q
أصاب الإحباط الباحثين بسبب وتيرة جهود نزع الكربون، إلا أنهم من جهة أخرى، رحبوا بتبني التزامات بتعويض الخسائر والأضرار الناجمة عن التغير المناخي. في العشرين من نوفمبر الماضي، مع ختام الدورة السابعة والعشرين من مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيُر المناخي...
بقلم: إحسان مسعود، جيف توليفسون، آيسلينج إروين

في العشرين من نوفمبر الماضي، مع ختام الدورة السابعة والعشرين من مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيُر المناخي (المعروفة اختصارًا بـ» كوب«27 COP27) ، سرى شعور بالإحباط بين أغلب الباحثين إزاء تقاعس المؤتمر عن تبني أية طموحات بالاستغناء تدريجيًا على استخدام الوقود الأحفوري. بيد أنه على الصعيد المشرق، خرجت وفود البلدان ذات الدخول منخفضة ومتوسطة الدخل باتفاقية جديدة لتأسيس صندوق تمويلي يساعد في توفير التعويضات اللازمة لتغطية "الخسائر والأضرار" الناجمة عن التغيُّر المناخي. وتنص وثيقة موجز المؤتمر الختامية المكونة من 10 صفحات، والتي أقرتها الدول المشاركة في المؤتمر في العشرين من نوفمبر الماضي، على أن كبح جماح الاحترار العالمي بحيث لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، يتطلب: "خفض انبعاثات غازات الدفيئة سريعًا، وبصورة حادة ومستدامة"، بحلول عام 2030.

إلا أن الدول المنتجة للنفط قد تَصدَّت لدعوات القضاء تدريجيًا على استخدام الوقود الأحفوري، بل إن بعض وفود المؤتمر رأت أن وتيرة نزع الكربون شديدة البطء تُعد بالكاد مبشرة، وألقى كثير من المشاركين بالمؤتمر باللائمة في بطء خطى القضاء تدريجيًا على استخدام الوقود الأحفوري، على أزمة الطاقة التي أشعلها الغزو الروسي لأوكرانيا.

في هذا السياق، يقول تشوكوميريجي أوكيريكي الباحث في مجال حوكمة المناخ من كلية »أليكس إكويمي الفيدرالية بجامعة ندوفو أليكي»: "من الواضح أن فرص كبح جماح الاحترار العالمي بحيث لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة تتلاشى سريعًا". وقد يستحيل أن يبقى هذا الهدف المناخي قائمًا، غير أن أوكيريكي يوضح مستدركًا أن تحقيق هذا الهدف قد يغدو ممكنًا، حال "نزع ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي بدرجة كبيرة، وعلى نطاق غير مسبوق".

وقد بلغ عدد من سجلوا رغبتهم في حضور المؤتمر 45 ألفًا، وهو عدد غير مسبوق، ما يدفع البعض إلى التساؤل عما إذا كان انعقاده بهذه الصورة ملائمًا لمعالجة أزمة طارئة يمر بها الكوكب، أم لا. تعقيبًا على ذلك، في تصريح إبان انعقاد المؤتمر، قالت سونيتا ناراين، المدير العام لمركز العلوم والبيئة، وهو مؤسسة للأبحاث البيئية في نيودلهي: "المفاوضات التي تجري الآن تفتقر تمامًا إلى الواقعية".

فعلى الرغم من أن ثمة جدوى من حشد جميع الأطراف لتشارُك وتبادل الأفكار، وإعطاء زخم للقضية، تخشى ناراين أن المؤتمر فقد المغزى الأساسي منه، وهو أن يلتزم زعماء العالم باتخاذ خطوات أكثر صرامة وجدية، وأن ينهضوا بمسؤولياتهم في هذا الصدد. وهو ما توضحه قائلة: "لم أر في حياتي مشهدًا كهذا. لقد اختُزلت أهمية الفعالية برمتها، لتتحول إلى استعراض لمحفل مهيب".

صراع على التمويلات

كان ممثلو البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وممثلو الصين على يقين كبير بأن المؤتمر سوف يفضي إلى تأسيس صُندوق جديد لتأمين تعويضات للخسائر والأضرار الناجمة عن التغيُر المناخي، عندما أضيف البند المتعلق بذلك إلى جدول أعمال المؤتمر في مستهله.

فمن شأن الصُندوق أن يدعم البلدان التي تواجه آثار التغير المناخي، مثل باكستان، حيث تسببت الفيضانات هذا العام في خسائر تقدر بحوالي 30 مليار دولار أمريكي.

وقد جاء جون كيري، مبعوث الولايات المتحدة لشؤون المناخ، إلى المؤتمر معارضًا لتأسيس الصُندوق منذ قدومه، محتجًا بأن التمويلات المتوفرة بالفعل يمكنها تغطية الخسائر والأضرار الناجمة عن التغيُر المناخي. وقد تشكك ممثلو الاتحاد الأوروبي في البداية في جدوى الصندوق، إلا أنهم عدلوا عن موقفهم في نهاية المطاف، وهو ما وضع ضغوطًا باتباع النهج نفسه على الولايات المتحدة. أما التفاصيل فيما يتعلق بالمبالغ المزمع أن تُرصد للصندوق، والأطراف المشاركة في تمويله، فسوف يكون لزامًا طرحها للنقاش في المؤتمر القادم.

وفي سابقة بتاريخ هذه القمة، جاءت الوثيقة النهائية لها داعمةً لتبني سياسات إصلاحية فيما يخص المبالغ التي ترصدها جهات الإقراض العملاقة لتمويل العمل المناخي، مثل صندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي. ففي الوقت الذي يتوفر فيه لصندوق النقد الدولي تريليون دولار لإقراض البلدان التي تعاني أزمة مالية، لا يُخصص سوى جزء صغير من هذا المبلغ لتمويل مواجهة آثار التغير المناخي. حول ذلك، تقول سارة كولينبراندر، الباحثة في تمويل العمل المناخي من معهد التنمية الدولية، وهو مركز أبحاث مقره لندن، إن هذه القرارات الداعمة لتبني سياسات إصلاحية تُعد ذات أهمية كبيرة، إذ تأتي من بلدان تسهم في مؤسسات الإقراض تلك، وتستطيع إحداث التغيير المنشود.

تداعيات أزمة الطاقة

ألقت أزمة الطاقة التي أشعلها غزو روسيا لأوكرانيا بظلالها إلى حد كبير على المحادثات. فارتفاع أسعار الغاز الطبيعي غيَّر شكل أسواق الطاقة العالمية، ودفع بعض الدول الأوروبية الغنية إلى العودة مؤقتًا إلى استخدام الفحم، مع البحث خارجها عن مصادر جديدة للغاز الطبيعي.

وعلى الرغم من أن المفاوضات شجعتها صفقة منفصلة، أعلنت عنها قمة مجموعة العشرين (G20) في بالي في إندونيسيا، حيث وافقت الدول الغنية على توفير 20 مليار دولار لمساعدة إندونيسيا على الاستغناء تدريجيًا عن الفحم، كان جزء كبير من تركيز القمة منصبًا على التهافت الأوروبي على الغاز الطبيعي.

"لم أر في حياتي مشهدًا كهذا. لقد اختُزلت أهمية الفعالية برمتها، لتتحول إلى استعراض لمحفل مهيب".

وتجدر الإشارة إلى أن ألمانيا كانت قد وقعت اتفاقًا مع مصر في إطار دعم إنتاج الهيدروجين الأخضر وتصدير الغاز الطبيعي المُسال. كذلك تسعى حاليًا بعض الحكومات والشركات إلى اجتذاب مشروعات طاقة قائمة في بلدان مثل السنغال، وتنزانيا، والجزائر.

ويشدد قادة أوروبيون على أن هذه الإجراءات ليست إلا حلولًا قصيرة المدى، لا تنتقص من أهمية التزامهم على المدى الطويل بدعم العمل المناخي. إلا أن البوادر لا تبشر بخير، على حد وصف ناراين، التي أضافت أن البلدان مرتفعة الدخول تبنت قبل الأزمة خطابًا يتعهد بعدم تمويل أي مشروعات لإنتاج الوقود الأحفوري في الدول ذات الدخول الأدنى, أما الآن، على حد تعبير ناراين، فـ"الجميع يطالب بزيادة العرض من الوقود الأحفوري".

وقد كانت لهذه التوترات آثار ملموسة على مفاوضات المؤتمر. إذ حُذفت من الوثائق الختامية له العبارات الداعية للقضاء تدريجيًا على استخدام الوقود الأحفوري، وحلت محلها صيغة تناشد بإسراع وتيرة تطوير أنظمة توليد الطاقة "ذات الانبعاثات المنخفضة"، وهو ما يدفع كثيرين إلى التخوُف من التذرع بهذه العبارات لتبرير إنتاج مزيد من الغاز الطبيعي.

كذلك فإن الإخفاق في كبح الإقبال على مزيد من الوقود الأحفوري يهدد بتقويض المفاوضات حول التعويضات اللازمة لتغطية الخسائر والأضرار المترتبة على التغير المناخي، بحسب ما أفاد به جُواب أوكندا، كبير استشاريي مجموعة الضغط »كريستيان آيد« Christian Aid في إفريقيا، الذي أضاف: "مزيد من الوقود الأحفوري يعني مزيدًا من الخسائر والأضرار".

تركيز على الغذاء

تنص اتفاقية المؤتمر أيضًا على أن "ضمان الأمن الغذائي والقضاء على الجوع" أولوية أساسية، وعلى أن المجتمعات تكون أقدر على حماية نفسها من تأثيرات التغير المناخي حال حماية منظومات المياه والحفاظ عليها. على النقيض، لم يشر ميثاق مؤتمر جلاسجو للمناخ الذي عُقد العام الماضي إلى أي قضايا متعلقة بالزراعة أو الغذاء أو الماء.يعلق يواخيم فون براون، خبير الاقتصاد الزراعي من جامعة بون في ألمانيا على ذلك قائلًا: "ثمة تحسن ملموس في صياغة الاتفاقية". في ذلك الصدد، تقول كلوديا سادوف المدير التنفيذي للهيئة الاستشارية الدولية للبحوث الزراعية (CGIAR) ، وهي شبكة عالمية لمراكز الأبحاث الزراعية، إن الإضافات التي أُلحقت بالاتفاقية موضع ترحيب، إلا أنها استدركت قائلة: "لكن ما نصت عليه الاتفاقية فيما يتعلق بأزمة الغذاء لا تدعمه إجراءات يجب اتخاذها على الأرض".

ولم يُحرز المؤتمر تقدمًا على طريق تخصيص تمويلات جديدة من جانب الحكومات، لتصب في دعم منظومات الغذاء. على النقيض، تعهدت مؤسسة بيل آند ميليندا جيتس« Bill and Melinda Gates في سياتل بواشنطن بدفع 1,4 مليار دولار أمريكي على مدار أربع سنوات لمساعدة صغار المزارعين من ملاك الأراضي في معالجة الآثار الناجمة عن التغير المناخي، سواء كانت مباشرة أو مرتقبة على المدى البعيد. تعليقًا على ذلك، قال مارك سوزمان الرئيس التنفيذي للمؤسسة في بيان له: "كل لحظة يتقاعس فيها العالم عن اتخاذ إجراء، تتزايد أعداد من تقع عليهم المعاناة، وتصبح الحلول أكثر تعقيدًا، وأعلى تكلفة".

ولم ترد بوثيقة اتفاقية المؤتمر أية إشارات إلى التقديرات التي وضعتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي (IPCC)، التي أفادت بأن منظومات إنتاج الغذاء تتسبب في نسبة تتراوح ما بين 21% إلى 37% من إجمالي الانبعاثات العالمية. في هذا الإطار، يقول فون براون: "إن الفرص التي توفرها زراعة الكربون وإدارة استخدام الأراضي، بهدف الإسهام في تخفيف حدة آثار التغير المناخي، لا تحظى بأي اهتمام.

اضف تعليق