q
تشهد التربة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تدهورًا وتآكلًا وانخفاضًا سريعًا في درجة خصوبتها، كما يشهد إنتاج المحاصيل الزراعية تراجُعًا على نحوٍ يهدد الأمن الغذائي الهش في المنطقة، في الوقت الذي تُشير فيه التوقعات إلى أن المنطقة سينالها تأثيراتٌ كبيرة من جرَّاء تغيُّر المناخ...
بقلم: نيتشر ميدل ايست، كيرا ووكر

تشهد التربة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تدهورًا وتآكلًا وانخفاضًا سريعًا في درجة خصوبتها، كما يشهد إنتاج المحاصيل الزراعية تراجُعًا على نحوٍ يهدد الأمن الغذائي الهش في المنطقة، في الوقت الذي تُشير فيه التوقعات إلى أن المنطقة سينالها تأثيراتٌ كبيرة من جرَّاء تغيُّر المناخ، وتُؤكد هذه العوامل وغيرها حاجة المنطقة المُلحَّة إلى تبنِّي نُهُج زراعية أكثر استدامة.

تستضيف مصر الشهر الجاري المؤتمر السابع والعشرين لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخCOP27 ، ومن هذا المنطلق يدرس باحثون إقليميون التحول إلى الزراعة الحافظة للموارد، وهو نهجٌ يهدف إلى تحسين سلامة التربة وجودتها، وتعزيز الأمن الغذائي، وزيادة إمكانية التكيف مع المناخ، كما يمكن أن يتسنى من خلاله مواجهة التحديات الرئيسية التي تحد من الإنتاج الزراعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

تقول مينا ديفكوتا-واستي، الخبيرة الزراعية لدى المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة «إيكاردا» (ICARDA) في المملكة المغربية: "أظهرت العديد من الدراسات أن الزراعة الحافظة للموارد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تمثل تكنولوجيا بديلة محتملة تتسم بالمرونة المناخية ويمكن الاستفادة منها في الأراضي الجافة مقارنةً بالنظام التقليدي الحالي".

المقارنة بين النهجين

تهدف الزراعة الحافظة للموارد إلى تحقيق مستوياتٍ عالية دائمة من الإنتاج وأرباحٍ مقبولة للمزارعين جنبًا إلى جنب مع تجديد التربة وحماية البيئة، وهذا النهج القائم على الإدارة المتكاملة للتربة وموارد المياه يسترشد بثلاثة مبادئ أساسية: الحد من اضطراب التربة أو تجنُّبه تمامًا من خلال وضع البذور بدقة باستخدام آلاتٍ زراعية متخصصة تُعرف باسم آلات البذر بلا حراثة، والتغطية الدائمة للتربة ببقايا المحاصيل لحماية التربة في أثناء فترات الإراحة، وتنويع المحاصيل من خلال تنويع سبل المناوبة والجمع بينها، وهذه الممارسات مجتمعةً تُسهِم في تعزيز التنوع البيولوجي والعمليات البيولوجية الطبيعية فوق سطح التربة وتحته، مما يُسهم في تحسين إنتاج المحاصيل واستدامته.

يتناقض هذا النهج مع الزراعة التقليدية التي تُلحق ضررًا بالتربة من جرَّاء الحراثة والتمشيط، كما تدمج معظم بقايا المحاصيل أو تطمرها، تاركةً التربة عاريةً ومعرضةً للتآكل بفعل الرياح والمياه، ويرتبط النظام التقليدي بزراعة المحصول الواحد، إذ يُزرع المحصول نفسه عامًا بعد عام، مما يزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض والآفات ويستنزف العناصر الغذائية من التربة، ما يُؤثر سلبًا على قدرتها الإنتاجية بمرور الوقت.

شهد نهج الزراعة الحافظة للموارد توسعًا بطيئًا في العديد من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، منذ إدخاله في المملكة المغربية قبل 40 عامًا، كان الإقبال متفاوتًا، إذ تراوحت مساحة الأراضي المُدارة بهذه الطريقة بين 100 هكتار في الأردن و12 ألف هكتار في المملكة المغربية و20 ألف هكتار في كلٍّ من العراق وسوريا، وتُشير التقديرات إلى أن ثمة حيزًا كبيرًا للنمو، إذ يُعتقد أن نهج الزراعة الحافظة للموارد يمكن استخدامه في نسبةٍ تتراوح بين 25% و40% من إجمالي مساحة الأراضي الصالحة للزراعة والذي يبلغ 53 مليون هكتار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

تُسلط الأبحاث الضوء على الكثير من الفوائد المتحققة من اتباع نهج الزراعة الحافظة للموارد؛ فعلى المدى القصير، يُقلل هذا النهج من تبخُّر مياه التربة ويتيح للمزارعين بذر البذور مبكرًا، مما يوفر الوقت ويقلل من تكاليف الوقود والعمالة، وبمرور الوقت، تتحقق فوائد بيئية تشمل انخفاض جريان المياه، وزيادة رشح المياه، وتقليل تآكُل التربة، أما على المدى الطويل، فتعمل الزراعة الحافظة للموارد على زيادة كلٍّ من المواد العضوية في التربة وإمدادات العناصر المغذية، كما أنها تُحسِّن جودة التربة، وتُعزِّز تغذية مستودعات المياه الجوفية، وتحقق استقرارًا في إنتاج المحاصيل الزراعية، كل ذلك يؤدي دورًا مهمًّا في تعزيز الأمن الغذائي وتقوية المرونة المناخية.

أسفرت تجارب الزراعة الحافظة للموارد في المنطقة عن نتائج واعدة حتى وقتنا هذا، فقد عَقدت تجربةٌ ميدانية في قرية مرشوش بالمملكة المغربية مقارنةً بين الزراعة الحافظة للموارد والزراعة التقليدية، وذلك خلال الفترة ما بين عامي 2015 و2019، وخلُصت إلى أن الزراعة الحافظة للموارد أثمرت عن استقرار أكبر في إنتاج المحاصيل، وزيادة إنتاج أربعة محاصيل غذائية رئيسية، وهي القمح بنسبة 43%، والحمص بنسبة 19%، والعدس بنسبة 11%، والشعير بنسبة 8%، مع خفض تكاليف الإنتاج بنسبة 14.5%.

وفي سوريا التي انتشرت فيها جهود الزراعة الحافظة للموارد على نطاقٍ واسع قبل الحرب الأهلية، رصدت تجربةٌ ميدانية امتدت أربع سنوات في مركز بحوث حلب السابق التابع للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة «إيكاردا» زياداتٍ تراوحت بين 12% و20% في محاصيل القمح والعدس والشعير والحمص، وعزا الباحثون تلك الزيادات إلى تحسُّن جودة التربة ورطوبتها.

وعمومًا، توصلت دراساتٌ من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أن إنتاجية المحاصيل في إطار نهج الزراعة الحافظة تزداد بنسبة تتراوح بين 20% و120% بمرور الوقت مقارنةً بنهج الزراعة التقليدية، وذلك بفضل تحسُّن أحوال التربة وتناوُب المحاصيل على نحوٍ أفضل.

تقول ديفكوتا-واستي: "تُشير جميع الأدلة إلى أن الزراعة الحافظة للموارد لديها إمكانية كبيرة للتكيُّف مع الأحداث المناخية المتطرفة، لكن الإقبال عليها ضعيف، كما أنها غير مفهومة على نحوٍ جيد من جانب المزارعين، وموظفي الإرشاد الزراعي، وعلماء الأبحاث، والقطاع الخاص، وواضعي السياسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".

مشكلات التطبيق وحلولها

تشير ديفكوتا-واستي إلى عدد من العراقيل الكبيرة التي أدت إلى إبطاء انتشار الزراعة الحافظة للموارد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن أسباب عدم الإقبال الكبير على تبنِّي هذا النهج أن المزارعين في المنطقة، الذين يُعتبرون في الغالب من صغار المزارعين، يجدون صعوبةً في الحصول على الآلات المتخصصة في البذر بلا حراثة، والتي يمكنها أن تعمل بفاعلية في التربة غير المضطربة والصلبة، وتُعد مفتاحًا لنجاح هذا النهج، ونظرًا إلى الارتفاع الشديد في أثمان آلات البذر المستوردة، يُعد التصنيع المحلي للآلات منخفضة التكلفة أمرًا حيويًّا إذا كنا نريد مزيدًا من الإقبال على الزراعة الحافظة للموارد في المنطقة.

كما يُعد التنافس على بقايا المحاصيل عقبةً أخرى؛ فالحفاظ على غطاء التربة من خلال بقايا المحاصيل يؤثر على التبخر السطحي، وتوازُن التربة والماء، وتراكُم المواد العضوية في التربة، وتحسين جودة التربة، ومع ذلك، يعتمد العديد من صغار المزارعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على رعي الماشية ويستخدمون بقايا المحاصيل علفًا للحيوانات، ويمكن إرشاد المزارعين إلى زيادة إنتاج الأعلاف، والاقتصار على أجزاءٍ معينة من الحقول في رعي ماشيتهم، وتعديل فترة الرعي، فهذا من شأنه أن يُسهِم في مواجهة هذا التحدي.

إذا كانت هناك رغبة في توسيع نطاق استخدام الزراعة الحافظة للموارد، فإن هذا يتطلب تحسين السياسات وتعزيز الدعم المؤسسي، بدءًا من التشريعات الداعمة ووصولًا إلى المساعدة المالية.

ويمكن تحسين الإقبال الإقليمي على الزراعة الحافظة للموارد من خلال التصدي للاعتقاد الخطأ الذي شاع بين المزارعين، والذي يفيد بأن الحراثة مهمة لزيادة إنتاج المحاصيل، إذ إنه يؤدي إلى تقويض الثقة بنهج الزراعة الحافظة للموارد، تعلق ديفكوتا-واستي قائلةً: "إذا كنا نريد زيادة الوعي وتعزيز الثقة بشأن الزراعة الحافظة للموارد، فمن الأهمية بمكانٍ أن نربط التجارب الإرشادية الحقلية التشاركية واسعة النطاق، وأيام التدريب على استخدام الآلات الزراعية، و[زيادة] وعي المجتمع المحلي ببرامج الإرشاد الزراعي، ووسائل الإعلام العامة والاجتماعية".

من جانبه، يوضح رشيد مرابط -مدير الأبحاث في المعهد الوطني للبحث الزراعي في المملكة المغربية- أن هذا النهج يكتسب زخمًا في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا رغم كل العقبات؛ إذ "هناك داعمون لنهج الزراعة الحافظة للموارد، وتجِدُّ منظمات المزارعين في الترويج له، كما أنه يحظى بدعمٍ من المجتمع البحثي، والقطاع الخاص، والحكومة"، ويضيف مرابط أن خير مثال على ذلك هو المملكة المغربية، إذ أعلنت حكومتها العام الماضي عن خطة لاستخدام نهج الزراعة الحافظة للموارد في زراعة مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة بحلول عام 2030.

يعتقد عصام بشور -أستاذ علم التربة وتغذية النبات في الجامعة الأمريكية في بيروت- أن الأزمات المناخية والاقتصادية والغذائية المتداخلة من الممكن أن تشجع على تحوُّل أوسع نحو الزراعة الحافظة للموارد في جميع أنحاء المنطقة؛ إذ يقول: "ستكون الزيادة في أسعار الوقود العامل الرئيسي الذي يدفع المزارعين إلى تبنِّي نظام الزراعة بلا حرث، الآن هو الوقت المناسب للحكومات كي توفر للمزارعين آلات البذر بلا حراثة وتشجعهم على تبنِّي هذا النظام الذي سيكون أكثر نفعًا لهم من الناحية الاقتصادية وفي الوقت ذاته سيكون أفضل للبيئة".

اضف تعليق