في مطلع القرن الحادي والعشرين، بدأ التهديد الحقيقي للغابات الجبلية، وتحديدًا حين بدأت تتطور إمكانيات الإنسان الصناعية والزراعية، بالإضافة إلى الضغط الشديد على الأراضي السهلية، وحماية بعضها في محميات طبيعية، وتسارعت وتيرة فقدان الغابات في المناطق الجبلية في جميع أنحاء العالم...
بقلم: محمود العيسوي
في مطلع القرن الحادي والعشرين، بدأ التهديد الحقيقي للغابات الجبلية، وتحديدًا حين بدأت تتطور إمكانيات الإنسان الصناعية والزراعية، بالإضافة إلى الضغط الشديد على الأراضي السهلية، وحماية بعضها في محميات طبيعية.
وتسارعت وتيرة فقدان الغابات في المناطق الجبلية في جميع أنحاء العالم، مدفوعةً بأنواع مختلفة من الأنشطة البشرية، مثل الزراعة وقطع الأشجار، فضلًا عن حرائق الغابات، في هذا السياق، حذرت دراسة جديدة من تسارُع معدل تلاشي الغابات الجبلية التي تستضيف أكثر من 85٪ من أنواع الطيور والثدييات والبرمائيات في العالم.
وأوضح الباحثون في دراسة نشرتها دورية "وان إيرث" (One Earth)، أن العالم فقد 7.1٪ من الغابات الجبلية، أي ما يعادل 78.1 مليون هكتار منذ عام 200، تقول الدراسة: إن الأنواع الحيوانية المهددة تتعرض لضغط متزايد نتيجة الخسارة في موائلها الغابية التي تركزت في النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي المداري، تعرضت الغابات الجبلية لخسائر كبيرة في آسيا وأمريكا الجنوبية وأفريقيا وأوروبا وأستراليا، ولكن ليس في أمريكا الشمالية وأوقيانوسيا.
من جهتها، أوضحت "شينيو هي" -طالبة الدكتوراة في كلية الأرض والبيئة في جامعة ليدز البريطانية، والباحثة الرئيسية في الدراسة- أن "الغابات الجبلية المدارية هي الأكثر تضررًا، لكن لحسن الحظ أسهمت المناطق المحمية في الحد من فقدان الغابات الجبلية في النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي".
تقول "شينيو هي" في تصريحات لـ"للعلم": ارتفع المعدل السنوي لفقدان الغابات الجبلية بنسبة 50٪ في الفترة من 2001 إلى 2018، ويرتبط حوالي 42٪ من خسارة الغابات الجبلية بقطع الأشجار، تليها حرائق الغابات بنسبة 29٪، وأنواع الزراعة المختلفة بنسبة 25٪، وتعرضت غابات الجبال الاستوائية لأكبر خسارة بنسبة بلغت 42٪ من الإجمالي العالمي.
تضيف "شينيو هي": من بين 78 دولة لديها بيانات تتعلق بالمناطق المحمية في المناطق الجبلية، فإن نصف هذه الدول تقريبًا تبذل جهودًا فعالة من أجل تخفيض معدل فقدان الغابات، كما لاحظنا بعض علامات إعادة نمو الغطاء الشجري في 23٪ من المناطق التي فقدت غاباتها.
وتتابع: للوصول إلى تلك النتائج، دمجنا مجموعات بيانات متعددة، تتضمن قواعد البيانات العالمية بشأن تغيُّر الغابات، وبيانات تضاريس سطح الأرض، وخريطة العوامل المسببة لفقدان الغابات، وحدود المناطق المحمية، وخرائط توزيع الأنواع، وتتبَّعنا التغييرات في الغابات الجبلية على أساس سنوي من عام 2001 إلى عام 2018، ثم قمنا بتحديد الخسائر في الغطاء الشجري، وتقدير معدل حدوث التغيير، ومقارنة أنواع مختلفة من الغابات الجبلية -الشمالية والمعتدلة والاستوائية- واستكشفنا آثار فقدان الغابات على التنوع البيولوجي.
وفق الدراسة، فإن المناطق المحمية تعرضت لخسارة أقل في أشجارها مقارنةً بالمناطق غير المحمية، لكن الباحثين يحذرون من أن هذا قد لا يكون كافيًا للحفاظ على الأنواع المهددة، ويؤكد الباحثون ضرورة اتخاذ إجراءات حمائية للحفاظ على سلامة الغابات في مناطق واسعة بما يكفي لإتاحة الحركة بحُرية كافية للأنواع التي تعيش فيها؛ للحفاظ عليها من الانقراض، كما يؤكد الفريق أهمية مراعاة سبل عيش الإنسان ورفاهه عند تطوير إستراتيجيات وتدخُّلات حماية الغابات، بحيث تتكيف أي تدابير جديدة لحماية الغابات الجبلية مع الظروف والسياقات المحلية، ويجب أن توفق بين الحاجة إلى حماية الغابات المعززة مع ضمان إنتاج الغذاء ورفاهية الإنسان.
تقول "شينيو هي": الدراسة توفر أول مؤشرات عن مدى فقدان الغابات الجبلية وتوزيعها في جميع أنحاء العالم، كما أنها تكشف عن تسارُع ينذر بالخطر في فقدان الغابات بالمناطق الجبلية على مدار العقدين الماضيين، الأمر الذي يدفعنا إلى إعادة التفكير في المفهوم الذي كان سائدًا في السابق، بأن الجبال تمثل حواجز طبيعية لحماية الغابات.
وفيما يتعلق بالأنواع الحساسة في النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي، يعتبر الباحثون أن القضية الأكثر إلحاحًا تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد منع فقدان الغابات، مؤكدين أهمية "الحفاظ على سلامة الغابات في مناطق شاسعة، بما يضمن السماح بالحركة الطبيعية والمساحة الكافية لبقاء هذه الأنواع".
تضيف "شينيو هي": قد تثير نتائجنا قلق بعض الناس بشأن استمرار هذا التسارُع أو ما إذا كنا نتوقع وقوع مزيد من الخسائر في الغابات الجبلية في المستقبل، لكننا سنواصل اهتمامنا الوثيق بالتغيرات التي تطرأ على الغابات الجبلية بسبب تغيُّر المناخ واستغلال البشر، وتأثيراتها على التنوع البيولوجي وانبعاثات الكربون.
اضف تعليق