مع تفاقم ظاهرة التغير المناخي ومع ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدلات قياسية، ومع نشوء من ظواهر مناخية خطيرة، دعا البعض إلى تغيير نمط الحياة العامة والأفراد مثل ترشيد استهلاك الطاقة وتقليل تناول اللحوم وتقليل السفر بالطيران، وتزايدت هذه الدعوات على مدار العقد الماضي في محاولة لتخفيض البصمة الكربونية للأفراد...
هل تسهم القرارات الفردية في محاربة ظاهرة الاحتباس الحراري؟ أم أن الدعوات الرامية لتغيير نمط حياة الأفراد ليست سوى وسيلة لتشتيت الانتباه عن الحلول الحقيقية لمكافحة الاحتباس الحراري؟ وما دور الشركات الكبرى في ذلك؟
مع تفاقم ظاهرة التغير المناخي ومع ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدلات قياسية، ومع نشوء من ظواهر مناخية خطيرة، دعا البعض إلى تغيير نمط الحياة العامة والأفراد مثل ترشيد استهلاك الطاقة وتقليل تناول اللحوم وتقليل السفر بالطيران.
وتزايدت هذه الدعوات على مدار العقد الماضي في محاولة لتخفيض البصمة الكربونية للأفراد وذلك استنادا على قول مفاده إذا قام سكان البلدان الغنية بتغيير نمط حياتهم فسوف يساهمون في الحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري، بيد أن خبراء المناخ وحماية البيئة يرفضون بشكل متزايد التركيز على تحميل الأفراد والعامة مسؤولية خفض البصمة الكربونية لأنها ليس سوى وسيلة لتشتيت الانتباه عن الحلول الحقيقية.
في المقابل، يرى العديد من العلماء أن تغيير نمط الحياة الفردية من شأنه أن يكون خطوة جيدة في مجال محاربة ظاهرة التغير المناخي ما يثير تساؤلات حول مدى أهمية ما يفعله الفرد تجاه حماية المناخ؟
البصمة الكربونية؟
في تسعينات القرن الماضي كان باحثان كنديان وراء صياغة مصطلح "البصمة الكربونية" الذي يعني مقدار ثاني أكسيد الكربون المنبعث في الغلاف الجوي سواء الناجم عن أنشطة الأفراد أو المنظمات أو الدول.
وبعد عشر سنوات وفيما كان الغموض لا يزال يكتنف مصطلح "البصمة الكربونية" قامت شركة "بي بي" العملاقة للنفط والغاز بتدشين حملة تسويقية سنوية بحلول مئة مليون دولار من أجل تعميم هذا المصطلح.
وشملت الحملة إعلانات في صحف كبيرة مثل نيويورك تايمز، وضع ملصقات في المطارات حول العالم وعرض إعلانات تجارية على شاشات التلفزيون كان مفادها طرح تساؤلا على العامة: "ما هو مقدار بصمتك الكربونية؟" بل شمل الأمر تدشين طريقة لحساب ما يصدره الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ويقول خبراء المناخ إن الهدف من وراء هذه الحملات الإعلانية تحميل العامة والأفراد مسؤولية الضرر الناجم عن "البصمة الكربونية" وما تصدره من انبعاثات ضارة بالبيئة فيما كانت الشركة وغيرها من شركات النفط تمضي قدما في استخراج ملايين البراميل من النفط يوميا.
وفي ذلك، قال جيفري سوبران - الباحث في جامعة هارفارد الذي يعكف على دراسة كيف قامت شركات النفط بتضليل العامة بشأن تغير المناخ – إن مقارنة البصمة الكربونية الخاصة بالأفراد بالبصمة الكربونية الخاصة بالشركات ليست سوى محاولة "لتحريف المفهوم الحقيقي للتحديات المناخية".
تقوم شركات النفط والوقود الأحفوري بالترويج لفكرة مسؤولية الفرد عن البصمة الكربونية وما يقوم به الفرد من تقليل انبعاثات الكربون في الوقت الذي تضغط فيه هذه الشركات ضد وضع قوانين أو تشريعات او اتفاقيات للحد من التلوث الناجم عن انشطتها النفطية.
ويبدو أن محاولات الشركات للتركيز على قضية البصمة الكربونية على مستوى الفرد ليست وليدة اللحظة إذ أنها تعود لفترات زمنية بعيدة.
ففي سبعينيات القرن الماضي، دشنت منظمة تدافع عن البينة تحمل اسم "حافظوا على جمال أمريكا" حملة إعلانية تنتقد العامة لإلقاء النفايات وتشجعهم على إعادة تدويرها، بيد أن تمويل هذه المنظمة كان يأتي من شركات تصنيع الزجاجات البلاستيكية التي كانت تقف وراء وضع قواعد لحل أساس المشكلة.
ولم يقتصر الأمر على صناعة البلاستيك بل امتد إلى صناعة التبغ إذ عمدت شركات التبغ على النأي بنفسها عن الأضرار الصحية التي يتسبب فيها التدخين من خلال التشكيك في الدراسات العملية وتدشين حملات إعلانية تقوم على فكرة أن التدخين "حرية شخصية".
وعندما قام أطباء برفع دعاوى قضائية ضد شركات التبغ بسبب الأضرار الصحية الكبيرة الناجمة عن التدخين، قالت شركات التبغ إن الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والرئة بسبب التدخين، يتحملها المدخنون لشرائهم السجائر.
وكشفت دراسة شارك فيها جيفري سوبران عن أن شركة النفط العملاقة "إكسون موبيل" تستهدف الأفراد في الوقت الذي تقوم به الشركة بالتقليل من جوهر حقيقة قضية التغير المناخي، وأضافت الدراسة أن ما تقوم به الشركة يشبه "الأساليب الاستراتيجية لشركات التبغ بتحويل المسؤولية بعيدا عنها وتحميل المستهلكين المسؤولية رغم أن هذه الشركات باعت عن عمد منتجا قاتلا".
هل هذا خطأ الشركات الكبرى؟
وردا على سؤال هل تقوم صناعة النفط بإلقاء اللوم على المستهلكين بعيدا عن تحملها أي مسؤولية إزاء ظاهرة التغير المناخي، ردت "إكسون موبيل" في بيان أُرسل إلى DW بقولها إنها ملتزمة بالعمل على إزالة الكربون من القطاعات عالية الانبعاثات عبر ضخ استثمارات في التقنيات التي تساعد المجتمع على تحقيق مستقبل خالٍ من الانبعاثات.
وأضاف بيان الشركة "ستكون هناك حاجة في نهاية المطاف لإحداث تغييرات في استهلاك المجتمع والأفراد للطاقة إلى جانب تطوير ونشر تقنيات منخفضة الانبعاثات بأسعار معقولة"، ولم ترد شركتي "بي بي" أو "شل" على طلب للتعليق.
الجدير بالذكر أن دراسة نشرتها مجلة "بحوث الطاقة والعلوم الاجتماعية" في سبتمبر / أيلول ذكرت أن الشركات الثلاثة مع عملاق النفط الفرنسي توتال مسؤولة بشكل غير مباشر عن 11٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري بين عامي 1965 و 2018، وأشارت الدراسة إلى أن سبع شركات أخرى من بينها شركات نفط حكومية في السعودية وروسيا مسؤولة عن 20٪ من الانبعاثات الكربونية.
وفي خضم هذا النقاش الدائر حول مسؤولية الفرد عن "البصمة الكربونية"، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن خفض 40٪ من انبعاثات الكربون من الاقتصاد العالمي بحلول عام 2050 سيكون نتاج سياسات لا تتعلق بالمرة بالأشخاص أو الأفراد مثل توليد المزيد من الكهرباء من الطاقة المتجددة أو استخدام تقنيات خضراء في التصنيع.
في المقابل، قالت الوكالة إن خفض انبعاثات الكربون بمعدل 4٪ فقط يُتوقع أن يأتي من تدابير فردية مثل تقليل السفر بالطيران أو تقليل استخدام السيارات.
وشددت الوكالة أن النسبة 55 بالمائة المتبقية ستأتي جراء مزيج من إجراءات حكومية وإجراءات فردية لحماية البيئة مثل تقديم إعانات حكومية تمكن الأفراد من شراء سيارات كهربائية أو تركيب مضخات حرارية لتقليل الانبعاثات الناتجة عن التدفئة أو التبريد داخل المنازل.
وفي نوفمبر / تشرين الثاني، كشفت دراسة نشرتها مجلة Nature أو "الطبيعة" عن أن مثل هذه الحلول يمكن أن تخفض انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري إلى النصف بحلول عام 2050، مضيفة أن مثل هذه الحلول سوف تسهم أيضا في تحسين جودة الحياة.
كذلك، فإن طرق اختيار الأفراد للطعام والمواد الغذائية أو تغيير النمط الغذائي قد يكون له تأثير على حماية البيئة إذ ذكرت دراسة قام بها باحثون من جامعة إلينوي الأمريكية أن إنتاج الغذاء العالمي يتسبب في أكثر من ثلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وفي ذلك، قال ستيوارت كابستيف- نائب مدير مركز تغير المناخ بجامعة كارديف بالمملكة المتحدة - إن "الأشخاص العاديين يقولون إن أفعالهم لحماية البيئة ليست سوى قطرة في محيط وأن النظام بحاجة إلى التغيير". وأضاف "ما سأقول لهم: كيف يمكن تغيير النظام؟ الشعوب هي من تدفع الأنظمة إلى التغيير".
كيف تقيس بصمتك الكربونية؟
يمكننا فهم تأثير قراراتنا من خلال البصمة الكربونية؛ لكن فهمها صعب، خصوصًا أن محرك غوغل للبحث يأتينا بمئات الآلاف من الأجوبة على هذا السؤال.
يزداد الوعي بالتغير المناخي، ومعه تزداد رغبتنا في اتخاذ قرارات إيجابية. لكن حجم المشكلة قد يبدو عصيًا على الحل بسبب ما تسببه من كوارث ومنها، حرائق الغابات وذوبان الجليد والجفاف. وقد يصعب علينا الربط بين خياراتنا وقراراتنا اليومية واستمرار بقاء الدببة القطبية، بل وأن بإمكاننا كأفراد تغيير الوضع الحالي.
ما هي البصمة الكربونية؟
بحسب "مايك بيرنرز-لي"، أستاذ "جامعة لانكستر" بالمملكة المتحدة، ومؤلف كتاب "البصمة الكربونية لكل شيء" (The Carbon Footprint of Everything)، فهي مجموع كافة غازات الدفيئة التي تنبعث كنتيجة لإنتاج منتج أو أداء نشاط معين. وبالنسبة لسكان البلدان المتقدمة، تقع هذه المنتجات والأنشطة ضمن أربعة فئات: استخدام الطاقة المنزلية، والمواصلات، والغذاء، والباقي منتجات نشتريها مثل الملابس أو السيارات أو الأجهزة الإلكترونية. لكل منتج أو نشاط بصمة خاصة، والبصمة الكربونية لفرد هي مجموع البصمات الكربونية لكافة المنتجات التي يشتريها والأنشطة التي يمارسها. لذا فإن الشخص الذي يتناول لحم البقر له بصمة كربونية أعلى من جاره الذي يتغذى على حمية نباتية. لكن الجار النباتي قد تكون بصمته الكربونية أعلى إن كان يستخدم سيارة كبيرة للتنقل يوميًا، فيما جاره عاشق اللحوم يتنقل بدراجة هوائية. وبالطبع تبدو بصمة كليهما ضئيلة مقارنةً برجل أعمال يسافر على الدرجة الأولى مرتين كل شهر.
كيف تقيس بصمتك الكربونية؟
تزداد البصمة الكربونية عمومًا مع زيادة ثروة الفرد. ففي الكتاب المذكور يقول بيرنرز-لي أن متوسط البصمة الكربونية للفرد عالميًا يقارب سبعة أطنان من ثاني أوكسيد الكربون سنويًا. لكن المتوسط الفعلي للمواطن البريطاني يقارب 13 طنًا، ومتوسط نظيره الأميركي يصل إلى نحو 21 طنًا. ويقول في كتابه: "يضخ المواطن الأميركي العادي من غازات الدفيئة خلال أيام ما يضخه نظيره النيجيري في سنة كاملة".
كيف تُحتسب البصمة الكربونية؟
يقول بيرنرز-لي أن حساب البصمة الكربونية مهم لكنه مستحيل! لنأخذ على سبيل المثال مسافرًا على رحلة طيران. يمكننا احتساب ذلك نظريًا بسهولة من خلال استخدام كم الوقود الذي تحرقه الطائرة خلال رحلتها، وكم الغازات المنبعثة نتيجة لذلك، ونقسمه على عدد المسافرين. لكن البصمة التي يتركها مسافرو الدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال أكبر من بصمة ركاب الدرجة السياحية. ذلك لأنهم يشغلون مساحة أكبر داخل الطائرة، لذا فإن تكلفة نقلهم أعلى؛ كما تدخل عوامل أخرى في الحسبة الفعلية، منها وزن الشحن والارتفاع الذي تحلق فيه الطائرة.
ومع كل هذه التعقيدات، يسهل حساب بصمة رحلة طيران مقارنة بصناعة سيارة. إذ تنبعث غازات الدفيئة في مصنع التجميع، وفي محطة الكهرباء، ومن وسائل نقل القطع المكونة للسيارة، وصناعة المكائن التي تصنع تلك القطع، وغيرها. بل ويمكننا العودة إلى المناجم التي تستخرج منها المواد المكونة للقطع التي تتكون منها السيارة. لذا يقول بيرنرز-لي أن الوصول إلى رقم دقيق مستحيل. لكن لحسن الحظ فإن الأرقام التقديرية تؤدي الغرض. إذ أن تخفيض البصمة الكربونية يتوقف على نوعية الحياة التي يعيشها الفرد، ومن خلال قرارات يومية بسيطة يمكن تقليلها بشكل ملحوظ. وعلى سبيل المثال، فإن استخدام سيارة كهربائية أكثر تأثيرًا في "فيرمونت" الأميركية، التي تستخدم الطاقة الكهرومائية، مقارنة بغرب "فرجينيا"، حيث تُولد الكهرباء باستخدام الفحم. وبالنسبة لبعض الأشخاص، قد تكون نسبة بصمة الطيران من بصمتهم الإجمالية 10 بالمئة ولآخرين صفرًا. وبالنسبة لمن يسافرون كثيرًا، فقد يكون التركيز على رحلات الطيران كافيًا لترك أثر إيجابي.
لقد ظهرت على شبكة الإنترنت مجموعة من المواقع التي تحتسب البصمة الكربونية من خلال مدخلات عن استهلاك الطاقة في المنزل، والعادات الغذائية، وعادات السفر، وغيرها. تقدم هذه المواقع أرقامًا تقريبية للانبعاثات التي تنتج عن قراراتنا وخياراتنا اليومية. ويمكننا تقليل بصمة كلٍ منا من خلال التنقل بالسيارة بشكل أقل، وتركيب عزل حراري في منازلنا لتقليل كلفة التكييف، وشراء سيارة تستهلك قدرًا أقل من الوقود، والنظر في عاداتنا الغذائية، وغيرها من القرارات الإيجابية التي تحفظ كوكبنا للأجيال المقبلة. إن كنت تتساءل عما يمكنك فعله للمساهمة في تقليل التغير المناخي، تذكر أن كل قرار تتخذه خلال يومك سوف يترك أثرًا على كوكبنا. ويجب علينا معًا أن نغير العقلية والثقافة السائدة نحو ثقافة مستدامة وخيارات استهلاك واعية.
ها هو مقدار مساهمات المدن في البصمة الكربونية العالمية
وفقًا لأحد التقديرات الحديثة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، يُسهم سكان 100 مدينة فقط بنسبة 20% من البصمة الكربونية للبشرية ككل. وتعادل هذه النسبة المقدار الذي تُسهم به الانبعاثات الصناعية على مستوى العالم، وهو الأمر الذي يبرهن على أن الاستهلاك الفردي يُسهم بدرجة كبيرة في ارتفاع معدلات ثاني أكسيد الكربون عن مستوياتها الطبيعية. التحليل الجديد قام بحساب الانبعاثات في 13,000 مدينة، وهو ما يجعل منه أكبر دراسة من نوعها حتى وقتنا هذا فيما يتعلق بالبصمة الكربونية للمدن. ووفق الفريق البحثي الدولي الذي أجرى هذا التحليل، تسلط نتائج التحليل الضوء على درجة إسهام السكان الذين يقطنون عددًا قليل من المدن في البصمة الكربونية الكلية لبلد بأكمله.
في مرحلة سابقة لهذه الدراسة، كانت فرق الباحثين قد قامت بحساب البصمات الكربونية الكاملة لحوالي مئة وخمسين مدينة. ووفق آنو راماسوامي، المهندس البيئي في جامعة مينيسوتا، والذي لم يشارك في هذه الدراسة الجديدة، يوفر المدى الواسع لهذه الدراسة نظرةً متعمقةً لها أهمية كبيرة بالنسبة لعلماء المناخ والمسؤولين الحكوميين، وذلك فيما يتعلق بالمراكز الحضرية الكبيرة التي تُعَد البيانات الخاصة بمستويات انبعاثاتها شحيحةً أو غير موجودة بالمرة، مثل مدينة طهران.
في أغلب الأحيان، كانت الحسابات السابقة تأخذ في الحسبان عواملَ مثل الانبعاثات المرتبطة بقطاع إنتاج الطاقة وقطاعات الأعمال والصناعة والنقل، وذلك لاحتساب البصمة الكربونية الكلية لمدينةٍ ما. إلا أن دان موران -الباحث في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوچيا، والمؤلف الرئيس لهذه الدراسة الجديدة- يقول: "إن احتساب البصمة الكربونية لكل مدينة على حدة يُعَد أمرًا شاقًّا للغاية"، وذلك لما يتطلبه هذا الأمر من تجميع لبيانات مستقاة من كل هذه القطاعات معًا. ويتابع موران قائلًا: "كان يجب علينا أن ننتهج مقاربة أكثر شمولًا" لحساب الانبعاثات الصادرة عن عدد أكبر من المدن. ولهذا بدأ موران وفريقه البحثي العمل استنادًا إلى نظرة أشمل، وبالاعتماد على مُخرَجات كربونية سبق حسابها على نطاقات أوسع، بدءًا من مناطق ضمن أحياء المدن الأمريكية، مرورًا بمقاطعات وأقاليم في أوروبا واليابان والصين، ووصولًا إلى تقديرات للانبعاثات الصادرة عن بلدان بأكملها، ومن ثَم قام الفريق بتقدير نسبة الانبعاثات الصادرة عن كل مدينة على حدة من بين كل هذه الأرقام.
وبعدها فصل أعضاء الفريق هذه البيانات عن طريق جمع معلومات عن الدخل المحلي؛ فقد اعتمدوا الدخل المحلي مؤشرًا على الانبعاثات، ويرجع السبب في هذا إلى أن القدرة على اتباع سلوكيات تؤدي إلى انبعاث المزيد من ثاني أكسيد الكربون، واحتمالية اتباع مثل هذه السلوكيات، ترتفع بارتفاع مستوى الرفاهة، وذلك وفق ما تُظهره أحدث الدراسات العلمية. استخدم الفريق هذه البيانات –جنبًا إلى جنب مع تقديرات لأعداد السكان– لحساب النسبة التي يمكن إرجاعها لكل مدينة، كجزء من الانبعاثات الكلية الناتجة من كل دولة أو كل ولاية.
توفر هذه الطريقة تقديرات لنسبة إسهام الاستهلاك المنزلي في البصمة الكربونية، بما يشمل الانبعاثات المرتبطة بزراعة الغذاء الذي يستهلكه الناس وتوصيله، وكذلك الانبعاثات المرتبطة بأنواع وسائل النقل الموجودة في مدينةٍ ما. ولا تشمل هذه الطريقة تقديرات الانبعاثات التي ترتبط بصورة مباشرة بالصناعة واستعمالات الأراضي. يُقَدِّر فريق الأمم المتحدة الحكومي الدولي المعني بتغيُّر المناخ أن الصناعة مسؤولة عن ربع الانبعاثات الكلية لغازات الدفيئة تقريبًا، وأن الزراعة واستعمالات الأراضي تشكِّلان ربعًا آخر من هذه الانبعاثات. وعلى الرغم من استبعاد الدراسة لتلك المصادر المُساهِمة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فإن موران يقول إن نتائج فريقه توضح الدور الكبير الذي يؤديه سكان المدن فيما يتعلق بالانبعاثات الكلية للكربون.
قد يكون القدر الأكبر من انبعاثات الكربون المرتبطة بالاستهلاك في دولةٍ ما صادرًا عن عدد قليل من المدن؛ فعلى سبيل المثال، يتسبب سكان مدينة سيول، عاصمة كوريا الجنوبية، في 45% تقريبًا من انبعاثات الكربون الكلية لهذا البلد. وفي المملكة المتحدة تُسهم لندن ومانشستر وبيرمنجهام مجتمعةً بما يزيد على 20% من الانبعاثات الكلية على مستوى البلاد. وفي الولايات المتحدة، ينتج عن سكان شيكاجو ونيويورك ولوس أنجلوس ما مجموعه 10% تقريبًا من البصمة الكربونية للبلاد ككل.
ربما يبدو واضحًا أن انبعاثات الكربون تزداد مع تزايد أعداد السكان وارتفاع مستوى الرفاهة. ومع هذا، كان كم الانبعاثات المتركزة في المناطق الحضرية مفاجئًا لموران. وكان ما أذهله بشكل خاص هو أنه توصَّل، خلال أبحاثه، إلى أن حوالي ثلث البصمة الكربونية لأحد سكان المناطق الحضرية يتحدد وفقًا لخيارات وسائل النقل العام والبنية التحتية المتاحة في المدينة التي يسكنها هذا الشخص.
وأخيرًا، ينظر موران إلى هذا العمل –الذي نُشر في مايو الماضي في دورية «إنڨايرومينتال ريسيرش ليترز» Environmental Research Letters– على أنه بمنزلة نداء يدعو المدن لاتخاذ إجراءات لتخفيف الانبعاثات الصادرة منها؛ فوفق موران يمكن للمدن أن تخفض انبعاثاتها بنسبة 25% على الأقل، إذا ما تحولت إلى استخدام مصادر طاقة أكثر كفاءة، أو استبدلت بحافلات النقل العام حافلاتٍ كهربائية. يقول موران: "للمدن قوة لا يستهان بها، وأعتقد أن الإجراءات يمكن أن تُتخذ بشكل أسرع على مستوى الحكم المحلي، مقارنةً بوتيرة اتخاذ الإجراءات على المستوى القومي".
كيف تؤثر شطيرة "البرغر" على تغيّر المناخ؟
هل فكرت يوما بأن تناولك لشطيرة "برغر" يساهم في تلوث الهواء، وزيادة البصمة الكربونية التي تسبب تغيّر المناخ. تعرّف "البصمة الكربونية" بأنها إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة بشكل مباشر، أو غير مباشر، وتنتج عن فرد أو منظمة أو حدث أو منتج معين.
ويتم حساب هذه البصمة بجمع الانبعاثات الناتجة عن كل مراحل عمر المنتج أو الخدمة (إنتاج المواد، التصنيع والاستخدام، ونهاية العمر الافتراضي)، بحسب تقرير مركز نظم الاستدامة، بجامعة ميشيغان بالولايات المتحدة.
وتتكون انبعاثات إنتاج الطعام، بشكل أساسي، من ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروز والميثان، والتي تنتج بالأساس عن الممارسات الزراعية.
وتتصدر اللحوم قائمة البصمة الكربونية للأطعمة، بنسبة تقدر بحوالي 57 في المئة، في حين تأتي الألبان في المرتبة الثانية بنسبة 18.3 في المئة، فيما تصل النسبة في الخضراوات إلى 2.6 في المئة، و1.6 في المئة للفواكه.
ويشير تقرير جامعة ميشيغان إلى أن الطعام يمثل نسبة تتراوح بين 10 و30 في المئة من البصمة الكربونية للأسرة، وعادة ما ترتفع هذه النسبة في الأسر ذات الدخل المنخفض، كما تمثل عملية الإنتاج حوالي 68 في المئة من انبعاثات الطعام، بينما يمثل النقل 5 في المئة.
ويقول التقرير إن إلغاء نقل الطعام لمدة عام واحد، في منزل بالولايات المتحدة، يمكن أن يؤدي إلى توفير ما يعادل كمية غازات الدفيئة الناتجة عن القيادة المسافة 1000 ميل، في حين أن التحول إلى وجبة نباتية يوما واحدا في الأسبوع، يمكن أن يوفر ما يعادل القيادة لمسافة تصل إلى 1160 ميلا.
كما يمكن أن يقلل النظام الغذائي النباتي بشكل كبير من البصمة الكربونية للفرد، لكن التحول إلى تناول لحوم أقل كثافة في الكربون مثل الدجاج، يمكن أن يكون له تأثيرا خطيرا أيضا، فعلى سبيل المثال، تعد انبعاثات غازات الدفيئة من لحوم البقر لكل كيلوغرام، أكبر 7.2 مرة من تلك الخاصة بالدجاج.
أحد أسباب هذا المستوى المرتفع من الانبعاثات الناتجة عن تناول اللحوم، يعود إلى أن الأبقار والأغنام تنتج كميات كبيرة من الميثان كمنتج ثانوي عن عملية الهضم، إذ يعد الميثان أقوى بـ 34 مرة من ثاني أكسيد الكربون.
ولا يتوقف الضرر عند انبعاث الميثان، لكن في سبيل تربية المواشي، يتم تدمير مساحات شاسعة من الغابات لتوفير مساحات للرعي، ولزراعة محاصيل تستخدم كغذاء لهذه الحيوانات، وهو ما ينتج عنه في النهاية تدمير أنظمة بيئية حيوية ومتنوعة بيولوجيا تلتقط ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون.
يكشف الاستهلاك العالمي للحوم، أن ثمة مؤشرات طفيفة على تباطؤ استهلاكها، ورغم ذلك تتسارع الجهود للحدّ من تناول اللحوم، فقد التزمت أكبر سلسلة من متاجر تيسكو العملاقة في المملكة المتحدة، بزيادة مبيعات "بدائل اللحوم" بنسبة 300 في المئة.
كذلك أدرج مطعم "ذا كانتين" في المملكة المتحدة، البصمة الكربونية لكل نوع من الطعام، في القائمة التي تقدم للزبائن، حتى يتنامى الوعي بخطورة تناول أطعمة لها بصمة كربونية مرتفعة كاللحوم، ليصبح بذلك المطعم الأول في المملكة المتحدة الذي يطبق هذا الالتزام.
وبدأت سلسلة "بانيرا بريد" الأميركية لمطاعم الوجبات السريعة عام 2020، بتطبيق نظام وضع العلامات المناخية في 2000 موقع من فروعها بالولايات المتحدة، مما يسمح للعملاء بتحديد الخيارات منخفضة الكربون.
وسائل النقل.. كيف تختلف البصمة الكربونية للفرد؟
عند النظر إلى أبرز التحديات التي تواجه الحياد الكربوني، تظهر انبعاثات وسائل النقل في المقدمة، نظرًا للاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري.
وتعمل حكومات العالم على خفض انبعاثات قطاع النقل عبر طرق عدّة، مثل تحفيز التحول إلى السيارات الكهربائية ودعم تقنيات منخفضة الكربون مثل الوقود الحيوي والهيدروجين، على أمل توفير حلول واعدة لتفادي استخدام الوقود الأحفوري.
وحتى إذا نجحت السياسات الحالية والتعهدات من قبل الدول، فإن انبعاثات الكربون في قطاع النقل ستواصل النمو بنسبة تقارب 20% بحلول عام 2050، كما يرى تقرير لمنتدى الاقتصاد العالمي.
ولذلك، فإن سلوك الفرد يمكن أن يؤدي دورًا كبيرًا في دعم خفض أسرع للانبعاثات الكربونية، مع اختلاف البصمة الكربونية لوسائل النقل التي يستخدمها الأشخاص، وفق تقرير حديث لموقع فيجوال كابيتاليست.
يمثّل قطاع النقل 37% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون حول العالم في قطاعات الاستخدام النهائي، وفق بيانات حديثة صادرة عن وكالة الطاقة الدولية.
ومع تزايد القلق بشأن تغيّر المناخ، أصبح الأفراد أكثر وعيًا بشأن تأثيرهم في البيئة، إذ تشكّل انبعاثات النقل الجزء الأكبر من البصمة الكربونية الفردية.
ولهذا السبب، يعدّ تقييم خيارات النقل نقطة مهمة للبدء في تقليل البصمة الكربونية للأفراد، سواء كان ذلك عبر التنقل اليومي أو رحلة ترفيهية في الخارج، بحسب التقرير.
إذن، ما هي الطريقة الأكثر صداقة للبيئة للانتقال من مكان إلى آخر؟ من السيارات إلى الطائرات، تقاس البصمة الكربونية لقطاع النقل بوحدات الغرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون المنبعثة لكل شخص يسافر كيلومترًا واحدًا، وهذا يشمل كلًا من الكربون وغازات الدفيئة الأخرى.
وتعدّ رحلة الطيران قصيرة المدى وقيادة السيارة الشخصية العاملة بالبنزين أكثر طرق السفر كثافةً بالكربون، عند 255 و192 غرامًا من مكافئ الكربون لكل فرد يسافر كيلو مترًا، على التوالي، وفق التقرير.
ومع ذلك، فإن وجود راكب آخر في السيارة يؤدي إلى خفض الانبعاثات للنصف، مما يجعل القيادة أكثر كفاءة، بينما يعدّ السفر عبر القطار أو العبارة أقلّ وسائل النقل بصمة كربونية بالنسبة الفرد، نحو 6 و19 غرامًا من مكافئ الكربون على الترتيب.
اختيار وسيلة النقل المناسبة أحد سبل تقليل البصمة الكربون، فركوب القطار بدلًا من السفر بالطائرة -رحلة داخلية- يقلل من انبعاثات الفرد بنسبة 84%، حسب التقرير.
وتجدر الإشارة إلى أن رحلات الطيران طويلة المدى أقلّ بصمة كربونية للفرد من الرحلات القصيرة، لأن عمليتي الإقلاع والهبوط هما الأكثر استهلاكًا للوقود في الرحلة، وكلما زادت المسافة، تراجعت حصة استهلاك الوقود في الإقلاع والهبوط من الرحلة الإجمالية.
وبالطبع، المشي أو ركوب الدرّاجات أو الجري هي أقلّ الطرق كثافة للكربون للانتقال من مكان إلى آخر، لكن النقل التشاركي يمكن أن يقلل أيضًا من الانبعاثات، وكذلك التحول إلى السيارات الكهربائية أو وسائل النقل العامّ يفي بالغرض نفسه.
وعلى مسافات متوسطة إلى طويلة المدى، تعدّ القطارات هي الخيار الأكثر صداقة للبيئة، وبالنسبة للسفر المحلي قصير المدى، فإن القيادة أفضل من السفر بالطائرة.
10 اجراءات يمكنك اتباعها لـ تقليل البصمة الكربونية وتغيير نمط حياتك المضر بالبيئة
وضعت الأمم المتحدة قائمة من 10 إجراءات فردية، يمكن للجميع اتباعها للمساعدة في تقليل بصمة الكربون والحد من تغير المناخ.
توفير الطاقة في المنازل
يتم إنتاج الكثير من الكهرباء والحرارة التي نستخدمها من الفحم والنفط والغاز، لذا لا بد من تقليل استخدام الطاقة عن طريق خفض التدفئة والتبريد، أو التحول إلى مصابيح الليد (صمام ثنائي باعث للضوء) والأجهزة الكهربائية الموفرة للطاقة، أو غسل الملابس بالماء البارد، أو تعليق الأشياء لتجف بدلاً من استخدام المجففات.
امشوا على الأقدام، أو اركبوا الدراجات
تكتظ الطرق عبر العالم بالسيارات، ومعظم هذه السيارات تحرق الديزل أو البنزين. لذا المشي على القدمين أو ركوب الدراجات بدلاً من ركوب السيارات سيقلل من انبعاثات غازات الدفيئة، ويحسن صحتك ولياقتك البدنية، وللمسافات الطويلة، يفضل ركوب القطار أو الحافلة، بجانب الاشتراك في المركبات بدلا من استخدام السيارات الفردية، كلما أمكن ذلك.
تناولوا المزيد من الخضروات
تناول المزيد من الخضروات والفواكه والحبوب الكاملة والبقوليات والمكسرات والبذور، له دور مهم أيضًا، وذلك مع تقليل استهلاك اللحوم ومنتجات الألبان، حيث يمكن لذلك أن يحد بشكل كبير من التأثير على البيئة.
بشكل عام، إنتاج الأطعمة النباتية عمومًا يقلل من انبعاثات غازات الدفيئة لأنه يتطلب كميات أقل من الطاقة والمياه ومساحات أقل من الأراضي.
أعيدوا التفكير في سفركم
التقليل من الرحلات الجوية يعتبر من أسرع الطرق لتقليل التأثير على البيئة، حيث تحرق الطائرات كميات كبيرة من الوقود الأحفوري، ما ينتج عنه كمية كبيرة من انبعاثات غازات الدفيئة. يفضل استخدام التواصل عبر الإنترنت، أو التنقل باستخدام القطار، بدلًا من السفر جوًا كلما أمكن ذلك، وفي حالة الضرورة، يجب تجنب الرحلات الطويلة تمامًا.
قللوا هدر للطعام
عند إلقاء الأطعمة في القمامة، تهدر الموارد والطاقة التي استخدمت في زراعتها وإنتاجها وتعبئتها ونقلها، وفي حال تعفن الطعام في مكب النفايات، فإنه ينتج غاز الميثان، أحد غازات الدفيئة القوية، لذا، استخدم ما تشتريه وقم بتحويل أي بقايا طعام إلى سماد.
قللوا المشتريات واعيدوا تدوير الأشياء
تتسبب الإلكترونيات والملابس والأشياء الأخرى التي نشتريها في انبعاثات الكربون في كل مرحلة من مراحل الإنتاج، من استخراج المواد الخام إلى التصنيع وحتى نقل البضائع إلى السوق؛ ولحماية مناخنا، اشترِ عددًا أقل من الأشياء، واشتر الأشياء المستعملة، وأصلح ما يمكنك إصلاحه، وأعد تدوير الأشياء.
غيّروا مصدر الطاقة في منازلكم
اسأل شركة المرافق الخاصة بك عما إذا كانت الطاقة التي تستخدمها في منزلك تأتي من النفط أو الفحم أو الغاز، إن أمكن، حاول التعاقد مع شركات تحولت بالفعل إلى مصادر متجددة مثل الرياح أو الطاقة الشمسية، أو قم بتركيب الألواح الشمسية على سقف منزلك لتوليد الطاقة التي تستخدمها.
استخدموا المركبات الكهربائية
لا شك أن السيارات الكهربائية تساعد في التقليل من تلوث الهواء وتسبب انبعاثات غازات الدفيئة أقل بكثير من المركبات التي تعمل بالغاز أو الديزل، حتى لو كانت تعمل بالكهرباء المنتجة من الوقود الأحفوري.
لذا، إذا كنت تخطط لشراء سيارة، فكر في شراء سيارة كهربائية، حيث هناك الآن أنواع رخيصة تطرح في السوق المحلية، ومن المتوقع زيادتها في المستقبل القريب.
اختيار منتجات صديقة للبيئة
كل شيء ندفع المال من أجله يؤثر على الكوكب؛ ولتقليل تأثيرك على البيئة، اشتر الأطعمة المحلية والموسمية، واختر منتجات الشركات التي تستخدم الموارد بشكل مسؤول، والتي تلتزم بخفض انبعاثات الغازات والنفايات، يجب أن تختار السلع والخدمات التي تدعمها على هذا الأساس.
تحدثوا
إحدى أسرع الطرق وأكثرها فعالية لإحداث الفرق هي الحديث مع الأخرين وتشكيل الوعي العام بأزمة المناخ، لذا تكلم بصوت عال وشجع الآخرين على المشاركة في اتخاذ الإجراءات، تحدث إلى جيرانك وزملائك وأصدقائك وعائلتك، دع أصحاب الأعمال يعرفون أنك تدعم التغييرات الجريئة، ناشد القادة المحليين والعالميين للتحرك الآن.
اضف تعليق