لماذا لا يُعاد تدوير هذا الغاز في صورة منتجاتٍ نافعة ومُربحة؟ فبما أن عملية إعادة التدوير تتجنب إنتاج المزيد من انبعاثات الكربون، عن طريق استخدام الطاقة المتجددة، أو استغلال الموارد الزائدة التي كانت ستُهدَر لولا هذه التكنولوجيا، فإن ذلك من شأنه أن يُسهم في خفض كميات غاز ثاني أكسيد الكربون...
بقلم: مارك بيبلو
الفحم جزء أصيل من تونجيجين، البلدةُ الواقعة في مقاطعة خنان الصينية، فلآلاف السنين، عمل الناس هناك في استخراج الفحم وصَهر المعادن. وفي وقتنا الحالي، أصبحت هذه البلدة مقرًا لمُجمَّعٍ صناعي مترامي الأطراف، يُحرق فيه الفحم والحجر الجيري داخل أفرانٍ ضخمة، بهدف تحويلهما إلى فحم الكوك والجير، وكلاهما من المكونات التي لا غنى عنها في عملية إنتاج الصُلب. ولا عجب أن هذه المنطقة واحدةٌ من أكثر المناطق تلوثًا بالضباب الدخاني في الصين.
يبدو من المستبعد إذن، في ظل ظروفٍ كهذه، أن تصبح تونجيجين موقعًا لنقلةٍ نوعية في مجال التكنولوجيا النظيفة، ولكن من المقرر، في وقت لاحق من العام الجاري، أن تصبح هذه البلدة المكان الذي يُشيّد فيه مصنع كيميائي سيكون المنشأة الأكبر في العالم لإعادة تدوير غاز ثاني أكسيد الكربون، وتحويله إلى وقود. سيدمج المصنع غاز ثاني أكسيد الكربون المُنبعث من أفران الجير مع الهيدروجين الزائد وغاز ثاني أكسيد الكربون المتصاعد من أفران فحم الكوك، بغرض إنتاج الميثانول، وهو مادةٌ كيميائية صناعية تُستخدم وقودًا، وتدخل في صناعة اللدائن. وتقول شركة «كاربون ريسايكلينج إنترناشونال» Carbon Recycling International (CRI)، التي تتخذ من ريكيافيك مقرًا لها، وهي المحرك الرئيسي لهذه العملية، إن مصنع تونجيجين سيُعيد تدوير قرابة 160 ألف طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وهي كمية كان من المقدر لها، في ظروف أخرى، أن تصل إلى الغلاف الجوي. وتجدُر الإشارة إلى أن هذه الكمية من غاز ثاني أكسيد الكربون تُعادل كمية الانبعاثات التي تنطلق من عشرات الآلاف من السيارات.
فكرة مغرية بلا شك. فانبعاثاتُ غاز ثاني أكسيد الكربون الصناعية تؤثر بشكل واضح على احترار المناخ، وكثير من البلدانٌ تسعى جاهدة في الوقت الحالي لاحتجاز الغاز وتخزينه تحت الأرض. لكن ثمة سؤال يطرح نفسه: لماذا لا يُعاد تدوير هذا الغاز في صورة منتجاتٍ نافعة ومُربحة؟ فبما أن عملية إعادة التدوير تتجنب إنتاج المزيد من انبعاثات الكربون، عن طريق استخدام الطاقة المتجددة، أو استغلال الموارد الزائدة التي كانت ستُهدَر لولا هذه التكنولوجيا، فإن ذلك من شأنه أن يُسهم في خفض كميات غاز ثاني أكسيد الكربون التي تضخها الصناعة في الغلاف الجوي، كما أن ذلك من شأنه أن يُقلِّل الطلب على الوقود الأحفوري المُستخدم في التصنيع. ويقول أنصار هذه العملية: إن ذلك سيكون مكسبًا مضاعفًا لحماية المناخ.
يتزايد اهتمام الشركات الكبيرة والصغيرة، على حد سواء، بدخول سوق إعادة التدوير هذا، الذي يوصف عادة بـ«إعادة التدوير إلى الأفضل»، إذ تتسابق الشركات لتسويق مجموعةٍ مدهشة من المنتجات المصنوعة من غاز ثاني أكسيد الكربون. بعضها، مثل الفودكا والماس، سلعٌ تُباع للمتسوقين المهتمين بقضية المناخ، لكن أغلبها يمثل عناصر أساسية في الاقتصاد العالمي، مثل الوقود، والبوليمرات، وغيرها من المواد الكيميائية ومواد البناء. ووفقًا لتقرير صدر عام 2021 من شركة «لوكس ريسيرتش» Lux Research، المتخصصة في أبحاث السوق، والتي يقع مقرها في بوسطن بولاية ماساتشوستس الأمريكية، فإن أكثر من 80 شركة تعمل على ابتكار أساليب جديدة للاستفادة من غاز ثاني أكسيد الكربون. وصحيحٌ أن سوق تلك المنتجات يتسم بصغر حجمه في الوقت الحالي، إذ يقل عن مليار دولار أمريكي، إلا أن شركة «لوكس ريسيرتش» تتوقع أن ينمو إلى 70 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، بل ربما يصل إلى 550 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2040.
يكتسب هذا النشاط زخمًا في الوقت الحالي، بفضل انخفاض تكلفة الطاقة المتجددة، جنبًا إلى جنب مع زيادة الضرائب المفروضة على الكربون، وغير ذلك من المحفزات المناخية، التي تقنع الشركات بتجنب انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. وقد تمكَّن الكيميائيون، في الوقت ذاته، من تحسين كفاءة التقنيات الأساسية التي يعتمد عليها ذلك النشاط.
لكن ثمة أسئلة معقدة حول ما إذا كانت عملية إعادة تدوير غاز ثاني أكسيد الكربون ستُحقق التأثير المنتظر على المناخ فعلًا. فكثيرٌ من المنتجات التي تُصنَع بهذه الطريقة لا تُفيد بأي شيءٍ سوى أنها تؤخِّر رحلة الكربون إلى الغلاف الجوي لفترة وجيزة، فالوقود يُحرَق، و تتحلل المنتجات المصنوعة من المواد الكيميائية، وينطلق غاز ثاني أكسيد الكربون المستهلَك أثناء إنتاجها مرة أخرى. وهذا هو ما سيحدث في بلدة تونجيجين: فكثيرٌ من الميثانول المُنتَج سيكون مصيره الحرق في الوقود الذي يستخدمه الأسطول الصيني، بصورة متزايدة، داخل مركباته.
وفي الوقت نفسه، تُشير بعض التقديرات إلى أن السوق العالمية لن تحتجز سوى نسبة مئوية ضئيلة من منتجات غاز ثاني أكسيد الكربون المعاد تدويرها، التي تُطلق إلى الغلاف الجوّي نتيجة أعمال حرق الوقود الأحفوري، التي بلغ معدلها الإجمالي 36 مليار طن في العام المنصرم. فعلى سبيل المثال، سيعمل المصنع التابع لشركة «كاربون ريسايكلينج إنترناشونال» على تحويل كمية تعادل دقيقتين فحسب من إجمالي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون سنويًا في العالم كله. ويقول نايل ماك دويل، اختصاصي هندسة نُظُم الطاقة في جامعة إمبريال كوليدج لندن: "يمكننا تجنّب كثير من ذلك، وإنفاق قدر أقل بكثير من المال، مقارنة بما سنجنيه من تحويل غاز أكسيد الكربون إلى صور أخرى".
ويُضيف دويل قائلًا: "إن الافتراض القائل بأننا نستطيع التصدي لمشكلة التغير المناخي بطريقةٍ جذابة اقتصاديًا وسهلة، افتراضٌ ساذجٌ في أفضل الأحوال، وينطوي على نية خداعٍ كبير في أسوئها". وتزداد هذه المناقشة سخونةً مع التوسع في إعادة تدوير غاز ثاني أكسيد الكربون.
منتجٌ ممتاز
إن استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون بوصفه مكوّنًا كيميائيًا ليست بالفكرة الجديدة. فقرابة 200 مليون طن من هذا الغاز تُستخدم سنويًا في حفنة من العمليات، إذ تتفاعل غالبية هذه الكمية مع الأمونيا لإنتاج مركب اليوريا المُستخدم في صناعة الأسمدة. لكن إنتاج الأمونيا يُطلق انبعاثاتٌ إضافية من غاز ثاني أكسيد الكربون، وينطلق كربون اليوريا سريعًا بعد رشه في الحقول، ومن ثم فلا تتحقق فوائد مناخية من هذه الممارسة. كذلك الحال في صناعة النفط، إذ يُحقَن غاز ثاني أكسيد الكربون تحت الأرض للإسهام في استعادة النفط فوق السطح، بيْد أن استخدام ذلك النفط يمكن أن يُولِّد الغاز بكمياتٍ أكبر من تلك التي يجري تخزينها.
أما التغيير الحقيقي في المشهد الآن، فيتمثل في العدد الكبير من الشركات التي تُطوِّر طرقًا جديدةً لإعادة تدوير غاز ثاني أكسيد الكربون، بهدف استغلالها من الناحية السوقية، والترويج لفوائدها المناخية. وتتباين تلك الطرق بين تسخير العمليات البيولوجية وبين استخدام الخلايا الكهروكيميائية أو العوامل الحفَّازة.
كثير من الشركات الكبرى في هذا المجال تستخدم العواملَ الحفَّازة، فهي تساعد على اتحاد غاز ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين لإنتاج الوقود، والمواد الكيميائية السلعية. أما الجزء الأكبر من تكلفة هذه العمليات فيتمحور حول الطاقة اللازمة لإنتاج الهيدروجين، واحتجاز تدفقات غاز ثاني أكسيد الكربون، وكسر روابط الكربون والأكسجين القوية في هذا الجزيء، لتكوين جزيئاتٍ جديدة. وهذا هو السبب تحديدًا وراء إنشاء عددٍ كبيرٍ للغاية من المصانع الأولى في هذا المجال داخل مواقع تتميّز بوجود تدفقاتٌ وفيرة من نفايات غاز ثاني أكسيد الكربون عالية النقاء، وكذلك الهيدروجين الاحتياطي المتاح على نطاق واسع، إضافةً إلى الحرارة المناسبة، التي توفر الطاقة اللازمة لإنتاج الميثانول في بلدة تونجيجين، أو الكهرباء المتجددة منخفضة التكلفة.
فعلى سبيل المثال، افتتحتْ شركة «كاربون ريسايكلينج إنترناشونال» أول مصنع لها يختص بتحويل غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الميثانول عام 2012، في موقعٍ متاخمٍ لإحدى محطات إنتاج الطاقة الحرارية الأرضية في أيسلندا. ففي ذلك الموقع، تستفيد آبار التنقيب من الماء الساخن والبخار اللذين يصاحبهما غاز ثاني أكسيد الكربون غير المرغوب فيه. ويعتمد المصنع التابع لشركة «كاربون ريسايكلينج إنترناشونال» على شبكة الكهرباء منخفضة الكربون نسبيًا في أيسلندا لإنتاج الهيدروجين «الأخضر» من الماء عن طريق التحليل الكهربائي. وبعد ذلك، تُمزَج تلك الغازات، وتُسخَّن، وتُضغَط، ثم تُمرَّر فوق عاملٍ حفَّاز، يُسهِّل عملية تكسير روابط غاز ثاني أكسيد الكربون. وتجدُر الإشارة إلى أن مصنع أيسلندا يُعيد تدوير 5500 طن من غاز ثاني أكسيد الكربون كل عام.
وحسبما يقول إمريك سارون، مدير التكنولوجيا في شركة «كاربون ريسايكلينج إنترناشونال»: "لا شك أن كلفة هذه العملية تزيد عن تكلفة إنتاج الميثانول في صورته التقليدية". امتنع سارون عن التصريح بجحم الفارق في التكلفة، لكنه استدرك قائلًا: "الشركات التي تحتاج للحصول على أنواعٍ متجددة من الوقود تكون على استعداد لدفع سعر أعلى مقابل ذلك". تملك شركة «كاربون ريسايكلينج إنترناشونال» عملاء بالفعل، فإضافة إلى المنشأة الموجودة في بلدة تونجيجين، تعمل الشركة على إنشاء محطات أخرى بالحجم النموذجي الكامل في مقاطعة جيانجسو الصينية، وفي شمال النرويج. وكذلك فإن ثمة مشروعاتٌ أخرى تُنفِّذها اتحاداتٌ تضم شركاتٍ في بلجيكا والسويد والدنمارك. وستعمل جميع هذه المشروعات على إعادة تدوير غاز ثاني أكسيد الكربون، وتحويله إلى الميثانول، بغرض استخدامه في صورة مادةً كيميائية أولية ووقودًا للسفن، ويُخطِّط القائمون على تلك المشروعات لبدء العمليات في الفترة ما بين عامي 2023 و2025.
الوقود الكهروكيميائي
من ناحيتها، ترى بعض الشركات الناشئة أنه عوضًا عن بناء هذه المشروعات المركزية الضخمة، سيكون من الأرخص تكلفةً والأكثر كفاءةً تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون داخل خلايا كهروكيميائية معيارية أصغر حجمًا. فعلى سبيل المثال، تسعى شركة «تويلف» Twelve الناشئة، التي يقع مقرها في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، بنهاية العام الجاري، إلى الحصول على نظام لمحلل كهربائي بحجم حاوية الشحن، يَستخدم الكهرباء لمعالجة أكثر من طنٍ من غاز ثاني أكسيد الكربون، يوميًا، بغرض تحويله إلى غازٍ تخليقي. ويُستخدم هذا المزيج المكوَّن من غاز أول أكسيد الكربون والهيدروجين على نطاقٍ واسع في صناعة مواد كيميائية أخرى، من بينها الوقود. كما تُخطِّط شركة «تويلف» لإتاحة عملية تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون إلى خدمة تقدمها للشركات التي ترغب في الحد من انبعاثاتها، وبمقدور الشركة أن تتقاضى رسومًا مقابل كل طن تُجري عليه عملية التحويل، وأن تبيع منتجاتها النهائية لتغطية التكاليف. ففي يوليو 2021، استطاعت الشركة جمع 57 مليون دولار في صورة تمويل لرأس المال المُخاطِر. وتقول إيتوشا كَيْف، التي شاركتْ في تأسيس الشركة، وهي كبيرة المسؤولين العلميين فيها: "نعتبر أنفسنا بالتأكيد مُساهمًا مهمًا في الجهود الرامية إلى الحد من انبعاثات غازات الدفيئة".
عادةً ما يجري تصنيع الغاز التخليقي عبر عملية كثيفة الطاقة، يُسحَق فيها الميثان والماء معًا، عند درجات حرارة مرتفعة وضغوطٍ عالية. وفي المقابل، تستعين شركة «تويلف» بنظام تحليل كهربائي تجاري معدل، يعمل على تفكيك الماء إلى هيدروجين وأكسجين. وتتيح عمليةُ إضافة عامل حفَّازٍ فلزي إلى أحد الأقطاب الكهربائية للجهاز (الكاثود) تحويلَ غاز ثاني أكسيد الكربون، بشكل آني، إلى غاز أول أكسيد الكربون، بحيث يُنتج النظام الغاز التخليقي عند درجة حرارة الغرفة. وتسعى شركة «تويلف» لاستخدام مصادر الكهرباء المتجددة في تشغيل وحدات إعادة تدوير غاز ثاني أكسيد الكربون.
وفي سياق آخر، يدفع الكيميائيون الأكاديميون في اتجاه إعادة التدوير الكهروكيميائية، عن طريق إدخال تحسينات جوهرية على عوامل الكاثود الحفَّازة. فثمة مقياسٌ أساسي يُعرف بـ«كفاءة فاراداي»، ويُقصد به نسبة الإلكترونات التي تدخل في إنتاج غاز أول أكسيد الكربون، عوضًا عن المنتجات الثانوية غير المرغوب فيها، وفي الوقت الحالي، تجاوز هذا المقياس 90% في بعض الحالات1. ويُحرِز الكيميائيون أيضًا تقدمًا على جبهة أخرى، تتمثَّل في تحسين قدرة العوامل الحفَّازة على دعم حالة كثافة مرتفعة للتيار الكهربائي. يسمح ذلك لموضعٍ معين من القطب الكهربائي بتحويل مزيد من جزيئات غاز ثاني أكسيد الكربون. ومع ذلك، فالعديد من العوامل الحفَّازة لا تستطيع العمل لمدةً تزيد على بضع مئات من الساعات قبل أن تبدأ في الانحلال، حسبما يقول يان فايس، مدير برنامج الكيمياء المستدامة في المعهد الفلمنكي للأبحاث التكنولوجية (VITO)، الذي يقع بالقرب من أنتويرب في بلجيكا.
لا تقتصر أهداف اختصاصيي الكيمياء الكهربائية على الغاز التخليقي وحده. فشركة «أفانتيوم» Avantium، وهي شركةٌ متخصصة في إنتاج المواد الكيميائية من المصادر المتجددة في أمستردام، تَستخدم عوامل حفَّازة مُحسَّنة2 لإنتاج حمض الفورميك، الذي يمكن تحويله إلى مواد كيميائية أعلى قيمة. وتعكف الشركة المذكورة حاليًا على اختبار مفاعل كهروكيميائي في إحدى محطات توليد الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري في ألمانيا.
ويطمح بعض الكيميائيين إلى صنع جزيئات من الكربون، تتصف بدرجة أكبر من التعقيد، ما يُتيح إمكانية طلب أسعار أعلى. وصحيحٌ أن تصنيع الجزيئات الأكبر حجمًا بهذه الطريقة يمكن أن يُشكِّل مزيدًا من الصعوبة، ففي ظل وجود مزيد من الروابط الكيميائية، تزداد احتمالات تحويل الإلكترونات إلى منتجاتٍ ثانوية، ما يؤدي بدوره إلى تقليل الكفاءة، لكن لا يمكننا إنكار التقدم المُحرَز في الوقت الحالي. ففي هذا العام مثلًا، وجدنا أن إدوارد سارجنت، اختصاصي الهندسة الكيميائية وعِلم المواد بجامعة تورنتو في كندا، بالتعاون مع فريقه، قد كشف النقابَ عن نظام كهروكيميائي يعمل على تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون والماء إلى أكسيد الإيثيلين، الذي يشيع استخدامه في صناعة البوليمرات. وقد حقَّق العامل الحفَّاز الذي استخدمه الفريق رقمًا قياسيًا على مقياس «كفاءة فارادي» بنسبة 35% لعملية التحويل3.
جدلٌ حول دورة الحياة
ليس واضحًا ما إذا كانت المنتجات المعاد تدويرها من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الصناعية، تحمي المناخ في واقع الأمر. إذ ستستمر انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي التقطته تلك المنتجات، إلى الغلاف الجوّي، إذا تعرضت الجزيئات للحرق أو الانحلال. ويمكن بالفعل لعملية سحب غاز ثاني أكسيد الكربون مباشرةً من الغلاف الجوي أن تُثمر عن فوائد مناخية أكثر وضوحًا، لكن التقاط الغاز من الهواء باهظُ التكلفة، مثلما هو الحال مع المنتجات المصنوعة بهذه الطريقة.
يرى أنصار هذه العملية أن إعادة تدوير غاز ثاني أكسيد الكربون الصناعي وتحويلَه إلى مواد كيميائية؛ يمكن أن يُسهِم في خفض الانبعاثات بطريقةٍ أخرى، تتمثَّل في تجنب جزء من الإنتاج المعتمِد على الوقود الأحفوري. وفي هذا الصدد، صرّح متحدثٌ باسم شركة «تويلف» لدورية Nature قائلًا: "تساعد العملية التي نُنفِّذها في الحفاظ على الوقود الأحفوري في الأرض، من خلال الاستفادة من التدفقات الحالية لغاز ثاني أكسيد الكربون".
تتلخص الطريقةُ الدقيقة لدراسة هذه المسألة في تحليل دورة الحياة، عبر إجراء حساب تفصيلي للكربون الداخل في تصنيع واستخدام منتجٍ بعينه، بدءًا من المصادر الأصلية لغاز ثاني أكسيد الكربون، في هذا المنتج، ووصولًا إلى مصيره النهائي. وتقول الكثير من الشركات التي تعتمد على إعادة تدوير غاز ثاني أكسيد الكربون إنها أجرتْ تدقيقات كهذه، لكنها تمتنع عن نشرها؛ نظرًا لاحتوائها على معلوماتٍ مشمولة بحقوق ملكيةٍ حصرية.
ومن بين الشركات التي أفرجتْ عن تحليلات دورة الحياة، تظهر شركة «لانزا تك» LanzaTech، ومقرها قرية سكوكي بولاية إلينوي الأمريكية. تستخدم الشركة مفاعلاتٍ حيوية مملوءة ببكتيريا Clostridium autoethanogenum لتخمير نفايات الانبعاثات الصناعية التي تشتمل على غازات ثاني أكسيد الكربون، وأول أكسيد الكربون، والهيدروجين، وتحويلها إلى الإيثانول. ومن جانبها، تُوضح جينيفر هولمْجرين، المديرة التنفيذية للشركة، أن هذا النوع من التحويل الحيوي بإمكانه التعامل مع تدفقات النفايات الفوضوية الغازية، مثل تلك الناتجة عن أجهزة تحويل النفايات البلدية إلى صورة غازية، وذلك على نحوٍ أفضل عند مقارنته بالعمليات الكيميائية. وقد بدأ مفاعل الشركة، الكائن في أحد مصانع الصلب بمجموعة «شاوجانج» Shougang في إنتاج الإيثانول منذ عام 2018 على مقربة من مدينة تيانجين الصينية. وبدأ مصنع ثانٍ العملَ في مصنع صيني للسبائك العامَ الماضي، ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل المصانع التجارية في كلٍ من بلجيكا والهند بنهاية العام الجاري.
في الثامن من مارس الماضي، أعلنتْ شركة «لانزا تك» عن اعتزامها إدراج أسهمها في البورصة، وهي خطوة تنطوي على تثمينٍ لقيمة الشركة بمبلغ 1.8 مليار دولار أمريكي. وقد أشارت الشركة هذا العام إلى أنه من خلال إجراء تعديلاتٍ جينية، تستطيع البكتيريا التي تستخدمها أن تصنع جزيئاتٍ أكبر مثل الأسيتون والأيزوبروبانول4. ويُطلِق الإنتاج التقليدي للأسيتون والأيزوبروبانول انبعاثاتٍ وفيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون. وفي المقابل، يُشير تحليلُ دورة الحياة الذي قدمته شركة «لانزا تك» إلى أن النهجَ الذي تتَّبعه الشركة سلبي الكربون؛ بمعنى أن كمية غاز ثاني أكسيد الكربون المُستهلَكة بهذه الطريقة تفوق بكثيرٍ الانبعاثات الناجمة عنه4. غير أن هذا التحليل لم يتضمن الإشارة إلى ما سيحدث لغاز ثاني أكسيد الكربون عند استخدام تلك المنتجات.
من جانبها، ترى هولمْجرين أن المنتجات المعتمِدة على غاز ثاني أكسيد الكربون ستقلل من الانبعاثات في كافة الأحوال، من خلال إزاحة ما يُناظرها من منتجاتٍ مصنوعة بالطرق التقليدية؛ إلا أنها تُقرّ في الوقت ذاته بأنه يصعب التأكد من صحة ذلك الافتراض، فببساطةٍ، قد تزيد المنتجاتُ المعتمدة على غاز ثاني أكسيد الكربون من معدل الاستهلاك العالمي المتنامي للوقود والمواد الكيميائية الأخرى، بدلًا من أن تحل محل المنتجات الحالية. ويضيف سارون أنه يصعُب كذلك إيجاد دليلٍ مباشر على فكرة الإحلال تلك في سوقٍ ناشئةٍ كهذه.
أما أندريا راميرِز راميرِز، التي تعكف على دراسة النُظُم والتقنيات منخفضة الكربون في جامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا، فتقول من ناحيتها: "تكمن المشكلة في أن الناس ينظرون إلى عملية الإحلال بطريقة أنها عملية ستحدث في سوق ما، في مكان ما من العالم. لكن ماذا عن الكيفية التي يمكن رصد تلك العملية بها؟ ذلك أمرٌ بالغ الصعوبة".
تُضيف راميرِز أن الزيادة في إتاحة المنتجات المشتقة من غاز ثاني أكسيد الكربون، والتي يُفترض أنها لا تثير شعور الذنب عند مستخدميها، قد تؤدي أيضًا إلى زيادة استهلاك هذه الموارد. على سبيل المثال، ربما يزداد إقبال الأشخاص الذين يحاولون تقليل رحلاتهم الدولية، على السفر جوًا إذا كانت شركة الطيران التي يسافرون على متنها تُفاخِر باستخدامها وقودًا غير ضار بالمناخ. وتقول راميرِز: إن هذا «التأثير الارتدادي» قد لوحظ فيما يتعلق ببعض تدابير كفاءة الطاقة، رغم عدم خضوعه للدراسة فيما يتعلق بالبضائع المعتمِدة على غاز ثاني أكسيد الكربون.
ومن وجهة نظرها، فإن وصف الانبعاثات السلبية، مثل تلك التي تدعي شركة «لانزا تك» تبنيها، "ينبغي أن يُستخدم لوصف عمليات إزالة غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. أي أننا يجب أن نتحدث عن شيء يمكن قياسه من الناحية الفيزيائية".
حبس الكربون
إذا كان الهدف هو تعظيم الفوائد المناخية، فمن المنطقي أكثر حبس غاز ثاني أكسيد الكربون المُعاد تدويره في منتجاتٍ تبقى لعقودٍ، وهنا يأتي دور البوليمرات. إذ تقول تشارلوت ويليامز، اختصاصية الكيمياء في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة: "بمقدورك أن تصنع منتجاتٍ على غرار الرغوة العازلة، والمراتب، والمفروشات الناعمة، وهي منتجاتٍ تمتاز بالعمر الطويل".
تعكف ويليامز على ابتكار عوامل حفَّازة يمكنها دمج غاز ثاني أكسيد الكربون مع البوليولات التي تُستخدم في صنع رغوة البولي يوريثان. وعادةً ما تُصنَع البوليولات من مواد كيميائية باهظة الثمن تسمى الإيبوكسيدات، لكن العوامل الحفَّازة التي تُطوِّرها ويليامز تُساعد غاز ثاني أكسيد الكربون على الحلول مكان بعض هذه المواد في سلسلة البوليمرات، ما يعمل على احتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون والحد من استهلاك الإيبوكسيدات التي تملك بصمة كربونية كبيرة.
جدير بالذكر أن ويليامز أسَّستْ شركةً فرعية مستقلة تحمل اسم «إيكونيك تكنولوجيز» Econic Technologies. ووقعت الشركة اتفاقًا في سبتمبر 2021 لبناء مصنعٍ تجريبي في الهند، ثم لتحديث مصنع قائم بالفعل لدمج نفايات غاز ثاني أكسيد الكربون في البوليولات. وتتولى شركات أخرى كذلك تطعيم البوليمرات بغاز ثاني أكسيد الكربون من خلال طرقٍ مماثلة.
ورغم هذا التقدم، تُشير التوقعات إلى أن استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون، بوصفه أحد مكونات البوليمر، قد لا يحتجز سوى كميةٍ تقريبية، تتراوح بين 10 ملايين و50 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنويًا، بحلول عام 2050 (مرجع 66). وتقول ويليامز: "أرى أنه من الخطأ أن ننظر إلى المشكلة على هذا النحو. فصحيحٌ أنه يتعين علينا خفضُ انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبٍ هائلة على جميع الأصعدة، ولكن يتعين علينا في الوقت ذاته الاستثمار في بعض التقنيات التي يمكنها استخدام الغاز استخدامًا مباشرًا".
يمكن القول إذن إن الفرصة الأكبر لدمج غاز ثاني أكسيد الكربون في المنتجات تكمن في المواد الخرسانية وغيرها من مواد البناء، بحسب قول رونيل داليا، كبير المحللين في شركة «لوكس ريسيرتش»، والذي يقيم في أمستردام. لقد أثبتت التكنولوجيا كفاءتها وقابليتها للتطوير، إضافةً إلى أنها قادرةٌ على تلبية طلبٍ عالمي هائلٍ على المواد الخرسانية، ما يمنحها إمكانية الهيمنة على سوق تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون. ويقول داليا: "الخرسانة هي فعلًا المادةُ الوحيدة التي يُحتجَز فيها غاز ثاني أكسيد الكربون بصورة دائمة داخل المُنتَج".
ومن بين الشركات الرائدة في هذا القطاع، شركة «كربون كيور» CarbonCure الكندية التي تتخذ من هاليفاكس مقرًا لها. تأسست الشركة عام 2012، وهي تَضخُّ نفايات غاز ثاني أكسيد الكربون في الخرسانة الطازجة لتكوين جسيماتٍ نانوية من كربونات الكالسيوم، ما يُحسن المقاومة الانضغاطية للخرسانة، ومن ثَم، تقل الحاجة إلى الأسمنت7. وبما أن صناعةَ الأسمنت مسؤولةٌ عن معظم انبعاثات الكربون الخاصة بالخرسانة، فإن الشركة تقول إن ذلك من شأنه أن يقلل البصمة الكربونية لكل طن من الخرسانة بنحو 5% (ما يعادل 6 كيلوجرامات من غاز ثاني أكسيد الكربون).
وقد تمكَّنت الشركة من تركيب ما يزيد على 550 وحدةً من وحدات حقن غاز ثاني أكسيد الكربون في مصانع الخرسانة حول العالم، والتي يقع معظمها في أمريكا الشمالية، ونتج عن ذلك حتى الآن تفادي كميةٍ بلغتْ 150 ألف طن من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وتحويلها إلى معادن. إلا أنه في ظل وجود ما يربو على 100 ألف مصنع على مستوى العالم تُنتج قرابةَ 33 مليار طن من الخرسانة سنويًا، "فإننا في الحقيقة لا نزال في بداية المشوار"، حسبما تقول جينيفر واجنر، رئيسة شركة «كربون كيور».
وتضيف راميرِز: إن تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون إلى معادن يُحقق مكاسب مناخية أكثر وضوحًا بكثيرٍ من تحويله إلى وقود، مؤكدة: "في تحليل دورة الحياة، يمكننا رؤية مكاسب أكثر بصورة واضحة، بل وأكثر فعّالية، من وجهة نظري".
حوافز للتخلص من الكربون
أما فيما يتعلق بصنع الوقود والمواد الكيميائية الأخرى، فمعظم المنتجات المشتقة من غاز ثاني أكسيد الكربون في الوقت الحالي تكون هي الأغلى ثمنًا، مقارنةً بالسلع التقليدية المنافسة لها، حسبما يقول جوش شايدل، الذي أشرف على تحليلٍ أجراه المختبر الوطني الأمريكي للطاقة المتجددة في مدينة جولدن بولاية كولورادو على 11 منتجًا صُنع عن طريق تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون8. ولكن يظل الأمل معقودًا على أن يصبح لتلك المنتجات جدوى تجارية كبيرة، إذا ما استطاع القائمون عليها الاستفادةَ من الكهرباء المتجددة منخفضة التكلفة، إضافة إلى الخصومات والدعم الضريبي، والتدابير الضريبية التي تهدف لسحب المواد الأحفورية تدريجيًا من الاقتصاد العالمي.
فإذا نظرنا إلى الاتحاد الأوروبي مثلًا، سنجد أن مجموعة كبيرة من حوافز السياسات المنضوية تحت مظلة الاتفاقية الخضراء الأوروبية تهدف إلى تحقيق الحياد المناخي لهذه الكتلة من البلدان بحلول عام 2050. ويحدد تشريع وشيك الحصصَ المخصصة لاستخدام أنواع الوقود المشتقة من غاز ثاني أكسيد الكربون في مجال الملاحة الجوية. ومن المقرر أن تُطبَّق خصوماتٌ ضريبية على أنواع الوقود المعتمِدة على غاز ثاني أكسيد الكربون، كما أن هناك آمالًا واعدة بتوفير قدرٍ كبير من التمويل الابتكاري لتمكين التقنيات من دخول الأسواق.
وتقول بعض الشركات في الولايات المتحدة إن ائتمانًا ضريبيًّا، يُسمَّى «Q45»، يلعب دورًا هامًا في التشجيع على تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون. فبموجب هذا الائتمان، تتقاضى الصناعات 50 دولارًا أمريكيًا على كل طن من غاز ثاني أكسيد الكربون تتمكن من تخزينه بشكلٍ دائم تحت الأرض، أو 35 دولارًا أمريكيًا في حالة الاستفادة من غاز ثاني أكسيد الكربون. أما في الصين، فقد ظل النشاط التجاري محدودًا نسبيًا فيما يتعلق بتطوير التقنيات الخاصة بتحويل غاز ثاني أكسيد الكربون9، إلا أنه في عام 2021، تعهد القائمون على مجال الصناعات الكيمياوية العملاق في الصين بالاستثمار في إنتاج الكيماويات المعتمِدة على غاز ثاني أكسيد الكربون، وهي خطوةٌ من المتوقع أن تحظى بدعمٍ مالي عبر سوق مقايضة الكربون في البلاد، الذي أُطلق العام الماضي، لكن نجاح مشروعات تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون يمكن أن يستند إلى تحليلات دورة الحياة وغيرها من القياسات الأخرى لتدفقات الكربون. فمثلًا، تسعى المفوضية الأوروبية في الوقت الراهن إلى ابتكار آلية لاعتماد عمليات التخلص من الكربون، بهدف توفير إطار أكثر صرامة للتحقق مما إذا كانت العمليةُ سلبيةَ الكربون بحقٍ.
لكن تحليلات دورة الحياة تُقدم إلى الآن تقييمًا متشائمًا، نوعًا ما، لمعظم استراتيجيات تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون. ففي تقريرٍ نُشر في العاشر من فبراير، أجرتْ كيانهِ دي كلاين، اختصاصية العلوم البيئية بجامعة رادبود في مدينة نايميخن بهولندا، بالتعاون مع زملائها، مسحًا للعشرات من تحليلات دورة الحياة المنشورة، بهدف عقد مقارنةٍ بين طرق تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون والأساليب التقليدية المُتَّبعة في صنع المنتجات ذاتها. وبعد ذلك، عقد الباحثون مقارنةً بين الكميات الوفيرة الناتجة من غاز ثاني أكسيد الكربون، والمتحققة من عمليات إعادة التدوير وأهداف اتفاق باريس بشأن المناخ لعام 2015، التي تتمثل في خفض الانبعاثات العالمية من غاز ثاني أكسيد الكربون إلى النصف بحلول عام 2030، وتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. وتقول دي كلاين: "وجدنا أن عددًا محدودًا للغاية من هذه الطرق بإمكانه الوفاء بالمعايير اللازمة للتوافق مع أهداف اتفاق باريس". تجدر الإشارة إلى أن الطرق التي أوفتْ بالمعايير المطلوبة هي تلك التي نجحتْ في تخزين غاز ثاني أكسيد الكربون بصفةٍ دائمة، من خلال خلط الغاز بالخَبث المتخلف عن مصانع الصلب لصنع لَبنات البناء، على سبيل المثال.
غالبًا ما يُنوِّه الأكاديميون المعنيون بالمناخ، والذين يُجرون تحليلات دورة الحياة، إلى أن التخزينَ الجيولوجي لغاز ثاني أكسيد الكربون أفضلُ من تحويل الغاز؛ نظرًا لأنه يؤدي إلى خفض الانبعاثات بصورة أكبر. وقد يكونون محقين في اعتقادهم هذا، لكنهم بذلك يتجاهلون واقعًا اقتصاديًا قاسيًا، حسبما يُشير سارون، الذي يؤكد قائلًا: "إن إعادة الكربون إلى الأرض مسألةٌ باهظة التكلفة، ولا تحدث على نطاق واسع في وقتنا الحالي. أما البديل لما نفعله اليوم فليس تخزين هذا الغاز، وإنما إطلاقه في أرجاء الغلاف الجوي".
وإذا استطاع الاقتصاد العالمي أن يضع حدًا لاعتماده على الفحم والنفط والغاز في نهاية المطاف، فربما تحتاج الصناعات المستقبلية إلى عمليات تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون المشار إليها لأغراضٍ تتعلق بإنتاج البوليمرات والمواد الكيميائية الأخرى التي نعتمد عليها.
وتقول دي كلاين إنه في كثير من الأحيان، ينتهي الحال بالأكاديميين الذين يُجرون تحليلات دورة الحياة، والشركاتِ التي تعكف على ابتكار نُظُم تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون؛ إلى تقديم آراء متباينة بشأن هذه القضايا.
لكنَّ ثمة جانبًا واحدًا يحظى باتفاقٍ واسع النطاق، وهو أن تقنيات إعادة تدوير غاز ثاني أكسيد الكربون ينبغي أن تسحب، في نهاية الأمر، أكبر قدر ممكن من المواد الأولية الناتجة عنها والمطلقة إلى الغلاف الجوي، لا من نفايات الغازات الصناعية. وفي الوقت الحالي، يخطو مشروع أُطلق عليه «نورسك إي-فيول» Norsk e-Fuel في أوسلو خطوةً في هذا الاتجاه، من خلال مصنعٍ تجريبي في مدينة هيرويا بالنرويج. يهدف هذا المصنع إلى بدء تحويل الغاز التخليقي المشتق من غاز ثاني أكسيد الكربون إلى وقودٍ للطائرات. وستأتي بعض كميات غاز ثاني أكسيد الكربون مباشرةً من الهواء، إذ تُلتقَط بواسطة تقنية احتجاز الكربون التي ابتكرتْها شركة «كلايم ووركس» Climeworks، وهي شركة مستقلة تابعة للمعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا، خرجت إلى النور في زيورخ عام 2009.
والآن بدأ تفعيل هذه التكنولوجيا في أول مصنعٍ مترامي الأطراف يتبع شركة «كلايم ووركس» بهدف التقاط الغاز من الهواء مباشرةً، إذ افتُتح هذا المصنع في سبتمبر 2021 في مدينة هيليشايدي بأيسلندا. سيحتجز المصنع 4000 طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنويًا لضخها تحت الأرض. جديرٌ بالذكر أن عزل طن واحد من غاز ثاني أكسيد الكربون بهذه الطريقة يتكلف مبلغًا يتراوح بين 600 و800 دولار أمريكي، وهي تكلفة ليست بالزهيدة، لكن الشركة تقول إن بإمكانها خفض ذلك المبلغ إلى العُشر بالتزامن مع اتساع نطاق عملها.
وحتى إذا قلنا إن الفوائدَ المناخية، التي سنجنيها من تحويل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الأحفورية الحالية إلى سلعٍ ومنتجات ستكون محدودةً، فإن بعض الشركات تحتج قائلةً: إن من الأهمية بمكانٍ تطوير التكنولوجيا بحيث تكون جاهزة لسحب غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء مباشرةً بمجرد أن نصل بتقنية التقاط الغاز من الهواء مباشرةً إلى مرحلة النضج. وتقول راميرِز: "أعتقد فعلًا أن هذه الحجة صائبة، لكننا بحاجة إلى أن نضع في اعتبارنا أن هذه العملية هي جزء من عملية انتقالية، كما يتوجب علينا معرفة أننا في نهاية المطاف، سنتخلص من الكربون الأحفوري ونستعيض عنه بمصادر مستدامة".
اضف تعليق