تهديد الازمات المائية على التنوع الحيوي ورفاه الانسان.
قال خبراء إن نحو نصف 33 دولة من المتوقع ان تواجه أزمة مياه طاحنة بحلول عام 2040 تقع في منطقة الشرق الاوسط حيث تندر المسطحات المائية ويشتد الطلب على المياه، ويقول الخبراء -الذين قاموا بتصنيف 167 دولة من حيث توافر المياه- إن 13 دولة بالشرق الاوسط علاوة على الأراضي الفلسطينية من المتوقع ان تواجه أزمة خانقة في المياه في غضون 25 عاما وصنفت ثماني دول -من بين الدول العشر الأولى عالميا المرشحة لهذه الأزمات- وهي البحرين والكويت والأراضي الفلسطينية وقطر ودولة الامارات واسرائيل والسعودية وسلطنة عمان، قال باحثون من المعهد العالمي للموارد المائية –الذين وضعوا أول مقياس لمدى شدة المنافسة على المسطحات المائية مثل البحيرات والانهار ولنفاد هذا المخزون على مدار كل عقد من عام 2010 وحتى 2040– إن منطقة الشرق الأوسط ربما كانت أكثر مناطق العالم من حيث الافتقار للأمن المائي.
وكتب الباحثون يقولون إن هذه الدول تسحب المياه الجوفية بغزارة وتقوم بتحلية مياه البحار وتواجه "تحديات استثنائية تتعلق بالمياه في المستقبل المنظور"، وقالت بيتسي أوتو مديرة البرنامج العالمي للمياه في المعهد العالمي للموارد المائية إن من الأهمية بمكان ان تتفهم الحكومات المخاطر المحتملة التي تواجهها فيما يتعلق بالمياه اللازمة لتسيير شؤونها الاقتصادية بما في ذلك تعاظم الطلب الناجم عن الزيادة السكانية علاوة على الآثار غير المؤكدة لتغير المناخ، وقالت أوتو لتومسون رويترز مشيرة الى سنغافورة بوصفها نموذجا لدولة تستعين بالاساليب المبتكرة "الانباء السارة .. ان بوسع الدول اتخاذ قرارات للحد من هذه الأزمة وتجنب المخاطر المرتبطة بكيفية ادارة موارد المياه".
ومن بين الأساليب التي قد تشيع في منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى أنظمة اعادة استعمال المياه التي تقوم بمعالجة مياه الصرف الصحي، وقالت أوتو "ليس من المجدي معالجة المياه الى مستوى المياه القابلة للشرب واتاحة استخدامها في المنازل ثم تهدر بعد ذلك في شبكات الصرف الصحي"، وتقول أوتو إن بعض دول الشرق الاوسط تعول على تحلية المياه من خلال ازالة ملوحة مياه البحار والمياه الجوفية وقد تواجه مثل هذه الدول وغيرها التي تعاني من أزمات المياه العجز عن توفير الغذاء اللازم لشعوبها لأن المياه تلتهم موارد المياه.
وقال خبراء المعهد إن السعودية على سبيل المثال تقول إن شعبها سيعتمد بصفة أساسية على واردات الحبوب بحلول 2016، وتضمن التحليل أربع دول من المقرر ان تواجه ازمة حادة في المياه بين عامي 2010 و2040 هي تشيلي واستونيا وناميبيا وبوتسوانا ما يضيف أعباء جديدة على انشطتها التجارية والزراعية والمجتمعية، وحذرت ايضا من ان التصنيف على المستوى القومي يخفي خلفه تفاوتات ضخمة فيما بين الدول فالولايات المتحدة على سبيل المثال صنفت 49 في عام 2010 و47 في عام 2040 لكن كاليفورنيا تكابد أزمة جفاف خانقة.
وقالت اوتو إن بعض هذه الدول قد يشهد زيادة امدادات المياه مستقبلا من خلال مياه الامطار بسبب التغير المناخي كما ان قطاع الزراعة قد يعول على مياه الامطار بدلا من مياه الري ما ينقذ الطلب المباشر على مياه المسطحات المائية، قالت اوتو إنه في جنوب القارة الافريقية ومناطق اخرى من العالم حيث من المتوقع نضوب المعروض من المياه مع تعاظم الطلب يتعين على صناع السياسة التحرك للحيلولة دون تفاقم ازمة المياه، وقالت أوتو "نحتاج الى ان نتفهم العلاقة بين المعروض المتاح من هذه المياه والطلب عليها وعلينا اتخاذ خطوات لاستهلاك المياه التي تحت تصرفنا بصورة اكثر كفاءة".
سحب مياه الآبار
جاء في تقرير نشرته ادارة الطيران والفضاء الامريكية (ناسا) ان مناطق من وادي سان هوان في وسط ولاية كاليفورنيا تهبط بسرعة أكبر من المتوقع نتيجة السحب الزائد من مياه الابار مع معاناة الولاية من موجة جفاف شديدة.
وقالت ادارة الموارد المائية في كاليفورنيا إن بعض المناطق تشهد هبوطا شهريا يصل الى خمسة سنتيمترات وهو ما قد يؤدي في حالة استمراره الى تقويض البنية التحتية مثل الجسور والطرق والقنوات، وذكرت الادارة أن الهبوط دمر بالفعل تبطين الالاف من ابار المياه العامة والخاصة في الوادي المعتمد على الزراعة وان عمليات الهبوط المستمرة على مر الوقت يمكن ان تخفض بشكل دائم كميات المياه المخزنة في الابار. بحسب رويترز.
وقال مارك كوين مدير ادارة الموارد المائية في بيان "مياه الابار هي مخزون مدخر لتوفير الامدادات خلال الجفاف لكن تقرير ناسا يظهر عواقب السحب الزائد (من الابار) ونحن ندخل في خامس عام جفاف تاريخي"، وأضاف "بسبب السحب الزائد وصلت مستويات مياه الابار الى مستوى قياسي متدن بلغ أقل 30 مترا عن المستويات القياسية السابقة"، وهبوط الاراضي يحدث في كاليفورنيا منذ عقود بسبب سحب مياه الابار خلال الجفاف لكن تقرير ناسا يحذر من هبوط متسارع الان.
البرازيل بلد المياه بامتياز تعاني العطش
محمية ساراكورونا قرب دوكي دي كاسياس في ضاحية ريو الشمالية لم تعد اكثر من سهل واسع من الرمل والوحل والنباتات تجوبه الكلاب والابقار بحثا عن مجرى مياه ضئيل، وفي اثناء سيره في مجرى النهر الجاف بعد ان امر فريق صحافيي وكالة فرانس برس بمغادرة المكان عند زيارته الجمعة، صرح عنصر امني "لم تعد ثمة مياه هنا منذ زمن طويل"، وحالة ساراكورونا تنطبق على مجمل جنوب شرق البرازيل بين ريو دي جانيرو وساو باولو حيث جفت السدود، وتبذل السلطات كل ما وسعها لتجنب تقنين المياه.
وتنسب دائرة البيئة في ولاية ريو المشكلة الى "اسوا جفاف في السنوات الـ85 الاخيرة"، لكن خبراء البيئة يعزون الامر من جهتهم الى السياسات العامة السيئة لادارة المياه منذ عقود، ومع اقتراب موسم الامطار يخشى العلماء ان تؤدي ظاهرة "ال نينيو" المناخية التي تقلص حجم الامطار الى تفاقم الوضع، وينبغي عدم نسيان دورة الالعاب الاولمبية التي تستضيفها ريو العام 2016 في بلاد تعول على السدود لتأمين 75% من حاجاتها الى المياه والكهرباء.
الصين ترفع الحد الأقصى لاستهلاك المياه
كتب وزير الموارد المائية الصيني يقول في كتاب جديد في معرض حديثه عن أهداف الاقتصاد الصيني إن بلاده سترفع الحد الاقصى للاستهلاك السنوي من المياه خلال السنوات الخمس القادمة لكنها ستسن قوانين جديدة صارمة للقضاء على التلوث والحفاظ على الموارد الطبيعية.، ورد ذلك في خلال سلسلة من المقالات كتبها مسؤولون كبار في الخطة الخمسية رقم 13 للبلاد التي ترسم أهداف البلاد حتى عام 2020 .
وقال تشن لياي وزير الموارد المائية الصيني إن البلاد سترفع من الحد الاقصى السنوي لاستهلاك المياه الى 670 مليار متر مكعب بحلول عام 2020 بارتفاع عن المستوى الحالي البالغ 600 مليار متر مكعب.
وتتضمن خطط الصين أيضا زيادة كفاءة استخدام المياه في قطاع الزراعة والحد من كميات المياه المستهلكة في قطاع الصناعة، وقال تشن إن الصين تعاني حاليا من نقص في موارد المياه بواقع أكثر من 50 مليار متر مكعب سنويا.
وقالت الوزارة في وقت سابق إن الحكومة تمسكت بحد اقصى اجمالي لاستخدام المياه بواقع 700 مليار متر مكعب بحلول عام 2030، وأعلنت وزارة البيئة في الصين في الآونة الاخيرة ان نحو ثلث المياه الجوفية في البلاد وثلت المسطحات المائية صنفت على انها غير صالحة للاستهلاك الآدمي المباشر خلال عام 2014، وتشن الصين "حربا على التلوث" في محاولة لتلافي بعض الأضرار البيئية الناجمة عن أكثر من ثلاثة عقود من النمو الصناعي السريع الذي أدى الى مزيد من تلويث إمدادات المياه التي أصبحت غير صالحة للاستهلاك الآدمي او الري، وقد شرعت الصين في تنفيذ خطة عمل لحماية جودة موارد المياه الشحيحة بالبلاد. وتلزم الخطة الشركات في قطاع الصناعات التي تسبب قدرا أكبر من التلوث مثل مصانع الورق والصباغة والكيماويات بمعالجة المياه المنصرفة منها علاوة على توقيع عقوبات مالية رادعة على مخالفي القانون الخاص بتصريف الملوثات.
ترشيد استهلاك المياه
قال جوشوا إليوت وهو خبير زراعي من جامعة شيكاجو أمام جمع من علماء المناخ في العاصمة الفرنسية باريس إن موجات الجفاف الشديد على مستوى العالم التي كانت تحدث عادة مرة كل مئة عام أصبح من المتوقع الان ان تحدث كل 30 عاما فقط.
وقال ان المزارعين في الولايات المتحدة نجحوا في زيادة انتاجهم من الذرة بنسبة 70 في المئة في الفترة بين 1980 و2012 بزيادة في استهلاك المياه ثمانية في المئة فقط لكن تغير المناخ سيوقف هذا لان التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة سيتطلب زيادة في استخدام المياه والتي قد لا تكون متوفرة، وقال جوناس جاجيرماير خبير المياه في معهد بوستدام لابحاث اثار تغير المناخ ان الجهود التي تستهدف ترشيد الري في الولايات المتحدة ومناطق أخرى ومنها اللجوء الى المحاصيل التي تعتمد على مياه الامطار وخفض عمليات بخر المياه واستخدام تقنيات منها الري بالتنقيط يمكن ان تساعد في احتواء هذه الاثار.
اضف تعليق